عبد الله جمال

منذ استعادة حركة طالبان السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021، أصبحت سياساتها الداخلية، ومواقفها على الساحة الدولية، وطبيعة تعاملها مع القوى العالمية، محوراً لجدل واسع وتساؤلات عميقة حول الكيفية التي ينبغي أن يتعامل بها المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة، مع هذا النظام. ومع تصاعد وتيرة الانتقادات للسياسات الداخلية للحركة، والاتهامات الموجهة لطالبان بإيواء فصائل إرهابية، إلى جانب تفاقم الأزمة الإنسانية داخل البلاد، بدأت تتزايد في واشنطن الدعوات المطالبة بإعادة تصنيف طالبان كمنظمة إرهابية أجنبية. وقد جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، في 21 مايو 2025، ليؤكد أن الإدارة الأمريكية بصدد دراسة هذا التوجه، كاشفاً عن دراسة بلاده لاحتمال تصنيف حركة طالبان كـ "منظمة إرهابية أجنبية".أبعاد متشابكةبدأت الولايات المتحدة مراجعة رسمية بشأن ما إذا كانت ستصنف حركة طالبان "منظمة إرهابية أجنبية"، بعد ما يقرب من أربع سنوات من سيطرة المجموعة على أفغانستان وإعادة تأسيس حكمها في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية، الأمر الذي ينطوي عليه مجموعة من الأبعاد الرئيسية، أبرزها:1- الضغوط السياسية الأمريكية الداخلية: يرتبط قرار إعادة النظر في تصنيف حركة طالبان بالخلافات السياسية داخل الولايات المتحدة، خصوصاً فيما يتعلق بكيفية إدارة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان؛ فقد شكل الانسحاب الفوضوي عام 2021 نقطة ارتكاز في الانتقادات الجمهورية الموجهة إلى إدارة الرئيس الأسبق جو بايدن؛ حيث شن الرئيس الحالي دونالد ترامب، إلى جانب عدد من أبرز الأعضاء الجمهوريين في الكونجرس، هجوماً عنيفاً على سياسات الإدارة الديمقراطية، متهمين إياها بالتسبب في إهانة وطنية كبرى؛ إذ وصف ترامب -خلال حملته الانتخابية- طريقة الانسحاب بأنها "من أكثر اللحظات إذلالاً في تاريخ الولايات المتحدة"، مؤكداً أن الانسحاب كان يجب أن يتم "بكرامة وقوة وهيبة".2- إعادة تقييم استراتيجية الانسحاب لعام 2021: جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي بشأن دراسة تصنيف طالبان كمنظمة إرهابية أجنبية في توقيت دقيق؛ إذ سبق بيوم إعلان وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، عن توجيه بإجراء مراجعة شاملة لعملية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. ومن اللافت للنظر أن هذه المراجعة تعد جزءاً من إعادة تقييم استراتيجية أوسع نطاقاً، تهدف إلى استخلاص الدروس وتعزيز آليات الردع في المستقبل، حيث يطرح تصنيف طالبان كجزء من أدوات الضغط والعقاب المتاحة للولايات المتحدة. وفي هذا السياق، صرح هيجسيث قائلاً "تمثل هذه الخطوة فرصة لاستعادة ثقة الشعب الأمريكي وكل من ارتدى الزي العسكري، وهي خطوة ضرورية بالنظر إلى حجم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدناها خلال الانسحاب". ومع ذلك، لا تزال التساؤلات قائمة حول ما إذا كانت هذه المراجعة ستأتي بنتائج مختلفة عن سلسلة من التقييمات السابقة التي أجراها كل من الجيش الأمريكي، ووزارة الخارجية، والجمهوريين في مجلس النواب.3- استمرار الانتقادات للسياسات الداخلية لحركة طالبان: يدفع مؤيدو إعادة تصنيف طالبان إلى الاستناد على جملة من الأدلة القانونية والأمنية التي تبرر هذا التوجه، في مقدمتها استمرار الحركة في توفير ملاذات آمنة لجماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش – ولاية خراسان. ومن أبرز الأمثلة، إقامة زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في كابول قبل أن يُقتل في غارة أمريكية بطائرة مسيرة عام 2022، وهو ما ينظر إليه كدليل ملموس على تواطؤ طالبان مع الإرهاب الدولي. كما يضيف قمع طالبان المستمر للنساء والصحفيين والمجتمع المدني مزيداً من المبررات التي تصور الحركة ككيان مارق ومعادٍ للقيم الديمقراطية، الأمر الذي يعزز دلائل تصنيفها كمنظمة إرهابية وفقاً للقانون الأمريكي.