مع استعانة السفارة الصينية لدى أفريقيا الوسطى، مؤخراً، بمقاتلي وحدات من شركة "فاجنر" الروسية العسكرية الخاصة لإنقاذ 12 شخصاً يعملون في مناجم الذهب بأفريقيا الوسطى وإجلائهم إلى العاصمة بانجي، عقب معلومات استخباراتية عن هجوم خطَّط له مسلحون على موقع تعدين تديره الصين بالقرب من محافظة "أواكا" في أفريقيا الوسطى؛ أثيرت التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين بكين وشركات الأمن الخاصة؛ حيث إن السنوات الماضية شهدت تصاعداً ملحوظاً في استخدام بكين شركات الأمن الخاصة لخدمة مصالحها المختلفة.

لا شك أن عودة ظهور صناعة "الأمن مقابل التوظيف" الصينية، المتجذرة بعمق في التاريخ الصيني والممارسات التجارية، هي إلى حد كبير نتيجة لبداية إصلاحات السوق في الثمانينيات، والاندماج المتزايد للصين في التجارة العالمية، لكن منذ عام 2013، بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق (BRI)، ازدادت المناقشات حول استخدام شركات الأمن الخاصة في حماية المواطنين الصينيين والأصول المادية في الخارج.

تطور ملحوظ

شهدت السنوات الماضية تطوراً ملحوظاً في شركات الأمن الخاصة الصينية؛ حيث تكشف خريطة هذه الشركات عن عدد من الأبعاد الرئيسية:

1– تزايد دور شركات الأمن المحلية: شهد نشاط الشركات المحلية، التي تهتم بتقديم خدمات داخل الدولة، تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية؛ حيث ظهر خلال السنوات الماضية نمط من الشركات المحلية التي تركز على الموظفين الأساسيين والحماية الوثيقة واسترداد الائتمان. وتضم هذه المجموعة الكبيرة مئات الشركات التي تستفيد من قوة عاملة رخيصة، وبعض الروابط البلدية أو الإقليمية بمسؤولي الشرطة والشرطة العسكرية، وبيئة مواتية بسبب نقص اللوائح في هذا النوع من الأعمال. وتطورت من هذه الفئة الشركات المحلية التي تقدم خدمات أكثر تخصصاً تتراوح بين حماية الملكية الفكرية وأمن الشركات وإدارة أمن الموارد البشرية والحماية اللوجستية المدرعة.

ومن جهة ثانية، هناك الشركات المحلية التي تتعاون مع الشركات الأجنبية لتقديم دعم العطاءات المحلية على المناقصات الصينية لخدمات الأمن الدولية، وتقييم المخاطر والدعم الخارجي لشركات التأمين الصينية. ومن ثم، فإن لديها شبكة اتصالات قوية بالشركات الكبيرة المملوكة للدولة وقطاعي البنوك والتأمين، لكن نقطة الضعف الرئيسية لهذه الفئة لا تكمن في الافتقار إلى العملاء المناسبين، بل في نقاط الضعف الداخلية المتعلقة بندرة الموارد البشرية المحلية المدربة بشكل صحيح، لا سيما تلك التي لديها مهارات تتراوح بين تقييم المخاطر والخبرة اللوجستية، والثقافات واللغات الأجنبية، ونقص إدارة المخاطر والتغطية التأمينية لموظفيهم.

2– اهتمام شركات الأمن الصينية بتطوير حضورها الدولي: بخلاف الشركات التي تركز على المهام المحلية، فإن الشركات الأمنية الصينية أولت اهتماماً كبيراً بتطوير حضورها الدولي؛ إذ ظهرت الشركات الصينية ذات الخلفية الدولية المتطورة في مجال الخدمات الأمنية. وتتعاون هذه الشركات مع وزارة الخارجية الصينية والشركات الكبيرة المملوكة للدولة. ومن النماذج الرئيسية لهذه الشركات، شركة بكين زهونجوانكون لتكنولوجيا الأمن (ZGCS)، وهي شركة متخصصة في حلول التكنولوجيا الأمنية، وأصبحت لاعباً بارزاً في صناعة الأمن الخاصة في الصين. ووسعت الشركة خدماتها خارج الصين وشاركت في تقديم حلول أمنية في الساحات الدولية، لا سيما في أفريقيا والشرق الأوسط؛ حيث تقدم خدمات مثل مراقبة الفيديو، وأنظمة التحكم في الوصول، وحلول الأمن الذكية، كما شاركت في تأمين مشروعات البنية التحتية الحيوية والأماكن العامة.

