إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

رغم نبرة التفاؤل التي اتسمت بها التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإيرانيون بعد انعقاد الاجتماع التمهيدي للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في العاصمة العُمانية مسقط في 12 أبريل 2025، التي كان لها دور في تعزيز قوة العملة الوطنية (التومان) أمام الدولار؛ حيث وصل الأخير إلى نحو 87 ألف تومان بعد أن كان قد تجاوز 107 آلاف تومان قبل أسبوع؛ فإن ذلك لم يمنع المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي من إبداء تصريحات اتَّسمت بالتشدد إزاء المفاوضات مع واشنطن والنتائج التي يمكن أن تسفر عنها. ففي لقائه مع وزراء الحكومة ونواب مجلس الشورى وأعضاء السلطة القضائية بمناسبة العام الإيراني الجديد؛ قال المرشد خامنئي، في 15 أبريل 2025: "إننا متشائمون من الطرف الثاني" (في إشارةٍ إلى الولايات المتحدة الأمريكية)، داعياً مسؤولي الدولة إلى عدم تكرار الخطأ الذي وقعوا فيه خلال الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015، خاصةً فيما يتعلق بربط مصير البلاد بنتائج المفاوضات، مؤكداً أن مسار عمل الدولة يجب أن يستمر بصرف النظر عن النتائج التي يمكن أن تصل إليها المفاوضات.وكان لافتاً أن وسائل الإعلام القريبة من تيار المحافظين الأصوليين، شنَّت بالتوازي مع تصريحات خامنئي حملة جديدة ضد المفاوضات والمؤيدين لها في الداخل، على نحوٍ يوحي بأن القيادة العليا للدولة منحت الضوء الأخضر لتبني هذا التوجه، قبل أن تبدأ الجولة الجديدة من المفاوضات في مسقط في 19 أبريل 2025؛ إذ نشر الكاتب الأصولي جعفر بلوري مقالاً في صحيفة "كيهان" بعنوان "الدكتاتوريون الصغار"، هاجم فيه المؤيدين للمفاوضات، ووصفهم بأنهم "سُذَّج" و"مرضى"، مشيراً إلى أنهم لم يتعلموا من "الدرس القاسي" للاتفاق النووي الذي قدَّمت إيران فيه تنازلات كبيرة، ثم انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب في 8 مايو 2018.&nbsp;أسباب عديدةيمكن تفسير أسباب تشدُّد خامنئي إزاء المفاوضات التي تجري حالياً مع الولايات المتحدة الأمريكية في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:1- رفض دعوات الانخراط الأمريكي في الاستثمارات: كان لافتاً أنه بالتوازي مع انعقاد الاجتماع الأوَّلي بين إيران والولايات المتحدة الامريكية في مسقط، بدأت دعوات عديدة تظهر على الساحة الداخلية الإيرانية لفتح المجال أمام الاستثمارات الأمريكية؛ حيث استند المؤيدون لتلك الدعوات إلى ما أطلقوا عليها "العقلية التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب". وقد بدا ذلك جلياً في التصريحات التي أدلى بها حسين مرعشي الأمين العام لحزب "كوادر البناء"، التي قال فيها إن هناك مشروعاً إيرانياً يقدر بـ2.5 تريليون دولار دعا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى مناقشته مع المسؤولين الأمريكيين الذين التقاهم في مسقط في 12 أبريل 2015. وفي رؤية خامنئي، فإن ذلك قد يمثل "وصفة ممتازة" للانهيار، وقد سبق أن رفض استقطاب الاستثمارات الأمريكية، أو السماح للشركات الأمريكية بفتح فروع لها داخل إيران، في مرحلة ما بعد الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015؛ حيث اعتبر أن سماح الاتحاد السوفييتي بذلك كان بداية انهياره في النهاية.2- تعزيز الموقع التفاوضي لوزير الخارجية عباس عراقجي: يرى خامنئي أن هذا الموقف المتشدد يمكن أن يساهم في تعزيز الموقع التفاوضي لوفد التفاوض برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي منحه الصلاحيات الكاملة للوصول إلى صفقة حول البرنامج النووي الإيراني، دون أن يزاحمه في هذا الصدد بشخصيات تابعة له مباشرةً، مثل مستشاره علي لاريجاني. ويعني ذلك أن خامنئي يتوقع أن يستغل الوفد الأمريكي المفاوضات من أجل ممارسة ضغوط قوية على الوفد الإيراني للحصول على تنازلات نوعية في القضايا موضع التفاوض، وهو ما يرى أنه يمكن أن يُعرِّض إيران لمخاطر شديدة على المستويات المختلفة النووية والعسكرية والأمنية. 