عقد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية"، حلقة نقاشية بعنوان "حسابات أنجمينا: اتجاهات الانتخابات التشريعية في تشاد"، وهي الحلقة التي استضاف فيها المركز د. حسن كلي ورتي، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة هيك، تشاد. وقد تناولت الحلقة بعض القضايا والتوقعات البارزة بشأن الانتخابات التشريعية التشادية المقرر انعقادها في 29 ديسمبر 2024م.

السياق السياسي

تأتي الانتخابات التشريعية في تشاد على خلفية اضطرابات سياسية شهدتها البلاد والمنطقة خلال الأعوام القليلة الماضية. واستعرض المتحدث الرئيسي ملامح هذا السياق المحيط بالانتخابات على النحو التالي:

1- أول انتخابات تشريعية بعد المرحلة الانتقالية: أشار المتحدث الرئيسي إلى اغتيال الرئيس السابق إدريس ديبي، في أبريل 2021م، على يد مجموعة مسلحة تسمى "جبهة التغيير والوفاق" مما خلق فراغاً دستورياً في البلاد، استتبع نقل منصب رئيس الجمهورية إلى رئيس الجمعية الوطنية، هارون كبادي، الذي رفض استلام زمام الأمور بسبب تقدمه في السن ومرضه. وبالتالي، واجهت تشاد مشهداً غير متوقع واستثنائياً، ما دفع نحو تشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسة نجل الرئيس السابق، ليضم 15 عضواً من قيادات الجيش الوطني، صدر عنه ميثاق انتقالي نشأت بموجبه أجهزة انتقالية، منها المجلس العسكري الانتقالي، والمجلس الوطني، إضافةً إلى الحكومة الانتقالية.

وفي مايو 2024م، فاز نجل الرئيس الراحل، محمد إدريس ديبي، بالرئاسة بعد حصوله على 61% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التشادية. ومن المفترض أن تكون الانتخابات التشريعية المقبلة المرتقبة في 29 ديسمبر 2024م، هي الأولى بعد تلك التطورات، لتشكل ملامح المرحلة السياسية المقبلة.

2- انتشار الانقلابات العسكرية في دول الساحل الأفريقي: أوضح المتحدث الرئيسي أن الانتخابات التشريعية التشادية لعام 2024م، تأتي على خلفية فترة من الاضطرابات السياسية العنيفة التي شهدتها دول الساحل الأفريقي، ومنها تشاد، حيث انتشرت الانقلابات العسكرية منذ عام 2021م. ففي أغسطس 2020م، أطاح الجيش المالي بالرئيس "إبراهيم بوبكر كيتا" بعد احتجاجات شعبية واسعة. وتلا ذلك انقلاب ثانٍ في مايو 2021م، حيث أُجبر الرئيس الانتقالي "باه نداو" على الاستقالة، مما أدى إلى تعزيز سيطرة العسكريين على السلطة.

وذلك بالإضافة إلى الانقلاب الذي أطاح بالرئيس "ألفا كوندي" في غينيا بعد الاحتجاجات الواسعة التي تلت تعديله للدستور من أجل السماح بترشحه لولاية رئاسية ثالثة. وأعقب ذلك عدة انقلابات في دول أخرى مثل بوركينافاسو والنيجر والجابون لتعكس تحديات سياسية وأمنية عميقة في المنطقة، وتثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية والاستقرار في الساحل الأفريقي.

3- منح التشاديين بالخارج حق التصويت في الانتخابات لأول مرة: طرأت بعض المستجدات في النصوص الدستورية حول الانتخابات التشريعية لأول مرة في تاريخ جمهورية تشاد، إذ تنص المادة 121 من الدستور الجديد، الصادر في ديسمبر 2023م، على منح التشاديين في الخارج حق التمثيل بالجمعية الوطنية، بعدما لم يكن للتشاديين في الخارج حق التصويت أو التمثيل.

4- استحداث مجلس شيوخ ضمن مُخرجات الحوار الوطني: تُعد تلك الانتخابات هي الأولى بعد استحداث مجلس للشيوخ. ففي السابق، كانت الجمعية الوطنية عبارة عن مجلس نواب فقط، لكن شملت مُخرجات الحوار الوطني، الذي عقد خلال الفترة الانتقالية، استحداث مجلس شيوخ، ويحمل أعضاء المجلس لقب "سيناتور".

