ناريمان عبدالفضيل

مع فوز مارك كارني بزعامة الحزب الليبرالي ليصبح رئيساً جديداً للوزراء في كندا، تصاعدت حرب التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة وجارتها الشمالية، التي تعتبر أكبر شريك تجاري لها، وكان ذلك نتيجة الخلاف الحاد الذي تم بين قادة البلدين، والذي انتهى بفرض رسوم تجارية متبادلة على البلدين؛ حيث شملت الرسوم الجمركية الجديدة رفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية التي فرضتها على جميع واردات الصلب والألومنيوم من كندا الشهر الماضي من 25% إلى 50%، في حين أن هذا القرار سيدخل حيز التنفيذ اليوم الأربعاء. وقد ردت كندا على هذه الرسوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الكهرباء التي يستهلكها نحو 1,5 مليون من سكان ولايات ميشيجان ومينيسوتا ونيويورك، وهي الرسوم التي علقتها في وقت لاحق بعد الإعلان عنها.أسباب الخلافيرجع الخلاف بين الولايات المتحدة وكندا منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منصبه في البيت الأبيض في 20 يناير 2025، إلى العديد من الأسباب التي أدت إلى توتر العلاقات بين البلدين، والتي يمكن توضيحها فيما يلي:1– شن ترامب حرباً تجارية على كندا: تعمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ وصوله إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، شن حرب تجارية على كندا؛ وذلك بفرض رسوم جمركية على وارداتها من الألومنيوم والصلب بنسبة 25%، وكان مبرره في ذلك أنها تسببت في حدوث أزمة المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكتفِ بذلك، بل قرر يوم الثلاثاء الماضي أنه سيضاعف الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الصلب والألومنيوم من كندا من 25% إلى 50% بدءاً من أمس الأربعاء. وهذا الأمر تسبب في غضب كندا؛ ما جعلها تهدد الولايات المتحدة بأنها ستفرض رسوماً جمركيةً مماثلةً عليها؛ ما دفع ترامب إلى التراجع عن رفع الرسوم الجمركية، مهدداً كندا بدفع ثمن باهظ لتهديدها بقطع الكهرباء عن الولايات الأمريكية.2– تهديد كندا بقطع الكهرباء عن واشنطن: هدد رئيس مقاطعة أونتاريو الكندية دوج فورد بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على أسعار الكهرباء المصدرة إلى كل من ولاية مينيسوتا وميشيجان ونيويورك، بجانب تهديده الولايات المتحدة بقطع إمدادات الكهرباء عنها، وكان ذلك رداً على القرارات التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة. وجدير بالذكر أن رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو أكد أنه لن يتردد في زيادة هذه الرسوم إذا صعَّدت الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية عليها، فضلاً عن إعرابه عن أسفه للشعب الأمريكي الذي وصفه بأنه لم يبدأ هذه الحرب التجارية، لكنه سيتحمل نتيجة أفعال رئيسه دونالد ترامب، وأن هذه التصريحات والقرارات أثارت غضب ترامب؛ ما جعله يهدد على منصته سوشيال تروث بإعلان حالة الطوارئ الوطنية في الولايات الثلاثة المتضررة من قطع الكهرباء.3– تسبُّب كندا في أزمة المخدرات والهجرة غير الشرعية في واشنطن: فقد يرجع السبب في شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحرب التجارية على كندا، إلى اعتقاده بأن كندا تسببت في دخول المخدرات، وخاصةً مخدر الفنتانيل الذي دمَّر واجتاح الولايات المتحدة؛ وكان ذلك عن طريق الحدود الشمالية للولايات المتحدة مع كندا، بجانب أنها تسببت في دخول الآلاف من المهاجرين غير القانونيين إلى الولايات المتحدة، وهو ما تعاني منه الولايات المتحدة حتى الآن؛ لذلك قام بفرض الرسوم الجمركية عليها لكي تكف عن تهريبها للمخدرات إلى الولايات المتحدة، وأن تتصدى لدخول المهاجرين غير الشرعيين في الولايات أيضاً، فضلاً عن أنه يرى أن هذه السياسات ستحافظ على أمن واشنطن، وعلى مواطنيها.4– فرض كندا رسوماً جمركية على منتجات الألبان الأمريكية: فقد يرجع أيضاً سبب الخلاف بين البلدين، إلى قيام كندا بفرض رسوم جمركية على منتجات الألبان الأمريكية. وهذه الرسوم أثارت غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ ما جعله يدعو كندا إلى إسقاط الرسوم الجمركية التي فرضتها على منتجات الألبان الأمريكية، والتي وصفها بـ"الرسوم المناهضة للمزارعين الأمريكيين"، كما أنه هدد بفرض رسوم جمركية كبيرة على السيارات المستوردة إذا لم تُسقط كندا هذه الرسوم الجمركية.5– استمرار كندا في إبقاء الرسوم الجمركية على واشنطن: أرادت كندا تصعيد الحرب التجارية مع واشنطن؛ وذلك من خلال تعهد رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني، بأنه