عقد إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية جلسة ضمن سلسلة ركن المؤلف لمناقشة كتاب "دليل روتليدج لمستقبل الحرب"، استضاف خلالها محرري الكتاب د. أرتور جروسزاك، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس قسم الأمن القومي في معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جايجلونيان ببولندا، ود. سيباستيان كيمبف، أستاذ مشارك في دراسات السلام والصراع بجامعة كوينزلاند في أستراليا، متحدثَيْن رئيسيين.

ويقدم الكتاب فحصاً شاملاً لمستقبل الحرب في ضوء التعقيدات في المشهد الأمني العالمي. ومن خلال مساهمات كبار الباحثين والخبراء، يستكشف الكتاب أسئلة أساسية حول تطور الحرب، مع التركيز على الرؤى التنبؤية ومحاولة استشراف مستقبل الحروب استناداً إلى الاتجاهات الراهنة التي تكشف عن تزايد تعقيد ظاهرة الحروب، سواء على مستوى القوى والأطراف المنخرطة فيها التي لها دوافع وأهداف متعددة، أو حتى على مستوى التأثير التكنولوجي على الحروب. ينقسم الكتاب إلى ستة أقسام ويغطي الاتجاهات العامة في الحرب، والمجالات المؤثرة التي تشكل الصراعات المستقبلية، والنظريات الدائمة للحرب، والعوامل التي تؤدي إلى التمايز والتعقيد، ودور التكنولوجيا، والسياقات الجغرافية المحددة التي قد تنشأ فيها صراعات.

مداخل رئيسية

يطرح المحرران، خلال الجلسة، عدداً من المداخل الرئيسية لفهم الحروب ومستقبلها، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- التوسع في طرح أدوات جديدة للتنبؤ بمستقبل الحرب: أوضح المشاركان في الحلقة أن دراسة الحرب أصبحت مجالاً مستقلاً بذاته، لا يدرسه فقط من يعملون ضمن المؤسسات العسكرية، بل أيضاً الأكاديميون ومن يعملون في المجالات الترفيهية. وقد أدت المناقشات حول تحولات الحرب في المستقبل إلى نهج شامل لدراسة العنف المنظم والمسلح، بالإضافة إلى التقنيات الجديدة وتطبيقاتها، مثل شبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والحروب الشبكية، وتعزيز سياسات الوعي بالموقف. ولم يكن هذا المجال حديث النشأة، لكن من أهم التطورات التي طرأت عليه هي إدراك أن التوقع الدقيق لمستقبل الحرب يصعب تحقيقه، لذا تم تطوير مجموعة أدوات للتنبؤ بالحرب. وشملت هذه المفاهيم: الحوسبة الكمية، والذكاء الاصطناعي في الحروب، والتنظيمات الشبكية التي يستغلها الفاعلون من غير الدول، والحرب غير التقليدية، والحرب بالوكالة، وحرب الأسراب، بالإضافة إلى الحرب التقليدية والأسلحة الثقيلة.

2- الحاجة إلى تغطية الفجوة بين الأدبيات ومستوى المعرفة لدى أطراف الحروب: لاحظ المحرران في بداية تنفيذ مشروع الكتاب عام 2021 وجود فجوة كبيرة بين ما تطرحه الأدبيات المتعلقة بالحرب وبين مستوى المعرفة الموجود لدى الفاعلين الذين يخوضون الحروب، لا سيما وأن الحروب أصبحت بعد التسعينيات، وربما أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أكثر تكراراً وبدأت تكتسب صفات وخصائص جديدة، لذا رأى محررو الكتاب الحاجة الفكرية لفهم هذا الأمر، وتحفيز مناقشة أوسع حول مستقبل الحرب.

3- تصاعد أهمية مصطلح الثورة في الشؤون العسكرية: يطرح الكتاب مصطلح الثورة في الشؤون العسكرية revolution in military affairs (RMA) باعتباره واحداً من أهم المفاهيم الحاكمة لمشهد الحروب في الوقت الراهن وفي المستقبل، والذي يعتبر مظهراً لعملية تاريخية للانتقال من الحرب التقليدية إلى الحلول المدفوعة بالتكنولوجيا والتمييز الواضح بين الأشكال الحديثة والتقليدية للحرب، وكذلك نهج ما بعد الحداثة في الحروب الذي يجمع بين المعدات العسكرية والبرمجيات البشرية، والتكنولوجيا العسكرية العالية، والفضاء الإلكتروني، والهوية السياسية. وعادة ما يتم الترويج لمصطلح الثورة في الشؤون العسكرية باعتباره نموذجاً paradigm للتحول في عمليات التنظيم العسكري، والثقافة الاستراتيجية، والاستراتيجية السياسية اللازمة لاكتساب المعرفة بشأن مستقبل الحروب.

4- تعدد الفاعلين المنخرطين في الحروب: إحدى السمات الرئيسية للحروب الحديثة هي تعدد الفاعلين المنخرطين فيها، فالأمر لم يعد مقصوراً على الدولة، حيث يلعب فاعلون عديدون من غير الدول دوراً في مسار الحروب. وفي هذا الصدد، سلط الكتاب الضوء على الحروب غير التقليدية، وحروب العصابات، بالإضافة إلى الحرب بالوكالة، والحروب الهجينة، والأخرى غير المتماثلة، وذلك من خلال التحقق من مدى تأثيراتها، والدوافع المحركة لها، خاصةً عندما يتعين على جهة فاعلة أضعف مواجهة الخصم الأقوى والذي عادةً يكون جيش الدولة، فشمل الكتاب بعض عناصر التكتيكات غير التقليدية، وتحتوي هذه العناصر على المفاجأة الاستراتيجية، والقدرة على المناورة التكتيكية.

5- ضرورة تبني وجهات نظر متنوعة جغرافياً عند تفسير ظاهرة الحروب: اعتمد المحرران في منهجهما على مساهمات من خبراء وباحثين من خلفيات متعددة ومناطق جغرافية متنوعة وليس فقط دعوة خبراء من دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وصل عددهم الإجمالي إلى 50 مؤلفاً، نصفهم من النساء، والذين امتدت مساهماتهم على مدار الأربعين فصلاً داخل الكتاب. كما كان هناك تباين في مستوى الخبرة لدى المؤلفين، فهناك من هم في منتصف مسيرتهم المهنية، وآخرون ليدهم خبرة طويلة. وأرجع المحرران السبب في ذلك إلى ضرورة تمثيل وجهات نظر وزوايا متنوعة لمحاولة التقاط الجوانب والأبعاد المتعددة لدراسة جوهر طبيعة الحرب.

