عقد إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية حلقة نقاشية بعنوان "صراع التنظيمات: اتجاهات الإرهاب في أفريقيا"، استضاف خلالها د. مادي إبراهيم كانتي الأستاذ في كلية العلوم الإدارية والسياسية في جامعة الساحل باماكو في مالي، متحدثاً رئيسياً. تطرقت الحلقة النقاشية إلى عوامل تنامي الإرهاب، بالإضافة إلى تداعيات انتشار الأنشطة الإرهابية على القارة.

عوامل محفزة

تشهد أفريقيا تصاعداً ملحوظاً في التحديات الأمنية، ويُعد الإرهاب واحداً من أخطر هذه التحديات التي لا تهدد الاستقرار فقط في القارة، بل تعوق بشكل كبير مسار تنميتها المستدامة؛ حيث تتشابك العديد من العوامل في تغذية هذه الظاهرة؛ وذلك كالتالي:

1– معضلة الحدود المخترَقة بين الدول الأفريقية:

تشكل الجغرافيا الأفريقية، بحسب المشاركين، عاملاً رئيسياً في توسع الحركات الإرهابية؛ فالمساحات الشاسعة من الصحاري والغابات، بالإضافة إلى الحدود المفتوحة بين الدول، تعرقل قدرة الحكومات المركزية على فرض سيطرتها الكاملة على أراضيها؛ ما يتيح للجماعات الإرهابية المجال لتنظيم هجماتها والتوسع إلى مناطق أخرى. تسمح هذه الطبيعة الجغرافية والحدود المفتوحة بحرية تنقل الإرهابيين عبر الدول؛ فعلى سبيل المثال، تنشط جماعة بوكو حرام في نيجيريا والدول المجاورة مثل النيجر وتشاد والكاميرون، مستغلة الطبيعة الصحراوية والحدود غير المحمية لتوسيع عملياتها.

2– عدم الاستقرار السياسي وانتشار الانقلابات العسكرية:

أوضح المشاركون أن دول غرب أفريقيا تواجه تفاقماً مستمراً للأزمات السياسية؛ ما يؤدي إلى إضعاف الاستقرار وزيادة هشاشة المنطقة أمام التهديدات الإرهابية المتصاعدة. وقد ساهمت الانقلابات العسكرية وعدم استقرار الحكومات في خلق فراغ أمني؛ حيث وفرت هذه الانقلابات المتكررة بيئة خصبة لنمو وانتشار الحركات الإرهابية؛ فمنذ عام 2020، شهدت دول مثل مالي، وبوركينا فاسو، وتشاد سلسلة من الانقلابات السياسية جعلتها عرضة لهجمات الجماعات الإرهابية. وقد أدى انسحاب القوات الدولية، ولا سيما القوات الفرنسية، إلى ترك فراغ أمني كبير استغلته تنظيمات إرهابية مثل "داعش" و"القاعدة". ونتيجةً لذلك، تعاني هذه الدول من حالة مستمرة من عدم الاستقرار؛ ما عزز من جذب تلك الجماعات الإرهابية واستغلالها الوضعَ الأمني المتردي.

3– تراجع مستويات المعيشة وقلة فرص العمل:

بحسب المشاركين فإن الإرهاب في أفريقيا لا يقتصر على زعزعة الأمن فحسب، بل يشكل أيضاً عائقاً أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث يسهم الفقر والتخلف التنموي في جعل الشباب هدفاً سهلاً لتجنيدهم من قبل الجماعات الإرهابية. وفي منطقة الساحل، تشكل الهجمات الإرهابية تهديداً حقيقياً للمشروعات الاقتصادية الكبرى، مثل مشاريع الغاز في موزمبيق. علاوةً على ذلك، تمثل جماعات إرهابية مثل تنظيم داعش وبوكو حرام خطراً كبيراً على الاستقرار الاجتماعي في دول مثل مالي ونيجيريا وتشاد والصومال، مستغلةً الفقر والتهميش لتجنيد الشباب.

