د. محمد عباس ناجي

نجح رئيس مجلس الشورى في دورته المنتهية محمد باقر قاليباف في تجديد رئاسته للمجلس في الانتخابات التي أجريت في 27 مايو 2025؛ حيث حصل على 219 صوتاً من إجمالي 272 نائباً حضروا جلسة الاقتراع، فيما حصل منافسه أحمد راستینه هفشجاني مرشح جبهة "الصمود" (جبهه پایداری) المتشددة على 36 صوتاً، وأُلغيت أصوات 17 نائباً. وفي الواقع، فإن احتفاظ قاليباف بمنصبه للمرة السادسة على التوالي، يمثل مؤشراً على اتجاهات توازنات القوى السياسية داخل إيران خلال المرحلة القادمة، التي ترتبط بالضغوط التي بدأ التيار الموالي للرئيس مسعود بزشكيان يمارسها من أجل تقليص تأثير جناح الأصوليين المتشددين.وقد كان لافتاً أن تيار بزشكيان نجح في تحقيق هدفه عبر استغلال التطورات التي طرأت على الساحة الخارجية، لا سيما ما يتعلق باستمرار المفاوضات مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي، التي يمكن أن تؤدي إلى رفع قسم من العقوبات الأمريكية في حالة الوصول إلى اتفاق نووي جديد، وتحسن العلاقات مع دول الجوار، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن تراجع النفوذ الإقليمي الإيراني الذي كان المتشددون يسعون إلى استمراره، ويضغطون من أجل تخصيص مزيد من الموارد للحفاظ عليه.دوافع متعددةاستمرت هيمنة تيار المحافظين الأصوليين على هيئة رئاسة مجلس الشورى؛ حيث انتُخب علي نيكزاد وأحمد رضا بابايي في منصبَي النائبين الأول والثاني لرئيس المجلس، بعد أن حصلا على عدد متساوٍ من الأصوات – وهو 111 صوتاً – وحسمت القرعة التنافس بينهما على المنصبين. ومع ذلك، فإن تجديد انتخاب قاليباف – وهو أصولي أيضاً، لكنه أحد خصوم (جبهه پایداری) – لرئاسة المجلس، مثَّلت هزيمة للجناح الأكثر تشدداً في التيار، الذي شن حملة قوية قبيل الانتخابات لتقليص فرص قاليباف في الاحتفاظ بمنصبه، لدرجة إرسال رسالة نصية على هواتف النواب تضمنت عبارة "لا لقاليباف".ومن دون شك، فإن هذا الصراع الداخلي بين أجنحة الأصوليين، لا ينفصل عن الخلاف القائم بينها منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي أجريت على مرحلتين في 26 يونيو و5 يوليو 2024، والتي فاز بها الرئيس الحالي مسعود بزشكيان؛ إذ ما زالت (جبهه پایداری) توجه اتهامات إلى قاليباف بأنه مسؤول عن هذه النتيجة؛ بسبب إصراره على عدم الانسحاب لصالح مرشحها سعيد جليلي ممثل المرشد الأعلى للجمهورية في المجلس الأعلى للأمن القومي، على نحوٍ أدى إلى تفتيت أصوات التيار، ومنح الفرصة لبزشكيان لتولي منصب الرئاسة.ويمكن القول إن ثمة أسباباً عديدة أدت إلى فوز قاليباف بمنصب رئيس مجلس الشورى للمرة السادسة، تتمثل في:1– دعم المعتدلين لرئاسة قاليباف: كان لافتاً أن نواب تيار المعتدلين – الذي يضم إصلاحيين ومحافظين تقليديين – أيَّدوا تجديد رئاسة قاليباف لمجلس الشورى؛ حيث انسحب مرشحهم هادي قوامي لصالح قاليباف، قبل التصويت، على نحوٍ أثار تحفظ مرشح (جبهه پایداری) أحمد راستینه هفشجاني الذي اعتبر أن ذلك يمثل توجيهاً لعملية التصويت لصالح رئيس الدورة المنتهية للمجلس. وفي الواقع، يمكن القول إن المعتدلين نجحوا في مسعاهم لتعزيز فرص قاليباف، باعتبار أن نجاح هفشجاني كان سيفرض تداعيات سلبية على توجهات المجلس في دورته الجديدة، التي كان سيطغى عليها طابع أكثر تشدداً في التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية.2– استمرار التعاون بين قاليباف وبزشكيان: رغم أن قاليباف كان أحد المرشحين الخاسرين أمام الرئيس بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن ذلك لم يمنعه من التعاون مع الرئيس من أجل تنفيذ برنامجه الانتخابي، خاصة على الصعيد الاقتصادي؛ إذ كان لافتاً أن قاليباف دعم الجهود الحثيثة التي بذلتها حكومة بزشكيان من أجل وقف تطبيق قانون "العفة والحجاب"، الذي يتضمَّن عقوبات أكثر شدةً ضد النساء اللواتي يُتَّهَمْن بعدم الالتزام بقواعد ارتداء الحجاب، وهو القانون الذي ضغط الأصوليون المتشددون من أجل تطبيقه بشكل فوري، في تحدٍّ واضح للفئات التي نظَّمت الاحتجاجات التي شهدتها إيران خلال الفترة من منتصف سبتمبر 2022 حتى بداية يناير 2023 بعد وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني على أيدي عناصر شرطة الأخلاق الذين أوقفوها بحجة عدم الالتزام بقواعد ارتداء الحجاب.