6- الإشارة إلى الطبيعة المتغيرة لمفهوم الحرب: أشار المحرران إلى أن الحرب مفهوم تطوري بطبيعته، لأنه لطالما تناول التحولات الحضارية، ولذلك فهو يتبع بعض مسارات التطور في هذا العصر الحديث، ومن ضمن العوامل التي كانت أساسية لتحفيز تطور مفهوم الحرب في البداية هي التكنولوجيا، ثم التنظيم، ثم التواصل والإدراك في إشراك العواطف وبعض سلوكيات القوة. كما أنّ انخراط قوى من غير الدول في الحروب وتبنّيها أدوات وتكتيكات تقليدية، وربما أيضاً بدائية، أثار الكثير من الجدل حول طبيعة الحروب الحديثة وطبيعة التفاعل بين التكتيكات التقليدية المتبعة من قبل الفاعلين من غير الدول، والتكنولوجيا الحديثة المستخدمة من جانب الجيوش النظامية.

7- التأكيد على الطابع المعقد لظاهرة الحروب: يفترض الكتاب أن واحدة من الإشكاليات التي تُطرح حين التعرض لظاهرة الحروب ومستقبلها هي أن الحروب أصبحت معقدة بصورة كبيرة، فهناك استمرارية لأشكال الحروب الثقيلة التقليدية، كما بزغت على مدار عقود أنماط من الحروب غير المتماثلة وغير التقليدية المرتبطة بنشاط الفاعلين من غير الدول وانخراطهم في الصراعات ضد الجيوش النظامية، وبالتبعية صعود الحروب بالوكالة والحروب الهجينة والأخرى غير المتماثلة. وفي هذا الصدد، شمل الكتاب بعض عناصر التكتيكات غير التقليدية وتحتوي هذه العناصر على المفاجأة الاستراتيجية والقدرة على المناورة التكتيكية. لكن مع وجود الشركات العسكرية الخاصة، السؤال الذي طرحه المؤلفون: "من سيكون الراعي الرئيسي؟ والوكيل الرئيسي؟" على الرغم من أن الوكيل يوفر مزايا استراتيجية، فهو لن يلغي المواجهة المباشرة بين الدول، وهناك بعض الأهداف الاستراتيجية المحددة التي لا يمكن أن يتم تحقيقها من خلال استخدام الوكلاء. وتوقّع المحررون أن تتحول السلطة بشكل متزايد نحو الجهات الفاعلة غير الحكومية، سواء كوكلاء أو رعاة، وعدم وضوح الخط الفاصل بين الرعاة والوكلاء. في بعض الأحيان، سيحفّز الوكلاء الرعاة على الاستعانة بمصادر خارجية لبعض الأنشطة العسكرية.

واتساقاً مع هذا الطابع المعقّد تناول المحرران أيضاً مفهوم القوة تحت عتبة الحرب، ونشر بعض الأنشطة التخريبية، والحرب النفسية، والتجسس، والتلاعب الإعلامي، وأنشطة الخداع، والتجسس والهجمات السيبرانية، وحتى تخويف صناع القرار، وغيرها من ممارسات النفوذ دون استخدام القوة العسكرية العلنية. وفي هذا الإطار، أصبح مفهومُ الشبكات من المفاهيم الحاضرة في الصراعات الراهنة، وهنا يقول المحرران إن الشبكات يُنظر إليها أغلب الوقت على أنها تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، لكن الشبكات قد تكون لها هياكل وتركيبات مختلفة. إن قوة الشبكات تُثير التساؤل حول دور التكنولوجيا. لقد سلط الكتاب الضوء على هذا العامل، وطرح تساؤلات حول الدور النهائي للتكنولوجيا، واعتبارها متغيراً حاسماً، وكذلك البحث عن تطبيقات وعواقب مختلفة للتكنولوجيا.

8- استمرار أهمية النظريات الكلاسيكية للحروب: على الرغم من تركيز الكتاب على مستقبل الحروب إلا أنه لم يغفل ارتباط التنظيرات الكلاسيكية في أدبيات الحرب بالصراعات الحالية. فلم تتغير طبيعة الحرب لكنها فقط اكتسبت خصائص جديدة وفقاً للتغيرات التي طرأت على الحضارة البشرية، كما أن أدوار التكنولوجيا والمنظمات لم تقل أهميتها عما كان قبل عقود. وبحسب المحررين فإن الحروب الحديثة تتضمن الأشكال نفسها من القتال وانخراط الدول والمجموعات من غير الدول في المجالات العسكرية التقليدية (البر، والبحر، والجو، وكذلك الفضاء الخارجي)، كما أن العنصر البشري، بمدركاته وعواطفه ونزعات العداء والثأر لديه، يظل عنصراً مهماً في الحروب الحديثة مثلما كان الحال في الحروب التقليدية.

سياسات الدول

يكشف تتبع استراتيجيات وسياسات الدول المختلفة بشأن الحروب والعمليات العسكرية عن عدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- الصلاحية التفسيرية للحروب الهجينة: يفترض الكتاب أن فكرة الحروب الهجينة Hybrid war والتهديدات الهجينة Hybrid Threats سوف تظل محدداً هاماً في مستقبل الحروب، وهي مصطلحات تنطوي على مساعي الخصوم لتحقيق أهدافهم بدون اللجوء إلى الحرب والقوة العسكرية التقليدية، ومن ثم العمل على إزعاج وتقويض وإضعاف أو تدمير النظام السياسي المستهدف أو التماسك الداخلي للطرف الخصم من خلال مزيج من العنف والتحكم والتخريب والتلاعب ونشر المعلومات المضللة. وفي هذا الصدد، تُشير الكتابات الغربية إلى تزايد اعتماد روسيا على أدوات الحرب الهجينة من أجل تحقيق مصالحها والضغط على الدول الغربية، ولعل هذا ما دفع هذه الدول، والمؤسسات مثل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، إلى تبني استراتيجيات لمواجهة تهديدات الحرب الهجينة.

وظهر ذلك النمط أيضاً في حالة العلاقات الغربية الصينية، وسعي الدول الغربية إلى فرض قيود عديدة على التكنولوجيا الصينية داخل الغرب؛ إذ اعتبرت الحكومات الغربية أن انخراط الصين في المنظومة التكنولوجية الغربية يمكن أن يعطي لبكين أدوات في حربها الهجينة ضد الغرب، وخاصة من خلال التجسس ومحاولة التلاعب بالمجتمعات.

