إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

لا يزال هناك أكثر من 50 يوماً متبقية حتى يتولى الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" منصبه في العشرين من يناير 2025، لكنه وضع بالفعل الأساس لحرب تجارية مع خصوم وحلفاء الولايات المتحدة، وهي الحرب التي يمكن أن تهز الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأربع القادمة، مع التركيز على زيادات كبيرة في التعريفات الجمركية على الواردات من الشركاء التجاريين الرئيسيين، وخاصةً الصين والمكسيك وكندا. ويقوم "ترامب" بتأطير هذه السياسة كوسيلة لمعالجة الاختلالات التجارية والقضايا المتعلقة بالهجرة والاتجار بالمخدرات.أسباب متعددةيكمن وراء قرار الرئيس الأمريكي المنتخب بفرض تعريفات جمركية على الواردات الأمريكية من الصين وكندا والمكسيك، جملة من الأسباب الاقتصادية والأمنية، ويتمثل أبرزها فيما يلي:1– معالجة قضيتَي الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات: أعلن الرئيس المنتخب "دونالد ترامب"، في 25 نوفمبر 2024، عن عزمه توقيع أمر تنفيذي يفرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على جميع المنتجات الواردة إلى الولايات المتحدة من المكسيك وكندا، في أول يوم له في البيت الأبيض في العشرين من يناير 2025. وتهدف هذه الرسوم إلى إجبار الجارتين الشمالية والجنوبية على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، خاصةً الفنتانيل، إلى الولايات المتحدة.2– الضغط على الصين لوقف تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة: كشف الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" عن خطط لفرض رسوم إضافية بنسبة 10% على جميع المنتجات الصينية، بجانب التعريفات الحالية، مبرراً ذلك بعجز بكين عن وقف تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، وأشار إلى أن المحادثات السابقة مع الصين بشأن هذه المشكلة لم تحقق نتائج ملموسة.ويُعد هذا الإعلان امتداداً للسياسات التجارية التي انتهجها خلال فترة ولايته الأولى، والتي ركزت على الضغط على بكين لتغيير ممارساتها التجارية والحد من تدفق المواد غير القانونية إلى الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، اقترح "ترامب" فرض تعريفة جمركية بنسبة 60% على جميع الواردات الصينية، وهي نسبة تفوق بكثير ما تم تطبيقه سابقاً، كما تعهد بإلغاء الوضع التجاري المميز للصين، في خطوة تشير إلى تصعيد ملحوظ في التوترات التجارية بين البلدين.3– تحفيز الصناعة المحلية وتعزيز الأمن الاقتصادي: اقترح الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" فرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية التي تُنتجها الشركات الصينية في المكسيك، بالإضافة إلى رسوم مرتفعة على المنتجات المصنعة خارج الولايات المتحدة من قِبَل الشركات الأمريكية. ويعتمد هذا التوجه على استخدام التعريفات الجمركية أداةً لتحفيز التصنيع المحلي وزيادة الإيرادات الفيدرالية؛ إذ يهدف فريق "ترامب" الاقتصادي، من خلال هذه السياسات، إلى حماية القطاعات الصناعية التي يعتبرها ضرورية للأمن الاقتصادي الوطني، مثل صناعات الصلب والألمنيوم، اللتين تشكلان جزءاً حيوياً من البنية التحتية للولايات المتحدة.4– توظيف التعريفات الجمركية كأداة للضغط السياسي: بالإضافة إلى الدوافع الاقتصادية، يبدو أن "ترامب" يستخدم التعريفات الجمركية كشكل من أشكال الضغط السياسي على حلفاء وخصوم الولايات المتحدة للتفاوض لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية؛ فمن خلال فرض تعريفات جمركية مرتبطة بقضايا مثل الهجرة وإنفاذ قوانين المخدرات، يهدف "ترامب" إلى الضغط على المكسيك وكندا والصين للامتثال لمطالب الولايات المتحدة. ويعكس هذا التكتيك تحولاً من المفاوضات التجارية التقليدية إلى نهج أكثر قسراً؛ حيث تُستخدم العقوبات الاقتصادية للتأثير على قرارات السياسة الخارجية لتلك الدول.