4– تحفيز النزاعات العرقية والمجتمعية انتشار الإرهاب:

تسهم النزاعات العرقية والمجتمعية، وفق المشاركين، في توفير بيئة مواتية لانتشار الإرهاب؛ حيث تستغل الجماعات الإرهابية هذه التوترات لتعزيز تجنيد الأفراد وتوسيع نفوذها؛ ففي نيجيريا، استغلت جماعة "بوكو حرام" الانقسامات العرقية والدينية لتجنيد الشباب الغاضبين والمنعزلين عن الدولة. ويتجلى هذا بوضوح في مناطق مثل شمال نيجيريا وكذلك في النيجر؛ حيث تعمِّق الفجوات الاجتماعية الانقسامات؛ ما يسهل على الجماعات الإرهابية التمدد والتوسع.

5– تنامي الفراغ الأمني وغياب السلطة المركزية:

بحسب المشاركين، تواجه العديد من الدول الأفريقية صعوبة في فرض سيطرة الحكومات المركزية على جميع أراضيها، لا سيما في المناطق النائية ذات التضاريس الوعرة. هذا الفراغ الأمني يشكل فرصة ذهبية للجماعات الإرهابية للتوسع وإقامة قواعد عملياتها. في جمهورية الكونغو الديمقراطية، استغلت "القوات الديمقراطية المتحالفة" هذا الضعف الحكومي لتعزيز نفوذها في شرق البلاد.

في بعض الحالات، تتحول الصراعات المسلحة ضد الحكومات إلى حركات إرهابية مع مرور الوقت؛ حيث تسعى الجماعات المتمردة إلى توحيد جهودها مع التنظيمات الإرهابية لتحقيق أهداف مشتركة، وتعزز من تحولها إلى جماعات إرهابية في سبيل جذب الدعم المادي واللوجستي من الشبكات الإرهابية الأكبر. مثال ذلك ما حدث في مالي؛ حيث أدى التحالف بين المتمردين والتنظيمات الإرهابية إلى تصاعد العنف وزيادة تعقيد الوضع الأمني؛ ما جعل جهود استعادة الاستقرار أكثر صعوبةً.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعد "القوات الديمقراطية المتحالفة" نموذجاً واضحاً لهذا التحول؛ فقد تطورت من مجموعة متمردة إلى فرع لتنظيم داعش في وسط أفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى؛ ما زاد خطورة التهديد الإرهابي في هذه المناطق. هذا التحول لم يعزز فقط من قدرتهم على شن هجمات أكثر قوةً، بل أدى أيضاً إلى انتشار الفكر الإرهابي في مناطق أوسع؛ ما يشكل تحدياً أكبر للحكومات المحلية والمجتمع الدولي على حد سواء.

6– تفاقم الصراع على الموارد الطبيعية في القارة:

لفت المشاركون إلى أن أفريقيا التي تزخر بموارد طبيعية هائلة، أصبحت ميداناً للصراع بين الدول والجماعات الإرهابية الساعية إلى السيطرة على هذه الموارد. تنظيم "داعش" في موزمبيق يعد مثالاً واضحاً؛ حيث يركز هجماته على المناطق الغنية بالغاز الطبيعي؛ ما يعقد الجهود التنموية في البلاد. وعلى الرغم من وفرة هذه الموارد، فإن العديد من الدول الأفريقية لا تزال تعاني من مستويات عالية من الفقر، بينما يمكن لثرواتها الطبيعية أن تضعها في مصاف الدول الغنية. فمثلاً تمتلك منطقة الساحل وغرب أفريقيا نحو 32% من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي في القارة، بالإضافة إلى ثروات أخرى ذات أهمية استراتيجية على المستوى العالمي.

