أسماء الصفتي

نفذت القوات الباكستانية هجمات جوية متفرقة في 18 مارس، ضد ما قالت إنها أهداف للمسلحين في ولايتي "بكتيكا" و"خوست" بأفغانستان، وهو ما أدى إلى مقتل مدنيين على الجانب الأفغاني. وحرض هذا الهجوم على تصاعد التوترات بين البلدين، في وقت تشهد فيه الحدود الباكستانية مع جيرانها حالة من عدم الاستقرار، خاصةً مع تبادل كلٍّ من باكستان وإيران الهجمات والاتهامات في يناير الماضي. وقد جاءت الهجمات الباكستانية الأخيرة ضد الأراضي الأفغانية لتعزز حالة الاضطرابات في الإقليم، توتطرح عدداً من الأسئلة حول مستقبلها في ضوء التطورات الأخيرة.معضلة أمنيةتصاعدت حدة التوترات الحدودية بين باكستان وأفغانستان منذ تولي حكومة طالبان السلطة في أفغانستان عام 2021؛ حيث تقول إسلام أباد إن الجماعات المسلحة تشن هجمات منتظمة ضد أراضيها عبر أفغانستان، وإن جماعات مسلحة مثل حركة طالبان الباكستانية، تتخذ من أفغانستان ملجأً لتنظيم أعمالها وأنشطتها الإرهابية ضد أراضيها، في غياب لأي رقابة على هذه الأنشطة من قبل حكومة طالبان. وتنفي الحكومة الأفغانية على الدوام تورطها في إيواء ورعاية أي جماعات مسلحة أجنبية تستخدم الأراضي الأفغانية منطلقاً لشن هجمات على جارتها أفغانستان. وبوجه عام، يثير التصعيد الأخير بين أفغانستان وباكستان بعض الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1- تنفيذ باكستان ضربات جوية نوعية ضد الأراضي الأفغانية: نفذت القوات الباكستانية هجمات جوية خلال وقت متأخر من ليل الاثنين الموافق 18 مارس، ضد ما قالت إنها أهداف للمسلحين في ولايتي "بكتيكا" و"خوست" بأفغانستان. يذكر أن آخر مرة نفذت فيها باكستان غارات جوية على الجانب الأفغاني في أبريل عام 2022؛ ما أسفر عن مقتل 47 شخصاً على الأقل.2- الرد على استهداف نقطة تفتيش عسكرية باكستانية: أوضحت وزارتا الدفاع والخارجية الباكستانيتان، في بيان مشترك، أن الضربات على أفغانستان جاءت للرد على التفجير الانتحاري الذي استهدف موقعاً عسكرياً في باكستان شمال إقليم وزيرستان قرب الحدود مع أفغانستان. وقد أدت هذه الضربات إلى مقتل ستة جنود باكستانيين في هجومين انتحاريين ضد نقطة تفتيش عسكرية بمناطق الحدود الباكستانية الأفغانية في 16 مارس. وقد أشارت التقارير الإعلامية الباكستانية إلى وقوف ستة مسلحين ملثمين خلف الهجوم، إلا أن إسلام أباد لم تحدد هوية الجماعة التي ينتمون إليها؛ وذلك على الرغم من تبني جماعة "جيش فرسان محمد" المدشنة حديثاً الهجوم. وقد وصف الرئيس الباكستاني "آصف علي زرداري"، خلال حديثه في جنازة ضابطين قُتلا في الهجوم الذي وقع بالقرب من الحدود الأفغانية، هذا الهجوم بالإرهابي، كما تعهد بالرد بقوة على مثل هذه الهجمات، بغض النظر عن هوية منفذي الهجوم.3- استهداف الضربات الباكستانية مواقع لحاجي بهادور في أفغانستان: تشير التقارير إلى أن الهجمات التي نفذتها باكستان استهدفت مواقع لحاجي جول بهادور، وهو أحد قادة تنظيم طالبان باكستان، وتتهمه إسلام أباد بتنفيذ هجمات ضدها، كما طالبت الحكومة الباكستانية كابول في أكثر من مناسبة بتسليمه. وبحسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط "كان بهادور يختبئ في المدن الحدودية لأفغانستان منذ عام 2017؛ حيث فرَّ إلى أفغانستان بعد أن بدأ الجيش الباكستاني عملية عسكرية ضد عناصر طالبان باكستان في شمال وزيرستان عام 2017".4- اتهام إسلام أباد حكومة طالبان بالتساهل الأمني: أكد بيان وزارة الخارجية الباكستانية أن إسلام أباد حذرت السلطات الأفغانية أكثر من مرة، وحثتها على اتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم استخدام الأراضي الأفغانية قاعدة انطلاق للإرهاب، إلا أن كابول لم تتخذ التدابير اللازمة لتجنب مثل هذه الهجمات.