عقد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" الحلقة الأولى من سلسلة "ركن المؤلف" لمناقشة كتاب "روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي: دراسة حالة الدبلوماسية الموازية لتتارستان" للدكتورة ديانا جاليفي الباحثة الزائرة في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد والزميلة غير المقيمة في منتدى الخليج الدولي بالولايات المتحدة، في 9 نوفمبر 2022. استهدفت الحلقة استعراض أبرز الأفكار التي تناولتها المؤلفة في الكتاب، والمنهجية التي استندت إليها.

منهجية البحث

تطرقت د. ديانا في البداية إلى المنهجية المتبعة في إعداد الكتاب. وتتضح أبرز ملامح هذه المنهجية عبر ما يلي:

1– تولُّد فكرة الكتاب نتيجة الزيارات الروسية–الخليجية المتبادلة: أشارت الكاتبة إلى أن فكرة إعداد هذا الكتاب ظلت تراودها لمدة ثلاثة أعوام؛ عندما كانت تفكر في التفاعلات التي تجري بين روسيا ودول الخليج العربي، والزيارات الرفيعة المستوى بين الجانبين؛ حيث شهدت تلك الزيارات نقاشات متعددة بين دول الخليج العربي وموسكو فيما يخص الاقتصاد بشكل أساسي، وكذلك أبعاد عودة روسيا للشرق الأوسط، ودورها في بعض ملفات المنطقة، وتحديداً سوريا وليبيا.

2– اهتمام الكتاب بإظهار الروابط بين دول الخليج العربي وتتارستان: نوهت الكاتبة أنه على الرغم من حالة الزخم التي شهدتها العلاقات الروسية–الخليجية في السنوات الأخيرة، لم يكن هناك الكثير من التفاصيل عن دور الجمهوريات الروسية، خاصةً التي تتشارك الهوية الإسلامية مع دول الخليج، ودورها على مدار العقود الماضية. ولفتت الكاتبة إلى أنه باعتبارها تنتمي إلى إحدى هذه الجمهوريات، كانت مهتمة بإظهار الروابط بين جمهورية تتارستان والخليج العربي.

3– انشغال بتأثير الروابط الإسلامية على علاقات تتارستان الخليجية: أكدت الكاتبة أنه من خلال بحثها المبدئي، توصلت إلى وجود روابط مثيرة للاهتمام بين الاتحاد السوفييتي السابق أو روسيا حالياً وبين دول الخليج العربي، مضيفةً أن هذا الأمر دفعها لطرح تساؤل رئيسي وهو: إلى أي مدى أثرت الروابط الإسلامية بين تتارستان ودول الخليج العربي على العلاقات الثنائية بينهما؟ وكيف أثر العامل الروسي على تشكيل هذه العلاقات؟

4– استعانة الكاتبة بمصادر من لغات عديدة ولقاءات وزيارات ميدانية: أكدت الكاتبة أنها استعانت بمصادر باللغات التتارية والعربية والروسية والتركية والباشكيرية، خلال إعدادها الكتاب، وأضافت أن المراكز التي اقتبست منها شملت مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية، ومكتبة تتارستان العامة، مشيرةً إلى أنها قامت بعمل ميداني أيضاً في تتارستان، كما قابلت عدة مصادر في موسكو؛ من بينهم مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا والعالم الإسلامي".

5– تركيز الكتاب على المدرسة البنائية في العلاقات الدولية والهويات: نوهت الكاتبة أن الكتاب ركز على المدرسة البنائية في العلاقات الدولية، خاصةً أن موضوع الكتاب يبحث في العلاقات الاجتماعية بين الدول بناءً على 3 فئات: العادات والثقافة الاستراتيجية والهويات، مضيفةً أنها ركزت على الهويات بشكل خاص.

