إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تقوم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بزيارة رسمية ثالثة إلى تونس في 17 أبريل 2024؛ حيث سبقتها زيارتان متلاحقتان في يونيو 2023: واحدة على رأس وفد إيطالي، وأخرى برفقة رئيسة المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وتستهدف الزيارة المقبلة إجراء محادثات موسعة مع الرئيس التونسي قيس سعيّد، حول آليات مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومحاولة تحصين الحدود البحرية الإيطالية أمام المحاولات المستمرة للهجرة الجماعية غير الشرعية، وهي القضية التي باتت تثير قلقاً ملحوظاً لدى روما على كافة الصُّعُد، بسبب ارتداداتها السلبية على الأمن القومي الإيطالي، فضلاً عن تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية. وتمارس روما، منذ عدة أشهر، ضغوطاً قوية على الاتحاد الأوروبي من أجل تقديم دعم اقتصادي لتونس، وتعزيز قدرة حكومتها على احتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية، التي يمكن أن تؤثر على جهودها في منع تدفق الهجرة غير النظامية من السواحل التونسية إلى القارة الأوروبية.&nbsp;أهداف متعددةتسعى إيطاليا، عبر توسيع نطاق التعاون الثنائي مع تونس، إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها فيما يلي:1– ضبط تدفقات الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى أوروبا: يشكل ملف الهجرة واحداً من أهم أولويات روما في التوقيت الحالي، وهو ما يفسر مرافقة ماتيو بيانتيدوزي وزير الداخلية الإيطالي لرئيسة الوزراء جورجيا ميلوني خلال زيارتها إلى تونس؛ حيث يتولى ماتيو ملف الهجرة. وقد أعلنت ميلوني قبل زيارتها إلى تونس أن بلادها ستواصل جهودها، بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين، لدعم الإجراءات التي تتخذها تونس في مكافحة الهجرة غير الشرعية؛ وذلك من خلال توفير مزيد من المخصصات المالية للأخيرة، خاصةً أن تونس باتت تشكل معبراً رئيسياً للهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي.ووفقاً لتقديرات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر السواحل التونسية في نهاية عام 2023 إلى 17 ألفاً و322، من بينهم أكثر من أربعة آلاف قاصر.2– إقناع تونس بإقامة مراكز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين: تستهدف زيارة ميلوني إقناع الحكومة التونسية بالموافقة على إنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين في تونس على غرار الموجودة في إيطاليا. ورغم رفض تونس المحاولات الإيطالية في وقت سابق من أجل تعزيز فرص بناء هذه المراكز، فإن روما تواصل ضغوطها، لا سيما أن تونس تحولت إلى نقطة عبور رئيسية للهجرة غير النظامية في عام 2023، خاصةً بعد الإجراءات التي اتخذتها السلطات في ليبيا واليونان، والتي أدت إلى تقييد عمليات الهجرة غير الشرعية عبر الدولتين.بيد أن تحقيق هذه الهدف يبدو مستبعداً في التوقيت الحالي. وكان لافتاً في هذا الصدد التصريحات التي أدلى بها الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 14 أبريل 2024؛ حين أعلن رفض بلاده أن تكون معبراً أو مستقراً للهجرة غير النظامية، في موقف يستبق زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية؛ وذلك كرد فعل على اتجاه الدول الأوروبية إلى إجراء تعديل في السياسات الخاصة بالهجرة، بحيث تتضمن الإجراءات الجديدة ترحيل المهاجرين إما إلى الدول الأصلية، وإما إلى دول العبور التي وصلوا عبرها.3– تعزيز موقع الرئيس التونسي قيس سعيد داخلياً: تعكس زيارة ميلوني إلى تونس في التوقيت الحالي، التي تتزامن مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية في تونس المقرر لها في سبتمبر أو أكتوبر 2024، رغبة روما في دعم استمرار الرئيس قيس سعيّد في السلطة خلال المرحلة المقبلة. وهنا يمكن فهم الجهود التي بذلتها روما لإقناع الاتحاد الأوروبي في مارس 2024 بالإعلان عن دعم تونس بنحو 164.5 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات للمساعدة في الحد من الهجرة.