إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

هناك اعتقاد متزايد بين أوساط الناخبين الأمريكيين أن عمر الرئيس جو بايدن البالغ 81 عاماً، هو "مشكلة فعلية" يمكنها التأثير على أدائه في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة لفترة رئاسية ثانية، وهو الأمر الذي أشار إليه التقرير المكون من 388 صفحة للمحقق الخاص روبرت هور في قضية الوثائق السرية للرئيس بايدن، حينما كان يعمل نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، وهو التقرير الذي صدر بعد عام من العثور على الوثائق في منزل الرئيس بايدن بولاية ديلاوير، ومكتبه في جامعة بنسلفانيا.ورغم عدم إثبات التقرير وقوعَ ذنب على الرئيس بايدن، فإنه استخدم لغة أفادت بأن بايدن رجل طاعن في السن، ولديه مشاكل في قدراته العقلية، وهو الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات داخل المجتمع السياسي الأمريكي؛ فبينما صدَّق الجمهوريون على هذا التعليق، ووجدوا فيه وصفاً حقيقياً لبايدن، رأى الديمقراطيون أن اللغة المستخدمة غير لائقة، مؤكدين أن الرئيس يتمتع بقوى عقلية قوية، وأن لديه قدرة على أداء مهامه الوظيفية على نحو جيد. وبين هذا وذاك، قد يكون لهذا التقرير تأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة في نوفمبر القادم.استياء ديمقراطيكتب روبرت هور المُعيَّن من قِبل الرئيس السابق دونالد ترامب مدعياً عاماً لمقاطعة ميريلاند في عام 2017، أن الرئيس جو بايدن "رجل مسن ذو ذاكرة ضعيفة"، مشيراً إلى عدم قدرته على تذكر السنوات الماضية، وكتب كذلك إنه لا توجد أدلة يمكن استغلالها لمحاكمة الرئيس. وقد تباينت مواقف الديمقراطيين إزاء هذا التقرير، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:1– دفاع ديمقراطي عن عمر الرئيس: بالرغم من توحد الديمقراطيين حول الرئيس بايدن، ودعمهم له مرشحاً للحزب خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن عدداً من المشرعين الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، قد عبَّروا عن مخاوفهم بشأن تأثير عمر بايدن على فرص الديمقراطيين في الفوز في الانتخابات القادمة، لكنهم لم يُظهِروا ذلك علناً، مؤكدين أن بايدن هو المرشح الأمثل خلال الفترة الراهنة، وقال بعضهم، على غرار وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الرئاسية السابقة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، إن عمر الرئيس يُشكِّل عائقاً بالفعل، ولكنه مع ذلك يمكنه استغلال الخبرة التي اكتسبها خلال السنوات الماضية لجذب الناخبين إليه، خاصةً الناخبين الشباب، مع عدم التركيز على شن هجوم وانتقاد المنافس الجمهوري ترامب.2– التشكيك في نتائج تقرير "هور": اتهم بعض الديمقراطيين المحقق الخاص بعدم النزاهة، مؤكدين أن الرئيس يتمتع بقدرات عقلية عالية، وذاكرة حادة، وأنه قادر على أداء مهام وظيفته. وفي ضوء ذلك، قال المتحدث باسم البيت الأبيض أندرو بيتس في مذكرة: "قاد الرئيس بايدن أيضاً الديمقراطيين إلى أفضل انتخابات للتجديد النصفي للكونجرس منذ أكثر من 60 عاماً، وإلى سلسلة من الانتصارات الأخرى في عام 2023. وهذه إنجازات تاريخية كان الرئيس بايدن قادراً بشكل فريد على تحقيقها، وهو قادر بشكل فريد على البناء عليها"، مؤكداً أن هجمات الجمهوريين على الرئيس تأتي بسبب مخاوفهم من قدرته على هزيمتهم خلال شهر نوفمبر القادم.3– حملات إعلامية للترويج لإنجازات بايدن: فيما يعتبر رداً على هذا التقرير وعلى انتقادات الجمهوريين المتكررة ومخاوف الجمهور بشأن عمر الرئيس، ينفذ الديمقراطيون حملات إعلانية للترويج لإنجازات الإدارة الأمريكية تحت قيادة الرئيس بايدن، بما في ذلك حملة ينوون تنفيذها خلال شهر تاريخ السود في فبراير، وهي الحملة التي ستُسلط الضوء على مساعي الرئيس لتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة التمييز ضد السود في الولايات المتحدة، من خلال الأوامر التنفيذية التي أصدرها، أو القوانين التي تُعزِّز العدالة الاجتماعية والحماية التي يمكن أن يتلقَّاها الأمريكيون من أصول أفريقية.تداعيات انتخابيةمن المتوقع أن يكون لهذا التقرير تداعيات على المجتمع الأمريكي الذي يُعرِب عن مخاوفه من وصول بايدن من جديد إلى البيت الأبيض. ومن الممكن توضيح هذه التداعيات فيما يلي:1– مطالبة الجمهوريين بعزل الرئيس: على إثر التقرير الصادر، وجَّه المدعي العام لولاية وست فرجينيا الجمهوري باتريك موريسي دعوة إلى نائبة الرئيس كامالا هاريس لاستغلال التعديل الخامس والعشرين الذي صدر عقب اغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدي في عام 1965، لإزاحة الرئيس بايدن من السلطة، وتولي مهامه؛ بسبب عدم قدرته على أدائها، لا سيَّما أن التعديل السالف الذكر "يسمح لنائب الرئيس ومجلس الوزراء بإقالة الرئيس من منصبه إذا اعتبروه غير قادر جسدياً"، وهو أمر يمكن استغلاله على نطاق أوسع، والإلحاح عليه، بما قد يؤثر على الناخبين وتوجهاتهم، خاصة أن هناك مطالبات عديدة باستخدام هذا التعديل، من بينها مطلب للرئيس السابق دونالد ترامب في سبتمبر الماضي.