عقد إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية حلقة نقاش حول "حالة كشمير: واقع ومستقبل الصراع بين الهند وباكستان"، يوم الخميس الموافق 15 مايو 2025، استضاف خلالها د. مدثر قمر الأستاذ المشارك في مركز دراسات غرب آسيا، كلية الدراسات الدولية، جامعة "جواهر لال نهرو"، نيودلهي، متحدثاً رئيسياً. وقد تناولت الحلقة المسار التاريخي للصراع حول كشمير بين الهند وباكستان، كما تطرقت إلى تباين استراتيجيات الهند وباكستان في إدارة الملف، والأبعاد الدولية للصراع، وقدَّمت رؤية حول مستقبل هذا الصراع بين البلدين.

تطورات النزاع

استهل د. مدثر قمر مداخلته بالإشارة إلى أن النزاع بين الهند وباكستان حول كشمير ليس حدثاً طارئاً، بل هو امتداد لمسار تاريخي معقد، بدأ قبل لحظة استقلال الهند عام 1947. ويمكن تلخيص تطورات هذا المسار على النحو التالي:

1– تكريس الانقسام بين الهندوس والمسلمين كمقدمة للصراع: أشار د. قمر إلى أن جذور الصراع تعود إلى الانقسامات داخل الحركة المناهضة للاستعمار، وتحديداً بين حزب المؤتمر الوطني الهندي الذي تبنى خطاباً وحدوياً علمانياً، والرابطة الإسلامية بقيادة محمد علي جناح، التي رأت أن المسلمين والهندوس يُشكِّلون "أمتين منفصلتين" لا يمكن لهما التعايش داخل كيان سياسي واحد. وقد أسَّست هذه الرؤية لفكرة انفصال باكستان على أساس ديني؛ حيث مهَّدت لانقسام سياسي واجتماعي فاقم أزمة كشمير لاحقاً.

2– فرض التقسيم البريطاني إثر فشل التوافق بين الهندوس والمسلمين: بيَّن د. قمر أن الخلاف الأيديولوجي بين حزب المؤتمر الوطني والرابطة الإسلامية شكَّل تحدياً كبيراً بعد انسحاب بريطانيا من شبه القارة الهندية؛ إذ فشلت المحاولات المتكررة في التوافق. ونتيجة لهذا الإخفاق، اعتمدت بريطانيا خيار التقسيم عام 1947 كحل وحيد، رغم قبوله على مضض من الطرفين. غير أن القرار لم يعالج القضايا البنيوية، بل خلق واقعاً سياسياً جديداً أفرز توتراً مستمراً بين الهند وباكستان، وترك ملفات جوهرية، مثل مصير "الولايات الأميرية"، عالقة، مما فتح الباب أمام غموض قانوني وسياسي أثر مباشرة على مستقبل كشمير.

3– إبقاء كشمير من دون وضع قانوني واضح ضمن أزمة الولايات الأميرية: يرى د. قمر أن مرحلة ما بعد تقسيم عام 1947، شهدت واقعاً جغرافياً وسياسياً معقداً؛ حيث ظهرت باكستان كدولة جديدة تضم منطقتين غير متصلتين جغرافياً؛ هما غرب باكستان وشرقها. وفي الوقت نفسه، كان على "الولايات الأميرية" – وهي كيانات شبه مستقلة – أن تختار بين الانضمام إلى الهند أو باكستان. ومن هذه الحالات، برزت حيدر أباد، وكلات، وجامو، وكشمير التي تميَّزت بوضع استثنائي؛ بسبب موقعها الاستراتيجي، وغالبية سكانها المسلمين، مقابل قيادة هندوسية؛ ما جعلها تمثل تحدياً خاصاً.

4– تحويل كشمير إلى نقطة اشتباك بعد توقيع "وثيقة الانضمام": أوضح د. قمر أن المهراجا هاري سينج حاكم جامو وكشمير، حاول الإبقاء على استقلال الولاية من دون الانضمام إلى الهند أو باكستان، لكن هذا الخيار تراجع بعد غزو مقاتلين قبليين مدعومين من الجيش الباكستاني. ورداً على ذلك، وقَّع "وثيقة الانضمام" إلى الهند في أكتوبر 1947 مقابل تدخل عسكري. ويرى د. قمر أن هذا القرار شكَّل نقطة تحوُّل مفصلية، استخدمته الهند كأساس قانوني لمطالبتها بكامل الإقليم. تلا ذلك الحرب الأولى (1947–1948)، التي انتهت بوقف إطلاق نار أممي في يناير 1949، نتج عنه "خط السيطرة" الذي قسَّم كشمير.

