د. حمدي بشير

دعا الرئيس الصومال، حسن شيخ محمود، في 16 يونيو 2025، إلى انعقاد منتدى التشاور والحوار في الصومال، والذي ينتظر أن يناقش قضايا رئيسية بينها مكافحة الإرهاب، والانتخابات التي تنطلق العام المقبل (2026) عبر الاقتراع المباشر لأول مرة منذ عقود. ويأتي ذلك وسط تضافر العديد من التقارير المتطابقة التي تؤكد غياب المعارضة بكل أشكالها ومقاطعتها لأعمال المنتدى. فيما تُشير التصريحات الحكومية إلى أن هذا الحوار الوطني يهدف إلى تعزيز التوافق حول القضايا الأكثر إلحاحاً في الصومال، بما في ذلك استكمال الدستور، والإصلاحات الانتخابية، والحرب على الإرهاب. ورغم غياب بعض قادة المعارضة البارزين، بمن فيهم رؤساء سابقون، تؤكد الحكومة أن المنتدى لا يزال شاملاً ومنفتحاً على المشاركة. وهو ما يطرح تساؤلات حول دلالات انعقاد هذا المنتدى في هذا التوقيت.دلالات عديدةثمة دلالات عديدة لانطلاق منتدى الحوار الوطني في الصومال في هذا التوقيت، ومن أبرزها:1- شرعنة خطة الإصلاحات السياسية للرئيس الصومالي: حيث يأتي انعقاد هذا المؤتمر في الوقت الذي تصاعدت فيه الانتقادات السياسية لخطة الرئيس الصومالي لتعزيز موقعه السياسي قبيل الانتخابات الرئاسية التي يعتزم إعلان الترشح لخوضها في عام 2026، والتي تشمل تغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي، واعتماد نظام الاقتراع العام المباشر، وتمديد الفترة الرئاسية من 4 إلى 5 سنوات، وهي الإصلاحات التي أعلن البرلمان الصومالي الموافقة عليها في مارس 2024 وسط مقاطعة كبيرة من جانب العديد من القوى والأحزاب السياسية. وفي الوقت الذي يشتد فيه الجدل داخل البلاد بشأن الانتخابات المباشرة المرتقب عقدها في البلاد عام 2026 بدلاً من الانتخابات غير المباشرة التي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية، يبدو أن الرئيس الصومالي يسعى إلى تحقيق إجماع وطني وسياسي على خطته السياسية من خلال إشراك المعارضة السياسية في الحوار السياسي، أو على الأقل من خلال توجيه الدعوة لكافة أطياف المجتمع السياسي لحضور هذا المنتدى ومناقشة القضايا محل الخلاف بين مختلف القوى الصومالية، مثل الدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب. وفي كلمته الافتتاحية بتاريخ 17 يونيو الجاري، أكد الرئيس محمود التزام الحكومة بالحوار الشامل، واصفاً المنتدى بأنه "منصة مناسبة لجميع أصحاب المصلحة لمشاركة آرائهم، والتعبير عن مخاوفهم، والمساهمة بشكل جماعي في جهود بناء الدولة في الصومال".2- موازنة التحركات السياسية للمعارضة الصومالية: جاء انطلاق هذا المنتدى بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدها قادة المعارضة السياسية من أجل الاتفاق على رؤية موحدة لتحدي خطة الرئيس محمود حول الإصلاحات السياسية والانتخابية، حيث يُعارض سياسيو المعارضة بشدة الانتخابات التي تنوي الحكومةُ الفيدرالية الصومالية إجراءها في البلاد، وتعديل الدستور. وقد سبق للمعارضة أن انتقدت سياسة الرئيس الصومالي لترسيخها السلطة، وتهميشها أصوات المعارضة، وإضعافها المؤسسات الديمقراطية.