7– تنوع استراتيجيات تمويل التنظيمات الإرهابية:

كشف المشاركون أن مصادر تمويل الجماعات الإرهابية في أفريقيا تختلف وفقاً لأهدافها الأيديولوجية؛ ما يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على الانتشار والتوسع. على سبيل المثال، تعتمد "القاعدة" في منطقة الساحل وغرب أفريقيا بشكل كبير على الأنشطة غير المشروعة، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات وعمليات الاختطاف مقابل الفدية. تُستخدم هذه الأموال لتأمين الأسلحة والموارد الضرورية لتنفيذ الهجمات وبناء علاقات مع المجتمعات المحلية. في المقابل، يستند تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا إلى السيطرة على الأراضي واستغلال الموارد الطبيعية، مثل مناجم الذهب في بوركينا فاسو والنيجر؛ حيث تفرض الجماعة ضرائب على السكان، وتستغل الأنشطة الاقتصادية المحلية لتمويل عملياتها. أما "حركة الشباب المجاهدين" في الصومال، فتُمَوِّل عملياتها بشكل رئيسي من خلال تهريب الفحم وفرض الضرائب على التجار، وهي استراتيجية تُمكنهم من تعزيز وجودهم الإقليمي والحفاظ على السيطرة على المناطق الريفية في البلاد.

9– تصاعد التدخلات الخارجية في بعض دول القارة:

وفق المشاركين، تُستخدم محاربة الإرهاب أحياناً ذريعةً لتعزيز الوجود الأجنبي في أفريقيا. ما بدأ كعمليات حفظ سلام تحول تدريجياً إلى جهود لمكافحة الإرهاب مع تزايد التهديدات الإرهابية. فرنسا كانت من أوائل الدول التي تدخلت عسكرياً في مالي من خلال عملية "برخان" لمحاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل. ومع ذلك، فإنه غالباً ما تركز هذه التدخلات على تحقيق المصالح الجيوسياسية للدول المتدخلة بدلاً من تقديم دعم حقيقي لاستقرار الدول الأفريقية.

تحولات الإرهاب

يمكن تلخيص أبرز اتجاهات الإرهاب التي انتشرت مؤخراً في أفريقيا كالتالي:

1– انتقال الإرهاب من دول أخرى إلى أفريقيا:

بحسب المشاركين، فإنه مع تصاعد الضغوط العسكرية في مناطق مثل أفغانستان والعراق، وجدت الجماعات الإرهابية في أفريقيا بيئة مواتية لتوسيع أنشطتها، مستفيدةً من ضعف الحكومات المركزية، والصراعات الداخلية المتواصلة، والمساحات الشاسعة التي تفتقر إلى السيطرة الأمنية الفعالة. أصبحت مناطق مثل الساحل ووسط وشرق أفريقيا بؤراً رئيسية لنشاط جماعات مثل "القاعدة" و"داعش"، وهي الجماعات التي استغلت الأزمات السياسية والاقتصادية لتجنيد المزيد من الأفراد وتعزيز نفوذها. بالإضافة إلى ذلك، تمثل الثروات الطبيعية الوفيرة في أفريقيا، كالمعادن النفيسة مثل الذهب، والنفط والغاز، عوامل جذب رئيسية؛ حيث تعتمد هذه الجماعات على السيطرة على الموارد كمصدر مستمر لتمويل عملياتها العسكرية وتوسيع رقعة نفوذها الجغرافي.

2– تصاعُد ملحوظ في الأنشطة الإرهابية ببعض الدول:

منذ بداية الألفية الجديدة، شهدت عدد من دول أفريقيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، ونيجيريا، والصومال) تصاعداً ملحوظاً في ظاهرة الإرهاب؛ حيث انتشرت التنظيمات الإرهابية في هذه البلدان. وفي عام 2012، تمكنت جماعات إرهابية، مثل "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"حركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا"، و"أنصار الدين" من السيطرة على كامل شمال مالي. في ذلك الوقت، كانت هذه الجماعات وأفكارها الإرهابية مستوردة، خصوصاً من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، عبر المقاتلين العائدين من الحرب الأفغانية–الروسية.