وفي سياق ذي صلة، أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها الصادر لعام 2025، أن الأوضاع في أفغانستان شهدت تدهوراً ملحوظاً خلال العام المنصرم، حيث "كثفت سلطات طالبان من حملاتها القمعية، لا سيما تجاه النساء والفتيات، ما يعكس تراجعاً كبيراً في الالتزام بالمعايير الحقوقية الدولية". من جهة أخرى، يرى العديد من المحللين أن عودة طالبان إلى الحكم عام 2021 لم تكن نتيجة لدعم شعبي واسع، بل كانت انعكاساً لفشل الحكومة السابقة في الحفاظ على شرعيتها وثقة المواطنين.4- الرد على تطور العلاقات بين موسكو وكابول: تلقي العلاقات المتطورة بين موسكو وطالبان بظلالها على المشهد؛ إذ تبدو روسيا منخرطة في مقاربة واقعية تهدف إلى تعزيز حضورها في آسيا الوسطى عبر إقامة علاقات مباشرة مع سلطات كابول، بمعزل عن الاعتراف الدولي الرسمي بالحركة. فقد سبق وقامت موسكو بدعوة ممثلين عن طالبان للمشاركة في مؤتمرات إقليمية، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين بمثابة "اعتراف فعلي" بسلطة الحركة، وإن لم يتم الإعلان عن ذلك صراحة. وتوجت روسيا هذا المسار برفع الحظر المفروض على طالبان من قبل المحكمة العليا الروسية، في خطوة تعد مؤشراً واضحاً على تصاعد مستوى التنسيق بين الطرفين. ويفسر محللون هذا النهج الروسي بأنه محاولة لتحقيق توازن دقيق، يضمن مصالح موسكو الإقليمية دون التورط في دعم نظام لا يحظى بقبول دولي واسع، خاصة في ظل استمرار التنافس الجيوسياسي مع القوى الغربية.وفي السياق ذاته، أعلن المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان، زامير كابولوف، في أبريل 2025، استعداد موسكو لتقديم الدعم لطالبان في معركتها ضد تنظيم داعش – ولاية خراسان، واصفاً التنظيم بأنه "عدو مشترك" للبلدين. وفي تصريح لوكالة "ريا نوفوستي"، أكد كابولوف أن روسيا لن تتردد في توفير جميع أشكال المساعدة لطالبان من خلال أجهزتها الأمنية المتخصصة، قائلاً "تنظيم داعش – خراسان يمثل تهديداً مشتركاً لنا، وموسكو مستعدة لتقديم الدعم الكامل عبر مختلف الأجهزة المعنية".5- شكوك واشنطن بشأن مسار تقارب طالبان مع الصين: في ظل العزلة الدولية المتزايدة، كثفت حركة طالبان من تحركاتها الدبلوماسية تجاه الصين أيضاً، في مسعى لتجاوز القيود الغربية والبحث عن شرعية بديلة؛ حيث أن المفاوضات الجارية بشأن استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية مع وبكين – وكذلك موسكو – إلى جانب المطالبات المتكررة بجذب الاستثمارات الصينية، تظهر رغبة طالبان في تخفيف وطأة العقوبات الغربية المفروضة عليها، وفي الوقت ذاته إرسال رسالة واضحة إلى واشنطن بأن الحركة تملك بدائل استراتيجية، ما يعزز من مكانتها في أي مفاوضات مستقبلية.والجدير بالذكر أن الصين قامت في يوليو 2023 بتعيين سفير جديد لها لدى أفغانستان، ما يشير إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي بعد إغلاق السفارة الصينية في أعقاب الانسحاب الأمريكي المفاجئ وسيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021.6- قطع الطريق على الشرعية الدولية لحركة طالبان: في ضوء التحسن التدريجي في علاقات طالبان مع كل من الصين وروسيا، تتزايد المؤشرات على احتمال أن تمهد هذه العلاقات الطريق أمام تطبيع جزئي أو تدريجي لوضع الحركة على الساحة الدولية، رغم عدم الاعتراف الرسمي بها حتى الآن من قبل أغلب دول العالم. هذا التعاون الروسي والصيني العملي قد يفتح الباب أمام دول أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة، مما يهدد بإعادة تشكيل المشهد الدبلوماسي الراهن، ويمنح طالبان فرصة لتثبيت حكمها دون الحاجة إلى إدخال إصلاحات جوهرية في قضايا أساسية، مثل حقوق الإنسان أو حقوق المرأة أو الشمول السياسي.