د. حمدي بشير

أعلن المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو، في 21 أبريل 2025، عن إحباط محاولة انقلابية كانت قيد الإعداد، وُصفت بأنها "مؤامرة تهدف إلى نشر الفوضى وزعزعة استقرار البلاد"، في تطور جديد يزيد من حدة التوترات الأمنية والسياسية التي تعصف بالدولة الواقعة في غرب أفريقيا. وليست هذه المحاولة هي الأولى من نوعها؛ فمنذ استيلاء النقيب إبراهيم تراوري على السلطة عام 2022، سُجلت خمس محاولات انقلاب على السلطة، ثلاث منها في عام 2024 وحده، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول أسباب تصاعد محاولات الانقلاب المضادة وتداعياتها على الاستقرار الإقليمي في منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا.سياقات محفزةثمة جملة من العوامل المفسرة لتصاعد محاولات الانقلاب المضادة في بوركينا فاسو، يتمثل أبرزها في:1– تزايد الانشقاقات داخل المؤسسة العسكرية: وصف وزير الأمن البوركيني محمدو سانا، هذه المحاولة الانقلابية الأخيرة بأنها "مؤامرة كبرى" تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد والإطاحة بالمجلس العسكري الحاكم. وكشف سانا عن أن ضباطاً منشقين، يُعتقَد أنهم يقيمون في كوت ديفوار كانوا يقفون خلف هذه المحاولة التي تم إحباطها بفضل يقظة أجهزة الاستخبارات؛ حيث أسفرت العملية عن حملة اعتقالات طالت عناصر في الجيش وقوات الأمن، فيما تشير تقارير عدة إلى وجود صراعات على النفوذ داخل المؤسسة العسكرية ووجود تنافسات داخلية بين الفصائل العسكرية، وخاصةً بين الموالين لرئيس المجلس العسكري إبراهيم تراوري والضباط الذين يشعرون بالتهميش. ويشير تصاعد الاعتقالات السرية والتطهيرات المستمرة للسيطرة على القواعد الرئيسية في الشمال والشرق، إلى اتساع نطاق التوتر داخل المؤسسة العسكرية البوركينية؛ حيث اعتقلت السلطات خلال محاولة الانقلاب الأخيرة النقيب إليزيه تاسيمبيدو قائد المنطقة العسكرية الشمالية، أثناء وجوده في العاصمة واجادوجو للمشاركة في اجتماع أمني رفيع المستوى. ويُعتقد أن تاسيمبيدو كان إحدى الشخصيات المحورية في المحاولة الانقلابية الفاشلة، وهو ما أثار قلقاً داخل المؤسسة العسكرية.وفي أعقاب هذه التطورات، أعلن رئيس المجلس العسكري إبراهيم تراوري عن إجراء تغييرات واسعة في القيادات العسكرية، شملت إقالة عدد من الضباط المرتبطين بالمحاولة الانقلابية. وتهدف هذه التغييرات، بحسب مصادر حكومية، إلى "تطهير الصفوف" وتعزيز الولاء للمجلس العسكري الحاكم. ورغم إحباط المحاولة، لا تزال الأوضاع داخل القوات المسلحة متوترة، وسط تقارير عن استعداد بعض أنصار الضباط المقالين لتنفيذ محاولة جديدة. وقد حذرت مصادر عسكرية من أن البلاد "تسير على حافة أزمة داخلية كبيرة" إذا لم يتم احتواء الانقسامات داخل الجيش.2– تفاقم التوتر السياسي بين النخبة العسكرية والمدنية: رغم تعهد النقيب إبراهيم تراوري بالعودة إلى النظام الدستوري بحلول عام 2024، فإنه قام في يونيو 2024، بتمديد الفترة الانتقالية خمس سنوات، مدعياً وجود احتياجات أمنية، وهي خطوة تهدف إلى ترسيخ المجلس العسكري لسلطته من خلال إجراء تغييرات كبيرة في قطاع الأمن، أو بالأحرى