خريطة المشاركين

حدد المتحدث الرئيسي خريطة القوى السياسية الرئيسية في انتخابات تشاد، وأبرزها ما يلي:

1- أدوار سياسية مهمة لحزب "الاتحاد الوطني من أجل التنمية والتجديد": يُعد حزب الاتحاد الوطني من أجل التنمية والتجديد حزباً قديماً تم تأسيسه في عهد ديبي، وشغل رئيسه في الفترة الانتقالية الأولى رئاسة الحكومة. وهو حزب لديه شعبية كبيرة، وكان قد لعب أدواراً سياسية مهمة في البلاد.

2- تجربة رئاسية مؤقتة لمؤسس "التجمع من أجل الديمقراطية والتقدم": لفت المتحدث الرئيسي إلى حزب التجمع من أجل الديمقراطية والتقدم، وهو حزب قديم وله ثقل سياسي، وحكم مؤسسه لول محمد شوا تشاد بشكل مؤقت خلال عام 1979م، في مرحلة انتقالية لاحتواء الصراع على السلطة بين الشماليين والجنوبيين.

3- تطلُّع "الحركة الوطنية للإنقاذ" إلى الحصول على أغلبية الأصوات: أشار المتحدث الرئيسي إلى الحركة الوطنية للإنقاذ، بوصفها حركة غيرت النظام السياسي القديم بقيادة إدريس ديبي، وستشارك في هذه الانتخابات بقوة. وتتطلع الحركة الوطنية للإنقاذ إلى الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان التشادي، من أجل إدارة المرحلة المقبلة. خاصةً أنها حصلت بالفعل على الأغلبية في آخر استحقاقين انتخابيين.

4- مشاركة بعض الأحزاب لأول مرة في الانتخابات التشادية: أفاد المتحدث الرئيسي بأن هناك أحزاباً تشارك في الانتخابات التشريعية التشادية لأول مرة، مثل حزب الشعب من أجل التغيير الديمقراطي، الذي تم تأسيسه عام 2016م، لكنه لم يشارك في أي انتخابات في البلاد من قبل، وله شعبية ملحوظة، لكن ليست لديه أيديولوجيا واضحة، إذ أحياناً يُلاحظ في خطاباته أنه يعارض النظام معارضة شديدة، وأحياناً أخرى يصدر خطابات مرنة. أما الحزب الآخر فهو حزب السلام والتماسك الاجتماعي الذي أسسه مصطفى المصري، والذي يتقلد منصب نائب أمين عام برئاسة الجمهورية، والذي كان معارضاً لنظام "ديبي" الأب.

5- لجوء أحزاب سياسية إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية: لفت المتحدث الرئيسي إلى اتخاذ بعض الأحزاب السياسية قراراً بمقاطعة الانتخابات التشريعية بشكل نهائي، منها حزب "الموحدون"، حيث يزعم أنه فاز في الانتخابات الرئاسية السابقة، ويتهم السلطات التشادية بالتلاعب بنتائج الانتخابات.

6- منع الأمين العام للحركة الوطنية للإنقاذ من خوض الانتخابات: أشار المتحدث الرئيسي إلى بعض جوانب الضبابية التي تُحيط بالمشهد الانتخابي في تشاد. فعلى سبيل المثال، قبيل تقديم ملفات المرشحين للمفوضية الوطنية لإدارة الانتخابات، صدر قرار بإبعاد أمين عام الحركة الوطنية للإنقاذ من الانتخابات، تحت وطأة اتهامه باختلاس أموال الدولة التشادية في عهد "ديبي"، ووجوب تقديمه للمحاكمة، لافتاً إلى أنه لا يمكنه الترشح للانتخابات. واعتبر المتحدث الرئيسي أن ذلك القرار يمثّل سابقة مهمة، نظراً لثقل الحركة في العملية السياسية التشادية.

قضايا انتخابية

أشار المتحدث الرئيسي إلى بعض القضايا التي تتصدر أولويات الناخبين في تشاد، ومن بينها:

1- قلق المواطنين التشاديين من تنامي التهديدات الأمنية: تواجه تشاد تهديدات أمنية من قِبل بعض الجماعات الإرهابية، وهي مهددة كذلك من قبل حركات التمرد المسلحة على الحدود، وهي قضية تثير شواغل الناخبين. وخاصةً مع طرد القوات الفرنسية، وإجلاء قواعدها العسكرية من تشاد، بعدما طُردت القوات الفرنسية من مالي وبوركينافاسو ونيجيريا.