3– تنوع أنشطة شركات الأمن الصينية: بزغ خلال السنوات الماضية عدد من الشركات الصينية في مجال الأمن، وهي الشركات التي مارست أنشطة متنوعة. وفي هذا الصدد، برزت مجموعة الأمن والحماية الصينية المحدودة (CSG)، وهي تعد واحدة من أكبر شركات الأمن الخاصة في الصين؛ حيث تقدم مجموعة واسعة من خدمات الأمن، بما في ذلك الاستشارات الأمنية والحراسة البشرية والأمن الإلكتروني وحلول التكنولوجيا الأمنية، كما تشتهر شركة الجدار العظيم للصناعات العسكرية (AGWM) بخبرتها في المنتجات والخدمات العسكرية والأمنية؛ حيث تقدم مجموعة واسعة من حلول الأمن، بما في ذلك المركبات المدرعة، ومنتجات مقاومة الرصاص، والاستشارات الأمنية، كما قامت بتوسيع عملياتها عالمياً وشاركت في مشاريع أمنية في عدة دول.

كما ظهرت بعض الشركات المهتمة بمجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثل مجموعة تكنولوجيا الأمن والمراقبة الصينية (CSST)، وهي شركة رائدة في مجال توفير الحلول الإلكترونية للأمن والمراقبة. وتركز الشركة على التكنولوجيات المتقدمة، مثل مراقبة الفيديو، والتعرُّف على الوجه، وأنظمة الأمن القائمة على الذكاء الاصطناعي، كما تتمتع بوجود قوي في الأسواق المحلية والدولية.

4– توسع النطاق الجغرافي لأنشطة الشركات الأمنية الصينية: تنشط الشركات الأمنية الصينية في عدد من المناطق الجغرافية والدول. وبحسب بعض التقديرات يوجد نحو 5200 شركة أمنية خاصة صينية توظف أكثر من 4 ملايين موظف أمني، معظمهم من قدامى المحاربين في جيش التحرير الشعبي الصيني. وتعمل نحو 20 إلى 30 من هذه الشركات في دول الحزام والطريق عبر جنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.

وتشير التقارير إلى أن الشركات الأمنية الصينية تعمل في الوقت الراهن في نحو 14 دولة أفريقية، وهي تتواجد في دول مختلفة. بعض البلدان، مثل جنوب أفريقيا، لديها قواعد صارمة تحكم سلوك شركات الأمن الصينية، بينما تمنح دول أخرى – مثل السودان وجنوب السودان – الصينيين مزيداً من الحرية في كيفية عملهم في بلدانهم، وهو مجال يرى بعض الخبراء أنه يمكن أن يعرض السكان للخطر.

5– استمرار الارتباط بين الشركات الخاصة والدولة: على عكس المتعاقدين العسكريين الخاصين الآخرين في بعض المناطق مثل أفريقيا، فإن الشركات الأمنية الخاصة الصينية ليست في الواقع خاصة؛ حيث إنها شركات مملوكة للدولة، تخضع للحكومة في بكين؛ لذلك رخصت الحكومة لعدد من الشركات الخاصة العمل خارج البلاد. وتشمل هذه القائمة مجموعة (Huaxin Zhong An Security Group)، ومجموعة (China Security Technology Group)و(Beijing DeWe Security Service)، التي تضم نحو 2000 مقاول لحماية خط السكك الحديدية الكيني الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار.

