منذ أواخر عام 2021، اجتاح العالم موجة تضخم واسعة، عقب انتهاء عمليات الإغلاق الواسعة والاحتياطات الوبائية، وبداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022، وما أسفر عنها من تداعيات اقتصادية واجتماعية واسعة، دفعت كثيراً من الحكومات إلى تحويل مئات المليارات نحو إعانات دعم الأسر والشركات في ظل الارتفاع الهائل في أسعار الطاقة والغذاء، باعتبار ذلك من أبرز تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

ومنذ ذلك الحين، تفشَّى التضخم في عدة قطاعات اقتصادية أخرى، بما في ذلك الإسكان والمركبات؛ ما جعل الحكومات تتبنَّى سياسات التشديد الكمي التي تقضي برفع أسعار الفائدة وتكاليف الإقراض، في إطار مكافحة التضخم. والشاهد خلال الأشهر الأخيرة من عام 2023، أنَّ معدل التضخم الإجمالي في كثير من الدول قد بدأ ينخفض، فيما لا تزال دول أخرى تكابد التضخم المتفاقم؛ ما يثير تساؤلات حول الاتجاهات المتوقعة للتضخم في عام 2024، والسياسات المحتمل تبنيها من قبل الحكومات للتعامل مع التضخم.

سيناريوهات محتملة

ثمَّة توقعات لحالة التضخم في عام 2024، بناءً على عدد من المؤشرات الراهنة، وهو ما يمكن الوقوف عليها فيما يأتي:

1– انخفاض توقعات المستهلكين الأمريكيين للتضخم: بحسب بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في أحدث استطلاع له، في تقرير يوم 5 يناير الجاري، فإن توقعات المستهلكين الأمريكيين للتضخم على المدى القصير انخفضت إلى أدنى مستوى منذ ما يقرب من ثلاث سنوات في ديسمبر 2023، ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 3% بعد نحو عام، وهي أدنى قراءة منذ يناير 2021، مقابل توقعات بنسبة 3.4% في نوفمبر 2023. هذا وقد توقع المشاركون في الاستطلاع أن يصل التضخم بعد ثلاث سنوات إلى 2.6%، مقارنةً بـتوقعات 3% في نوفمبر 2023.

2– تراجع محتمل في معدل التضخم العالمي: منذ منتصف عام 2022، انخفض التضخم في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، من ذروة بلغت 7% على أساس سنوي في يونيو 2022 إلى 3% اعتباراً من أكتوبر 2023، فيما بلغ معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلكين 3.1% على أساس سنوي في نوفمبر 2023.

وانطلاقاً من كون التضخم آخذاً في الانخفاض في معظم الدول، فإن صندوق النقد الدولي يتوقع أن ينخفض معدل التضخم العالمي انخفاضاً ملحوظاً إلى 5.8% في عام 2024 من 6.9% في عام 2023، فيما من المتوقع أن يعود التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى مستويات ما قبل الوباء، بعد سلسلة من ارتفاعات أسعار الفائدة خلال العامين الماضيين؛ حيث يرجح أن يستمر التضخم بمعدل 2.3% في عام 2024، انخفاضاً من 2.6% في عام 2023.

3– تناقص محتمل في أسعار السلع المعمرة والطاقة والغذاء: من المتوقع رفع القيود الرئيسية على العرض في كثير من السلع، وبخاصة سوق أشباه الموصلات، التي من المرجح أن تتحول من حالة التقلص الشديد إلى الرواج خلال السنوات القليلة المقبلة. ولعل تطبيع أنماط الإنفاق – أي التحول مرة أخرى إلى التوسع في الإنفاق على الخدمات – قد يدفع أيضاً إلى تخفيف ضغوط التسعير على السلع؛ لذا يتوقع أن يتراجع نحو ثلث التضخم الزائد في السلع المعمرة بحلول عام 2027، فيما تشير التوقعات إلى احتمالية تراجع أسعار الغذاء والطاقة، مع تكيف تلك القطاعات مع الاضطرابات الناجمة عن العوامل الجيوسياسية كالحرب في أوكرانيا.

