محمد بسيوني عبدالحليم


        
<p><strong>لم تُخطئ تقديرات الاستخبارات الأمريكية حول سقوط حكم نظام "أشرف غني" في أفغانستان في يونيو 2021، إلا أن ما لم يتوقعه أيٍ من المتابعين، كان مدى سرعة الانهيار تحت وطأة التمدد الخاطف لحركة طالبان؛ حيث تمكنت الأخيرة من اجتياح الولايات الأفغانية وعواصمها وصولاً إلى السيطرة السريعة على كابول دون مقاومة. ومع خروج قادة طالبان، في بث مُصوَّر، من القصر الرئاسي بالعاصمة ليؤكدوا سيطرتهم على السلطة، تتوالى التقديرات القلقة حول التداعيات على الشرق الأوسط، باعتباره المنطقة التي تُعَد، بمعايير الجغرافيا والتاريخ، الأكثر انكشافاً على التحولات في أفغانستان.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وفي ضوء هذا، تستدعي سيطرة حركة طالبان على السلطة عددًا من الرسائل المتصلة بمنطقة الشرق الأوسط وتفاعلاتها، ويتمثل أبرزها في الآتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong> <strong>– <a>تحفيز المليشيات المسلحة على ممارسة القوة</a>:</strong> يحتمل أن ينتج استيلاء طالبان على السلطة، حالة من "إغراء القوة" بالنسبة إلى المليشيات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط. ولعل النموذج الأبرز على ذلك، مليشيا الحوثي في اليمن التي قد تنظر إلى حركة طالبان كنموذج قابل للاستنساخ في الحالة اليمنية، فتستمر في مسارها العسكري فترة زمنية أكبر على أمل أن تحقق مكاسب مماثلة لمكاسب لحركة طالبان. ويعزز من تلك الاحتمالية أن مليشيا الحوثي رفضت، خلال الشهور الماضية، التهدئة والاستجابة لمبادرة السعودية لإيقاف الحرب والبحث عن تسوية سياسية لها، علاوة على استمرار مراهنة المليشيا على توسيع نفوذها في مناطق جديدة داخل اليمن، وخصوصاً مأرب ذات الأهمية الاستراتيجية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong> <strong>– ضبابية الإدارة التركية لمطار كابول: </strong>كشفت تركيا أنها قدمت مقترحًا لإدارة مطار كابول، خلال اجتماع لحلف شمال الأطلسي في مايو 2021، عندما اتفقت الولايات المتحدة وشركاؤها على خطة لسحب قواتها بحلول شهر سبتمبر القادم. وبالرغم من محاولة النظام التركي الترويج لهذا المقترح كأداة لمساعدة الدولة الأفغانية، بيد أن سيطرة حركة طالبان على السلطة سيكون له انعكاس سلبي على هذا المخطط التركي، خاصةً في ظل انتقادات الحركة لأنقرة، حتى إنه في شهر يونيو الماضي، صرح "سهيل شاهين" المتحدث باسم طالبان بالدوحة بأن "تركيا كانت جزءاً من قوات حلف شمال الأطلسي في الأعوام العشرين الماضية؛ لذلك فإنه ينبغي لها الانسحاب من أفغانستان".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong> <strong>– ارتدادات سلبية على دبلوماسية الوساطة القطرية: </strong>على مدار السنوات الماضية، راهنت الدوحة على صياغة دور رئيسي في الصراع الأفغاني، من خلال الوساطة بين أطرافه المختلفين. وربما تكون الدوحة راهنت على نجاحها في استضافة المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان، التي توجت بالتوقيع على اتفاق الدوحة في شهر فبراير 2020، كمدخل لتعزيز دورها في إقناع أطراف الصراع الأفغاني –وعلى وجه التحديد طالبان والحكومة الأفغانية– بالتوصل إلى اتفاق سياسي بينهما. ولكن بمرور الوقت، ومع تواتر انعقاد جولات للتفاوض بين الحكومة الأفغانية والحركة في الشهور الماضية، انكشف ضعف دور الوساطة القطري ليأتي إعلان حركة طالبان السيطرة على السلطة عسكرياً، ليعلن بصورة نهائية انهيار الوساطة القطرية في الملف الأفغاني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong> <strong>– <a>تصاعد الأهمية الاستراتيجية لباكستان</a>:</strong> إذ إن عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، سيؤدي –بشكل أو بآخر– إلى تصاعد الأهمية الاستراتيجية لباكستان؛ حيث تمثل الأخيرة بوابة رئيسية لأفغانستان، كما أن العلاقة بين باكستان وحركة طالبان ظلت مستمرة على مدار السنوات الماضية، ولم تنقطع كليًّا، حتى إن حدثت بينهما بعض التوترات. وفي سياق كهذا، ستمثل إسلام أباد محطة هامة للفاعلين الإقليميين والدوليين الذين سيلجؤون إليها كمدخل لإقامة علاقات مع حركة طالبان، أو لإقناعها بممارسة ضغوط على الحركة وامتداداتها داخل باكستان لتعديل سلوكياتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong> <strong>– اتساع أزمة الثقة بين واشنطن وحلفائها بالمنطقة:</strong> ما يجري في أفغانستان يقوض الصورة الذهنية –أو ما تبقَّى منها إن جاز التعبير– للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط؛ فبينما كانت حركة طالبان تتقدم داخل المدن الأفغانية، خرج الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، في الأيام الماضية، ليدافع عن قرار الانسحاب الأمريكي من هناك، كما تناقلت المواقع الإخبارية، يوم 15 أغسطس الجاري، تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن"، التي أوضح خلالها أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة البقاء في أفغانستان، رغم قوله إن القوات الأفغانية لم تتمكن من الدفاع عن البلاد في حقيقة الأمر، وهي تطورات تقوِّض الثقة بالدور الأمريكي في المنطقة بقدر كبير.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– <a>توظيف الإسلام السياسي </a>تطورات "الحالة الأفغانية": </strong>حيث سعت بعض حركات الإسلام السياسي، مثل جماعة الإخوان والمنتمين لها، إلى توظيف سيطرة طالبان على السلطة كأداة لخدمة مصالحهم. فبعض العناصر الإخوانية احتفت بحركة طالبان، وسعت إلى التكريس لصورة إيجابية للحركة، وهو أمر يستبطن محاولة للرد على الأطروحات التي تتحدث عن انتهاء تجربة الإسلام السياسي في الحكم. وكذلك يكشف تحليل مضامين بعض مواقع التواصل الاجتماعي عن تركيز بعض العناصر الإخوانية على ضرورة استخدام السلاح أداةً لتحقيق الأهداف؛ وذلك على غرار النموذج الطالباني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7– إعادة الزخم للتنظيمات الإرهابية في المنطقة:</strong> صحيح أن اتفاق الدوحة المُوقَّع بين واشنطن وحركة طالبان، في فبراير 2020، نص على التزام الحركة بقطع علاقاتها بالتنظيمات الإرهابية؛ فإن هذا لا ينفي احتمالية استفادة تنظيم القاعدة من سيطرة حركة طالبان على السلطة، خاصةً أن العلاقات بين الطرفين تاريخية، كما أفاد تقرير صادر عن الأمم المتحدة، في شهر يونيو الماضي، بأن طالبان والقاعدة لا تزالان متحالفتين بشكل وثيق، ولا يظهر أي مؤشر على قطع العلاقات.</p>