5– تصاعد النزاع حول كشمير عبر حروب متعاقبة دون حسم: نوَّه د. قمر أن الصراع بين الهند وباكستان لم يتوقف عند الحرب الأولى، بل تجدد في مراحل لاحقة؛ إذ اندلعت حرب 1965 حول كشمير، وانتهت بإعلان طشقند، ثم جاءت حرب 1971 التي أفضت إلى "اتفاقية شيملا" عام 1972، مثبتة خط السيطرة كأساس مؤقت لإدارة النزاع، وتلتها مواجهة في سياشين عام 1984، وتجدد التوتر بقوة عام 2019 بعد هجوم بولواما والغارات الجوية المتبادلة. ويرى د. قمر أن هذه المواجهات المتكررة رسَّخت حالة من الجمود المسلح؛ حيث يتواصل الانقسام من دون حل نهائي.

نهج متباين

سلَّط د. مدثر قمر الضوء على التباين الكبير بين الهند وباكستان في طريقة تعاملهما مع إقليم كشمير، وهو ما اتضح في الآتي:

1– إدماج الهند لكشمير ضمن بنيتها الدستورية وتعزيز السيطرة المركزية: أوضح د. قمر أن الهند اتبعت نهج "الإدماج السياسي والإداري" مع كشمير؛ حيث تمتعت الولاية حتى 2019 بوضع خاص بموجب المادة 370 من الدستور، لكن مع وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم، أُلغيت المادة في أغسطس 2019، وأُعيد تنظيم الإقليم ليصبح تحت إدارة الحكومة المركزية. ويرى د. قمر أن هذه الخطوة هدفت إلى تعزيز السيطرة الهندية، لكنها زادت من التوتر والاحتقان المحلي.

2– إصرار باكستان على خيار الاستفتاء وتعزيز خطاب الانفصال: أكد د. قمر أن باكستان تبنت منذ البداية مبدأ "تقرير المصير"، مطالبةً بإجراء استفتاء أممي يتيح لسكان كشمير اختيار الانضمام إلى الهند أو باكستان، ولا تزال تعتبره الأساس الوحيد للتسوية. ومع الوقت، تطور الخطاب الباكستاني ليشمل أيضاً دعم استقلال كشمير؛ ما ساهم في بروز تيارات انفصالية داخل الإقليم. وأوضح د. قمر أن هذا الموقف ظل ثابتاً في السياسة الخارجية الباكستانية، التي تصر على أن كشمير "منطقة متنازَع عليها"، في مقابل رفض هندي قاطع، باعتبار أن الانضمام تم قانونياً ونهائياً عام 1947.

3– استثمار الهند في المؤسسات مقابل توظيف باكستان الهويات الدينية: لفت د. قمر إلى أن الخلاف بين الهند وباكستان يتجلى بوضوح في العلاقة بين الدين والدولة؛ فالهند تبنت نموذجاً علمانياً نسبياً منذ الاستقلال، بينما اتجهت باكستان تدريجياً نحو تسييس الدين، خاصةً منذ عهد ضياء الحق. وفي هذا السياق، أصبحت كشمير رمزاً دينياً في الخطاب الباكستاني، تُستخدَم لتعبئة المشاعر الإسلامية، وهو ما اعتبره د. قمر توظيفاً خطابياً أكثر من كونه توصيفاً دقيقاً للصراع.

4– دعم باكستان الجماعات المسلحة وتصعيد الطابع العنيف للنزاع: شدد د. قمر على أن باكستان دعمت لسنوات جماعات مسلحة، مثل "عسكر طيبة" و"جيش محمد"، المتهمتين بتنفيذ هجمات كبرى داخل الهند، أبرزها هجوم البرلمان عام 2001، وهجمات مومباي 2008. ويرى أن هذا النهج حوَّل قضية كشمير من نزاع سياسي إلى تهديد أمني دولي؛ ما أضعف فرص التسوية، وأحرج باكستان أمام المجتمع الدولي الذي بات يصنف تلك الجماعات كتنظيمات إرهابية عابرة للحدود.

5– تحويل كشمير إلى أداة للتعبئة السياسية الداخلية في البلدين: طبقاً لـ"د. قمر"، لم تَعُد قضية كشمير تُطرح كخلاف إقليمي فحسب، بل تحولت إلى ورقة سياسية داخلية تُوظَّف في الخطاب القومي في كلٍّ من الهند وباكستان؛ ففي الهند، تُقدَّم السيطرة على كشمير كجزء من استعادة الهوية الوطنية، خاصةً مع صعود القومية الهندوسية. أما في باكستان فتُستخدَم كأداة لتوحيد الداخل وتعبئة الشارع من خلال سردية "العدو الهندي". وأوضح د. قمر أن الخطاب الديني يُستدعَى لتغليف هذا التوظيف السياسي، لا سيما في باكستان، رغم أن جذور الصراع في الأساس سياسية وجيوسياسية.