2- جدل تبنّي الدول للاستراتيجيات الشبكية واللا مركزية في الحروب: رداً على تعقد ظاهرة الحروب وانخراط أطراف عديدة مثل الحركات المتمردة والتنظيمات الإرهابية، حاولت بعض الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تطوير استراتيجيات اللا مركزية في الحروب. وفي هذا الصدد، يطرح الكتاب مفهوم chaoplexic warfare، وهو مفهوم تمت استعارته من المجال العلمي، ويتأسس بصورة رئيسية على فكرة الشبكة، ويستند المفهوم إلى تزايد التعقيد وكذلك الفوضوية في حالة الحروب والصراعات. وبمعنى آخر، يعتمد المفهوم على دراسة الظواهر غير الخطية من أجل اقتراح أنماط لا مركزية للقوات المسلحة عبر اعتماد شكل الشبكة. ويذكر الكتاب أن هذا المفهوم اكتسب زخماً كبيراً في سياق الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، وخصوصاً مع تدشين واشنطن حربها ضد الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

ومع ذلك، يُشير الكتاب إلى أن تطوير الاستراتيجيات الشبكية واللا مركزية من قبل الدول يواجه بتحديات رئيسية تجعل تطبيقه في الواقع أمراً صعباً. ولعل أبرز هذه التحديات الطابع التنظيمي للجيوش الذي يتسم في المقام الأول بالهيراركية، بالإضافة إلى ارتباط الجيوش بالدولة وخصائصها الأساسية من قبيل السيطرة المدنية، والتخطيط الاستراتيجي، والمحاسبة البيروقراطية، ومركزية التحكم والسيطرة، وهكذا ربما تقاوم المؤسسات العسكرية محاولات فرض النمط اللا مركزي والشبكي عليها.

3- توظيف القوى الكبرى أُطراً قانونية لدعم أهدافها العسكرية: يُشير الكتاب إلى أن القوى الكبرى في النظام الدولي عادةً ما تستخدم أطراً قانونية لدعم أهدافها العسكرية، ومحاولة إضفاء الشرعية على تحركاتها العسكرية. يظهر ذلك في تحركات الولايات المتحدة والصين وكذلك روسيا. ويفترض الكتاب أن هذا النمط سوف يستمر في المستقبل بحيث يتزامن استخدام بعض الأطر القانونية المشتقة من النظام القانوني الدولي مع تدشين حملات أخرى معلوماتية ودعائية للحصول على الدعم للتحركات العسكرية للقوى الكبرى، وتخفيف حدة الانتقادات الدولية للتصرفات العسكرية لبعض الحكومات.

4- التأكيد على أولوية الثقافة الاستراتيجية في التخطيط العسكري: بالرغم من مساعي القوى الكبرى في النظام الدولي لتطوير قدراتها العسكرية والاستفادة من التكنولوجيا، فإن الكتاب يفترض أن التكنولوجيا ليست هي المحدد الرئيسي. وفي هذا الصدد، تكتسب الثقافة الاستراتيجية strategic culture أهمية مركزية، ويكون لها تأثير على توجهات الدولة ونظرتها لدورها على المستوى الدولي، فالثقافة الاستراتيجية تعكس تقاليد الدولة وقيمها ومواقفها وأنماط سلوكها وعاداتها ورموزها وإنجازاتها وطرقاً معينة للتكيف مع البيئة وحل المشكلات فيما يتعلق بالتهديد باستخدام القوة أو استخدامها الفعلي. وفي هذا الصدد، يشير الكتاب إلى أن الثقافة الاستراتيجية للولايات المتحدة تقوم على فرضية الاستثنائية الأمريكية والتي تفترض التفكير الابتكاري، والنظر إلى الأمام والمستقبل، وقيادة أجندة التفكير العالمي، وبالتالي تحاول واشنطن دوماً تطوير قدراتها العسكرية وضمان تفوقها التكنولوجي مقارنة بخصومها ومنافسيها، فالهدف الرئيسي للولايات المتحدة الحفاظ على مكانتها وهيمنتها على النظام الدولي.

5- تصاعد التركيز الأمريكي والغربي على حروب التحالفات: يفترض الكتاب أن الخبرة العسكرية الأمريكية بعد الحرب الباردة باتت أكثر تركيزاً على مقاربة حرب التحالفات coalition warfare، وهذه المقاربة تتسم بدرجة كبيرة من التعقيد لأنها تتطلب التنسيق العسكري بين كافة الحلفاء الذين هم بطبيعتهم لهم حسابات وتفضيلات مختلفة، وربما أيضاً متباينة. وكانت أول حروب التحالفات التي قادتها الولايات المتحدة هي حرب الخليج 1991، وحينها تمكنت واشنطن من قيادة التخطيط للعمليات بين القوات المختلفة المشتركة. وبعد ذلك تواترت العمليات العسكرية بالنمط نفسه بما في ذلك التدخلات عبر حلف الناتو. ولا يمكن إغفال أن هذه الحروب ساعدت في تزايد التنسيق وعمليات الاتصال العسكري بين الدول الحليفة، ومحاولة تأسيس إجراءات مشتركة في التخطيط العسكري. وبالرغم من التحديات التي تواجه حروب التحالفات، فإن الولايات المتحدة باتت -بحسب الكتاب- أكثر خبرة في هذا المجال، وهو الأمر الذي يكسب هذا النمط من الحروب المزيد من الزخم في المستقبل.

6- التوسع في استخدام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة: إحدى السمات الرئيسية لسياسات الدول الكبرى بشأن الحروب تتعلق بالتوسع في استخدام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة. فعلى سبيل المثال، تستخدم الولايات المتحدة متعاقدين عسكريين خاصين في حماية الأفراد المدنيين، والقواعد العسكرية والقوافل اللوجستية. ويتبلور النمط ذاته في حالة الصين؛ حيث تستخدم بكين الشركات الخاصة في القيام بمجموعة من المهام الأمنية والعسكرية. وبحسب بعض التقديرات فإن هناك أكثر من 40 شركة أمن صينية خاصة تعمل على مستوى العالم، والعديد من الشركات الكبرى لها علاقات جيدة مع الجيش الصيني والحزب الشيوعي الصيني. وتقدم روسيا هي الأخرى نموذجاً مهماً لسياسة الاعتماد الحكومي على الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة؛ إذ اضطلعت شركة فاجنر، على سبيل المثال، بدور مهم في تعزيز نفوذ موسكو في العديد من مناطق الصراعات والاضطرابات على النحو الذي خدم مصالح روسيا، وفي الوقت ذاته أتاح قدراً من الإنكار Deniability وتجنب الانتقادات الدولية لسياساتها الرسمية.

7- انخراط الدول في الحروب الأهلية ذات الطابع الدولي: لم تعد الحروب الأهلية مقصورة على حدود الدولة ولكنها باتت تكتسب بعداً دولياً بصورة أكبر internationalized civil war. وبحسب الكتاب شهدت هذه الظاهرة ارتفاعاً ملحوظاً على مدار العقود الماضية. فعلى سبيل المثال، كانت الحروب الأهلية ذات الطابع الدولي خلال الفترة من 1946 حتى 2011 تمثل نحو 15% من إجمالي الحروب. ولكن هذه النسبة زادت إلى 40% تقريباً منذ عام 2011. وقد لعبت عوامل عديدة في تزايد الظاهرة، منها الحرب العالمية ضد الإرهاب، وتصاعد الحروب بالوكالة بين القوى الكبرى. وترتبط الحروب الأهلية ذات الطابع الدولي بإدراك الأطراف المتحاربة داخلياً لضرورة التعاون مع أطراف خارجية لتحقيق مجموعة من المصالح للطرفين، وعادة ما تكون هذه العلاقة موضع مساومات متبادلة وليست مجرد توجيه من الطرف الخارجي للطرف الداخلي في الصراع.

