نهلة عبد المنعم 

تشهد باكستان زيادة مُطردة في وتيرة العمليات الإرهابية خلال الآونة الأخيرة؛ ففي 21 نوفمبر 2024 قُتل ما لا يقل عن 38 شخصاً خلال هجوم مسلح وقع في منطقة كورام بإقليم خيبر بختونخوا بشمال غرب البلاد؛ إذ استهدف مسلحون قافلة لحافلات ركاب كانت تقل مدنيين شيعة أثناء سفرهم من مدينة باراتشينار إلى بيشاور. وفي 20 نوفمبر 2024 أعلن الجيش مقتل 12 جندياً في انفجار لسيارة مُفخخة بالقرب من نقطة عسكرية في منطقة بانو المتاخمة لأفغانستان؛ وذلك وسط هجمات متفرقة من جانب جماعة طالبان باكستان المعروفة بـ"تحريك طالبان" وكذلك الجماعات الانفصالية في بلوشستان.مؤشرات التصاعدترصد الإحصائيات تصاعداً في نسب الهجمات التي ضربت البلاد خلال العام الحالي؛ فبحسب "بوابة الإرهاب في جنوب آسيا "SATP" مُنيت باكستان بنحو 1154 عملية إرهابية منذ مطلع 2024 حتى 19 نوفمبر 2024؛ وذلك مقابل 920 عملية إرهابية في عام 2023. ويُعَد إقليم خيبر بختونخوا على الحدود مع أفغانستان وكذلك إقليم بلوشستان بجنوب غرب البلاد من أبرز المواقع الجغرافية اضطراباً على خريطة العمليات الإرهابية في باكستان.وإزاء هذا الوضع المُضطرب، شدد الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري في 20 نوفمبر 2024 على ضرورة دحر الإرهاب من البلاد لتحقيق الاستقرار، فيما وصف رئيس الوزراء شهباز شريف، الإرهاب بأنه التحدي الأكبر لباكستان، مُتعهداً بسحق الجماعات المتطرفة من أجل تحقيق السلام والتقدم الاقتصادي؛ وذلك خلال إعلانه في 19 نوفمبر 2024 عن إطلاق حملة عسكرية جديدة لمكافحة الإرهاب تضمنت ملاحقة الجماعات الانفصالية في بلوشستان.سياقات مُحفزةثمة عوامل متنوعة تُحفز المنحى التصاعدي للإرهاب في باكستان، وهو ما يُمكن توضيحه على النحو التالي: 1– التحول السياسي في التعاطي مع حركة طالبان باكستان: أسهمت التغيرات السياسية التي طرأت على الحكومات الباكستانية منذ الإطاحة بعمران خان من رئاسة الوزراء، عقب تصويت البرلمان بسحب الثقة منه في أبريل 2022؛ في تغيير منهجية السلطة في التعامل مع حركة طالبان باكستان؛ فخلال تولي خان للسلطة وقَّعت الحركة في نوفمبر 2021&nbsp;اتفاقاً للهدنة مع الحكومة برعاية طالبان أفغانستان، لكنها أعلنت في 28 نوفمبر 2022 إلغاء الاتفاق والعودة إلى التصعيد العسكري نتيجة الضربات التي شنها الجيش ضد عناصرها، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بعدم الالتزام باتفاق الهدنة.ويُبرز ذلك تبني السلطة الباكستانية الحالية عقيدة صارمة ضد انتشار الجماعات المتطرفة، وتشمل تلك العقيدة توسيع العمليات العسكرية للجيش ضد الإرهابيين والانفصاليين؛ لتقويض قدراتهم بدلاً من السماح للاتفاقيات السياسية بفرض فترات هدوء مؤقتة قد تُعزز نفوذ الجماعات المسلحة.ومن ثم، تعمل طالبان باكستان منذ إلغاء الهدنة على تصعيد العمليات الإرهابية، وخاصةً في المناطق التي تشهد انتشاراً لعناصرها في خيبر بختونخوا على الحدود مع أفغانستان والمناطق القبلية في غرب البلاد للضغط على السلطة، وهو ما ينعكس على حصيلة العنف.2– الاتهامات المتداولة حول رعاية كابول لطالبان باكستان: تتهم حكومة إسلام أباد طالبان أفغانستان بتقديم الدعم لحركة طالبان باكستان بما يُهدد أراضيها؛ فقد حذر قائد الجيش الباكستاني عاصم منير، في أكثر من مناسبة، حكومة كابول من تقديم الدعم لطالبان باكستان لتعزيز قدراتها على مُهاجمة الدولة. ويشار إلى أن تقرير