ويتوقع مراقبون أن تحاول فرنسا الحفاظ على نفوذها من خلال لعب أدوار سياسية غير مباشرة في البلاد، وهناك مخاوف من أن يثير ذلك بعض التوترات السياسية والأمنية من خلال صنع قلاقل داخلية، أو خلق معارضة مسلحة وتزويد الجماعات المتطرفة بالسلاح في منطقة حوض بحيرة تشاد أو الساحل الأفريقي.

2- مخاوف من تداعيات الحرب الأهلية في السودان: أوضح المتحدث الرئيسي أن تشاد تعيش حالة من التوتر المتصاعد جراء تداعيات الصراع السوداني على حدودها الطويلة والهشة مع السودان، مما دفع المجلس العسكري الحاكم بقيادة "محمد إدريس ديبي" إلى تعزيز تحركاته الدبلوماسية والعسكرية.

وتركزت هذه التحركات على تكثيف الطلعات الجوية على الحدود، والتنسيق الاستخباراتي مع الولايات المتحدة لمواجهة تهديدات "فاجنر" الروسية. كما أجرى "ديبي" مشاورات مع مصر وجنوب السودان لتعزيز دور دول الجوار السوداني في احتواء الأزمة. وتعكس هذه التحركات قلق تشاد من تكرار سيناريو صراع دارفور عام 2003م، الذي امتد إلى أراضيها، ومن إمكانية استغلال المعارضة المسلحة التشادية للأوضاع الحالية. ومع وجود تهديدات إقليمية وداخلية، قد يؤدي ذلك إلى تمديد المرحلة الانتقالية، وزيادة خطر الفوضى الأمنية والسياسية في البلاد.

3- التطلّع نحو الحد من الانقسامات القبلية في تشاد: يُعد الصراع القبلي في تشاد أحد المحركات الرئيسية للأزمات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد. ووفق المتحدث الرئيسي، ساهم "إدريس ديبي" في تأجيج التوترات من خلال تعزيز نفوذ قبيلته "الزغاوة" على حساب الآخرين، ما أدى إلى تشكيل حركات تمرد قبلية. ومن أبرز هذه الحركات "جبهة التغيير"، التي أُسست عام 2016م، وشاركت في هجمات عسكرية كبيرة، و"مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" المنشق عن الزغاوة، بالإضافة إلى "الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة" التي تنتمي إلى قبائل التبو.

وإلى جانب التوترات الداخلية، تشهد تشاد تشابكات إقليمية تزيد من هشاشتها. فبينما تواجه ضغوطاً من المتمردين المتمركزين في جنوب ليبيا، تسعى الحكومة بقيادة المجلس العسكري الانتقالي برئاسة محمد إدريس ديبي، نجل الرئيس الراحل، لاحتواء الأوضاع عبر الحوار الوطني؛ إلا أن هذه الجهود قوبلت بمعارضة من قبائل وجماعات مسلحة رفضت نتائج الحوار.

4- الرغبة في التخفيف من التحديات الاقتصادية الملحّة: تواجه تشاد تحديات اقتصادية متعددة تعيق الطموحات التنموية. ومن أبرز هذه التحديات ارتفاع معدل التضخم إلى 12.1% في يوليو 2024، مما يزيد الضغوط على القدرة الشرائية للمواطنين التشاديين. بالإضافة إلى ذلك، تعاني البلاد من انقطاعات متكررة في الكهرباء، حيث تغطي العاصمة أنجمينا حوالي 41% فقط من احتياجاتها الكهربائية. بالإضافة إلى ذلك، تعاني تشاد من ضعف البنية التحتية، مما يعيق حركة التجارة والنقل. وتعاني تشاد من ارتفاع معدلات الفقر، حيث يعيش 46.7% من السكان تحت خط الفقر. كما أن الديون الخارجية تشكل عبئاً على الاقتصاد.