وفي هذا الصدد، تنظر الدول إلى تدخلها في الحروب الأهلية باعتباره أداة لحماية مصالحها وذلك على غرار تدخل روسيا وتركيا وإيران في الحرب الأهلية داخل سوريا. ويُلاحظ أن التدخل في الحروب الأهلية شهد تحولاً مهماً متعلقاً بتراجع تأثير العامل الجغرافي، وذلك بالرغم من استمرار أهمية العامل الجغرافي، ولعل هذا ما يتضح مثلاً من تدخل روسيا في الحرب داخل سوريا، ويفترض الكتاب أن تراجع تأثير العامل الجغرافي ارتبط بقدرة القوى الكبرى في النظام الدولي على نقل المرتزقة والقوى العسكرية الحليفة عبر الأقاليم، وبالتالي التدخل في مناطق بعيدة عن حدودها الجغرافية المباشرة. كما أنّ التطورات التكنولوجية عززت من قدرة القوى الكبرى على التدخل في الحروب الأهلية بعيداً عن قيود الجغرافيا.

8- الاستغلال المتواصل لورقة السلاح النووي في التفاعلات الدولية: لن تتوقف الدول عن توظيف السلاح النووي في التفاعلات الدولية، فبحسب الكتاب هناك حالة قلق في النظام النووي الدولي nuclear order anxiety، وهذا القلق مرده إلى مواصلة الدول تطوير أسلحتها النووية، واستخدامها في ردع خصومها مثلما هو الحال مع روسيا وتهديدها المتواصل باستخدام السلاح النووي وخصوصاً في أعقاب الحرب الأوكرانية، وكذلك اهتمام كوريا الشمالية بإنتاج المزيد من الأسلحة والتجارب الصاروخية، وانسحاب الولايات المتحدة وروسيا من العديد من اتفاقيات ضبط التسلح، وكذلك إخفاق الاتفاق وخطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني.

خلال السنوات الماضية تفاقمت معضلة ضبط التسلح النووي وذلك في ظل طموحات العديد من القوى الدولية، والتنافس المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة وروسيا، وبالتالي استمرار استخدام السلاح النووي كأداة للردع. أضف إلى ذلك التأثير الكبير للتطور التكنولوجي في منظومات التسلح النووي مثل: الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا فرص الصوتية hypersonic technology. هذه الأنماط من التكنولوجيا انعكست بصورة كبيرة على أنظمة التسلح النووي، فعلى سبيل المثال تزايدت الهجمات السيبرانية على البنى التحتية النووية، كما تم دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات اتخاذ القرار الخاصة بالسلاح النووي، ناهيك عن التطور في الأسلحة النووية فرط الصوتية.

9- تزايد دور القوى المتوسطة في مسارات حل النزاعات: رأى المشاركون أن القوى المتوسطة لديها إمكانية ومصداقية في لعب أدوار فعالة خلال عمليات فض النزاعات، لكنهم أشاروا إلى صعوبة إعطاء إجابة عامة على ذلك، وأن الأمر يعتمد على الظروف التي تجد القوى الوسطى نفسها فيها. فالأمور في الإمارات تختلف عن اليابان وكندا اللتين تُعتبران من القوى المتوسطة أيضاً، حيث تلعب الظروف المحلية والإقليمية دوراً، إذ تركز اليابان وأستراليا على دور الصين، والدور المتنامي أو المتناقص للولايات المتحدة كضامن أمني، والسؤال الأوسع الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن لقوة متوسطة أن تنجح في حل النزاعات بنفسها؟ خاصة في سياق النظام الدولي الذي يمر الآن بتحولات عديدة، وهل تحتاج إلى الدخول في تحالفات أو تعاون استراتيجي؟. ومع ذلك، يشير المحرران إلى أنه من مميزات القوى الوسطى أنها تتمتع بمصداقية أكبر في حل الصراعات. وهناك بعض الطرق الذكية التي يمكن أن تعتمد عليها القوى المتوسطة والتي يمكن نشرها بعدة طرق ذكية من أجل المساهمة في تسوية الصراعات.

10- حتمية الاستجابة لتزايد حالات الدول الفاشلة والمنهارة: شهدت العقود الماضية تزايد حالات فشل الدولة وتفكك السلطة، وهو الأمر الذي أفضى إلى تصاعد معدلات الصراعات والحروب. فقد تعرضت العديد من الدول إلى إخفاقات متتالية تنتهي إلى انهيار وتفكك مؤسسات الدولة، وتقويض قدرتها على ممارسة مهامها ووظائفها، وعادة ما توصف الدولة بالفاشلة حينما لا تعود قادرة على ممارسة المهام والوظائف المطلوبة منها لكي يتم وصفها كدولة. كما أن الدولة، كمركز لاتخاذ القرار الحكومي، تتعرض للعجز وانعدام الفاعلية. علاوةً على ذلك يتم تعطيل القانون، ويتفكك النظام، ويتعرض التماسك الاجتماعي لمأزق فعلي. ومن هذا المنطلق يتزايد دور التنظيمات الإرهابية والشبكات الإجرامية، بالإضافة إلى ذلك يكون لظاهرة فشل الدولة وانهيارها تداعيات ممتدة بالنسبة لدول الجوار، وبالتالي الأمن الإقليمي وكذلك العالمي.

ولذا يعتقد مؤلفو الكتاب أن هذه المعطيات أعطت الحروب بعداً جديداً؛ إذ باتت الدول المختلفة مطالبة بالتفاعل والاستجابة مع حالات فشل الدول، والتدخل عسكرياً لاستعادة النظام والمؤسسات في الدول الفاشلة والمنهارة.

الفاعلون المربكون

لم تعد الدول هي فقط المنخرطة في الحروب والصراعات؛ إذ تزايدت أدوار الفاعلين من غير الدول بشكل ملحوظ، وهو الأمر الذي استدعى عدداً من الملامح الرئيسية:

1- تفاقم معضلة الوكالة العسكرية في الحروب: لكن مع وجود الشركات العسكرية الخاصة، فالسؤال الذي طرحه المؤلفون: "من سيكون الراعي الرئيسي؟ والوكيل الرئيسي؟" فعلى الرغم من أن الوكيل يوفر مزايا استراتيجية، فهو لن يلغي المواجهة المباشرة بين الدول، وهناك بعض الأهداف الاستراتيجية المحددة التي لا يمكن أن يحل محلها استخدام الوكلاء. في الوقت نفسه، توقع المحررون أن تتحول السلطة بشكل متزايد نحو الجهات الفاعلة غير الحكومية، سواء كوكلاء أو رعاة، وعدم وضوح الخط الفاصل بين الرعاة والوكلاء. في بعض الأحيان، سيحفز الوكلاء الرعاة على الاستعانة بمصادر خارجية لبعض الأنشطة العسكرية.