مواقف دولية

أوضح د. مدثر قمر أن تطور النزاع في كشمير لم يَبْقَ حبيس الجغرافيا الهندية الباكستانية، بل تجاوزها ليأخذ طابعاً دولياً متعدد الأبعاد، وهو ما يتلخَّص فيما يلي:

1– تغيُّر النظرة العالمية إلى صراع كشمير بعد هجمات مومباي 2008: طبقاً لـ"د. مدثر قمر"، فإن هجمات مومباي 2008 شكَّلت نقطة تحول مفصلية في نظرة المجتمع الدولي إلى النزاع الكشميري؛ حيث أعادت طبيعة الهجوم تصنيف الصراع كقضية أمن دولي؛ فلم يعد يُنظَر إلى العنف في كشمير كتمرد محلي، بل كتهديد عابر للحدود؛ ما دفع قوى دولية، كالولايات المتحدة، إلى تبني موقف أقرب إلى الهند، والاعتراف بخطورة ما تصفه بـ"الإرهاب العابر للحدود"، وهو ما منح نيودلهي مساحة أوسع لترسيخ روايتها الأمنية والسياسية.

2– بروز الدعم الأمريكي للهند في سياق مكافحة الإرهاب الدولي: بحسب د. قمر، تبنَّت الولايات المتحدة، بعد أحداث 11 سبتمبر، مقاربة أمنية جديدة دفعت نحو اعتبار الجماعات المسلحة في كشمير جزءاً من البنية العالمية للإرهاب، ولفت إلى أن واشنطن دعمت بشكل صريح الموقف الهندي، واعتبرت أن التهديد الذي تواجهه الهند في كشمير لا يختلف عن التهديدات التي تواجهها دول أخرى من شبكات التطرف.

3– ترسيخ توازن سياسة الهند الخارجية السرديةَ الدولية حول كشمير: أشار د. قمر إلى أن الهند تبنَّت في السنوات الأخيرة سياسة خارجية مرنة ومتعددة الأبعاد، سمحت لها بتعزيز موقعها الدولي، وتوسيع روايتها الأمنية حول كشمير؛ فقد انخرطت في تحالفات مثل "كواد"، ومنظمة شنجهاي، وبريكس، وحافظت على علاقات استراتيجية بقوى متنوعة كالولايات المتحدة وروسيا ودول عربية وإسرائيل، كما نجحت في التوازن بين ملفات دولية حساسة، مثل الحرب الأوكرانية والقضية الفلسطينية؛ ما منحها مصداقية متزايدة، ومكَّنها من تسويق موقفها من كشمير كجزء من التحديات الأمنية العالمية.

4– محدودية التأثير الدولي لباكستان في مواجهة الرواية الهندية: أوضح د. قمر أن باكستان فقدت الزخم في طرح كشمير كقضية "تقرير مصير"؛ بسبب اتهامات دعم الجماعات المسلحة، وغياب دبلوماسية فعَّالة؛ ما أضعف قدرتها على كسب التأييد الدولي، ولفت إلى أن هذا الضعف مرتبط بأزمات داخلية مزمنة، كتأثير الجماعات الدينية، وسوء الإدارة الاقتصادية؛ ما قوَّض صورة باكستان، وأضعف موقفها في المحافل الدولية.

5– احتفاظ باكستان بدعم صيني وتركي محدود رغم تراجع التأثير: شدد د. قمر على أن باكستان، رغم تراجع قدرتها على التأثير في الرأي العام الدولي بشأن كشمير، لا تزال تحظى بدعم محدود من بعض القوى الصاعدة، أبرزها الصين وتركيا؛ فالصين تدعم باكستان لدوافع جيوسياسية، على رأسها "الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني" ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، الذي يمر بأراضٍ متنازَع عليها في كشمير. أما تركيا، فتعتمد علاقتها على اعتبارات أيديولوجية وتاريخية، كالتضامن الإسلامي والتقارب الإقليمي. ومع ذلك، يرى د. قمر أن هذا الدعم يظل محدوداً، ولا يؤثر في موازين القوى الدولية، خاصةً مع الفارق المتزايد في قدرات التحالف بين الهند وباكستان.