وتفاقمت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيس الرئيس حسن شيخ محمود، في 13 مايو 2025، حزب العدالة والتضامن، وتسميته مرشحاً له في الانتخابات المباشرة المقبلة، برفقة قيادة الحكومة الفيدرالية، وقادة الولايات الإقليمية، باستثناء رئيس بونتلاند سعيد عبد الله دني، وجوبالاند أحمد مدوبي، اللذين غابا عن اجتماع المجلس الاستشاري للبلاد قبل تأسيس الحزب بأيام. ولاقى الحزب الجديد رفضاً من ولايتَي بونتلاند وجوبالاند وقتها في مواقف رسمية منفصلة، تلاها إصدار 15 شخصية سياسية بارزة في الصومال بياناً دعوا خلاله إلى عقد مشاورات عاجلة لإنقاذ البلاد.3- توجيه رسائل طمأنة للخارج وتقليص الضغوط الخارجية: يشير انعقاد هذا المنتدى في هذا التوقيت إلى رغبة الحكومة الفيدرالية الصومالية في توجيه رسائل طمأنة للخارج والحلفاء الدوليين بأن النظام الصومالي يؤكد التزامه ورغبته في تحقيق التوافق الوطني، والتواصل مع المعارضة السياسية من أجل تقريب وجهات النظر وتحقيق توافق وطني، علاوةً على أن انعقاد هذا المنتدى في هذا التوقيت من شأنه تقليص الضغوط الخارجية على النظام الصومالي، وخاصة في ظل التوترات السياسية المكتومة بين واشنطن ومقديشو في ظل التقارب المتنامي بين مقديشو وبكين، وهو ما يثير مخاوف مقديشو من سعي إدارة ترامب بشتى الطرق للضغط عليها لتفكيك هذا التقارب والتحالف المتزايد بين بكين ومقديشو.4- توجيه رسائل تحذير للخصوم الإقليميين: حيث أصدر الرئيس الصومالي تحذيراً شديداً للحكومات الأجنبية التي يزعم أنها تدعم الجهود الرامية إلى زعزعة استقرار بلاده، وقال محمود في افتتاح المنتدى: "من يحاول تجزئة الصومال لن يجني إلا هدراً للوقت والجهد والدبلوماسية العقيمة. الصومال دولة ذات سيادة وموحدة ومستقلة، واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها مصونة لا تُمس". ويبدو أن الرئيس الصومالي قد أراد توجيه رسائل تحذير لخصومه الإقليميين، مثل كينيا، التي اتجهت خلال الفترة الأخيرة لتعزيز علاقاتها مع صوماليلاند، وخاصة بعد إعلان الأخيرة عن افتتاح مقر بعثة دبلوماسية لها في كينيا في مطلع يونيو 2025.تحديات كبيرةثمة تحديات عديدة تحد من فاعلية هذه الاستراتيجية التي لجأ إليه الرئيس الصومالي للخروج من المأزق السياسي، حيث تتمثل أهم التحديات فيما يلي:1- مقاطعة المعارضة الصومالية لأعمال المنتدى: فما من شك في أن غياب المعارضة عن المشاركة في هذا المنتدى سوف يؤثر على شرعية النتائج التي سوف يتوصل إليها هذا الحوار السياسي، إذ لا يمكن تهميش أو إقصاء المعارضة من المشاركة في أي ترتيبات تتعلق بمستقبل البلاد، وخاصة في قضايا جوهرية تتعلق بالدستور والنظام الفيدرالي والانتخابات. لذلك يتفق العديد من المراقبين على أن غياب المعارضة يعد مؤشراً على غياب التوافق الوطني. ومن ثم سوف يُضعف غياب المعارضة من شرعية مخرجات المنتدى ويعمق الأزمة السياسية، ويزيد من حالة عدم الثقة بين الفرقاء السياسيين. وقد أكد منتدى إنقاذ الصومال رفضه المشاركة، مشيراً إلى الإقصاء وانعدام الشفافية والفشل في إشراك أصحاب المصلحة الصوماليين الرئيسيين، وهو ما يقود إلى تعميق الانقسامات بدلاً من بناء توافق في الآراء.2- مقاطعة الولايات الصومالية للمنتدى: يمثل غياب بعض الولايات الصومالية ومقاطعتها حضور جلسات المنتدى تحدياً آخر، ويعود هذا الغياب إلى الخلاف السياسي العميق بين الحكومة المركزية وبعض الإدارات