كما دعم قاليباف تمرير قانون الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو)؛ حيث قام بإصدار القانون في 21 مايو الجاري، وهو القانون الذي عارضه الأصوليون المتشددون، وسعوا إلى تجميده داخل مجلس تشخيص مصلحة النظام، بسبب تخوفهم من أن يؤثر ذلك على علاقات إيران مع وكلائها في الخارج.3– استثمار تطورات الساحة الخارجية: نجح المعتدلون بقيادة بزشكيان في استثمار التطورات التي طرأت على الساحة الخارجية، لا سيما ما يتعلق باستمرار المفاوضات التي تُجرَى مع الولايات المتحدة برعاية سلطنة عمان، وتحسُّن العلاقات مع دول الجوار، خاصةً دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقاً لهذا التيار، فإن هذه التطورات سوف تفرض تداعيات إيجابية على إيران؛ إذ إن انتهاء المفاوضات بالوصول إلى اتفاق نووي جديد يعني رفع قسم من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، ومن ثم تقليص الضغوط التي تفرضها الأزمة الاقتصادية المزمنة على الإيرانيين.كما حرص المعتدلون على ترويج أن السياسة التي تتبناها حكومة بزشكيان في إدارة العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي ساهمت في تغيُّر مواقف هذه الدول إزاء المفاوضات التي تُجرَى مع واشنطن؛ حيث دعمت هذه الدول المفاوضات، على عكس ما حدث خلال المفاوضات التي أُجريت بين إيران ومجموعة "5+1" وانتهت بالوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.وبالتوازي مع ذلك، كان تصاعد الدعوات للاهتمام بالساحة الداخلية بعد تراجع النفوذ الإقليمي وإهدار موارد مالية كبيرة على دعم الوكلاء في الخارج، متغيراً آخر ساهم في تعزيز موقع المعتدلين الذين يتبنَّون هذا التوجه في الأساس القائم على ضرورة منح الأولوية للتعامل مع الأزمات الداخلية التي لا تبدو هينةً، على المستويات المختلفة السياسية والاجتماعية والأمنية.4– رغبة خامنئي في الاستقرار السياسي: كان من شأن خسارة قاليباف منصبه وفوز مرشح (جبهة پایداری) أن يساهم في إرباك التوازنات السياسية الداخلية، وإضفاء طابع أكثر تشدداً في التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية، على نحوٍ كان سيفرض تداعيات سلبية على الاستقرار السياسي القائم في الداخل حالياً. ومن دون شك، فإن ذلك لا يتوافق مع حسابات المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي يسعى إلى تكريس حالة من الاستقرار الداخلي في ظل الضغوط القوية التي تتعرض لها إيران على المستوى الخارجي.إذ ما زالت المفاوضات مع الولايات المتحدة تواجه عقبات عديدة، أهمها الخلاف حول عمليات تخصيب اليورانيوم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى فشلها في النهاية. ومن ثم زيادة احتمالات الانخراط في حرب مباشرة مع واشنطن أو تل أبيب، لا سيما أن الأخيرة ما زالت تتحين الفرصة لاستخدام الخيار العسكري ضد طهران، في ظل رؤيتها القائمة على أن إيران تبدو حالياً في حالة ضعف؛ بسبب تدمير منظوماتها للدفاع الجوي في الهجمات التي شنتها تل أبيب في 26 أكتوبر 2024، فضلاً عن انهيار القدرات العسكرية لوكلائها، لا سيما حزب الله اللبناني.كما أن قوى المعارضة في الخارج تستغل هذه الحالة لترويج أنها تمثل بديلاً للنظام الحاكم، ويمكن أن تكون خياراً مقبولاً بالنسبة إلى الغرب، لا سيما في ظل سياستها القائمة على رفض البرنامج النووي وعدم معاداة إسرائيل.توازن مشروطمع ذلك، فإن استقرار توازنات القوى نسبياً لصالح المعتدلين سوف يبقى مؤقتاً ومشروطاً بمتغيرات عديدة، منها عدم تغير مواقف قاليباف – وهو أحد كوادر تيار الأصوليين والحرس الثوري – فضلاً عن انتهاء المفاوضات مع واشنطن بالوصول إلى اتفاق نووي جديد؛ إذ إن فشل المفاوضات وعودة الأزمة إلى مربعها الأول، بكل ما يفرضه ذلك من تداعيات، منها تصاعد احتمالات استخدام الخيار العسكري، من شأنه أن يؤثر على توازنات القوى القائمة في الداخل لصالح تيار المتشددين الذي يتحين الفرصة بدوره للعودة إلى السيطرة على معظم مؤسسات صنع القرار إن لم يكن مجملها.

لماذا فاز قاليباف برئاسة مجلس الشورى مجدداً؟