الأمم المتحدة الصادر في فبراير 2024 قد ذكر أن طالبان باكستان "TTP" تتلقى تمويلاً مباشراً من طالبان أفغانستان، كما أن الأخيرة سمحت بتزويد طالبان باكستان ببعض الأسلحة المتطورة التي خلفتها الولايات المتحدة عقب انسحابها من أفغانستان؛ ما عزز وتيرة العنف في الأراضي الباكستانية، وبدورها ترفض الحكومة الأفغانية هذه الاتهامات.3– ضعف الترتيبات العسكرية على الحدود مع أفغانستان: تنعكس العلاقات السياسية المُتردية بين كابول وحكومة باكستان على مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي بين البلدين لتأمين الحدود، غير أن الوضع الأمني غير المستقر في أفغانستان يؤثر سلباً على المنطقة؛ إذ يدفع تطور القدرات المالية واللوجستية لتنظيم داعش خراسان نحو تعزيز الاضطرابات واتساع دائرة القتال، فيما سمحت السيولة السياسية والأمنية في أفغانستان بتصاعد نفوذ تنظيم القاعدة؛ إذ أشار مجلس الأمن في فبراير 2024 إلى أن التنظيم قد أسس مؤخراً 8 معسكرات لتدريب العناصر المتطرفة، وبات يلعب دوراً هاماً في تعزيز قدرات طالبان باكستان على تنفيذ هجمات أشد ضراوةً؛ وذلك عبر تقديم الدعم العقائدي لعناصر الحركة، مع تدريبهم على طرق تنفيذ الهجمات الانتحارية.4– التصعيد العنيف للحركات الانفصالية في بلوشستان: تسعى الحركات القومية المسلحة في بلوشستان بجنوب غرب البلاد إلى تأسيس دولة بلوشية مستقلة عن الحكومة المركزية في إسلام أباد؛ لتعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للبلوش الذين يُعانون من التهميش، بحسب مزاعمهم. وقد شهدت الفترة الأخيرة تزايد الهجمات العنيفة من جانب جيش تحرير بلوشستان "Balochistan Liberation Army (BLA)"، وجبهة تحرير بلوشستان Balochistan Liberation United Front (BLUF)، وغيرهما من الجماعات الانفصالية المسلحة.وتركز هذه الجماعات على استهداف البنى التحتية والمصالح الاقتصادية للدولة، وخاصةً المشروعات المشتركة مع الصين؛ لاعتقادهم أن هذه الشراكة تنتقص من حقوقهم في الولاية على المنطقة وثرواتها. وقد أعلن جيش تحرير بلوشستان مسؤوليته عن الهجوم الذي أدى إلى مقتل مواطنين صينيين في مدينة كراتشي الساحلية جنوب باكستان في 7 أكتوبر 2024، فيما أعلنت وزارة الداخلية في 26 أغسطس 2024 مقتل ما لا يقل عن 70 شخصاً في هجمات متفرقة نفذتها الجماعات الانفصالية ضد مراكز الشرطة وخطوط السكك الحديدية والحافلات بإقليم بلوشستان.5– تأثيرات التناحر الطائفي غير المُعالج: شهدت منطقة كورام في إقليم خيبر بختونخوا تصاعد النزاعات بين القبائل السُنية والشيعية خلال الشهور الأخيرة؛ نتيجة الصراع على حيازة الأراضي فيما بينهم. وقد أدت هذه النزاعات إلى حوادث عنف مسلح خلفت عشرات القتلى. ويشار إلى أن الهجوم الذي حدث مؤخراً ضد حافلات الركاب التابعة للمواطنين الشيعة جاء عقب أسبوع من إعادة فتح الطريق الرئيسي للمنطقة الذي أُغلق بسبب الصراع المسلح؛ ما يُسلط الضوء على التراخي الأمني في معالجة الأزمة، فضلاً عن القصور السياسي.6– تعدد الجماعات الإرهابية في كشمير: أسهم النزاع القائم بين باكستان والهند على السيادة على منطقة كشمير الحدودية، في تردي الأوضاع الأمنية مع رواج خطاب طائفي حول ضرورة الاصطفاف المسلح لقتال الحكومة الهندية دفاعاً عن أراضي المسلمين؛ ما عزز تعدد الجماعات الإرهابية في المنطقة، ومنح شبكة الإرهاب في باكستان دعماً لوجستياً. ويعد فرع القاعدة في كشمير من أبرز الجماعات التكفيرية بالمنطقة بجانب جماعة جيش محمد وجماعة الدعوة.