6– لجوء بعض الشركات الصينية إلى سياسات التشبيك: تلجأ بعض الشركات الأمنية الصينية إلى سياسات التشبيك مع الشركات والمجموعات الأمنية في الدول الأخرى لدعم أنشطتها؛ ففي بعض الحالات، تعمل الشركات الصينية عن كثب مع الشركات الأمنية أو الميليشيات المحلية عندما تحتاج إلى إنقاذ المواطنين الصينيين المعرضين للخطر، وهو ما حدث في الاستعانة بمقاتلي "فاجنر" لإنقاذ عمال المناجم في أفريقيا الوسطى، في شهر يوليو الجاري، وإجلائهم إلى العاصمة بانجي. وفي بعض الحالات الأخرى، تلجأ الشركات الأمنية الخاصة الصينية إلى عقد شراكات أمنية جديدة مع المقيمين في البلدان المضيفة لهم.

دوافع متعددة

أثار تكرار الهجوم المسلح على مواطنين صينيين يعملون في أماكن متفرقة في خارج الأراضي الصينية؛ الحفيظة الأمنية لدى الصين؛ ما دفعها مع مرور الوقت إلى اللجوء إلى قوات الأمن الخاصة لحماية المواطنين الصينيين وأصولها الخارجية. وفي هذا السياق، يمكن القول إن تصاعد دور شركات الأمن الخاصة يرتبط بعدد من العوامل الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1– الآثار الجانبية للتوسع الاستثماري الخارجي: أدت التنمية الاقتصادية السريعة للصين وزيادة الاستثمارات الخارجية وتوسيع العلاقات التجارية مع الدول الأجنبية والمناطق الخارجية (التي يقع العديد منها في مناطق صعبة من منظور أمني)، إلى عدد متزايد من الحوادث، تشمل المواطنين الصينيين والممتلكات، وكذلك أدت إلى خلق حاجة إلى الخدمات الأمنية لحماية الشركات الصينية ومصالحها. وتقدم شركات الأمن الخاصة مجموعة من الخدمات، مثل تقييم المخاطر، والحماية التنفيذية، والاستشارات الأمنية، وإدارة الأزمات؛ حيث أدركت الصين أن الاعتماد الوحيد على التنمية الاقتصادية للبلدان الأفريقية لا يكفي لحماية عمالها ومشاريعها.

أدى النمو السريع للاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من الصين، وتوسيع العلاقات التجارية مع الدول الأجنبية والمناطق الخارجية (التي يقع العديد منها في مناطق صعبة من منظور أمني)، إلى عدد متزايد من الحوادث التي تشمل المواطنين الصينيين والممتلكات؛ لذلك تزايدت الحاجة إلى وجود شركات أمنية خاصة قادرة على تأمين المواطنين الصينيين في الخارج.

2– إطلاق تشريعات لتعزيز صناعة الأمن الخاصة: نفذت الحكومة الصينية إصلاحات قانونية لتشجيع نمو صناعة الأمن الخاص؛ ففي عام 2010، أصدر مجلس الدولة الصيني لوائح تسمح لشركات الأمن الخاصة بالعمل بشكل قانوني، مع مراعاة متطلبات الترخيص والرقابة، كما قدمت هذه الإصلاحات إطاراً قانونياً لإنشاء وتشغيل شركات الأمن الخاصة، وهو الأمر الذي حفز تأسيس العديد من الشركات الأمنية الخاصة.

3– تأمين مسار مبادرة الحزام والطريق: إذ تمثل مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي توظف عشرات الآلاف من المواطنين الصينيين وتمثل مليارات الدولارات في البنية التحتية، أهدافاً بارزة لهجمات الجماعات المتطرفة؛ لذلك عززت المبادرة – التي تهدف إلى تعزيز التواصل والتعاون الاقتصادي بين الصين ودول أخرى – الطلب على خدمات الأمن الخاصة؛ حيث غالباً ما تتطلب مشاركة الشركات الصينية في مشروعات مبادرة الحزام والطريق دعماً أمنياً في البيئات المعقدة والمحفوفة بالمخاطر.

إذ ضمَّت الصين آلاف الجنود السابقين من جيش التحرير الشعبي وأعضاء القوات الخاصة السابقين وغيرهم من المتعاقدين العسكريين السابقين في جميع أنحاء أفريقيا؛ لحماية مشاريع البنية التحتية الباهظة الثمن مثل السكك الحديدية القياسية في كينيا.