5- تراجُع ظاهرة شراء الأصوات مقابل الاهتمام بمشاريع الأحزاب: لفت المتحدث الرئيسي إلى أن الشعب التشادي أصبح يهتم بمن لديه مشاريع تنموية حقيقية على الأرض، حيث تنظم الأحزاب السياسية محاضرات وحوارات ومؤتمرات داخل مقرات الأحزاب. لافتاً إلى أنه في السابق لم تكن هناك استراتيجية جيدة للأحزاب، وكانت تعتمد على تقديم مساعدات عينية ومالية للمواطنين، لجذب أصوات الناخبين. لكن لم يعد يقبل الكثيرون بالمساعدات في مقابل الأصوات. وبالتالي كلما كان الحزب صاحب مشروع ورؤية يُقنع المواطنين به زادت فرص حصوله على عدد كبير من الأصوات.

سيناريوهات محتملة

قدّم المتحدث الرئيسي بعض السيناريوهات الرئيسية المحتمل أن تنتج عن الانتخابات التشريعية القادمة في تشاد، وذلك على النحو التالي:

1- تحقيق "الحركة الوطنية للإنقاذ" أغلبية برلمانية ساحقة: اعتبر المتحدث الرئيسي أن تحقيق الحركة الوطنية للإنقاذ أغلبية ساحقة في الانتخابات التشريعية التشادية يُعد هو السيناريو الأكثر ترجيحاً لما تتمتع به من شعبية كبيرة داخل البلاد. كما أن فوز الحركة وغيرها من التحالفات التي تدعم النظام الحالي سيعزز من سلاسة المرحلة الانتقالية التي طال أمدها، وسيمهّد الطريق لإتمام الانتخابات المحلية في موعدها.

كما سيفتح ذلك الباب للعمل على تخفيف المشكلات الاقتصادية التي تفاقمت مع الفراغ السياسي في البلاد وتداعيات جائحة فيروس كوفيد-19. إلا أن استمرار الغضب من قِبل المعارضة، ومقاطعة بعض الأحزاب للانتخابات، وعدم التمثيل الكافي لهم في التشكيل الجديد للبرلمان قد يعرقل هذا السيناريو.

2- تمديد الفترة الانتقالية نتيجة عدم بلورة أغلبية برلمانية: لفت المتحدث الرئيسي إلى سيناريو آخر ينطلق من أنه مع كثرة عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات والتي يصل عددها إلى 150 حزباً يمثلون أكثر من 250 مجموعة عرقية، قد يصعب الحصول على أغلبية ساحقة في تلك الانتخابات، إلا أن هذا السيناريو -وفقاً له- أقل ترجيحاً من السيناريو الأول.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك بعض العوامل التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وعلى رأسها الانقسامات بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات، والتي قد تهدد التوافق بينهم، ولا سيما مع زيادة التهديدات الأمنية التي تواجهها البلاد سواء خارجياً أو داخلياً.

3- تشكيل برلمان يعكس توازنات سياسية جديدة: لفت المتحدث الرئيسي إلى أن الانتخابات التشريعية التشادية لعام 2024م، تُعد الأولى من نوعها التي تتم منذ عام 2011م، نتيجة للتحديات الأمنية والاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال العقد الماضي. ويشير ذلك إلى ظهور فرص جديدة لتكوين توافقات سياسية بين أطراف مختلفة، ولا سيما مع مشاركة أحزاب جديدة لأول مرة في الانتخابات، وعزوف البعض الآخر عن المشاركة، فضلاً عن تركيز الناخبين على القضايا التي تهمهم دون الاعتماد على المساعدات العينية والنقدية، فكل تلك العوامل من المتوقع أن تُنتج برلماناً ذا توازنات سياسية جديدة في البلاد.

انتخابات فارقة

ختاماً، لفت المتحدث الرئيسي إلى أهمية الانتخابات التشريعية التشادية المقرر انعقادها أواخر ديمسبر 2024م، باعتبارها ليست فقط الانتخابات الأولى بعد مقتل الرئيس "إدريس ديبي"، بل إنها أيضاً تُعد الانتخابات الأولى منذ عام 2011م، بما قد يضع أنجمينا على طريق الانتخابات العامة الدورية من جديد، أو يعمّق من التحديات السياسية الحالية.

اتجاهات الانتخابات التشريعية في تشاد (حلقة نقاش)