والجدير بالذكر أنه قد سبق أن طالب البعض باستغلال هذا التعديل لإقالة الرئيس السابق ترامب عقب الهجوم الذي تعرض له مبنى الكابيتول في السادس من يناير لعام 2021.2– حملة جمهورية دعائية مضادة: يستغل الجمهوريون هذا التقرير لبناء حملة إعلانية ودعائية ضد جو بايدن والتشكيك في قواه العقلية، دامجين هذا التقرير مع الأخطاء التي وقع فيها بايدن أكثر من مرة خلال عدد من الخطابات أو اللقاءات الصحفية. وقد أطلقت المرشحة الجمهورية نيكي هيلي حملة إعلانية جمعت فيها الهفوات التي سقط فيها بايدن، مؤكدةً أن سنَّه لا تسمح له بولاية جديدة في البيت الأبيض، وأن فوزه من شأنه الإضرار بصورة الولايات المتحدة.3– تزايد قلق الناخبين حول عمر بايدن: تُظهِر نتائج استطلاعات الرأي المختلفة التي نُشِرَت خلال شهر فبراير الجاري أن هناك مخاوف لدى نسبة كبيرة من الناخبين من عمر الرئيس بايدن، ومن تأثير هذا العمر على أدائه في المنصب؛ فقد أعرب نصف الناخبين ذوي الميول الديمقراطية عن مخاوفهم من تأثير عمر بايدن على صحته العقلية والجسدية خلال استطلاع أجرته شبكة إن بي سي نيوز في الأسبوع الأول من فبراير 2024.كما شكَّك 59% من الناخبين في قدرة المرشحين الديمقراطي بايدن، والجمهوري ترامب، على أداء مهام منصبهما إذا فاز أحدهما بولاية جديدة في البيت الأبيض؛ وذلك وفقاً لاستطلاع رأي أجرته شبكتا إيه بي سي وإيبسوس، وقد نُشِر خلال الأسبوع الثاني من فبراير الجاري، فيما أظهر استطلاع رأي آخر أن "الرئيس حصل على معاملة خاصة" في التقرير، وهو استطلاع أجرته رويترز/إيبسوس في الفترة من 9 إلى 12 فبراير على 1237 ناخباً، تبنَّى فيه 53% من الأمريكيين هذا الرأي، كما قال 30% من الديمقراطيين هذا الأمر.4– إمكانية الدفع بمرشح ديمقراطي جديد: في الخريف الماضي، نصح ديفيد أكسلرود أحد كبار الاستراتيجيين للرئيس السابق أوباما، الرئيس بايدن بالانسحاب من الانتخابات بسبب المخاوف المتعلقة بعمره، وهو أمر قد يضطر الحزب الديمقراطي في وقت ما إلى تحقيقه؛ حيث سيدفع بمُرشح جديد بدلاً من الرئيس جو بايدن إذا ازداد الضغط والنقد ضد عمر الرئيس، وإذا ألمَّت بالرئيس وعكة صحية لم تُمكِّنه من استكمال السباق الانتخابي. وفي هذه الحالة، فإن فرص الحزب الديمقراطي في الفوز من جديد لن تكون قوية بما فيه الكفاية، خاصةً أن المرشح الجديد إذا كان ضعيف الشعبية، على غرار نائبة الرئيس هاريس، فسيكون بحاجة إلى حملات ترويجية كبيرة سيكون من الصعب البناء عليها خلال الفترة القليلة المتبقية على الانتخابات، ولكن إذا كان المرشح قوياً، فإن ذلك قد يعزز فرص الحزب خلال الانتخابات.5– تصاعد فرص الجمهوريين في الانتخابات: بالرغم من عدم وجود فارق كبير في العمر بين بايدن البالغ 81 عاماً وترامب البالغ 77 عاماً، فإن ترامب لا زال الأصغر سناً، كما أنه لا زال يتمتع بشعبية بين الناخبين الأمريكيين، الذين أظهروا أنه الأكثر قدرةً على حل المشكلات الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة. وفي ظل كثرة المشكلات المرتبطة بالسياسة الخارجية، فإن فرص الجمهوريين في الفوز من جديد قد تزداد خلال الانتخابات القادمة.أهمية التوقيتختاماً، يمكن القول إن تقرير المحقق الخاص روبرت هور في قضية الوثائق السرية للرئيس بايدن، كان من الممكن ألا يكون ذا تأثير يُذكر إذا صدر في بداية ولاية الرئيس بايدن، لكنَّه صدر والولاياتُ المتحدة على أعتاب انتخابات رئاسية جديدة، وفي وقت تكثر فيه التحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية، سواء على المستويات الداخلية؛ من حيث ضعف القدرة على ضبط مشكلة الهجرة غير الشرعية عبر الحدود، والمشاكل المتعلقة بالاقتصاد وضبط مستويات التضخم، أو على المستويات الخارجية؛ من حيث الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واتهام الإدارة بالمشاركة في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، أو عدم القدرة على وقف الحرب الروسية–الأوكرانية، وتغذية الإدارة للصراعات العسكرية بالرغم من ترديدها أنها ستلجأ إلى الدبلوماسية في حل الخلافات الخارجية، وكلها عوامل ستتراكم مع التقرير الذي أكد ضعف قدرات بايدن العقلية، وقد تضر بفرصه في الانتخابات القادمة.

انعكاسات تقرير "هور" على الرئيس الأمريكي في انتخابات 2024