وفي مواجهة هذا التوجه، تعمل الولايات المتحدة على تصعيد ضغوطها السياسية والاقتصادية على كابول بهدف تقليص انخراطها مع القوى الدولية المناوئة للسياسات الأمريكية؛ إذ لا تزال واشنطن، على سبيل المثال، تحتجز نحو 7 مليارات دولار من الأموال الأفغانية المجمدة، والتي تحتفظ بها البنوك الأمريكية، وبالتالي فإن استمرار إدراج طالبان على قوائم الإرهاب التابعة للأمم المتحدة والولايات المتحدة، وغياب أي اعتراف رسمي بها كحكومة شرعية، سيؤدي إلى استمرار حرمان الحركة من الوصول إلى هذه الأموال، الأمر الذي سيعرقل أيضاً أي محاولة منها لاكتساب شرعية دولية من خلال قنوات بديلة.7- تعزيز الضغوط على طالبان لتقديم المزيد من التنازلات: ربما يكون التلويح من جانب إدارة ترامب بتصنيف حركة طالبان كمنظمة إرهابية أجنبية محاولة من واشنطن لتقديم المزيد من التنازلات؛ فقد قام ترامب بإعادة تفعيل قنوات الاتصال المباشر مع مسؤولي طالبان، من خلال إرسال مبعوثين كبار إلى كابول، والمشاركة في مفاوضات مباشرة بشأن تبادل الأسرى. ورغم الانتقادات التي وجهها ترامب لطريقة انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان، فإن فريقه لا يستبعد إمكانية التنسيق التكتيكي مع طالبان في بعض الملفات، خصوصاً ما يتعلق بتأمين قاعدة باغرام الجوية، واستعادة المعدات العسكرية الأمريكية؛ إذ توظف واشنطن هذه الملفات كورقة ضغط تفاوضية، حيث تلمح بإمكانية تجنب إعادة تصنيف طالبان كمنظمة إرهابية أجنبية، إذا ما تجاوبت الحركة مع المطالب الأمريكية المطروحة، لا سيما فيما يتعلق بالإرهاب والتعاون الأمني.8- احتمالية تفكير واشنطن في توسيع حصتها من الموارد الأفغانية: ثمة تحركات متصاعدة من جانب إدارة ترامب لتعزيز رصيد واشنطن من الموارد الطبيعية والمعادن على المستوى العالمي، وذلك في إطار تنافسها مع الصين، ويظهر ذلك من خلال صفقة المعادن مع أوكرانيا وكذلك الحديث عن صفقة أخرى مع الكونغو الديمقراطية، وبالتالي قد تسعى واشنطن من خلال التلويح بتصنيف طالبان كمنظمة إرهابية أجنبية إلى الضغط على طالبان للحصول على الموارد الأفغانية؛ حيث تزخر الموارد المعدنية في أفغانستان بإمكانيات هائلة غير مستغلة. وتمتلك البلاد ما يُقدر بنحو 2.2 مليار طن من خام الحديد، و60 مليون طن من النحاس، و183 مليون طن من الألومنيوم، واحتياطيات هائلة من العناصر الأرضية النادرة مثل اللانثانوم والسيريوم والنيوديميوم. 9- إشارة تقارير إلى تصاعد خلافات داخل طالبان: كشفت عدة تقارير عن تصاعد حاد في الانقسامات داخل البنية القيادية لحركة طالبان، خصوصاً بين مجلس شورى قندهار وشبكة حقاني، حيث يُعتقد أن قرار الولايات المتحدة الأخير برفع المكافآت عن عدد من قادة شبكة حقاني، بعد مفاوضات متعلقة بتحرير رهائن، قد منح الأخير ميزة نسبية داخل الحركة، على حساب الجناح الآخر المتمركز في قندهار. كما تشير هذه الخطوة إلى تعقيد متزايد في المشهد السياسي داخل طالبان؛ إذ أن شبكة حقاني، بقيادة سراج الدين حقاني، لطالما كانت في علاقة متوترة مع الملا هبة الله أخوندزاده، زعيم مجلس شورى قندهار. وقد تفاقمت حدة هذه الخلافات مؤخراً، في ظل غياب سراج الدين لفترات طويلة عن أفغانستان، وحرص عدد من المسؤولين الأمريكيين على لقائه في مواقع خارجية بعيدة عن الهيكل السياسي التقليدي للحركة.سيناريوهات محتملةختاماً، تواجه الولايات المتحدة ثلاثة مسارات رئيسية في إدارة علاقتها مع حركة طالبان، لكل منها تبعات دقيقة ومعقدة؛ السيناريو الأول يتمثل في إعادة تصنيف طالبان كمنظمة إرهابية أجنبية، الأمر الذي سيترتب عليه فرض قيود قانونية صارمة على المعاملات المالية والدبلوماسية والمساعدات، مما من شأنه أن يعزز عزلة أفغانستان الدولية، ويدفع طالبان إلى توطيد تحالفاتها مع خصوم واشنطن التقليديين، كالصين وروسيا وإيران.أما الخيار الثاني فيكمن في استخدام ورقة إعادة التصنيف كورقة ضغط دون تنفيذها فعلياً، بحيث تمثل أداة تفاوض مرنة في ملفات شائكة مثل مكافحة الإرهاب وتحرير الرهائن، ولكن هذا النهج يحمل في طياته خطر فقدان المصداقية الأمريكية إذا لم يترجم إلى خطوات عملية.أما السيناريو الثالث، وهو الأقل احتمالاً، فيتمثل في انتهاج سياسة تطبيع مشروط مع طالبان، من خلال ربط الاعتراف الدولي بتقديم الحركة تنازلات جوهرية في قضايا الحريات السياسية وحقوق الإنسان. غير أن ضعف الإرادة السياسية من كلا الجانبين يجعل من هذا الخيار أقل واقعية، ويحد من إمكانية تحقيق تقدم ملموس في المستقبل المنظور.

دلالات بحث واشنطن تصنيف طالبان كمنظمة إرهابية أجنبية