د. يوسف داوود


        
<p><strong>تصاعدت وتيرة اتهامات الكرملين، خلال الأيام الماضية، لأوكرانيا بالتخطيط لاستخدام ما تسمى "القنبلة القذرة" في الحرب الجارية، وهو ادعاء رفضته كييف وحلفاؤها الغربيون ووصفوه بأنه عملية تضليل كاذبة، تحاول موسكو استخدامها ذريعةً لتصعيد الحرب بوتيرة أسرع. والقنبلة القذرة هي سلاح يجمع بين مواد التفجير التقليدية – مثل الديناميت والـ</strong><strong>TNT</strong><strong> – والمواد المشعة مثل اليورانيوم (تُستخدَم بنسب قليلة جداً). هذا وقد لجأت روسيا إلى الدفع بهذا الطرح خلال الأيام الأخيرة للحرب بناءً على مجموعة من الدوافع والأهداف المرجوة، غير أن هذه الأهداف لا تعني بالضرورة أن استخدام هذا النوع من القنابل أصبح حتمياً لتحقيقها؛ وذلك وفقاً لمجموعة من المحددات التي ترجح احتمالية استخدامها من عدمه.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع الاتهامات</span></strong></p>



<p>ترتبط الاتهامات الروسية لأوكرانيا بمساعي استخدام القنابل القذرة في الصراع الراهن بعدد من الدوافع الرئيسية المتمثلة فيما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– قطع الطريق على أوكرانيا من الناحية الإعلامية:</strong> يوم 24 أكتوبر 2022، صرحت وزارة الدفاع الروسية بأن لديها معلومات تظهر أن كييف تُؤوي في معاملها تكنولوجيا تصنيع وتفجير القنابل القذرة، وأن معلوماتها تشير إلى أن كييف تخطط لعمل استفزازي باستخدام هذه القنابل على أراضيها، سعياً منها لحشد المجتمع الدولي ضد روسيا وتشويه صورتها باتهامها باستخدام أسلحة دمار شامل في الحرب الجارية؛ لذلك فإن أهم دوافع روسيا من وراء اتهام كييف بالتخطيط لاستخدام هذه القنابل يتمثل في قطع الطريق عليها من الناحيتين السياسية والإعلامية ومنعها من ترويج هذا الاتهام في الأوساط الدولية؛ وذلك إن كان هذا السيناريو قائماً بالفعل لدى صناع القرار في أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– احتمالية التخطيط الروسي لاستخدام القنابل القذرة:</strong> رجح بعض المحللين أن يكون الدافع من وراء هذا الاتهام هو تخطيط روسيا نفسها لاستخدام القنابل القذرة في الحرب مستقبلاً، ومن ثم ترغب في إجراء نوع من الاستباق التكتيكي لهذا السيناريو وتسليط أصابع الاتهام نحو ضلوع كييف باستخدام هذه الأسلحة ضد منشآتها أو أفرادها. وإذا كان هناك ما يعزز هذا الدافع في ظل تعرض روسيا المباشر لمنشأة زابوريجيا النووية – حيث تفوق مخاطر الأمن والأمان النوويين المرتبطين بها المخاطر الناجمة عن استخدام القنبلة القذرة – إلا أن عدم وجود أي سابقة دولية أو محلية لاستخدام هذا النوع من القنابل قد يكون من عناصر عدم الترجيح هذا الدافع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– فتح قنوات اتصال بالدول الكبرى: </strong>من ضمن الدوافع المحتملة لهذا الاتهام الروسي، رغبة موسكو في إعادة فتح قنوات اتصال مكثفة مع وزارات دفاع الدول الكبرى الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا؛ وذلك لتحقيق هدفين رئيسيين: استشفاف قابلية الغرب لقبول حلول وسطى وإنهاء الحرب بعد ضم بعض أقاليم شرق أوكرانيا إلى روسيا (دونيتسك، وخيرسون، ولوهانسيك)، وقراءة رد الفعل المحتمل حال رغبت روسيا في رفع وتيرة العمليات العسكرية ميدانياً. وقد دعم رجاحة وجود هذا الدافع قيام وزير الدفاع الروسي بالفعل بالتواصل مع نظيره الأمريكي "لويد أوستن" يوم 23 أكتوبر 2022، وطلب مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقد لقاء مغلق يوم 25 أكتوبر 2022 للمجلس، قام فيه بإبلاغ المراسلين بأن هناك منشأتين أوكرانيتين عازمتين على إنتاج قنابل قذرة لاستخدامها في الحرب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– مواجهة الاتهامات الغربية بتنفيذ أعمال سرية قرب محطة زابوريجيا:</strong> قد يكون الدافع وراء هذا الاتهام هو محاولة موسكو مواجهة الاتهامات الغربية لها بممارسة بعض الأنشطة السرية بالقرب أو داخل منشأة زابوريجيا النووية الأوكرانية؛ فعلى سبيل المثال، أكدت وكالة Energoatom المؤسسة الحكومية الأوكرانية التي تشغل أربع محطات للطاقة النووية في البلاد، أن القوات الروسية نفذت أعمال بناء سرية خلال شهر أكتوبر 2022 في محطة زابوريجيا بأوكرانيا. كما يرجح البعض أن من أهداف التعتيم التي تسعى روسيا إلى تحقيقها هو تحويل الاهتمام نحو الولايات المتحدة واستعادة كيل الاتهامات الموجهة ضدها على اعتبار أن تشغيلها معامل أسلحة بيولوجية في أوكرانيا، يؤكد ضلوعها مسبقاً بتطوير فيروس كورونا ومحاولة إلصاق التهمة بالصين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">محددات الاستخدام</span></strong></p>