فرص المواجهةيُمكن أن تُسهم فرص المواجهة المتاحة في تقويض العنف في باكستان على الرغم مما قد تحمله بداخلها من بعض المعوقات، وهو ما يُمكن مناقشته على النحو التالي:1– معالجة الخلافات السياسية مع دول الجوار: تعد معالجة الخلافات السياسية لباكستان مع الهند وأفغانستان تحدياً أكثر من كونه فرصةً، ومع ذلك يُمكن أن تؤثر الحاجة إلى الاستقرار الإقليمي في دعم التوافق بشكل استثنائي حول ملف الإرهاب. وبدوره سيؤدي هذا التوافق، إن حدث، إلى تخفيف حدة الخطاب المتطرف الذي يوظف الصراعات الدولية لخدمة أهداف الجماعات التكفيرية والانفصالية المسلحة.2– تعزيز الرقابة على شبكات تمويل الإرهاب: إن تشديد أطر الرقابة على الشبكات المشتبه في تمويلها للإرهاب في باكستان، مع تعزيز التعاون الإقليمي في هذا الإطار، سيُحسِّن فرص مواجهة العنف المسلح في المنطقة. ويشار إلى أن مجموعة العمل المالي "FATF" قد أزالت باكستان في أكتوبر 2022 من القائمة الرمادية للدول التي تعاني من قصور في مراقبة شبكات غسل الأموال وتمويل الإرهاب على أرضها.3– التعاون العسكري والاستخباراتي مع الحلفاء الإقليميين: يُمكن للتعاون العسكري بين باكستان وحلفائها الإقليميين، وخاصةً الصين، أن يُخفف نسبياً من القصور الأمني على الحدود مع الحكومات غير المتوافقة مع إسلام أباد، كما أن التعاون الدفاعي بين الحكومة الباكستانية والصينية سيُعزز قدرات الأولى على دحر الإرهاب. ويشار إلى أن الجيش الصيني ونظيره الباكستاني سيُجرِيان منذ أواخر نوفمبر 2024 حتى منتصف ديسمبر تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب تحت مسمى "المحارب الثامن"، كما يُمكن للصين أن تعمل على تقريب وجهات النظر بين باكستان وأفغانستان لتعزيز الاستقرار بما يخدم مشروعاتها الاقتصادية في المنطقة، لا سيما مبادرة الحزام والطريق.4– حدود تطوير برامج عقائدية لمواجهة التطرف: تحتاج الحكومة الباكستانية إلى دعم البرامج التي تستهدف معالجة الأطروحات العقائدية للتطرف مع تفكيك الخطابات المُعززة للتناحر الطائفي بالتوازي مع التدخل السياسي السريع لحل الأزمات المتعلقة بحيازة الأراضي بين القبائل لمنع تزايد الاضطرابات في إقليم خيبر بختونخوا.5– إعطاء مساحة للحلول السياسية للأزمات الانفصالية: تحتاج أزمة انفصال بلوشستان إلى تعزيز آفاق المفاوضات السياسية لتخفيف العنف بالمنطقة مع طرح مبادرات دبلوماسية لإقناع الحركات الانفصالية المسلحة بالتخلي عن سلاحها، بجانب تحسين الظروف المعيشية لمواطني المنطقة.ويشار إلى أن المدير الوطني للجنة الوطنية للعدالة والسلام التابعة للأساقفة الكاثوليك الباكستانيين برنارد إيمانويل قد صرح في 19 نوفمبر 2024 بمعارضة الطائفة المسيحية في بلوشستان الحملة العسكرية التي أعلنت عنها حكومة شهباز شريف في المنطقة ضد الانفصاليين، داعياً الحكومة إلى إعطاء فرصة للحوار السياسي؛ خوفاً من تصاعد العنف في المنطقة.مشهد مُعقدتواجه باكستان متغيرات معقدة تؤثر على المشهد الأمني للدولة، ومن أبرزها ضعف الإجراءات الأمنية على الحدود مع أفغانستان التي تعاني في الأساس من تنامي قدرات داعش والقاعدة، فيما تواجه إسلام أباد أزمة حادة إزاء تزايد عنف الجماعات الانفصالية في بلوشستان مع تنامي قدرات الشبكات الإرهابية في كشمير على الحدود مع الهند؛ ما يفرض عليها مواجهة متعددة الجبهات.

أبعاد تصاعد الهجمات الإرهابية في باكستان