2- قدرة الفاعلين من غير الدول على إلحاق الخسائر بالدول: من اللافت أن الفاعلين من غير الدول تمكنوا خلال العقود الأخيرة من تطوير قدراتهم العسكرية، وبالتالي إلحاق الخسائر بالدول. وفي هذا الصدد، يُشير الكتاب إلى أن التطور في القدرات التكنولوجية للجيوش النظامية كان يُواجَه بتحدٍّ كبير متمثل في السلوك المتطرف من قبل القوى المتمردة والمجموعات المسلحة التي استطاعت تحويل الحروب النظامية لصالحها، وأثبت أن سياساتها قادرة على جعل الجيوش النظامية تستسلم في نهاية المطاف، على المدى البعيد. ولعل النموذج الأبرز على ذلك حالات أفغانستان والعراق والخسائر التي لحقت بالولايات المتحدة هناك.

3- التوسع في إضفاء الطابع العسكري على مجالات متنوعة: لوحظ أن ثمة توسعاً في إضفاء الطابع العسكري على مجالات متنوعة، ومحاولة إقحام الحروب في مجالات لم تكن مطروقة قبل ذلك. فعلى سبيل المثال، هناك تسليح لمجالات جديدة على غرار الفضاء السيبراني، والذكاء الاصطناعي، وعلوم الكوانتم، وكذلك إعادة تسليح الفضاء الخارجي، وهذه المجالات لا تؤدي فقط إلى تعزيز قدرات القوى الكبرى في النظام الدولي، ولكنها تُعزز قدرات القوى المتوسطة.

4- التطوّر في قدرات الفاعلين من غير الدول: لا تقتصر أدوات وتكتيكات الفاعلين من غير الدول على الأسلحة التقليدية، ولكنها أيضاً توظف الأدوات الحديثة، فبعض المجموعات تستخدم أداوت الذكاء الاصطناعي، وكذلك الفضاء السيبراني من أجل تحقيق أهدافها الإرهابية. ناهيك عن مساعي هؤلاء الفاعلين لاستغلال ضعف الدولة الوطنية، أو حتى في حالات معينة يحاولون تقديم أنفسهم كوكلاء للدول في بعض الحروب. واللافت هنا أن الفاعلين من غير الدول باتوا جزءاً من الحروب السيبرانية من خلال مهاجمة الخصوم، والقيام بعمليات قرصنة ضدهم. فعلى سبيل المثال، قامت مجموعات القرصنة وشبكات الجريمة السيبرانية الداعمة لروسيا بمهاجمة إستونيا في 2007، كما تشير العديد من التقارير إلى تنفيذ مجموعات روسية هجمات سيبرانية ضد أهداف أوكرانية خلال الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

5- تنامي دور شركات الأمن الخاصة: الملاحظ أن ثمة توجهاً متزايداً نحو خصخصة الحروب Privatization of warfare خلال السنوات الماضية؛ حيث ظهرت العديد من الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة التي تشارك بديلاً عن الجيوش النظامية للدول في الصراعات. وقد استفادت الشركات الخاصة من التطور التكنولوجي الحادث، وكذلك من قرارات الحكومات بشأن تقليل الانخراط المباشر في العديد من الصراعات. ناهيك عن تأثير أفكار النيوليبرالية الجديدة على قرار بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث شهدت الدولتان استخداماً متصاعداً للشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في مجموعة واسعة من المهام، مثل خدمات الدعم العسكري على غرار النقل واللوجستيات والتدريب والاستخبارات وتحليل البيانات.

6- استمرار تأثير التنظيمات الإرهابية في الصراعات المستقبلية: يتوقع الكتاب أن يستمر تأثير التنظيمات الإرهابية في الصراعات المستقبلية نظراً لاستمرار السياقات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية المحفزة للنشاط الإرهابي. كما يصعب توقع مستقبل الإرهاب في ضوء التعقيدات المحيطة بالظاهرة، ناهيك عن أن التنظيمات الإرهابية باتت أكثر مرونة على المستوى التشغيلي، وأصبحوا يبحثون عن مجموعة واسعة من الأهداف بما فيها الأهداف المدنية السهلة والأقل في إجراءات الحماية. علاوة على ذلك تلعب التكنولوجيا الحديثة دوراً في ذلك، مثل: البلوك تشين، والشبكة المظلمة، وأكواد التشفير، والذكاء الاصطناعي.

7- تزايد اعتماد الفاعلين العنيفين من غير الدول على التنظيم الشبكي: يُرجح الكتاب أن يستمر اعتماد الفاعلين العنيفين من غير الدول على المقاربة الشبكية أو شبكات العنف بهدف تعزيز فرصهم في الحروب اللا متماثلة مع الحكومات والجيوش النظامية؛ حيث ساهمت العولمة وانتشار شبكة الإنترنت في إحداث تحولات جوهرية في بنية التنظيمات العنيفة من غير الدول، ولا سيما مع الإشكاليات التي صارت تواجهها البنية الهرمية التقليدية للتنظيمات. وخلقت العولمة وإدخال شبكة الإنترنت في مسارات عمل التنظيمات الإرهابية سياقات محفزة لتحول هذه التنظيمات إلى تنظيمات شبكية تتسق، بشكل أو بآخر، مع أطروحات العولمة التي تعبر عن نمو شبكات الترابط العالمية، ناهيك عن الاعتقاد بأن شبكة الإنترنت جعلت العالم مستوياً وأفقياً.

ومن هذا المنطلق، فإن فكرة التنظيم الشبكي تعطي هيكلاً أقل هيراركية وأكثر أفقية مقارنة بالهياكل التقليدية، ليمنح التنظيم مرونة أكبر وقدرة على التكيف مع بيئات مضطربة بطبيعتها. وتتصل هذه التحولات البنيوية في التنظيمات بمقاربة حرب الشبكة Netwar، ويتم تعريف حرب الشبكة هنا بأنها "وضع ناشئ للصراع والجريمة على المستويات المجتمعية، بعيداً عن الحرب العسكرية التقليدية، حيث يستخدم أطراف الصراع أشكال الشبكات التنظيمية والمذاهب والاستراتيجيات والتقنيات المتوافقة مع عصر الثورة المعلوماتية". وعادة ما تتمحور التنظيمات، في ظل حرب الشبكة، حول مجموعة من العقد nodes المتفرقة والمشتتة والتي تشترك في مجموعة من الأفكار والتوجهات والاهتمامات المتجانسة.