القضاء على المعارضين. ويبدو أن هذه الخطوة قد زادت من حدة الانتقادات من جانب الاتجاهات المعارضة لسياسة تراوري، كما زادت من حدة التوتر بين النخبة السياسية والعسكرية، لا سيما بعد إقدام تراوري على إقالة بعض الوزراء المعارضين لسياسته داخل الحكومة.3– تنامي الصدام بين دول تحالف الساحل و"إيكواس": ففي يناير 2025، أعلنت الدول الثلاث: مالي وبوركينافاسو والنيجر، انسحابها رسمياً من "إيكواس"، وأكدت رفضها النظام الإقليمي القائم، وتأسيسها تحالف دول الساحل، وهو ميثاق دفاع مشترك جديد أُبرِم في سبتمبر 2023. ويُمثِّل هذا الانسحاب ضغطاً اقتصادياً على كتلة "إيكواس"؛ حيث أدى انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر – التي تُمثل مجتمعةً نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي لـ"إيكواس" – إلى عرقلة التجارة عبر الحدود، علاوة على عرقلة طرح عملة موحدة، وهي "الإيكو"، ومن المتوقع أن يسفر انسحاب الدول إلى تأخير هذه الخطة أو إحباطها.وقد تتضاءل ثقة المستثمرين بالمنطقة؛ ما يُعقِّد تنسيق السياسة النقدية؛ لذلك يمكن تفسير محاولة الانقلاب في بوركينا فاسو بأنها تأتي في سياق الضغوط الاقتصادية والسياسية المتبادلة بين تحالف دول الساحل وكتلة "إيكواس"، وخاصةً أن حكومة بوركينافاسو وجهت اتهامات متكررة إلى كوت ديفوار بدعم محاولات الانقلاب على السلطة وزعزعة الاستقرار السياسي الداخلي في بوركينافاسو.4– اتهامات لفرنسا بالتورط في محاولات الانقلابات المضادة: يرى مراقبون أن جهات خارجية تدعم الاضطرابات والصراعات السياسية والانقسامات والانشقاقات العسكرية في منطقة الساحل، وخاصةً بعد أن اتجه المجلس العسكري في بوركينا فاسو بشكل متزايد إلى التحالف مع روسيا، على غرار مالي والنيجر. وقد أدى هذا التحول إلى تعرُّض "إيكواس" وفرنسا لعزلة دبلوماسية. وقد أثار هذا التحول الاستراتيجي مخاوف النخب التي تخشى العقوبات الدولية وفقدان المساعدات الاقتصادية. وعلى غرار نظيره وحليفه المالي عاصيمي جويتا، قطع رئيس المجلس العسكري إبراهيم تراوري العلاقات مع فرنسا، واتجه إلى تعزيز العلاقات مع روسيا.ورغم تراجع الحضور العسكري الفرنسي أمام التمدد العسكري الروسي في المنطقة، يبدو أن باريس قد اتجهت إلى استخدام أدواتها السرية والاستخباراتية للتصعيد ضد النفوذ الروسي في المنطقة؛ حيث تشير تقارير عدة إلى دور أجهزة الاستخبارات الفرنسية في دعم الانقلابات المضادة ضد المجالس العسكرية في منطقة الساحل. وفي نوفمبر 2024، وجه المجلس العسكري في النيجر بقيادة عبد الرحمن تياني اتهامات إلى فرنسا بدعم محاولة الإطاحة به. ورغم نفي باريس هذه الاتهامات، فإن نيامي نشرت وثائق لتسريبات من داخل وكالة الاستخبارات الفرنسية تؤكد مزاعمها.