الإقليمية، وخاصةً بونتلاند وجوبالاند، التي تعارض بشدة تعديل الدستور، وتتهم الرئيس الصومالي بالسعي من أجل السيطرة على السلطة. ولذلك من المتوقع أن يُلقي غياب مقاطعة ولايتي بونتلاند وجوبالاند بظلاله على تطورات الأحداث. وقد رفض رئيس بونتلاند، سعيد عبد الله ديني، المشاركة، داعياً بدلاً من ذلك إلى عقد قمة أوسع تضم الحكومات الفيدرالية والإقليمية، والقادة السابقين، وغيرهم من الأصوات المؤثرة. وحذّر من أن المضي قدماً دون توافق وطني سيزيد من تآكل الثقة. وسبق أن صرح وزير العدل في بونتلاند محمد عبد الوهاب بتاريخ 16 يونيو 2025، بأن: "الولاية لن تُجري أي محادثات مع الحكومة الفيدرالية إلا بعد تنفيذ عدة شروط؛ منها عودة الحكومة إلى الدستور المتفق عليه في أغسطس 2012، وإجراء انتخابات وطنية متفق عليها وشاملة".3- صعوبة تحقيق توافق وطني على خطة الرئيس الصومالي: وخاصة في ظل تمسك الرئيس الصومالي بخطته السياسية، ورفضه التفاوض السياسي على تقاسم السلطة، في الوقت الذي تتمسك فيه بعض الأحزاب السياسية بضرورة استيفاء الشروط الأساسية لضمان أن تكون العملية شاملة وموثوقة وقائمة على الدستور، وقد طالبت بعض الأحزاب السياسية الصومالية، زاكسور وسامادون وحزب المؤتمر الديمقراطي الموحد وراماس ودولكا هويو، بضمانات لكي تكون المحادثات في شكل مفاوضات رسمية بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة، وليس تعهدا أحادي الجانب. ودعوا إلى تشكيل لجنة فنية مشتركة تضم أعضاء من الحكومة والمعارضة للإشراف على هيكل القمة وجدول أعمالها وجدولها الزمني، وأكدت هذه الأحزاب على ضرورة تركيز المناقشات على المسائل الدستورية والانتخابية، وتجنب اختلاطها بقضايا مثل مكافحة الإرهاب أو الأمن الإقليمي، والتي قالوا إنها قد تُعرقل تحقيق الأهداف المنشودة.4- ضعف مستوى التأييد الشعبي لخطة الرئيس الصومالي: تشير العديد من التقارير إلى التحديات التي تحد من قدرة الحكومة الفيدرالية على تطبيق مبدأ "الصوت الواحد للشخص الواحد"، ويشار في ذلك إلى الحوادث الأخيرة في دوساماريب، حيث رفض السكان بطاقات تسجيل الناخبين، وهي خطوة قد تُنذر بمقاومة انتخابية أوسع في جميع المناطق.معضلة التوافقوإجمالاً، يمكن القول إنه في الوقت الذي ينتظر فيه خروج هذا المنتدى بمقترحات تسهم في تقريب وجهات النظر بين الفريق الحاكم والمعارضة السياسية، فإن غياب مشاركة بونتلاند وجوبالاند وائتلاف المعارضة الرئيسي لا يزال يمثل تحدياً كبيراً أمام نجاح منتدى الحوار الوطني لتحقيق توافق وطني حول خطة الإصلاحات السياسية والدستورية للرئيس حسن شيخ محمود، وخاصة في ظل غياب الثقة بين الفريق الحاكم والمعارضة التي تتهم الرئيس الصومالي بالتمديد لبقائه وسيطرته على السلطة، وتقليص فرص المشاركة السياسية أمام المعارضة. لذلك من المتوقع أن تسفر هذه التحركات من جانب الرئيس الصومالي عن تفاقم حدة الاستقطاب السياسي الحالي في الصومال وزيادة احتمالية الانسداد والجمود السياسي، الأمر الذي يُفضي إلى فشل خطة الإصلاح السياسي للرئيس الصومالي وتعميق الأزمة السياسية وتأجيل الانتخابات، أو مضي الرئيس الصومالي قُدماً وتجاهل موقف المعارضة السياسية ومن ثم تصاعد الصراع السياسي في البلاد.

لماذا انطلق منتدى الحوار السياسي في الصومال؟