<p>يتصل سيناريو الاستخدام الفعلي للقنابل القذرة في الحرب الأوكرانية بعدد من المحددات الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– مدى استعداد طرفي الحرب لتحمل فاتورة الاستخدام:</strong> إذا ما تم افتراض أن أوكرانيا هي التي ستسعى لاستخدام القنبلة القذرة لتوجيه ضغط سياسي أكبر على روسيا، فإن أهم المحددات التي سترجح احتمالية لجوئها لهذا السيناريو تتمثل في مدى تأكدها من عدم انكشاف هذا السيناريو الذي سيكون كفيلاً بتفكيك الجبهة الداخلية جملةً وتفصيلاً، وإفقاد الجنود الأوكرانيين الثقة تماماً بقيادتهم السياسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>أما بالنسبة لروسيا، فإن فاتورة استخدام هذه القنبلة تتمثل بالأساس في وصول رسالة إلى الجنود الروس أن أهداف العملية العسكرية تحولت من تحقيق تقدم ميداني استراتيجي على الأرض إلي إثارة الذعر والردع النفسي؛ وذلك لما هو معروف عن هذه القنبلة بأنها مصممة بالأساس لنشر الخوف والذعر أكثر من القضاء على أي هدف عسكري؛ لذلك فإن استخدامها من قبل أي من الطرفين سيكون كاشفاً عن مدى استعداده لتحمل فاتورتها، بل كاشفاً أيضاً عن مدى تأزم الوضع الميداني بالنسبة لأوكرانيا ومدى وصول روسيا إلى حد الاكتفاء العملياتي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– درجة استجابة الدول الكبرى للرواية الروسية:</strong> قوبلت المزاعم أو المساعي الروسية برفض أمريكي غربي قاطع، كما صرح البيت الأبيض بأنه لا يرى أي استعدادات محتملة لاستخدام قنبلة قذرة في أوكرانيا، أو وجود أي مؤشرات تشير إلى الاستخدام الوشيك لمثل هذا السلاح. كما تطور الأمر إلى إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة يوم 24 أكتوبر 2022، أنها سترسل مفتشين لزيارة موقعين نوويين في أوكرانيا بعد تلقي طلب للقيام بذلك من السلطات في كييف؛ وذلك لدحض المزاعم الروسية بواسطة طرف ثالث يفترض فيه الحياد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ورغم توقع روسيا أن أطروحاتها ستقابل بنوع من الرفض والحشد المضاد، فإن وقوف رد الفعل الغربي عند هذا الحد لا يمثل رادعاً في حد ذاته أمام استخدام روسيا هذا السلاح إذا ما قررت ذلك. من هنا، فإن مدى تطور رد الفعل الغربي تجاه هذه المزاعم، من شأنه ردع روسيا عن المضي قدماً في هذا السيناريو إن كانت تخطط له بالفعل، وهو رد الفعل المتوقع ألا يتعدى مزيداً من الحشد السياسي المضاد أو إقرار حزمة جديدة من العقوبات على موسكو.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– مدى رغبة روسيا في إخلاء مناطق معينة:</strong> إن الهدف الرئيسي من استخدام هذه القنابل هو الرغبة في إخلاء حيز جغرافي معين بناءً على اعتبارات الأمن والأمان النوويين؛ وذلك رغم أن الإشعاع الناتج عن تفجير القنبلة سيكون ضئيلاً (ما يجعله يستغرق وقتاً كبيراً للانتشار في حيزه الجغرافي اللصيق) بالقدر الذي لن ينتج عنه خسائر بشرية معتبرة. ولكن وفقاً لتوصيات الوكالة الدولية للطاقة لذرية، فإن الذعر الناتج عن وجود إشعاع نووي – ولو كان ضئيلاً – في مناطق مكتظة بالسكان، ناهيك عن احتمالية انتشاره بالفعل، تتطلب إخلاء عدد من المربعات السكنية؛ وذلك وفقاً للكثافة السكنية، وبناءً على حجم الإشعاع الصادر.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن هنا، يرجح أن يكون استخدام القنبلة القذرة في مناطق متاخمة لمناطق السيطرة الروسية الجديدة (أي الأقاليم الأوكرانية المنضمة) هو بناءً على هدف تكتيكي روسي بإخلاء المناطق المتاخمة؛ لردع المقاومة وإحكام السيطرة على الأقاليم المنضمة حديثاً؛ لذلك فإن وجود هذا الهدف في قائمة أولويات الجيش الروسي سيشكل عنصر تحفيز لاحتمالية استخدام هذه القنبلة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>الخلاصة: تبسط احتمالية استخدام القنبلة القذرة رقعة شطرنج جديدة في الحرب الروسية الأوكرانية، يكون فيها تحرك كل طرف مرهوناً ليس فقط بخططه العامة ولكن أيضاً بتحركات المنافس. وباستعراض المحددات الفعلية لإمكانية استخدام القنبلة القذرة، بدت فرص استخدامها – من قبل أي طرف من الطرفين – غير منعدمة، وإن كانت تكلفة استخدامها بالنسبة لأوكرانيا تفوق أكثر بكثير تكلفة استخدامها من قبل روسيا.</strong></p>

      

هل تشهد الحرب الأوكرانية استخدام القنابل القذرة؟