4– استمرار التضخم بقطاع الإسكان عام 2024: تسارع معدل التضخم بقطاع الإسكان تسارعاً ملحوظاً خلال عام 2023، ومن المتوقع أن يستمر التضخم في أسعار المساكن خلال عام 2024، نتيجةً للطبيعة الخاصة التي تتميَّز بها مؤشرات أسعار الإسكان، والتي تستغرق عادة وقتاً طويلاً كي تكون مواتية لظروف السوق المتغيرة، بمعنى أن الارتفاع المتراكم في إيجارات السوق منذ عام 2021، سيظل تاركاً آثاره على قطاع الإسكان خلال العام الجاري.

فيما من الممكن أن تشهد الإيجارات في السوق خلال 2024 تباطؤاً حاداً، استجابةً لانخفاض الطلب على المساكن وتوسيع المعروض من الشقق. ويدلل على ذلك التوقع أن نمو الإيجارات قد انخفض إلى نحو 2.8% فقط على أساس سنوي اعتباراً من سبتمبر 2023، من نحو 15% اعتباراً من أبريل 2022. وإن كان هناك احتمال أن يدفع ضعف الطلب على المنازل في التأثير على أسعار المساكن، إلا أنه حتى في تلك الحالة، ستظل أسعار المنازل ثابتة، وربما تتقارب في نهاية المطاف من معدل ما قبل الوباء؛ حيث سيؤدي هذا إلى إعادة مؤشر الإسكان إلى وضعه الطبيعي.

5– الهبوط الناعم للتضخم في عام 2024: على مدار عام 2023، انخفض التضخم بنحو 300 نقطة أساس حتى مع تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. ولعل ذلك الأداء قد تحدى التوقعات القائلة باحتمالية وقوع الركود التضخمي؛ حيث تصور بعض المحللين أن الركود الاقتصادي العميق سيكون ضرورياً لمعالجة التضخم الراسخ. وفي ضوء ذلك الأداء الإيجابي، تتجه التوقعات إلى احتمالية أن يعود التضخم إلى طبيعته في عام 2024، وهو ما سيمثل "هبوطاً ناعماً" على حد وصف بعض الاقتصاديين.

6– انخفاض محدود في التضخم الأساسي السنوي بمنطقة اليورو: انخفض التضخم الأساسي السنوي في منطقة اليورو إلى 3.4% في ديسمبر 2023؛ وذلك من 3.6% في نوفمبر من العام الماضي؛ ما أدى إلى ارتفاع سوق الأسهم، وارتفاع مؤشر S&P 500 في وول ستريت، ومؤشر Stoxx 600 القياسي في أوروبا، منذ ذلك الحين بنسبتَي 15% و11% على التوالي.

لكن على الجهة الأخرى، فإن التضخم في أسعار المستهلكين في منطقة اليورو قد ارتفع إلى 2.9% في ديسمبر 2023 من 2.4% في نوفمبر 2023، فيما ارتفع معدل التضخم السنوي في ألمانيا وفرنسا، اللتين تمثلان الاقتصادين الرائدين في الاتحاد الأوروبي، على خلفية ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلكين في ألمانيا بنسبة 3.8% في ديسمبر الماضي، مقارنةً بـ2.3% في نوفمبر الماضي. وفي فرنسا، قفز مؤشر أسعار المستهلكين السنوي إلى 4.1% في ديسمبر 2023 من 3.9% في شهر نوفمبر 2023، حسبما أظهرت البيانات الأولية، مدفوعين بالارتفاع في أسعار الطاقة، وقيام الحكومات الأوروبية بإلغاء إعانات الدعم السخية المقدمة لدعم الأسر خلال أزمة الطاقة في عام 2022.

7- تصاعد الضغوط التضخمية على كثير من الدول النامية: تعد التوترات العالمية المتصاعدة، في الآونة الأخيرة، وبشكل خاص تداعيات حرب غزة والصراع في أوكرانيا، من مخاطر ضعف النمو في عديد من الاقتصادات النامية. وفي ضوء ذلك، تشير التوقعات إلى نمو الاقتصادات النامية في عام 2024، بنسبة 3.9%، أي أقل بأكثر من نقطة مئوية واحدة مقارنة بمتوسط العقد السابق.

فيما من المحتمل أن تنمو البلدان منخفضة الدخل بنسبة 5.5%، وذلك تأثراً بالأحداث الجيوسياسية الراهنة، ما يعني اشتداد حدة الضغوط التضخمية في كثير من الدول، وارتفاعات حادة في أسعار السلع والخدمات، قد ينعكس بدوره على قطاعي العقارات والطاقة.