<p>كما يمكن أن يتعزز التحالف بين الطرفين (طالبان والقاعدة) في المرحلة الراهنة من أجل القضاء على وجود تنظيم داعش في أفغانستان؛ إذ إن ثمة صراعًا محتدمًا بين طالبان وداعش منذ بزوغ ولاية خراسان التابعة لداعش في أفغانستان، وهو ما عدَّته طالبان ضغطاً على مساحة نفوذها. وعادةً ما تصف دعاية داعش حركة طالبان كحركة وطنية، بما ينطوي عليه الوصف من دلالات سلبية وتأكيد للتضاد بين المشروع الديني والمشروع الوطني العلماني من وجهة نظر التنظيم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وفي المُجمل، فإن التطورات المتسارعة في أفغانستان، تحمل العديد من الانعكاسات على الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وما يرتبط بذلك من إمكانية تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة بقدر أكبر في المديين المنظور والمتوسط، خاصةً في ظل إمكانية لجوء بعض المليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية إلى محاولة توظيف نجاحات حركة طالبان على المستوى الميداني؛ من أجل تعزيز نفوذها خلال المرحلة المقبلة في مختلف دول المنطقة.</strong></p>

      

الارتدادات القادمة في الشرق الأوسط بعد "سقوط كابول"