6– تحليل الكتاب لتأثيرات موسكو على علاقات تتارستان الخليجية: أما بالنسبة إلى السؤال البحثي الثاني: كيف أثرت علاقات موسكو وتتارستان، وعلاقات موسكو والخليج العربي، على العلاقات الثنائية بين تتارستان والخليج العربي؟ فإن هناك – طبقاً للكاتبة – بعض المحددات التي ظهرت من خلال الأدبيات الخاصة بنظرية البنائية. وفي هذا السياق، أشارت الكاتبة إلى أن الهويات المشتركة تحفز النفس على التعاون مع أقليات الدول الأخرى، إذا كان لدى الـ"نفس" ولدى "الآخر" (الأقليات) اهتمامات مشتركة؛ وذلك مع اتخاذ تتارستان ودول الخليج العربي حالةً.

تشابك محدود

استعرضت د. ديانا العلاقات التي وصفتها بأنها "محدودة" بين تتارستان ودول الخليج العربي خلال الفترة من (1917–1990)، والتي توجد في الجزء الأول من الكتاب، ويتضح ذلك عبر ما يلي:

1– مشاركة التتار في إدارة العلاقات السوفييتية–الخليجية: أشارت الكاتبة إلى أنه بعد الثورة البلشفية في أكتوبر عام 1917، بدأت الحكومة البلشفية تتخذ خطوات جادة لجذب الشعوب المسلمة من الدول المختلفة لتشارك في بناء الحكومة الجديدة. وانطلاقاً من هذه الدوافع، بدأ السوفييت في العشرينيات والثلاثينيات – طبقاً للكاتبة – استخدام هذا العامل الإسلامي، الذي اتضح من خلال تعيين دبلوماسيين مسلمين بعدد كبير، خاصةً "كريم حكيموف"، وهو أول سفير للاتحاد السوفييتي إلى المملكة العربية السعودية، وقد استخدم هذا النوع من الدبلوماسية ودبلوماسية الحج والعمرة والهدايا التقليدية الإسلامية.

2– انزعاج سعودي من إعدام السوفييت "كريم حكيموف": نوهت الكاتبة أنه نتيجة تلك السياسات، تعززت العلاقات بين القيادات في الاتحاد السوفييتي ومنطقة الخليج العربي، وتحديداً السعودية، لكن في فترة القمع تم إعدام "حكيموف"، وعندما علم العاهل السعودي آنذاك بالأمر، تجمدت العلاقات فوراً بين السعودية والاتحاد السوفييتي.

3– غياب علاقات مباشرة بين تتارستان ودول الخليج العربي: أكدت الكاتبة أن هناك مجموعة من العوامل يمكن في ضوئها فَهم أسباب عدم وجود علاقات مباشرة بين تتارستان ودول الخليج العربي خلال الفترة (1917–1990)، ويأتي على رأسها الحالة السياسية لتتارستان في هذا الوقت؛ حيث كانت هناك مخاوف من تزايد قوة قازان.

علاقات ناشئة

تحدثت د. ديانا عن العلاقات التي وصفتها بـ"الناشئة" بين دول الخليج العربي وتتارستان بين عامي 1990 و2020، وفق ما ورد في الكتاب، مشيرةً إلى أن أبعاد هذه العلاقات تتمثل فيما يلي:

1– إقامة تعاون اقتصادي محدود في فترة التسعينيات: أوضحت الكاتبة أنه كان هناك تعاون اقتصادي محدود بين تتارستان ودول الخليج العربي في التسعينيات؛ بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهور الحاجة الملحة لضمان نجاة تتارستان اقتصادياً. ونقلت الكاتبة عن مسؤولين في تتارستان في تلك الفترة، تأكيدهم أنهم كانوا يتعاونون مع جميع الأطراف التي يمكن أن تساهم في إنقاذ البلاد اقتصادياً.

2– تعاون ديني متعدد الأوجه في مطلع الألفية الجديدة: وفقاً للكاتبة، بدأ التعاون الديني يظهر بعدها من خلال الحج والعمرة، كما تأسست جمعيات وأكاديميات دينية في مطلع الألفينيات، وتبادل علمي مع دول الخليج العربي.