4– المشاركة في مواجهة تحديات الأمن الداخلي: تواجه الصين تحديات أمنية محلية مختلفة، بما في ذلك الإرهاب والتهديدات الإلكترونية والاضطرابات الاجتماعية؛ لذلك تلعب شركات الأمن الخاصة دوراً في مواجهة هذه التحديات من خلال تقديم خدمات مثل الاستشارات الأمنية، والحلول التقنية لعملاء القطاعين العام والخاص. علاوةً على ذلك، فإن المشهد الأمني المتطور والتقدم التكنولوجي قد خلق طلباً على خدمات الأمن المتخصصة؛ لذلك تكيفت شركات الأمن الخاصة الصينية من خلال تقديم حلول تقنية أمنية متقدمة، وتقييم المخاطر، وحماية التنفيذيين، وغيرها من الخدمات المتخصصة لتلبية الاحتياجات المتنوعة للعملاء.

5– تزايد الطموحات الصينية على الساحة الدولية: تزايدت الطموحات الصينية القيادية على الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما استصحب تنامي الحضور الصيني في مناطق مختلفة. هذا الحضور يستدعي معه تزايد الطلب على الخدمات الأمنية الخاصة، وخاصةً في المواقف التي يكون من الصعب فيها تحرك المؤسسات الأمنية الرسمية، علاوةً على الأدوار المتنوعة التي باتت تقدمها الشركات الأمنية الخاصة؛ إذ تقدم شركات الأمن الخاصة الصينية خدمات تقييم المخاطر لمساعدة الشركات والأفراد على تحديد التهديدات ونقاط الضعف المحتملة، كما تقدم هذه الشركات خدمات الحماية التنفيذية للأفراد البارزين والمديرين التنفيذيين للشركات وكبار الشخصيات الزائرة. تشمل هذه الخدمات الحماية المباشرة، وتقييم التهديدات، والتخطيط لتأمين السفر، وضمان سلامة وخصوصية العملاء.

6– الاستفادة من مزايا الشراكات الخاصة: تلجأ الصين، كغيرها من الحكومات، إلى الشركات الأمنية الخاصة للاستفادة من المزايا والسمات التي تتمتع بها هذه الشركات، لا سيما أن هذه الشركات تتمتع بدرجة أكبر من المرونة، مقارنةً ببيئة العمل في المؤسسات الأمنية الرسمية. وهكذا تتمكن الدولة عبر التعاقد مع الشركات الأمنية الخاصة من إنجاز المهام بشكل أسرع، ومن تعزيز القدرة على الاستجابة السريعة للأحداث العالمية الناشئة. علاوةً على ذلك، ربما تطمح بكين من وراء إسناد بعض العمليات الأمنية – التي قد تُواجَه بردود فعل دولية سلبية – إلى الشركات الخاصة إلى تخفيف حدة الانتقادات لها المصحوبة بتشويه لصورتها وسمعتها.

وإجمالاً لما سبق، فمن المهم تأكيد السمة المميزة لشركات الأمن الخاصة الصينية، وهي احتفاظ الحكومة الصينية برقابة صارمة على صناعة الأمن الخاص؛ حيث يجب على شركات الأمن الخاصة الحصول على تراخيص من السلطات الحكومية ذات الصلة، والامتثال للوائح المتعلقة بالتوظيف والتدريب والإجراءات التشغيلية، كما تحتفظ الحكومة بالرقابة للتأكد من أن الأنشطة الأمنية الخاصة لا تقوض الأمن العام أو المصالح الوطنية.

لكن مع استمرار تطور صناعة الأمن الخاص الصينية، ونظراً إلى تزايد مشاركة الصين في المناطق الغنية بالموارد، ولكن غير المستقرة، فإن من المتوقع أن يزداد دور واستخدام الشركات الأمنية الخاصة داخل الصين وعلى مستوى العالم. ومن المرجح أن تساهم تلك الشركات في حماية الاستثمارات الصينية، ودعم المصالح الخارجية للبلاد، وتوفير الحلول الأمنية لمواجهة التهديدات والتحديات الناشئة.

لماذا تصاعد دور شركات الأمن الخاصة الصينية؟