تبعات محتملة تحمل التعريفات الجمركية التي يقترحها "ترامب" على الصين وكندا والمكسيك العديد من التداعيات الداخلية والدولية المحتملة، ومنها ما يلي: 1– زيادة الأسعار على المستهلكين الأمريكيين: يتوقع خبراء الاقتصاد أن تؤدي التعريفات الجمركية التي يقترحها الرئيس المنتخب إلى ارتفاع حاد في التكاليف على الشركات والمستهلكين الأمريكيين؛ فقد حذر محللون من أن فرض الرسوم سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار المنتجات على المستهلكين الأمريكيين؛ حيث قدَّر معهد "بيترسون للاقتصاد الدولي" أن الرسوم الجديدة قد تكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة أكثر من 2600 دولار سنوياً، كما أكد الخبراء أن الرسوم ستضر بالطبقات العاملة أكثر من الأغنياء، وستؤدي إلى ارتفاع في أسعار السيارات، والمواد الغذائية، والإلكترونيات.2– تأثيرات سلبية محتملة على الصناعة الأمريكية: عند فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية على دول أخرى، غالباً ما ترد هذه الدول بخطوات مماثلة تشمل فرض تعريفات على المنتجات الأمريكية. ويمكن لهذه الإجراءات أن تُلحِق ضرراً بالصناعات الأمريكية، خاصةً في مجالَي الزراعة والصناعة، عبر تقليل المبيعات الخارجية نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأمريكية في الأسواق الدولية. إضافةً إلى ذلك، يؤدي فرض تعريفات جمركية على السلع المستوردة، مثل المواد الخام أو المنتجات الوسيطة، إلى زيادة تكاليف الإنتاج في الصناعات المحلية التي تعتمد عليها.فعلى سبيل المثال، إذا فرضت تعريفات على المعادن المستوردة، فستواجه الشركات الأمريكية التي تستخدم هذه المعادن في تصنيع السيارات أو المعدات الثقيلة تكاليف إنتاج أعلى؛ ما يدفعها إلى رفع أسعار المنتجات النهائية. هذا التأثير قد يضع الصناعات الأمريكية في موقف تنافسي ضعيف مقارنةً بنظيراتها الدولية.على الجانب الآخر، يمكن أن تسهم التعريفات الجمركية في تعزيز الإنتاج المحلي من خلال جعل السلع المستوردة أكثر تكلفةً مقارنةً بالمنتجات المصنعة محلياً. ويؤدي ذلك إلى زيادة التنافسية للمنتجات المحلية، خاصةً في الصناعات التي تواجه منافسة قوية من السلع الأجنبية، مثل صناعة الصلب وبعض الصناعات الإلكترونية.3– تراجع محتمل لمعدلات التوظيف في الولايات المتحدة: يروج الرئيس المنتخب للتعريفات الجمركية بأنها ستزيد من عودة التصنيع والوظائف إلى الولايات المتحدة، ولكنها في حقيقة الأمر كانت لها نتائج سلبية على معدلات التوظيف داخل الولايات المتحدة خلال إدارة "ترامب" الأولى؛ فوفقاً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، أدت التعريفات الجمركية إلى تقليص في وظائف التصنيع بنسبة 1.4%. وعلى الرغم من أن بعض المكاسب الطفيفة (0.3%) تحققت من خلال حماية المنتجين المحليين من المنافسة الأجنبية، فإن هذه المكاسب تم محوها بفعل زيادة تكاليف الإنتاج للمصنعين الذين يستخدمون الفولاذ كمادة خام والرسوم الانتقامية المفروضة من قبل الدول الأخرى. ووفقاً لبيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كان هناك نحو 12.4 مليون وظيفة في قطاع التصنيع عندما تولى "ترامب" الرئاسة في عام 2017، وانخفض هذا العدد إلى 12.2 مليون عندما غادر في عام 2021. وتشير تقديرات أكسفورد الاقتصادية في عام 2021 إلى أن الرسوم الجمركية والحرب التجارية الناتجة عنها تسببت في فقدان 245.000 وظيفة وتقليص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5%، بالإضافة إلى انخفاض الدخل الحقيقي للأسر بمقدار 675 دولاراً. ومن ثم تشير هذه الأرقام إلى أن السياسات التجارية القائمة على التعريفات قد يكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد الكلي ومعدلات التوظيف، رغم الهدف المعلن لتعزيز الصناعة المحلية.4– مخاطر على النمو الاقتصادي