3– تحول الإرهاب إلى صناعة محلية في القارة:

أشار المشاركون إلى أنه في السنوات الأخيرة، لم يعد الإرهاب ظاهرة مستوردة فقط، بل تحول إلى صناعة محلية؛ حيث تم إدماج السكان المحليين في هذه الجماعات الإرهابية، وتولى بعضهم مسؤولية إنشاء وتشكيل تلك التنظيمات بأنفسهم. بذلك، لم تعد آثار الإرهاب محصورة على التنمية فقط، بل امتدت لتشمل فقدان أرواح الأبرياء، وتدمير الممتلكات، ونشر الخوف والرعب بين السكان، وصولاً إلى تهديد الحكومات والمؤسسات لتحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية أو اجتماعية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

4– تحول القارة إلى ساحة تنافس بين الجماعات الإرهابية:

وفق المشاركين، تزايدت وتيرة الهجمات الإرهابية التي تنفذها جماعات "القاعدة" وفصائلها في الساحل وغرب أفريقيا، وكذلك في الصومال ووسط أفريقيا، بالإضافة إلى الجماعات التي بايعت "داعش". بذلك تحولت مناطق أفريقية إلى ساحات تنافُس بين "القاعدة" و"داعش"؛ فقد استهدفت العمليات الإرهابية بشكل مكثف مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر من قبل جماعات مثل "نصرة الإسلام والمسلمين"، و"كتيبة المرابطون"، و"جبهة ماسينا"، و"أنصار الشريعة" التابعة للقاعدة، بالإضافة إلى عمليات "داعش" في الصحراء الكبرى بقيادة أبو وليد الصحراوي (الذي قُتل في غارات فرنسية)، كما شنت "بوكو حرام" التابعة للقاعدة وداعش عمليات في نيجيريا، وتشاد، والنيجر، والكاميرون، فضلاً عن هجمات في الصومال، وموزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأوغندا.

5– سعي الجماعات لتوسيع نطاقها إلى دول أخرى:

لا تقتصر هذه العمليات على تلك الدول فقط، بل تعمل التنظيمات الإرهابية على توسيع نطاق عملياتها في دول أخرى. ومن ثم، يمكن القول بأن تحالف هذه التنظيمات ساهم في زيادة الهجمات الإرهابية وتطور أساليبها. من خلال هذا التحليل، يتضح أن الإرهاب لا يزال يشكل تحدياً كبيراً للاستقرار الأمني في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كما أنه يُعَد عقبة أمام التنمية والأمن في تلك المناطق.

6– صراع النفوذ بين داعش والقاعدة في أفريقيا:

تتميز العلاقات بين تنظيمي داعش والقاعدة في أفريقيا بتنوع معقد يعكس الظروف الجغرافية والسياسية المحلية. في بعض المناطق، مثل منطقة الساحل، يمكن أن يتعاون التنظيمان ضد عدو مشترك، سواء تمثل في الحكومة أو القوات الدولية. هذا التعاون ينبع من تشارك الأهداف المشتركة مثل مواجهة النفوذ الحكومي أو السيطرة على المناطق الغنية بالموارد، إلا أن هذا التعاون عادة ما يكون مؤقتاً ومحدوداً بمصالح تكتيكية معينة.

في المقابل، هناك مناطق تشهد تنافساً شرساً بين التنظيمين، مثل منطقة مينكا في مالي؛ حيث تسيطر داعش بالكامل وتمنع أي وجود للقاعدة. يعكس التنافس رغبة كل تنظيم في ترسيخ نفوذه وفرض سيطرته على مناطق استراتيجية؛ ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تصاعد العنف الداخلي بينهما.

7– اختلاف النفوذ بين الجماعات وفقاً للمناطق:

من حيث النفوذ، تختلف قوة التنظيمات الإرهابية بحسب المنطقة. في منطقة الساحل، يتمتع تنظيم القاعدة بتفوق واضح على داعش؛ حيث ينسجم بشكل أفضل مع الثقافة والتقاليد المحلية، خاصةً أن غالبية مقاتلي القاعدة من السكان المحليين؛ ما يعزز ارتباطهم بالمجتمعات. في المقابل، يُنظر إلى عناصر داعش القادمين في الغالب من خارج المنطقة مثل المغرب، على أنهم غرباء؛ ما يقلل قدرتهم على كسب دعم السكان المحليين.