8- تفاقم تهديد مجموعات الجريمة المنظمة للأمن العالمي: يفترض الكتاب أن مجموعات الجريمة المنظمة أصبحت تمثل تهديداً كبيراً للأمن العالمي، فوفقاً لإحصاءات مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، شهدت الفترة من 2000 إلى 2017 تقارباً في أعداد الأشخاص الذين قتلوا نتيجة للعنف الإجرامي المنظمة مع أعداد الأشخاص الذين قتلوا نتيجة صراعات مسلحة. كما تقدر المبادرة العالمية ضد الجريمة المنظمة أن هناك حوالي 80% من سكان العالم يعيشون في أقاليم ومناطق تتسم بمعدلات عالية من الجريمة. ولعل النموذج الأبرز على ذلك شبكات الجريمة في دول أمريكا اللاتينية، فقد ارتبط نشاطها بتصاعد الأزمات في الدولة الوطنية وتآكل سيادتها، وقدرتها على ممارسة وظائفها، ولا سيما تلك المتعلقة بالأمن. وما يزيد من تعقيدات ظاهرة الجريمة المنظمة تداخل بعض المجموعات في المشهد السياسي؛ ففي بعض الحالات تقيم المجموعات علاقات متشابكة مع السياسيين الذين قد يستخدمون هذه المجموعات لتحقيق أهداف سياسية معينة، والحصول على الدعم في الاستحقاقات الانتخابية. علاوة على ذلك فإن بعض المناطق، وخاصة في دول أمريكا اللاتينية، تعاني من ظاهرة الجماعات الإجرامية العابرة للحدود transnational organized crime والتي تعمل في أكثر من دولة.

9- تفعيل آليات التشبيك بين المجموعات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية: شهدت السنوات الماضية تصاعد أنماط التعاون بين العديد من المجموعات العنيفة من غير الدول، مثلاً التعاون بين الجماعات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية، فربما تلجأ مجموعة إرهابية أو إجرامية إلى استخدام تكتيكات أو أساليب بعضهما لتحقيق مصالح متبادلة، وربما يؤدي الأمر إلى نمط من التحالف الوظيفي بين مجموعة إجرامية وتنظيم إرهابي، وقد يصل هذا التشبيك إلى مرحلة متطرفة تضمن قدرة طرف ما على إحداث تحويل كامل وجذري في الطرف الآخر. ويلاحظ هنا أن ثمة تشابهاً بين المجموعات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية وخاصة فيما يتعلق بمصادر التمويل، فمثلاً أصبح الاتجار في المخدرات مصدراً مهماً للدخل بالنسبة للطرفين، فضلاً عن الإتاوات والاختطاف والسرقة والتهريب.

دور التكنولوجيا

يستعرض الكتاب في فصول متعددة حالة التداخل بين التكنولوجيا وأنظمة التسلح، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- التباين حول حدود دور الذكاء الاصطناعي في الحروب: يشير المحرران إلى أن ثمة تبايناً حول دور الذكاء الاصطناعي وقدرته على تغيير مشهد الحروب في المستقبل، ولا سيما مع الاختلافات حول تعريف الذكاء الاصطناعي، فهناك الذكاء الاصطناعي المحدود أو الضيق (Artificial Narrow Intelligence) الذي يشير إلى مجموعة الأنظمة القادرة على أداء مهمة واحدة بشكل أفضل، أو مجموعة من المهام المحدودة مثل تتبع تحديثات الطقس، أو إنشاء تقارير علم البيانات من خلال تحليل البيانات الأولية. وهناك الذكاء الاصطناعي العام (Artificial general Intelligence)، ويشير إلى الأنظمة القادرة على أداء مجموعة من المهام الواسعة بشكل مستقل، وذلك عبر فهم المعلومات وتعلمها وتطبيقها بالطرق نفسها التي يعمل بها العقل البشري.

وثمة نمط ثالث من الذكاء الاصطناعي تطرحه الأدبيات وهو الذكاء الاصطناعي الفائق (Artificial super Intelligence) وهو نظام قائم على البرمجيات يتمتع بقدرات فكرية تتجاوز تلك التي يتمتع بها البشر. ويعد هذا النمط غير موجود بعد، وهو حالة افتراضية للذكاء الاصطناعي، وموضع كتابات الخيال العلمي. وبوجه عام يثير الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول قدرته على إدارة الحروب بشكل مستقل في المستقبل بعيداً عن العامل البشري، أو تقليل التدخل البشري، إلى أدنى حد ممكن.

2- تغيير التكنولوجيا لوظائف الاستخبارات العسكرية: تؤثر التكنولوجيا بصورة كبيرة على مهام ووظائف وآليات عمل الاستخبارات العسكرية، فقد أدت التكنولوجيا إلى طرح آليات وتقنيات جديدة لجمع المعلومات، وتوفير قدرات تنافسية أمام الخصوم، وخاصة إذا كانوا لا يمتلكون الإمكانات التكنولوجية نفسها. كما تساعد التكنولوجيا الأجهزة الاستخباراتية على أداء مهامها بسرعة أكبر وبشكل أفضل. ولكن مع ذلك قد يكون للتكنولوجيا تأثيرات معاكسة متعلقة بتزايد فرص اختراق الأجهزة الاستخباراتية من قبل الخصوم وربما أيضاً توفر معلومات مضللة، كما تفضي التكنولوجيا إلى تنامي المخاطر أمام المجتمعات المعاصرة، وهو الأمر الذي يزيد من تعقيدات عمل أجهزة الاستخبارات.

3- دعم فكرة الحروب عن بعد: يفترض الكتاب أن التكنولوجيا الحديثة تُساعد في تعزيز فكرة الحروب عن بعد remote warfare، حيث تلعب البيانات الضخمة وخوارزميات التعلم الذاتي والذكاء الاصطناعي وكذلك الأنظمة غير المأهولة دوراً في التخطيط وتنفيذ بعض العمليات العسكرية ضمن إطار الحروب عن بعد.

4- التنافس الدولي حول الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعي: أحد ملامح التفاعلات الدولية الراهنة هي تصاعد التنافس الدولي حول الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعي؛ حيث تنفق القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والصين، الكثير من الأموال من أجل دمج وإدراج الذكاء الاصطناعي في العمليات الدفاعية. ويمكن هنا أن يكون للذكاء الاصطناعي دور في اللوجستيات العسكرية، ودعم صنع اتخاذ القرار في العمليات العسكرية، كما تسعى بعض الدول نحو تطوير حضور الذكاء الاصطناعي في بعض الأنظمة التسليحية، وذلك فيما يُطلق عليه الأنظمة غير المأهولة.

كما طورت بعض الدول برامج لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الاستهداف العسكري، وذلك على مشروع مايفن الأمريكي، الذي كشف عنه في 2017، وهو مشروع لوزارة الدفاع الأمريكية لتسريع اعتماد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في جميع مناحي عمل الوزارة ولدعم الاستخبارات الدفاعية، مع التركيز آنذاك على النماذج الأولية لقتال عناصر تنظيم الدولة الإسلامية. وتم استخدام الذكاء الاصطناعي وفقاً لهذا المشروع من أجل تحديد وتتبع أهداف لغارات جوية أمريكية.