3– تعزيز التعاون الاقتصادي عقب "الربيع العربي": تطرقت الكاتبة إلى خطاب "بوتين" عام 2007 عن أهمية تعددية الأقطاب، وبروز دول مجلس التعاون الخليجي بوصفه قوة اقتصادية، مضيفةً أن دور دول الخليج العربي ازداد بعد ما يُعرف بالربيع العربي. وطبقاً للكاتبة، بدأ الكرملين يدرك هذا الدور المتنامي للخليج العربي بشكل خلق تفاعلات جديدة بين الجانبين، كما بدأت تتارستان تعزز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج العربي في تلك الفترة.

4– ظهور طابع مؤسسي لعلاقات تتارستان–الخليجية: وفقاً للكاتبة، تمتعت علاقات تتارستان بدول الخليج العربي بكونها تأخذ طابعاً مؤسسياً، مدللة على ذلك بأنه إذا قام رئيس تتارستان بزيارة إلى إحدى دول مجلس التعاون الخليجي فيصحبه في هذه الزيارة عدد كبير من المسؤولين والوزراء لعقد لقاءات ثنائية مع نظرائهم.

5– تطوير علاقات الجانبين عبر "الدبلوماسية الموازية": وفقاً للكاتبة، توجد آلية كانت هامة للغاية في الدبلوماسية الموازية لتتارستان، وهي دور مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا – العالم الإسلامي"؛ فعندما تأسست هذه المجموعة، تم تعيين رئيس تتارستان في ذلك الوقت رئيساً مشاركاً للمجموعة، لكن بعد عام 2014 تم تعيين الرئيس الحالي رستم مينيخانوف رئيساً للمجموعة؛ حيث يلعب فيها دوراً هاماً.

وبحسب الكاتبة، فإن قمة قازان كانت واحدة من المبادرات المثيرة؛ حيث كانت أول قمة اقتصادية بين روسيا ودول الخليج العربي في 2019، وقد تم توقيع اتفاقيات خلال هذه القمة، وتطور مستوى التعاون بين دول الخليج العربي وتتارستان في مجال التمويل الإسلامي والقطاع المصرفي الإسلامي. وطبقاً للكاتبة، فإن هناك أيضاً تفاعلات على مستوى المنظمات الدينية، مشيرةً إلى أن تتارستان لديها رجال إفتاء خاصون بها، وفي روسيا لا يوجد مُفْتٍ واحد، بل عدة رجال إفتاء؛ ما يعني أن كل شخص منهم يستطيع أن يبني علاقات تعاون وروابط مع دول مختلفة، ولا توجد سياسة موحدة لذلك.

تحديات مثبطة

رأت د. ديانا أن هناك جملة من التحديات تعترض تطوير العلاقات بين دول الخليج العربي وتتارستان، هي:

1– حتمية إتمام التعاون بموافقة الحكومة الروسية: أكدت الكاتبة أنه وفقاً للتشريعات الروسية، لا تستطيع المناطق أو الجمهوريات الروسية، القيام بتمثيل دبلوماسي، ويقتصر دورها على تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج العربي. ونوهت الكاتبة أن الاستثمارات الخليجية لا تدخل تتارستان أو أياً من المناطق الروسية مُباشَرةً، بل تأتي عن طريق روسيا.

2– وجود قيود تشريعية أمام التعاون الاقتصادي: لفتت الكاتبة إلى أنه برغم وجود مبادرات لتعزيز التعاون بين دول الخليج العربي وتتارستان في مجال القطاع المصرفي الإسلامي والتمويل الإسلامي، فإن هناك قيوداً تشريعيةً قد تحول دون تحقيق ذلك. وأشارت الكاتبة إلى أنه على الرغم من أن أسس التعاون بين دول الخليج العربي وتتارستان موجودة فعلياً، وهناك العديد من الاتفاقات الموقعة بين الجانبين وتفاعل كبير في مجال البنوك الإسلامية، فإنه لا يوجد قانون ينظم عمل البنوك الإسلامية؛ ما يعني أن المشكلة تكمن في كيفية دمج الشريعة مع النظام القانوني الروسي، وفق ما ذكرت.