3-الرد على التشدد الأمريكي الموازي: يرى خامنئي أن التصريحات الإيجابية التي أدلى بها المسؤولون الأمريكيون، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، تجاه إيران، بالتوازي مع انعقاد اجتماع مسقط، لا تنفي – في رؤيته – النهج المتشدد الذي تتبناه الإدارة الأمريكية، والذي يمكن أن ينعكس في إصرارها خلال المفاوضات على فتح ملفات خلافية أخرى، بجانب الملف النووي، على غرار برنامج الصواريخ الباليستية. وقد كان لافتاً أنه بالتوازي مع تصريحات خامنئي، وجَّهت واشنطن بالفعل إشارات إلى أنها سوف تعمد إلى القيام بذلك خلال الجولة القادمة وما سوف يليها. وقد قال المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط رئيس وفد التفاوض ستيف ويتكوف، في 15 أبريل 2025، إن أي اتفاق دبلوماسي مع إيران سوف يعتمد على وضع تفاصيل التحقُّق من تخصيب اليورانيوم وبرامج الأسلحة النووية، وأضاف: "سيتعلق ذلك بالتحقُّق من برنامج التخصيب، ثم التحقُّق في نهاية الأمر من التسلح، ويشمل ذلك الصواريخ ونوع الصواريخ التي خزَّنوها".وبالطبع، فإن ذلك دفع خامنئي والحرس الثوري إلى اعتبار أن الهدف الأساسي من ذلك يتمثل في تفكيك برنامج الصواريخ الباليستية أيضاً، وعدم الاقتصار على تقييد الأنشطة النووية المختلفة، على غرار عمليات التخصيب. وربما من هنا يمكن تفسير أسباب مسارعة الحرس الثوري، في اليوم ذاته، إلى تأكيد أن "قضايا الأمن القومي والدفاع والقوة العسكرية، تشكل خطوطاً حمراء غير قابلة للنقاش أو المساوَمة تحت أي ظرف".4- تحميل الحكومة الإيرانية مسؤولية الإخفاق المحتمل: رغم أن الكلمة الفصل في القضايا الرئيسية تعود إلى المرشد خامنئي، فإنه يتعمد دائماً إلقاء المسؤولية عن أي إخفاق على عاتق الحكومة. وقد كان ذلك واضحاً في أعقاب الأزمة التي تعرَّض لها الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015، بعد أن انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 مايو 2018؛ فقبل أن تمنح حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني موافقتها على الاتفاق، حصلت على ضوء أخضر من جانب خامنئي، إلا أنه بعد الانسحاب الأمريكي وإعادة فرض العقوبات الأمريكية، في 6 أغسطس من العام نفسه، تعمَّد خامنئي تحميل مسؤولية الإخفاق على حكومة روحاني؛ حيث أشار مراراً إلى أنها ارتكبت أخطاء عديدة تسبَّبت فيما آلت إليه الأزمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.ويعني ذلك أن خامنئي لا يستبعد أن تفشل المفاوضات، لا سيما في ظل الخلافات المتعددة العالقة بين طهران وواشنطن، وفي ظل الضغوط التي تمارسها الأطراف المناوئة لأي اتفاق محتمل، خاصةً إسرائيل. ومن هنا، فإنه يسعى مسبقاً إلى تأكيد عدم تعويله على المفاوضات، والإيحاء بأنه تمت بناءً على رغبة وإلحاح حكومة الرئيس مسعود بزشكيان. وسوف يستعين خامنئي في هذا الصدد بما سبق أن قاله في 7 فبراير 2025، من أن "المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية ليست شريفة ولا حكيمة". سياسة مرتبكةفي ضوء ما سبق، يمكن القول في النهاية إن السياسة التي تتبناها إيران إزاء التعامل مع الضغوط التي تتعرَّض لها على المستويين الإقليمي والدولي، تتسم بارتباك شديد، خاصةً في ظل الخيارات المحدودة المتاحة أمام إيران، التي فرضها تراجع نفوذها الإقليمي بشكل قوي، على خلفية المعطيات الاستراتيجية التي أنتجتها الحرب الإسرائيلية التي بدأت في قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023، ثم امتدت إلى لبنان وسوريا واليمن. وهنا، فإن هذا الارتباك ربما تكون تكلفته عالية، خاصةً إذا ما أثر ذلك على القرار النهائي الذي سوف تتخذه إيران تجاه نتائج المفاوضات الحالية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو القرار الذي سوف تتحدد بناءً عليه مسارات التصعيد المحتملة بين واشنطن وطهران في المرحلة القادمة.

لماذا يتبنى خامنئي نهجاً متشدداً إزاء مفاوضات مسقط؟