أما في وسط وشرق أفريقيا، فالأمر مختلف؛ حيث يسيطر داعش بشكل أكبر في دول مثل الكاميرون، والكونغو، وموزمبيق، والصومال. هناك، يستغل داعش ضعف الحكومات المحلية، وتفكك الأمن الداخلي لتعزيز نفوذه وتوسيع رقعة سيطرته. في هذه المناطق، يجد داعش مساحة أكبر للتوسع؛ نظراً إلى قلة المنافسة المباشرة مع القاعدة، ولقدرته على استغلال النزاعات المحلية لصالحه.

8– تصاعد الدور الإيراني في بعض دول القارة:

منذ عام 2022، لوحظت زيادة في الزيارات الحكومية من دول الساحل إلى إيران؛ حيث تم التباحث حول أشكال التعاون المختلفة، ومنها تقديم التدريب العسكري وتزويدها بالأسلحة، مثل الطائرات المسيّرة. وتباعاً أدانت مجموعة دول غرب أفريقيا (الإيكواس) هذه المساعدات الإيرانية، مشيرةً إلى أن هذه التدخلات تزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة، وأن الطائرات المسيرة الإيرانية تؤدي إلى قتل المدنيين، كما يوجد تأثير غير مباشر للعلاقات الحالية بين الحوثيين والإرهاب في أفريقيا؛ حيث يستقطبون بعض الجماعات الشيعية التي تسعى إلى نشر أفكار دينية معينة. على سبيل المثال، في الصومال، هناك دعم غير مباشر للحوثيين من خلال الجماعات الشيعية الموجودة، مثل الحركة الإسلامية في نيجيريا (IMN)، التي كان لها تأثير كبير في السابق، لكنها شهدت تراجعاً ملحوظاً في نفوذها اليوم.

تحديات هيكلية

من شأن المنظمات الإقليمية والدولية في أفريقيا أن تحقق التكامل بين الدول والتعاون في مواجهة الأزمات، وعلى رأسها انتشار الإرهاب، إلا أن هذه الكيانات باتت تواجه تحديات تعيق دورها في كبح الظاهرة، وهي كالتالي:

1– نقص الموارد والدعم اللوجستي:

من أبرز هذه المبادرات تحالف حوض بحيرة تشاد وتحالف دول الساحل الخمس (G5 Sahel)، اللذين كانا يهدفان إلى مواجهة التحديات الأمنية في مناطق النزاع. ومع ذلك، ورغم هذه المحاولات، عانت هذه التحالفات من نقص كبير في الموارد والدعم اللوجستي؛ ما حد قدرتها على تحقيق النتائج المرجوة. في مواجهة التحديات المستمرة والإخفاقات المتكررة، أصبح من الضروري إيجاد حلول جديدة وأكثر فاعليةً. بناءً على ذلك، تم الإعلان عن تأسيس "تحالف دول الساحل" (AES)، الذي يهدف إلى التغلب على العقبات السابقة من خلال تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء وتوفير الموارد اللازمة للتصدي للإرهاب بطريقة أكثر شموليةً وفاعليةً.

2– تراجع تمويل العمليات العسكرية اللازمة:

يتألف "التحالف في حوض بحيرة تشاد" من نيجيريا، وتشاد، والنيجر، والكاميرون، وقد أُقيم بهدف مواجهة جماعة بوكو حرام والجماعات المسلحة الأخرى الناشطة في حوض بحيرة تشاد. وتعمل هذه الدول على تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي للحد من نشاط الجماعات الإرهابية، خصوصاً في المناطق الحدودية. ومع ذلك، يواجه التحالف تحديات عدة، منها نقص التمويل؛ حيث تعاني الدول الأعضاء من صعوبات في تأمين الموارد اللازمة لدعم العمليات العسكرية والأمنية المستمرة.

3– ضعف البنية التحتية العسكرية والاستخباراتية:

يشكل هذا الأمر في العديد من المناطق المتضررة عقبة إضافية، بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية في بعض الدول الأعضاء؛ ما يعيق التنسيق الفعال، مثل ما واجهه تحالف دول الساحل الخمسة (G5)؛ فرغم الدعم المقدم من فرنسا عبر عملية برخان، ومساهمات محدودة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن نقص التنسيق والتكنولوجيا المتطورة أضعف القدرة على تنفيذ العمليات المشتركة بفاعلية. يعاني التحالف أيضاً من ضعف الهياكل الاقتصادية والتنموية؛ ما يسهم في استمرار الفقر وانعدام الفرص، ويزيد من قابلية تجنيد الأفراد في الجماعات الإرهابية.