تداعيات عديدةمن المتوقع أن تثير ظاهرة تصاعد محاولات الانقلابات المضادة في بوركينا فاسو تداعيات عديدة على الصعيد الإقليمي، وهي التداعيات التي يمكن تناولها على النحو التالي:1– تصاعد التوتر بين واجادوجو وأبيدجان: أكد وزير الأمن البوركيني محمد سانا، أن العناصر المحرِّكة لمحاولة الانقلاب الأخيرة يتمركزون في كوت ديفوار المجاورة، دون أن يسميَ أطرافاً محددة، واعتبر أن هذه المناورات نتيجة حملة تخريب تلقى دعماً من أبيدجان؛ حيث تقول السلطات البوركينية إنها حددت مركز عمليات يهدف إلى "زعزعة استقرار بوركينا فاسو". وفي يوليو 2024، ندد رئيس المجلس العسكري إبراهيم تراوري بما وصفه بالتدخل الأجنبي، مشيراً إلى النوايا المزعومة لبعض المنفيين السياسيين للإطاحة بالحكومة الانتقالية. ورغم أن السلطات الإيفوارية لم تعلق حتى الآن على مزاعم استضافتها لـ"المتآمرين"، فإن المجلس العسكري في بوركينافاسو كثيراً ما وجَّه اتهامات إلى أبيدجان في هذا الصدد.2– تعزيز التقارب بين واجادوجو وموسكو: يتوقع أن تعمل واجادوجو على توطيد علاقاتها مع موسكو، لا سيما فيما يتعلق بالاستعانة بقوات الفيلق الأفريقي، لمواجهة محاولات الانقلاب على السلطة؛ ففي 3 و4 أبريل 2025، قام وزراء خارجية دول الساحل بزيارة موسكو؛ حيث أكدت الزيارة التحول البارز في العلاقات بين الأخيرة والدول الثلاث؛ حيث تسعى هذه الدول إلى الحصول على الدعم السياسي والعسكري من موسكو، وتعزيز جهودها الأمنية وتأكيد استقلاليتها بشكل أكبر عن النفوذ الغربي.3– تزايد التنسيق بين الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية: تواجه بوركينا فاسو ودول الساحل تنامياً ملحوظاً في الهجمات الإرهابية من جانب التنظيمات الموالية لـ"داعش" و"القاعدة" في المنطقة؛ لذلك من المتوقع أن تستغل هذه التنظيمات الإرهابية حالة عدم الاستقرار في زيادة هجماتها، وربما التنسيق مع الجماعات المنشقة في دول الساحل، وخاصةً مالي والنيجر وبوركينا فاسو، خاصةً بعد أن تصاعد دور هذه الجماعات التي تعمل على استعادة السلطة باستخدام القوة، مثل حركة التحرير الوطني النيجرية التي تعمل من جنوب ليبيا لإسقاط المجلس العسكري في نيامي، بينما تعمل حركة تحرير أزواد بالتنسيق مع تنظيم "القاعدة" من أجل إسقاط المجلس العسكري في مالي. وعلى المنوال نفسه، يمكن ترجيح ظهور جماعات مسلحة تعمل من دول الجوار وبالتنسيق مع التنظيمات الإرهابية لإسقاط المجلس العسكري في بوركينافاسو.4– انتقال عدوى الانقلابات المضادة في غرب أفريقيا: يمكن القول إن تشكيل تحالف داعم لروسيا ومُعادٍ للدول الغربية، من شأنه إثارة تحركات عسكرية أو سياسية استباقية في دول مثل تشاد، ومن ثم انتقال عدوى الانقلابات المضادة إليها. وقد تعرضت تشاد بالفعل لمحاولة انقلاب فاشلة في يناير 2025. ورغم أن الوجود الروسي قد يعزز بقاء النظام على المدى القصير، فإنه لن يجعل دول الساحل بمأمن عن سيناريو الانقلابات المضادة، بل قد يؤدي هذا الوجود إلى إثارة ردود فعل عنيفة من جانب ضباط معارضين أو منشقين يدعمون الشراكات الغربية التقليدية.تصاعد المخاطرإجمالاً، يمكن القول إن بوركينا فاسو تواجه، مثل مالي والنيجر، ضغوطاً إقليميةً ودوليةً متناميةً بفعل توجهاتها السياسية التي تدفعها نحو الابتعاد عن فرنسا والدول الغربية والتقارب مع روسيا والصين، وهو ما يزيد المخاطر السياسية وتحديات الاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل تفاقم الانقسامات والصراعات الإقليمية في منطقة غرب أفريقيا.

لماذا تتصاعد محاولات الانقلاب العسكرية المضادة في بوركينا فاسو؟