سيُبقي على الرسوم الجمركية الكندية الانتقامية سارية المفعول حتى يُظهر الأمريكيون الاحترام ويقدموا التزامات موثوقة؛ وذلك لأنه اعتبر أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي هجوم على العمال والأسر الكندية.5– تصريحات ترامب بشأن ضم كندا إلى الولايات المتحدة: فقد يكون السبب الرئيسي في قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية باستمرار على كندا، هو رغبته في ضم ثاني أكبر دولة في العالم إلى الولايات المتحدة؛ وذلك لتحقيق حلمه الذي يرغب فيه، وهو توسيع الأراضي الأمريكية؛ حيث إن ترامب منذ توليه منصبه في البيت الأبيض، صرح مراراً وتكراراً بأنه سيعمل على ضم كندا إلى الولايات المتحدة لتصبح بذلك كندا الولاية الـ51 الأمريكية، وقد يرجع البعض سبب تمسك ترامب بضم كندا للولايات المتحدة إلى أسباب عديدة من بينها أنها تصفية لحسابات شخصية بعد تعثر مشاريعه الفندقية هناك، أو أنها نتيجة توتر علاقته مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أو لأن كندا تمتلك الكثير من الموارد المعدنية التي يريد ترامب استغلالها لكي تتصدر الولايات المتحدة المشهد العالمي.لذلك فإنه عقب استقالة رئيس الوزراء الكندي من منصبه جاستن ترودو صرح ترامب بأنه "يحب العديد من الناس في كندا أن يصبحوا الولاية الأمريكية الحادية والخمسين"، وهذا الأمر أزعج رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني، وجعله يصرح بأن بلاده لن تصبح أبداً جزءاً من الولايات المتحدة، وأنها ستفوز بالحرب التجارية مع واشنطن.سيناريوهات محتملةهناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة الحدوث عقب فوز رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الرافض لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذه السيناريوهات يمكن توضيحها فيما يلي:1– تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وكندا: وفي هذا السيناريو، من المتوقع أن تتصاعد الحرب التجارية بين البلدين؛ وذلك نتيجة تشبث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضم كندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وزيادة الرسوم الجمركية على كندا بشكل كبير، ولا سيما الرسوم على واردات السيارات الكندية في 2 أبريل المقبل، وهي الخطوة التي يرى أنها ستؤدي إلى الإغلاق الدائم لصناعة السيارات الكندية، في حين أن كندا من خلال رئيس وزرائها الجديد مارك كارني ترفض دعوات ضمها إلى الولايات المتحدة، بجانب تهديد رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو دوج فورد بأنه سيزيد الرسوم الجمركية على الكهرباء إذا استمرت الولايات المتحدة في فرضها رسوماً جمركية إضافية.2– ضم كندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية: وهو سيناريو مستبعد؛ بسبب المواقف الشعبية الكندية الرافضة لهذا السيناريو والمقاومة الكندية الشديدة. ووفقاً لهذا الافتراض فإن من المحتمل أن تضطر السلطات الكندية إلى الموافقة على دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ وذلك من أجل التخلص من الرسوم الجمركية التي ستفرضها الولايات المتحدة عليها باستمرار من أجل إضعاف قوتها الاقتصادية؛ وذلك استناداً إلى تصريحات الرئيس الأمريكي التي أكد فيها أن ضم كندا إلى الولايات المتحدة سيجعل كل التعريفات الجمركية تختفي تماماً بين البلدين.3– تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين: وفي هذا السيناريو، من المرجح أن يصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني إلى حل وسط بينهما يقضي بأن تعطي كندا الحق للولايات المتحدة الأمريكية في أن تنتفع بالموارد المعدنية والطبيعية التي تمتلكها، ويكون ذلك مقابل أن يوقف الرئيس الأمريكي الحرب التجارية التي شنها عليها منذ توليه منصبه.ضم كنداوختاماً، يمكن القول إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيستمر في فرضه الرسوم الجمركية على المنتجات الكندية؛ وذلك من أجل إضعاف قوتها الاقتصادية، وإجبارها على عقد صفقة معه بخصوص تقاسم الثروات المعدنية أو تقديم مكاسب ملموسة للولايات المتحدة، أو في السيناريو الأكثر حدةً القبول بالانضمام إلى الولايات المتحدة؛ وذلك لأن ترامب معروف بإصراره على مواقفه، وخاصةً إذا كان الأمر سيحقق له منفعة؛ وذلك لأن كندا تعتبر واحدة من أغنى الاحتياطيات المعدنية في العالم، وضمه لها سيجعل واشنطن لاعباً رئيسياً في سوق الموارد الطبيعية، بما يحقق مكاسب متعددة للولايات المتحدة، ويعزز امتدادها الجغرافي في قارة أمريكا الشمالية.

مسار العلاقات الأمريكية الكندية بعد فوز مارك كارني