كما تجدر الإشارة إلى أن إيطاليا تضغط بشدة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي لتقديم مساعدات عاجلة لتونس التي تعاني أزمة مالية غير مسبوقة؛ بفعل تصاعد معدلات التضخم، وتراجع سعر العملة المحلية (الدينار)، كما تدفع روما باتجاه إقناع صندوق النقد للموافقة على منح تونس قرضاً بقيمة 1.9 مليار دولار. والأرجح أن التحركات الإيطالية الداعمة للرئيس قيس سعيّد، يمكن أن تساهم في تقليص حدة الضغوط الداخلية التي يتعرض لها، والتي تتوازى مع استمرار حالة الاستقطاب السياسي التي تشهدها الساحة التونسية، خاصةً في ظل تصاعد دعاوى بعض القوى الرافضة لاستمرار الرئيس سعيّد في السلطة خلال المرحلة المقبلة، واتهامه بالفشل في معالجة الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد، فضلاً عن السعي إلى تحييد خصومه السياسيين خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.4– احتواء تراجع شعبية "حكومة ميلوني" بسبب ملف الهجرة: رغم الجهود التي بذلتها حكومة ميلوني طوال العامين الماضيين لضبط عمليات الهجرة غير الشرعية، فإنها لم تتمكن من تحقيق ذلك بشكل جذري، على نحو يبدو جلياً في استمرار تدفق أعداد من المهاجرين غير الشرعيين إلى السواحل الإيطالية.وقد ساهم تفاقُم أزمة الهجرة غير النظامية – الذي عبَّر عنه وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوزي بإقراره في 31 ديسمبر الماضي بالفشل في مواجهتها – في تراجُع الرصيد التقليدي لرئيسة الوزراء ميلوني في الداخل الإيطالي، وهو ما انعكس في حملةٍ شنتها وسائل إعلام إيطالية ضد الأخيرة، اتهمتها خلالها بالفشل في تنفيذ "مذكرة التفاهم" التي وقعتها حكومتها، في يونيو 2023، مع تونس من أجل التصدي للهجرة غير النظامية، وهي المذكرة التي سبق أن اعتبرتها ميلوني نموذجاً لتأسيس شراكة فعلية بين تونس والاتحاد الأوروبي، وإنجازاً لبرنامجها في التصدي لهذه المعضلة.5– تحييد النفوذ الفرنسي في منطقة شمال أفريقيا: ترتبط زيارة ميلوني إلى تونس في هذا التوقيت بالجهود التي تبذلها روما من أجل تحييد الحضور الفرنسي في منطقة شمال أفريقيا، لا سيما أن باريس عملت منذ تراجع نفوذها التقليدي في غرب أفريقيا، خاصةً بعد الانقلابات العسكرية المتتالية التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو والنيجر، على تطوير علاقاتها مع دول المغرب العربي، وخاصةً تونس التي تعتبر شريكاً رئيسياً لها. وفي رؤية باريس، فإن مكافحة الهجرة غير الشرعية يمكن أن تمثل مدخلاً لترسيخ نفوذها في تونس؛ لذلك أعلنت الوكالة الفرنسية للتنمية، في 28 مارس 2024، عن تخصيص مساعدات مالية للحكومة التونسية بقيمة 5 ملايين يورو، في شكل "هبة" لصالح مشروع تعزيز حوكمة الهجرة غير الشرعية، ودعم مسارات إعادة الإدماج المستدام للمهاجرين العائدين.وفي هذا السياق، يمكن فهم تحركات روما لتأمين نفوذها في تونس، ومحاولة احتواء الجهود التي تبذلها باريس. ومن هنا، سعت ميلوني، خلال الفترة الماضية، إلى تعزيز علاقاتها مع تونس، خاصةً أنها تعي أن زيادة النفوذ الفرنسي على الساحة التونسية يُقوِّض حضور روما في شمال أفريقيا. انعكاسات محتملةيُتوقع أن تفرض زيارة ميلوني إلى تونس تداعيات عديدة؛ يتمثل أولها في تكريس محورية الدور التونسي في الاستراتيجية الإيطالية لمكافحة عمليات الهجرة غير الشرعية، وهو ما عكسته تصريحات ميلوني التي عبَّرت فيها عن تقديرها للدور الذي تمارسه الحكومة التونسية في مكافحة عمليات اجتياز الحدود نحو السواحل الإيطالية. ولذلك يُتوقَّع أن تُقدِّم إيطاليا مزيداً من المساعدات المالية لتونس خلال المرحلة المقبلة لتعزيز قدراتها في مجال تأمين الحدود البحرية؛ لضمان حماية الحدود الجنوبية لإيطاليا.وينصرف ثانيها إلى تزايد احتمالات تراجع الانتقادات الغربية لتونس في بعض الملفات الداخلية، خاصةً ما يتعلق بالحريات والأوضاع الحقوقية، وهو ما يعني تقليص حدة الضغوط الغربية التي كانت تثير قلقاً واضحاً لدى تونس قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.ويتعلق ثالثها بتعزيز فرص حصول تونس على مزيد من المساعدات الأوروبية خلال المرحلة المقبلة، وهو ما قد يساهم في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.تطلعات إيطاليةختاماً، يمكن القول إن ثمة تطلعات إيطالية، لا تستهدف فقط تعزيز الدور التونسي في مكافحة عمليات الهجرة غير النظامية التي تفرض تحديات أمنية واقتصادية على حكومة ميلوني التي خسرت قسماً من شعبيتها على خلفية الفشل في وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين، بل تستهدف تأمين حضور روما في منطقة المغرب العربي، وخاصةً تونس، في ظل تنامي أدوار العديد من القوى الدولية، على غرار فرنسا، على نحو يُرجَّح معه أن تشهد المرحلة المقبلة مزيداً من التحركات الإيطالية تجاه رفع مستوى الدعم المقدم إلى تونس.

لماذا تحرص إيطاليا على تطوير العلاقات مع تونس؟