5- استمرار دور تقنيات الواقع المعزز والافتراضي في المجال العسكري: ستظل تقنيات الواقع المعزز augmented reality والواقع الافتراضي virtual reality، وخاصة مع تطوير تقنيات من قبيل الميتافيرس والتوأمة الرقمية Digital twin، حاضرة بصورة كبيرة في المجال العسكري؛ إذ تتيح تقنيات الواقع المعزز والافتراضي للجيش تنفيذ تدريبات متنوعة ومحاكاة المعارك المختلفة. ويساعد الواقع المعزز بصورة خاصة على تحسين الوعي الموقفي والعملياتي للجيوش. كما يمكن استخدام الواقع الافتراضي في عمليات تصميم الأسلحة وتصنيعها، وبالتالي التسريع من دورة تصنيع وإنتاج الأسلحة. ويمكن أيضاً توظيف تكنولوجيا الواقع المعزز وكذلك الواقع الافتراضي في صيانة وإصلاح بعض أنظمة التسلح.

4- إعادة تشكيل تكنولوجيا الكوانتم لملامح الأمن العالمي: يُشير مؤلفو الكتاب إلى أن تكنولوجيا الكوانتم لديها القدرة على إعادة تشكيل الأمن العالمي على مستويات متعددة، وبشكل مباشر يمكن أن تؤدي إلى تطور كبير في مجال الأسلحة والاتصالات والاستشعار وتكنولوجيا الحوسبة، وهو ما سيؤدي إلى إعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية بين القوات العسكرية وكذلك إعادة تشكيل المفاهيم الأوسع للجغرافيا السياسية في مناطق مختلفة، كما أن تطور هذه التكنولوجيا سيؤثر على توزيع القوة العالمية لأن الطرف الذي يمتلك هذه التكنولوجيا سيكون أكثر تفوقاً مقارنة بالأطراف التي لا تمتلكها.

وفي هذا الصدد، يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية إنشاء نماذج محاكاة جديدة لأغراض التدريب، كما يمكن لأجهزة الاستشعار الكمومية اكتشاف التغيرات الصغيرة للغاية في المعالم الفيزيائية (مثل: المجالات المغناطيسية، والمجالات الكهربائية)، وهو ما يزيد فاعلية تطبيقات عسكرية عدة كتلك التي تتصل باكتشاف غواصات العدو، والألغام، وصواريخ الخصوم، وغير ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لأجهزة الاستشعار الكمومية إنشاء خرائط مفصلة لأراضي العدو، وقياس الإشارات الضعيفة جداً؛ مما يجعلها مفيدةً لمهام مثل مراقبة الاتصالات اللا سلكية.

ونظراً لأهمية تكنولوجيا الكوانتم ضاعفت الولايات المتحدة والصين من إنفاقهما على هذه التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، تمت زيادة ميزانية البحث والتطوير في تكنولوجيا الكوانتم بالولايات المتحدة من 450 مليون دولار في 2019 إلى 710 ملايين دولار في 2021. وتُشير بعض التقديرات إلى استثمار الصين هي الأخرى نحو 9 مليارات دولار تقريباً في مجال تكنولوجيا الكوانتم بعد أن كانت هذه الاستثمارات حوالي 200 مليون دولار فقط في 2015.

5- تطور أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة: تشكل أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة (lethal autonomous weapon systems) ملمحاً مهماً لمشهد الحروب الراهنة وكذلك في المستقبل. فعلى سبيل المثال، شهدت الحرب في أوكرانيا استخدام هذا النوع من الأسلحة، ولكنها أيضاً استُخدمت إلى حد ما في سوريا وليبيا، فقد ثبت استخدام الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر لتحريك واستخدام الطائرات بدون طيار أو الذخيرة الخفيفة مرات عديدة، ويمكن الافتراض بأن هذا الاتجاه سوف يتوسع ويتكثف بطريقة أو بأخرى في المستقبل القريب، ثم الاتصالات القائمة على الاتصال عن بعد، وخاصة أنظمة الأقمار الصناعية عالية السرعة مثل ستارلينك التي أثبتت فائدتها خلال الحرب في أوكرانيا.

6- مساعٍ دولية لتطوير أسلحة الطاقة الموجهة: تصاعد التنافس الدولي خلال العقود الأخيرة على تطوير أسلحة الطاقة الموجهة directed energy weapons، والتي تشمل تطبيقاتها مجموعة متنوعة من الأنظمة التسليحية، مثل الدفاع الصاروخي الباليستي، وأنظمة الطيران غير المأهولة، والأنظمة المضادة للأقمار الصناعية. وتستخدم أسلحة الطاقة الموجهة الطاقة الكهرومغناطيسية المركزة لمحاربة قوات العدو وأصوله. تشمل هذه الأسلحة أشعة الليزر عالية الطاقة وغيرها من المواد الكهرومغناطيسية عالية الطاقة، مثل الموجات المليمترية وأسلحة الموجات الدقيقة عالية الطاقة. على عكس الأسلحة التي تطلق الرصاص أو الصواريخ، يمكن أن تستجيب أسلحة الطاقة الموجهة للتهديد بطرق مختلفة. على سبيل المثال، يمكنهم تفكيك الإلكترونيات الموجودة في الطائرة بدون طيار مؤقتاً أو تدميرها بصورة كاملة.

ويمكن لهذه الأسلحة أن تنتج قوة تتراوح بين الردع والإضرار إلى التدمير. ونظراً لأنها تستخدم الطاقة بدلاً من الرصاص أو الصواريخ، فإن أسلحة الطاقة الموجهة يمكن أن تكون أقل تكلفة لكل طلقة ولها قوة إطلاق غير محدودة تقريباً. ولكن مع ذلك، تواجه أسلحة الطاقة وخاصة تلك الموجهة من خلال الليزر بعض التحديات والإشكاليات، فهي تحتاج -على سبيل المثال- إلى خط للرؤية line of sight من أجل الاشتباك مع الأهداف، كما أن هذه الأسلحة تكون أكثر حساسية للعوامل المناخية والحرارية التي قد تتسبب في فقدان الأشعة الصادرة عن الأسلحة طاقتها واستقرارها وجودة التركيز والاستهداف. كما أن أسلحة الليزر الموجهة تستطيع فقط الاشتباك مع هدف واحد في الهجوم مما يجعلها عرضة للاستهداف والتدمير من الخصوم.