اتجاهات مستقبلية

في ضوء ما سبق، حدد د. قمر بعض السيناريوهات المستقبلية المحتملة للتوترات بين الهند وباكستان على النحو التالي:

1– استبعاد إمكانية نشوب حرب نووية بين الهند وباكستان: يرى د. قمر أن احتمال اندلاع حرب شاملة بين الهند وباكستان منخفض جداً، رغم التصعيدات المتكررة؛ بسبب امتلاك الطرفين قدرات نووية رادعة تجعل كلفة الصراع المفتوح باهظة، وأشار إلى أن هذا الإدراك لدى القيادتين والمجتمع الدولي، يُفسِّر الحرص على تفادي المواجهة المباشرة في كل جولة توتر؛ حيث تُسهِم الضغوط الدولية في احتواء الأزمات والحفاظ على قدر من الاستقرار الاستراتيجي في جنوب آسيا.

2– احتمالية تفوق الهند حال نشوب حرب تقليدية بين البلدين: شدد د. قمر على أن ميزان القوى في جنوب آسيا يميل بوضوح لصالح الهند في حال اندلاع حرب تقليدية مع باكستان؛ نتيجةً لتفوقها الاقتصادي والديموغرافي والعسكري، إضافةً إلى استقرارها السياسي النسبي، وأوضح أن الهند تُعَد من أكبر اقتصادات العالم، بينما تعاني باكستان من أزمات مالية متكررة، واعتماد على المساعدات الدولية، كما أشار إلى أن نيودلهي نجحت في الحفاظ على سياسة خارجية متعددة الأقطاب، وعلاقات استراتيجية متوازنة؛ ما أكسبها حضوراً ومصداقيةً دبلوماسيةً على المستوى الدولي.

3– توسيع الصراع عبر دعوة الهند إلى إشراف دولي على السلاح النووي الباكستاني: قد يشهد النزاع الهندي–الباكستاني تحولاً من مواجهة حدودية تقليدية إلى صراع غير مباشر عبر أدوات التدويل والضغط الدولي؛ ففي ظل تعقيدات الوضع في باكستان، برزت دعوات هندية، بينها تصريحات رسمية إلى إخضاع الترسانة النووية الباكستانية لإشراف دولي. وأوضح د. مدثر قمر أن هذا الطرح ينبع من مصدرين أساسيين للقلق الهندي: ضعف الرقابة المدنية على السلاح النووي بسبب نفوذ الجيش، ومخاوف من وصوله إلى جماعات متطرفة في حالة الانهيار الداخلي.

وفي هذا السياق، دعا وزير الدفاع الهندي إلى إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ ما قد يؤدي – إذا لقي تأييداً دولياً – إلى تدويل الملف النووي الباكستاني، وربطه بصراع كشمير، مضيفاً بُعداً استراتيجياً جديداً للأزمة.

4– تبني الهند نهج الرد العسكري الاستباقي على التهديدات الباكستانية: قد يشهد النزاع بين الهند وباكستان تحولاً في نمط التصعيد بفعل تغيُّر في العقيدة الاستراتيجية الهندية. ووفق د. مدثر قمر، تميل الهند نحو ردود عسكرية محسوبة بدلاً من الاكتفاء بالدبلوماسية، خاصةً تجاه التهديدات العابرة للحدود، ويعزز هذا التوجه تحديث قدراتها في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة والضربات الدقيقة؛ ما يمنحها تفوقاً تكتيكياً، ويجعل التصعيد الاستباقي خياراً وارداً، مع تقلص فرص التهدئة.

5– استبعاد فرص التسوية السياسية وسط تنامي النزعة القومية: استبعد د. مدثر قمر التوصل إلى تسوية شاملة في المستقبل القريب، مؤكداً أن التهدئة الحالية محدودة وقابلة للانهيار في أي وقت، وأشار إلى أن الهند تشترط لتحقيق سلام دائم القضاء على الإرهاب ووقف الدعم الباكستاني للجماعات المتطرفة في جامو وكشمير، وهي مطالب تحظى بتأييد دولي متزايد؛ بفعل تصاعد القلق من الإرهاب العابر للحدود، كما نوَّه أن أحد المسارات المحتملة لحل النزاع يتمثل في الاعتراف بخط السيطرة كحدود دولية، غير أن ذلك يتطلب توافقاً سياسياً غائباً حالياً، في ظل تصاعد القومية وتراجع الاستعداد الداخلي في الهند لأي تسوية من هذا النوع.

وختاماً، يرى د. مدثر قمر أن دور القوى الإقليمية ذات العلاقات المتوازنة مع الهند وباكستان، خصوصاً دول الخليج العربي، يمثل مساراً واعداً لتقليل التوترات ومنع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، مؤكداً أنه رغم تحفظ الهند التقليدي على تدويل النزاع، فقد أبدت انفتاحاً نسبياً على الوساطات غير الرسمية من شركاء موثوقين.

واقع ومستقبل الصراع بين الهند وباكستان (حلقة نقاشية)