8- انخفاض محتمل في معدل التضخم في الصين: من المتوقع أن ينمو اقتصاد الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، بنسبة 4.6 % في العام 2024، وذلك بانخفاض حاد عن 5.2 % العام 2023. ولعل البيانات الأخيرة، تشير إلى أن عام 2024، قد بدأ فعلياً على أساس هش؛ حيث تستمر الضغوط الانكماشية والارتفاع الطفيف في الصادرات، ما يجعل من غير المرجح أن يحدث تحول سريع في النشاط المحلي. وعليه، يُتوقع أن يتراجع معدل التضخم في عام 2024 في الصين ليبلغ حوالي 1%.

سياسات محتملة

مع تراجع معدلات التضخم الرئيسية في أجزاء كبيرة من مجموعة الدول الصناعية السبع والاقتصادات الكبرى، فإن من المتوقع أن يميل صناع السياسات إلى خفض تكاليف الاقتراض بقوة، لكن ذلك سيتوقف بدرجة كبيرة على حالة التضخم في كل دولة؛ فربما تنتهج الحكومات سياسات متباينة بناءً على حالة التضخم الخاصة بها، وربما يصبح التخفيف الكلي توجهاً عالمياً خلال عام 2024، إذا اتجه التضخم بصورة مواتية نحو الانخفاض. وفيما يأتي يمكن استعراض عدد من السياسات المحتمل تبنِّيها في عدة دول:

1– إبقاء كوريا الجنوبية سعر الفائدة ثابتاً: أظهر الاجتماع الثامن على التوالي للبنك المركزي الكوري، في 11 يناير الجاري، أن كوريا الجنوبية ستُبقي سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 3.50%، تزامناً مع تراجع التضخم حتى الربع الثالث على الأقل من عام 2023، خاصةً أن معدل التضخم قد وصل حالياً إلى 3.2%، وهو أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2%، فيما انخفض الوون الكوري بنحو 1.8% مقابل الدولار في عام 2024. ومن ثم، فإن من غير المرجح أن يغير بنك كوريا المركزي موقفه المتشدد على الأقل في النصف الأول من العام الحالي. وبحسب محافظ البنك المركزي بكوريا الجنوبية ري تشانج يونج، في خطاب ألقاه بمناسبة العام الجديد، فإن بنك كوريا المركزي سيتبنَّى خلال عام 2024 "مزيجاً من السياسات النقدية" لخفض التضخم.

وعلى خلفية ذلك، يتوقع بعض الاقتصاديين أن يُجمِّد بنك كوريا الجنوبية المركزي، سعر الفائدة في الوقت الحالي، فيما سيذهب البنك نحو تخفيف السياسة النقدية قليلاً في النصف الثاني من عام 2024. وبحلول ذلك الوقت، من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم الرئيسي إلى أقل من 2.5%؛ ما سيزيد الحاجة إلى دعم السياسات النقدية نحو "الهبوط الناعم"؛ أي الخفض الخفيف والتدريجي لأسعار الفائدة.

2– تخفيض محتمل لأسعار الفائدة بأوروبا في النصف الثاني من 2024: مع انخفاض معدل التضخم الرئيسي بالفعل إلى 3.4% في ديسمبر 2023، فإن من المحتمل أن يستقر نمو الأجور في الأشهر الأولى من عام 2024؛ حيث سيستمر التأثير الكامل للتشديد النقدي للبنك المركزي الأوروبي هذا العام. ويُرجَّح أن يكون تراجع التضخم في عام 2024 نتيجةً لتشديد البنك المركزي الأوروبي على مدار العامين الماضيين.

ولعل تراجع التضخم والنمو الضعيف يكونان سببَين كافيَين أمام البنك المركزي الأوروبي للتوجه نحو خفض أسعار الفائدة بما مجموعه 75 نقطة أساس كل ربع سنة؛ بدءاً من يونيو 2024، حتى يتيقَّن البنك المركزي الأوروبي من سير التضخم نحو التراجع.