7- مواصلة التنافس الدولي في مجال الفضاء: ليس من المرجح أن يتراجع التنافس العسكري في مجال الفضاء الخارجي بين الدول؛ حيث يقدم الفضاء للمؤسسات العسكرية في الدول المختلفة عدداً من المزايا والاستخدامات الرئيسية، مثل عمليات المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية عبر الأقمار الصناعية، وكذلك الاتصال بالاعتماد على الإرسال البصري وبالأشعة radio and optical transmissions بين المحطات الأرضية. وبدأت الأدبيات تتحدث مؤخراً عن إمكانية، ولو من الناحية النظرية، استخدام أنظمة الأقمار الصناعية في تنفيذ مهام قتالية ضد أهداف جوية/بحرية/أرضية. ويطرح في هذا الصدد الأسلحة المدارية وقدرتها على اختراق إقليم الخصوم ونطاقه الفضائي. ويحتمل في المستقبل أن تكون أنظمة الأقمار الصناعية قادرة على قتال أهداف أخرى في الفضاء مثل الأقمار الصناعية والصواريخ الباليستية. ولكن مع ذلك تظل أنظمة الأقمار الصناعية تواجه ببعض التحديات، مثل ارتفاع تكلفتها، وكذلك انكشافها بصورة كبيرة، وبالتالي سهولة الاستهداف من الخصوم.

8- تنامي المخاوف من التداعيات الأخلاقية لاندماج الإنسان مع الآلة: حذر المحرران من تداعيات الدمج بين الإنسان والآلة والتكنولوجيا والتي تستهدف إطالة وتعزيز قدرات الدول في المجالات المختلفة بما فيها المجال العسكري. ويفترض الكتاب أن البشر كنوع يتغير بالفعل، وهذا أيضاً ما تستثمر فيه الجيوش باهتمام، مثل الرقاقات التي يتم دمجها في مخ الإنسان والأدوية العصبية التي يتم استخدامها في التخلص من نقاط الضعف البشرية أثناء الحرب، وهو ما يظهر مثلاً في التوسع في استخدام الأنظمة العسكرية غير المأهولة. وطرح المحرران تساؤلاً حول ماذا ستفعل هذه الأشكال من الدمج بالأخلاق في الحرب؟ كل المبادئ والممارسات التي انتشرت في السابق أصبحت غائبة اليوم.

استشراف المستقبل

يستدعي استشراف مستقبل الحروب عدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- استهداف إدارة حالة اللا يقين في المستقبل: يرى الكتاب أن الاستشراف الاستراتيجي لمستقبل الحروب يحاول إدارة حالة اللا يقين في المستقبل وتجنب المفاجآت الكاملة، ويستهدف التحليل المستقبلي للحروب الربط بين الحاضر والمستقبل محاولاً طرح تصورات حول شكل الحروب في المستقبل، ومن ثم كيفية الاستعداد لها. ويفترض الكتاب أن استشراف المستقبل يجب أن يكون على مدى زمني طويل حتى يتمكن من طرح رؤى متماسكة بشأن ظاهرة الحروب.

2- أهمية الأحداث التاريخية في استشراف المستقبل: يربط الكتاب بصورة رئيسية بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويفترض أن هناك أحداثاً واتجاهات تاريخية historical trends بدأت في الماضي ولكنها من المتوقع أن تستمر في المستقبل، وذلك إذا لم تقع أحداث تغير الواقع وقواعد اللعبة a game changer أو تطور يؤدي إلى قطيعة في مسار الأحداث.

3- تصاعد اهتمام الدول بالاستخبارات الاستباقية: يطرح الكتاب مفهوم الاستخبارات الاستباقية (Anticipatory intelligence) بوصفه أحد مداخل استشراف مستقبل الحروب والتنبؤ بها. وتُشير الاستخبارات الاستباقية إلى كونها القدرة على "استشعار وتوقع والتحذير من الظروف والاتجاهات والتهديدات والفرص الناشئة التي قد تتطلب تحولاً سريعاً في وضع الأمن القومي أو الأولويات". يفترض هذا التعريف للاستخبارات الاستباقية (الذي يشير إلى الظروف والاتجاهات الناشئة) ضمنياً أنه يمكن تحديد الأنماط في البيانات الحالية والتاريخية التي قد تتوقع أحداثاً مهمة وسريعة التطور تهم الأمن القومي.

4- توسع الدول الغربية في تبني مشاريع تخيل حروب المستقبل: يفترض الكتاب أن مفهوم التخيل imagination بات يكتسب أهمية كبيرة في استشراف مستقبل الحروب؛ حيث دشنت العديد من الدول مشاريع لتخيل المستقبل. فعلى سبيل المثال، تم تأسيس مشروع كاساندرا project Cassandra في ألمانيا، والذي يعبر عن تعاون بين الجيش وقسم الأدب في جامعة توبنغن، حيث يطلب من أساتذة الجامعة تخيل مستقبل الحروب. وفي فرنسا، شكلت وكالة الابتكار الدفاعي فريقاً من كُتاب الخيال العلمي لاقتراح سيناريوهات قد لا يكون من المتوقع حدوثها بالنسبة لأغلب المخططين العسكريين.

وفي الولايات المتحدة، لجأت وزارة الدفاع إلى هوليوود عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 لسؤال كُتاب الخيال العلمي عما يمكن أن يرتكبه الإرهابيون فيما بعد. علاوةً على ذلك، اكتسبت صناعة الترفيه العسكري militainment زخماً كبيراً، وخاصة في الولايات المتحدة، لتظهر العديد من المنتجات الترفيهية، مثل الأفلام، والمدعومة من جانب وزارة الدفاع الأمريكية، التي تتنبأ بمستقبل الحروب وأسلحة المستقبل.

5- محاولة التغلب على تحديات التنبؤ الرئيسية: تواجه مداخل التنبؤ الخاصة بالحروب عدداً من التحديات الرئيسية في ظل الطابع المعقد لظاهرة الحروب وتشابك العوامل المؤثرة في الحروب، وكذلك تنامي حالة عدم اليقين في التفاعلات الدولية الراهنة، في ظل حالة الفوضوية المنتشرة، والتي بدورها تؤثر بالسلب في القدرة على التنبؤ، لأنها تفرض قيوداً على عملية تتبع الظاهرة، موضع الاهتمام، وكافة المتغيرات المتصلة بها. وقد دفعت هذه المعطيات البعض إلى الحديث عن فكرة السيناريوهات المستبعدة، والتي تعقد من مهمة التنبؤ. علاوةً على إشكاليات التحيزات المسبقة والاختزال للعوامل والقيود البيروقراطية في عملية صنع القرار، وكذلك معضلة الإدراك المشوه للواقع والتي تؤثر بالسلب على آليات التنبؤ.

خلاصة القول، يؤكد محررا الكتاب أن استكشاف ملامح السياسات العسكرية والدفاعية للدول يشير إلى استمرار التنافس بين الدول، وخاصة القوى الكبرى، لتطوير قدراتها العسكرية، والاعتماد على آليات الحروب الهجينة، ولجوء البعض إلى الحروب بالوكالة عبر تقديم الدعم لبعض الوكلاء لتحقيق مصالح الدولة، ناهيك عن تزايد توظيف الدول للشركات العسكرية والأمنية الخاصة. وفي هذا الصدد، تواصل الدول استغلال أدوات التكنولوجيا الحديثة لتطوير قدراتها التسليحية.

كيف يمكن فهم حروب المستقبل؟