4– نزاعات داخلية في تحالف دول الساحل:

تأسس التحالف (Alliance of Sahel States – AES) بهدف تعزيز التعاون الأمني والعسكري في منطقة الساحل. وقد جاء تشكيل التحالف كرد فعل على فشل تحالف G5 Sahel في مواجهة التحديات الإرهابية، خصوصاً بعد انسحاب القوات الفرنسية من بعض المناطق التي كانت تحت مظلة عملية برخان. تعاني بعض دول التحالف، مثل بوركينا فاسو ومالي، من نزاعات داخلية تعيق التنسيق الأمني الفعَّال. كما تساهم التدخلات الإقليمية والدولية المستمرة في تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق استقرار دائم في المنطقة.

5– ضعف الاستجابة الجماعية في مواجهة الإرهاب:

في السنوات الأخيرة، تصاعد الإرهاب في موزمبيق، خاصة في إقليم كابو ديلجادو شمال البلاد، بقيادة حركة الشباب الموالية لداعش. الهجمات الإرهابية، بما في ذلك الهجوم على ميناء بالما في 2021، أدت إلى نزوح الآلاف ومقتل العديد؛ ما لفت الانتباه الدولي. لمواجهة هذا التهديد، شكلت مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي (SADC) تحالفاً مع الحكومة الموزمبيقية ودعمتها دولياً. في عام 2021، نشرت مجموعة SADC بعثة عسكرية (SAMIM) لتحقيق أهداف مثل تأمين المناطق المتضررة، ودعم القوات المحلية، وحماية السكان، وتأمين مشاريع الغاز الحيوية. جنوب أفريقيا قادت التحالف بمساهمات عسكرية، بينما قدمت أنجولا وتنزانيا المعدات والتدريب.

6– فشل البعثات الدولية في القضاء على الإرهاب:

في يناير 2013، أطلقت فرنسا عملية "سيرفال" استجابة لطلب الحكومة المالية بعد سيطرة جماعات مرتبطة بالقاعدة على مناطق شاسعة في شمال البلاد. وكان الهدف من العملية استعادة المناطق التي وقعت تحت سيطرة الإرهابيين. ونجحت القوات الفرنسية بالتعاون مع الجيش المالي في استعادة مدن رئيسية مثل تمبكتو وجاو وكيدال. ورغم تحقيق بعض الإنجازات العسكرية، لا يزال التهديد الإرهابي مستمراً في البلاد والمنطقة الأوسع. على غرار ذلك، فشلت بعثة الأمم المتحدة في مالي في القضاء على الإرهاب. رغم التقدم العسكري المحرز على مدار السنوات، لا تزال الجماعات المسلحة تشكل تهديداً مستمراً لأمن مالي واستقرار المنطقة بأكملها.

تأثيرات الإرهاب

1– إعادة تشكيل موازين القوى في أفريقيا:

وفق المشاركين، أصبح الإرهاب أداة مركزية في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في أفريقيا. العديد من الدول الأفريقية تعاني من تصاعد العمليات الإرهابية؛ ما يهدد الاستقرار الداخلي ويؤثر على علاقاتها الخارجية. الجماعات الإرهابية، مثل بوكو حرام في نيجيريا وحركة الشباب في الصومال، تسعى إلى تحقيق أهداف متعددة، منها إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار لتحقيق مصالح ذاتية، بينما تعمل القوى الدولية على استغلال هذه الأزمات لتحقيق أهداف جيوسياسية. في هذا السياق، أصبح من الضروري للدول الأفريقية تشكيل تحالفات إقليمية لمواجهة هذه المخاطر، وهو ما ساهم في إعادة صياغة التوازنات الإقليمية والدولية.