3– تخفيف محتمل للسياسة النقدية في مجلس التعاون الخليجي: على خلفية التوقعات بأن يكون القطاع غير النفطي في عام 2024 محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في منطقة الخليج؛ من المتوقع أن ينمو القطاع بنسبة 4% في عام 2024، مدفوعاً بالزخم الإيجابي في قطاعَي التجزئة والخدمات، ومدعوماً بالسيولة القوية، ومبادرات الإصلاح المستمرة، والطفرة السريعة في الاستثمارات الخاصة والحكومية. أضف إلى ذلك الزخم الإيجابي المحتمل خلال عام 2024 في الاقتصادات الخليجية، وفقاً لبيانات مؤشر مديري المشتريات من دول مجلس التعاون الخليجي، وهو مؤشر لثقة الأعمال ومؤشر رئيسي لأداء القطاع الخاص غير النفطي. ولعل ذلك ما يدفع التوقعات نحو القول بتخفيف محتمل للسياسة النقدية في منطقة الخليج بحلول نهاية عام 2024.

4– احتفاظ الاحتياطي الفيدرالي بسياسته التشددية: في ديسمبر 2023، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اعتزامه الحفاظ على سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية ضمن النطاق المستهدف الحالي الذي يتراوح بين 5.25% و5.5%. وتتوقع الأسواق أيضاً تخفيضات في أسعار الفائدة الرئيسية في النصف الأخير من عام 2024، مع استمرار تراجع الضغوط التضخمية.

ولعل ارتفاع معدل التضخم الرئيسي في الولايات المتحدة بأكثر من المتوقع إلى 3.4% في العام المنتهي في ديسمبر 2023، من 3.1% في شهر نوفمبر 2023؛ قد أعطى الاحتياطي الفيدرالي مبرراً إضافياً لإبقاء تكاليف الاقتراض عند أعلى مستوياتها الحالية منذ 22 عاماً.

جدير بالذكر أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يخشى في الوقت الراهن إعلان الانتصار على التضخم، وإنهاء سياسة التشديد الكمي التي استمرت طوال عامين؛ حيث يعتقد الاحتياطي الفيدرالي أن سياسة رفع أسعار الفائدة يجب أن تظل مستقرة لبعض الوقت، إلى حين تراجع التضخم تراجعاً مستداماً، وهي الرؤية التي أظهرها اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في ديسمبر 2023.

5– إقرار محتمل من بنك إنجلترا للتخفيضات في أسعار الفائدة: تشير التوقعات إلى أن دورة التشديد الكمي التي تبناها بنك إنجلترا خلال العامين الماضين، قد أوشكت على الانتهاء، وأنه بحلول صيف 2024، سيتجه بنك إنجلترا إلى خفض أسعار الفائدة، غير أن تأثير رفع أسعار الفائدة سيستمر في التراكم؛ ما يعني استمرار تأثر قطاع الإسكان وحاملي الرهن العقاري بالارتفاع السابق في أسعار الفائدة على مدار العامين الماضيين. ويعتقد أن يكون الانخفاض في أسعار الفائدة خلال عام 2024، بمقدار 100 نقطة أساس، والقدر نفسه من التيسير في عام 2025.

وعلى خلفية ذلك، يتوقع الاقتصاديون في بنك جولدمان ساكس أن يخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة أسرع مما كان متوقعاً في السابق؛ ما سيخفف الضربة التي تتلقاها الأسر من جراء ارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري بمقدار 11 مليار جنيه إسترليني.

6– إنهاء بنك اليابان عقوداً من سياسة التيسير الكمي: من المتوقع أن يكون عام 2024 هو العام الأول لتطبيع سياسة بنك اليابان المركزي؛ ما يعني إنهاء عقود من سياسة التيسير النقدي. وعلى خلفية ذلك، يتوقع أن يدعم نمو الأجور القوي هدف التضخم المستدام الذي طال انتظاره لبنك اليابان بنسبة 2%، فيما يُرجَّح أن ينمو الاستثمار في التكنولوجيات الجديدة بشكل أكبر، مستفيداً من الإعانات الحكومية واتجاه إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية.