3– ضعف متابعة مبادرات تطوير العلاقات بين الجانبين: رأت الكاتبة أن هناك ضعف في المتابعة لتنفيذ المبادرات التي تُطرح بشأن علاقات دول الخليج العربي وتتارستان، مشيرةً إلى أن هذه التفاعلات تحدث طوال الوقت. وأضافت الكاتبة أن عمل الجانبين افتراضياً ومن خلال تطبيق زووم ليس كافياً، لرؤيتها أنه ربما تسبب في سوء تفاهم، مؤكدةً على أن المقابلات الحضورية تخلق نوعاً من الحيوية.

مداخل مختلفة

أكدت الكاتبة أن الفصل السادس من الكتاب يركز على علاقات دول الخليج العربي بالجمهوريات الروسية المسلمة، مثل الشيشان وأنجوشيتيا وداغستان وباشكورتستان، واستعرضت أبرز ملامح هذه العلاقات عبر ما يلي:

1– وجود علاقات مباشرة بين زعيم الشيشان ودول الخليج العربي: أوضحت الكاتبة أن علاقات الشيشان مع العالم الخارجي تتم بشكل مركزي من خلال رأس السلطة "رمضان قديروف"، مشيرةً إلى أن والده كان رجل دين، ولديه الكثير من العلاقات في العالم الإسلامي، وهو ما ساعد الرئيس الشيشاني على بناء علاقات مع دول الخليج العربي.

2– تركيز العلاقات بين داغستان ودول الخليج العربي على الشتات: لفتت الكاتبة إلى أنه تبين لها من خلال حديثها مع أحد المسؤولين، أن العلاقات بين داغستان ودول الخليج العربي ترتكز على الشتات، مضيفةً أنه على الرغم من أن هناك قنوات رسمية لتعزيز التعاون الثنائي، فإنها ليست عملية مثل تجمعات الشتات.

3– ظهور مؤسسية عالية في علاقات باشكورتستان والخليج العربي: أكدت الكاتبة أن إرث "كريم حكيموف" أول سفير للاتحاد السوفييتي إلى المملكة العربية السعودية، يظهر في باشكورتستان، خاصةً أن أصوله كانت منها قبل أن يعيش في تتارستان. وأضافت الكاتبة أنها توصلت إلى أن بعض المسؤولين السعوديين زاروا موطن "حكيموف" الأصلي أثناء انعقاد مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا – العالم الإسلامي" في عاصمة باشكورتستان، وهو ما يوضح أن هذا الرجل ما زال دوره مؤثراً. ووفقاً للكاتبة، تظهر درجة عالية من المؤسسية في العلاقات الثنائية بين باشكورتستان ودول الخليج العربي على غرار ما هو حاصل مع تتارستان.

وختاماً، نوهت الكاتبة بأن معظم البيانات التي جمَّعتها كانت قبل بدء الحرب في أوكرانيا، لكنها أشارت إلى أنها أجرت تحديثاً في آخر فصل لمواكبة أحداث الحرب، مشيرةً إلى أنها جادلت فيه أن معظم دول الخليج العربي ودول الشرق الأوسط، تبنَّت موقفاً محايداً تجاه الحرب، وأرجعت ذلك إلى العامل الإسلامي المشترك بين الطرفين، وليس إلى التعاون الاقتصادي فقط، على حد قولها.

الدبلوماسية الموازية لتتارستان تجاه دول مجلس التعاون الخليجي (لقاء مع المؤلف)