2– احتدام التنافس الدولي على النفوذ في القارة:

بحسب المشاركين، فإنه مع تصاعد التهديدات الإرهابية، أصبحت أفريقيا ساحة للتنافس الدولي؛ حيث تسعى القوى الكبرى – مثل الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا – إلى تعزيز نفوذها في القارة. تستغل القوى الخارجية الوضع لتحقيق مصالحها الخاصة. على سبيل المثال، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز حضورها العسكري من خلال برامج تدريب القوات المحلية. أما روسيا فتقدم الدعم العسكري للدول الأفريقية المتحالفة معها. هذا التنافس يزيد تعقيد الوضع السياسي في أفريقيا ويؤدي في كثير من الأحيان إلى تصاعد التوترات الإقليمية.

3– استغلال روسيا الفراغ الدولي في أفريقيا:

أوضح المشاركون أن التدخل الروسي في منطقة الساحل الأفريقي، ولا سيما في مالي بعد انسحاب القوات الفرنسية، يُعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة؛ حيث استغلت موسكو الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الفرنسية لتعزيز علاقاتها مع الحكومة المالية؛ وذلك من خلال إرسال قوات مرتزقة، مثل مجموعة فاجنر، وتقديم دعم عسكري وأمني. هذه التحركات تعكس رغبة موسكو في توسيع نفوذها في القارة الأفريقية، خاصة في ظل تصاعد التوترات مع الدول الغربية نتيجة الحرب في أوكرانيا.

4– فرض عقوبات غربية على دول أفريقية:

مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أصبحت أفريقيا ساحة إضافية لتصعيد التنافس بين القوى العالمية. تسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في القارة الأفريقية كرد فعل على الضغوط الغربية الناتجة عن الحرب، من خلال تعزيز علاقاتها مع دول مثل مالي وبوركينا فاسو. على الجانب الآخر، تسعى الدول الغربية إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على الدول التي تتعاون مع روسيا في أفريقيا؛ ما يعزز التوترات السياسية في القارة.

5– تبني تركيا استراتيجية لتعزيز النفوذ في أفريقيا:

أنشأت تركيا قواعد عسكرية، مثل القاعدة العسكرية في الصومال، لتدريب القوات المحلية على مواجهة الإرهاب. بجانب الدعم العسكري، تقدم تركيا مساعدات إنسانية في المناطق المتضررة من النزاعات، مثل الصومال وليبيا. هذا النهج الشامل يهدف إلى تعزيز نفوذ أنقرة في أفريقيا من خلال الجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية والمساعدات الإنسانية.

6– توظيف إيران القوة الناعمة في القارة الأفريقية:

رغم أن دور إيران في مكافحة الإرهاب في أفريقيا محدود مقارنةً بالدول الأخرى، فإنها تعتمد على استراتيجية القوة الناعمة لتعزيز وجودها في القارة؛ حيث تسعى إلى بناء تحالفات سياسية ودينية مع بعض الجماعات المحلية، كما هو الحال في نيجيريا مع الحركة الإسلامية هناك. يهدف هذا النهج إلى تعزيز نفوذها الديني والسياسي في بعض المناطق. تعتمد إيران بشكل رئيسي على نشر الأيديولوجيا الشيعية وتقديم الدعم السياسي لبعض الجماعات المسلحة.

ختاماً، في ضوء ما سبق، حدد المشاركون بعض التوصيات لكبح انتشار الإرهاب في أفريقيا، لا سيما لدول الخليج العربي، ومنها توسيع دور الخليج في مكافحة الإرهاب من الدعم المالي إلى الأمني؛ حيث تتمتع دول الخليج بخبرات مهمة في مكافحة الإرهاب، ويجب ألا يقتصر دورها على تقديم الدعم المالي فقط. يمكنها تقديم مساعدة شاملة، تشمل تزويد الدول الأفريقية بالأسلحة والتدريب الأمني؛ ما يعزز دورها كبديل استراتيجي للدول التي تلجأ إلى روسيا للحصول على الدعم العسكري.

اتجاهات الظاهرة الإرهابية في القارة الأفريقية (حلقة نقاش)