وبالنظر إلى أرباح الشركات القوية في عام 2023، يعتقد أن نمو الأجور في 2024 يمكن أن يصل إلى أكثر من 3%.. ولعل أولى خطوات تشديد السياسة النقدية المحتملة من بنك اليابان المركزي هي إلغاء برنامج التحكم في منحنى العائد، الذي يعني "استهداف عائد محدد على السندات الحكومية عن طريق شراء أو بيع السندات في السوق المفتوحة؛ وذلك بغية إبقاء أسعار الفائدة منخفضة"، وهي الخطوة التي من المرجح حدوثها خلال الربع الأول من عام 2024، عندما يتجه منحنى سندات الحكومة اليابانية إلى مستوى أقل من 1%. هذا ويرجح أن يرفع البنك المركزي الياباني سعر الفائدة بمقدار 10 نقاط أساس في الربع الثاني، ولكنه سيُبقي سعر الفائدة القصير الأجل عند 0% حتى نهاية عام 2024.

7- خفض محتمل لأسعار الفائدة في الصين: في ضوء الضغوط الانكماشية التي يتعرض إليها الاقتصاد الصيني، فإن بعض الاقتصاديين يذهبون للقول باحتمالية اتخاذ البنك الشعبي الصيني إجراءات وسياسات مالية خلال عام 2024، لمواجهة الضغوط الانكماشية وتعزيز الإقراض. وعليه، يتوقع أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة لمدة عام واحد بمقدار 10 نقاط أساس إلى 2.4%. وربما على الناحية المقابلة، يذهب صناع السياسات إلى ضخ المزيد من الأموال في النظام المالي، وخفض كمية النقد التي يجب على البنوك الصينية الاحتفاظ بها في احتياطاتها، وذلك في سبيل تعزيز النمو ومواجهة مخاطر الانكماش.

8- إمكانية تمسك عدد من الاقتصادات النامية بالتشديد الكلي: قد تضطر عدد من اقتصادات الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء، إلى التمسك بسياسة التشديد الكلي، في ظل تفاقم الضغوط التضخمية، التي تدفع نحو انخفاض في قيمة العملة، مقابل ارتفاع جامح في أسعار السلع والخدمات، ما سيتطلب الاستمرار في رفع أسعار الفائدة، أو على الأقل تثبيت أسعار الفائدة، دون أي خفض. بيد أنه في حال شهدت المنطقة استقراراً جيوسياسياً في النصف الثاني من عام 2024، فقد تتجه تلك البلدان للحاق بركب الاقتصادات العالمية، وتعمد إلى إجراء خفض في أسعار الفائدة، لكن ذلك السيناريو يتوقف على طبيعة المجريات السياسية والاقتصادية في ذلك الوقت.

ختاماً، تنتظر كثير من الاقتصادات حول العالم في عام 2024، انخفاضاً في معدل التضخم، يتبعه خفض في أسعار الفائدة، وتخفيف السياسة النقدية، بما ينهي عامين من التشديد الكمي في كثير من الاقتصادات. وإن كان ذلك يبدو سيناريو إيجابياً، قد يغير مسار الاقتصاد العالمي خلال عام 2024 إلى الأفضل، إلا أن ثمة شكوكاً قد تهدم هذه النظرية، تتعلق بالأحداث الجيوسياسية والاضطرابات السياسية والاقتصادية غير المتوقعة، التي قد يحملها عام 2024، بما يقضي على أي فرص لتخفيف السياسة النقدية؛ فكما هو معروف، فإن السياسة النقدية للبنوك المركزية حول العالم تأتي في الأساس استجابةً للأوضاع الاقتصادية وحالة التضخم الراهن، لا بناءً على احتمالات وسيناريوهات إيجابية.

على الجانب الآخر، ثمة اقتصادات في الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء لا تزال تكابد التضخم المستمر في التفاقم استجابةً للأحداث الجيوسياسية الأخيرة المتمثلة في حرب غزة وتداعياتها الاقتصادية على المنطقة؛ ما قد يعيق تلك الاقتصاد عن اللحاق بركب الاقتصادات المتقدمة، التي من المحتمل أن تسير بخطى تدريجية نحو تخفيف السياسة النقدية، بينما لا تزال الاقتصادات النامية والفقيرة مستمرة في التمسُّك بسياسة التشديد النقدي، التي لن يكون هناك غنى عنها إذا استمرت الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية.

كيف تتعامل الحكومات مع تحدي التضخم في 2024؟