على المدى الطويل: يحذر الاقتصاديون من أن سياسات التعريفة الجمركية على المدى الطويل قد تعيق النمو الاقتصادي العام؛ حيث تخلق بيئة من عدم اليقين التجاري؛ ما يثني الشركات عن اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأجل؛ فالشركات التي تعتمد على سلاسل الإمداد العالمية قد تتجنب الاستثمار في مشاريع جديدة بسبب التوقعات المجهولة حول السياسات التجارية، كما أن ارتفاع الإنتاج بسبب التعريفات قد تدفع الشركات إلى تقليص استثماراتها في البحث والتطوير؛ ما يقلل الابتكار والنمو المستدام.وتؤدي التعريفات الجمركية إلى تشويه الإنتاج؛ فالشركات المحلية التي تستفيد من الحماية الجمركية قد لا تكون الأكثر كفاءةً في الإنتاج؛ فبدلاً من تحسين عملياتها لتكون أكثر تنافسيةً، قد تعتمد على الحماية الجمركية لتحقيق أرباح أعلى، وهذا يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية والكفاءة في الاقتصاد بشكل عام.5– التأثير على الاتفاقيات التجارية لواشنطن: يمكن أن تُعرِّض التعريفات الجمركية التي اقترحها "ترامب" الاتفاقيات التجارية الحالية للخطر، مثل اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، التي تم تصميمها لتسهيل التجارة المعفاة من التعريفات الجمركية بين الدول الثلاث. ومن شأن التعريفة الجمركية الشاملة أن تنتهك شروط هذه الاتفاقية؛ ما يُعقِّد المفاوضات المستقبلية، ويُحتمَل أن تُزعزع استقرار العلاقات الاقتصادية القائمة، وإن كان الرئيس الأمريكي يرى أن فرض تلك التعريفات يمكن أن يكون وسيلة لتحفيز المفاوضات التجارية؛ حيث تسعى الدول المتأثرة إلى التوصل إلى اتفاقيات جديدة أو تعديل الاتفاقيات القائمة لتجنب التعريفات.6– تنامي المخاوف من اندلاع حرب تجارية جديدة: يرى الخبراء أن فرض الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" الرسوم الجمركية قد يؤدي إلى ردود فعل مماثلة من الدول الأخرى؛ ما يفتح الباب لحرب تجارية مشابهة لما حدث خلال رئاسة "ترامب" الأولى؛ فقد حذرت السفارة الصينية في واشنطن من أن الحرب التجارية "لن تكون في صالح أيٍّ من الطرفين".7– احتمالية خفض معدل التضخم العالمي: تشير تقديرات إلى أن فرض "دونالد ترامب" تعريفات جمركية ضخمة على الواردات الصينية قد يسهم في خفض التضخم العالمي عن طريق تقليل أسعار السلع في دول أخرى؛ ففرض الرئيس المنتخب تعريفات جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية المَبِيعة في الولايات المتحدة، قد يدفع المُصدِّرين الصينيين إلى خفض أسعارهم في أسواق أخرى؛ لضمان الحفاظ على حجم التجارة الحالي.8– تحولات محتملة في ديناميات التجارة الدولية: قد يُجبر فرض الإدارة الجمهورية القادمة تعريفات جمركية على الصين والشركاء التجاريين للولايات المتحدة، على إعادة تقييم استراتيجياتهم التجارية؛ فعلى سبيل المثال، يفكر المصدرون في المملكة المتحدة بالفعل في تنويع أسواقهم للتخفيف من الاعتماد على المستهلكين الأمريكيين الذين قد يواجهون أسعاراً أعلى بسبب التعريفات الجمركية. ويمكن أن يؤدي هذا التحول إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية؛ حيث تسعى الشركات إلى إيجاد بدائل للسوق الأمريكية.مخاطر متوقعةوختاماً، تمثل التعريفات الجمركية التي اقترحها الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" تحولاً في السياسة التجارية الأمريكية التي يمكن أن تعيد تشكيل العلاقات التجارية العالمية بشكل كبير؛ فعلى الرغم من أنه يهدف إلى معالجة قضايا محلية محددة، فإن التداعيات الاقتصادية الأوسع نطاقاً – وتشمل زيادة الأسعار على المستهلكين، والتعريفات الانتقامية المحتملة من الدول الأخرى، واضطرابات سلاسل التوريد العالمية – تشكل مخاطر جسيمة؛ ليس على الاقتصاد الأمريكي فقط، بل أيضاً على ديناميات التجارة الدولية ككل.

ما تداعيات التعريفات الجمركية الأمريكية على كندا والمكسيك والصين؟