ويبدو أن البيان يشير إلى أن الحكومة الباكستانية التي انتُخِبَت حديثاً ستتخذ موقفاً متشدداً مع إدارة طالبان بشأن أعمال العنف المسلحة التي تُشَن ضد الأراضي الباكستانية عبر أفغانستان. ويعد هذا التصعيد هو الأعنف منذ أن نفذ الجيش الباكستاني عملية عسكرية واسعة النطاق في عام 2014، أجبر خلالها المسلحين على عبور الحدود إلى أفغانستان. ويؤكد المحللون المهتمون بالشأن الأفغاني والباكستاني أن المسلحين في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان قد أصبحوا أكثر جرأةً منذ عودة طالبان إلى السلطة.5- رفض طالبان اتهامات الإهمال الموجهة من قبل الحكومة الباكستانية: أعلن المتحدث باسم إدارة طالبان "ذبيح الله مجاهد"، في بيان على منصة التواصل الاجتماعي" إكس"، أن بلاده تتمتع بخبرة طويلة في النضال من أجل الحرية ضد القوى العظمى في العالم، ولا تسمح لأي طرف خارجي بانتهاك أو غزو أراضيها. وأضاف أن مثل هذه الحوادث لها عواقب وخيمة للغاية، وستكون خارجة عن سيطرة الجارة باكستان، كما نفت الحكومة الأفغانية أن تكون مأوى لجماعات مسلحة أجنبية، مؤكدةً أنها لن تسمح لأي طرف باستخدام أراضيها منطلقاً لهجمات على حدودها.تبعات محتملة بعد انهيار الحكومة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وسيطرة حركة طالبان في عام 2021، تصاعدت وتيرة الهجمات التي يشنها المسلحون في باكستان. وأثار هذا العنف المتزايد الخوف من احتمال اندلاع صراع أوسع نطاقاً على طول الحدود المتنازع عليها تاريخياً، المعروفة باسم خط "دوراند" بين الجارتين أفغانستان وباكستان. ويتوقع أن يكون للتصعيد الحالي عدد من التبعات التي يتمثل أبرزها في الآتي:1- تراكم الخلافات بين طالبان وإسلام أباد: من المرجح أن تفضي الهجمات الباكستانية الأخيرة على الأراضي الأفغانية إلى تراكم الخلافات بين الطرفين؛ فمنذ شهور تتجه العلاقات بين الطرفين نحو القطيعة؛ فعلى سبيل المثال، ردَّت الحكومة الباكستانية على التصعيد الذي قادته الجماعات المسلحة ضد الأراضي الباكستانية عبر أفغانستان، دون تدخل من حكومة طالبان، بإعلان إسلام أباد في سبتمبر 2023، عن طرد ما يزيد عن نصف مليون أفغاني يقيمون بشكل غير قانوني على الأراضي الباكستانية. ويبدو أن الضربات التي وقعت يوم الاثنين الماضي قد جاءت برسالة أخرى إلى حكومة طالبان، مفادها أن الجيش الباكستاني والحكومة التي انتُخِبَت حديثاً سيتخذان موقفاً أكثر صرامةً بشأن المتشددين على طول الحدود الباكستانية الأفغانية.2- مواصلة تبني إسلام أباد سياسة الضغط على كابول: رغم احتمال استعادة الهدوء في الأيام المقبلة، يبدو أن صبر الحكومة المُنتخبة حديثاً والقيادة العسكرية في باكستان قد نفد في التعامل مع حكومة طالبان، وبذلك فمن غير المرجح أن تتحسن العلاقات مع أفغانستان بشكل طويل الأمد قريباً. ومن المرجح أن تواصل باكستان التحركات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية من أجل حث حركة طالبان على التحرك، واتخاذ خطوات تقدمية ضد الجماعات الإرهابية التي تعمل من الأراضي الأفغانية. فضلاً على ذلك، بات من المؤكد تقريباً أن باكستان لن تستمر في اتباع سياساتها السابقة المتمثلة في التفاوض على السلام مع العناصر الإرهابية.3- بحث أفغانستان عن حلفاء إقليميين جدد: تدرك حكومة طالبان القوة النوعية والوزن النسبي الذي تتمتع به باكستان في الإقليم، بالمقارنة بأفغانستان، سواء من الناحية الاستراتيجية أو السياسية أو الاقتصادية. ونتيجة لعدم توازن القوة فيما البلدين، عملت على بناء علاقات جيدة مع إسلام أباد، حتى إن كان ذلك يعني تقديم العديد من التنازلات للحكومة الباكستانية، إلا أن سيطرة حالة من عدم اليقين على مستقبل العلاقات فيما بين البلدين، قد يدفع طالبان نحو البحث عن شركاء خارجيين. ولعلى سعي أفغانستان إلى التقارب من إيران، يعد أبرز مثال على مثل هذه التحركات؛ فقد عملت الحكومة في كابول على التقارب من الحكومة في طهران؛ وذلك على أمل التوصل إلى اتفاق يسمح لإيران باستخدام ميناء تشابهار الإيراني في تعاملاتها التجارية الخارجية، وهو ما سيساعدها في التغلب على العزلة الجغرافية، وتعزيز اتصالها بدول آسيا الوسطى؛ ما يقلل اعتماد أفغانستان الكبير على باكستان في تعاملاتها التجارية، واتصالها بعالمها الخارجي.4- احتمالية تدخل الصين لمنع التصعيد: قد تسعى الصين إلى التوسط بين أفغانستان وباكستان، ومنع تفاقم التصعيد الأخير، وتحوُّله إلى هجوم شامل، خاصةً مع امتلاك بكين روابط اقتصادية خاصة ومميزة مع الطرفين؛ إذ تعتبر باكستان مهمة للمصالح الحيوية للصين، وثمة مشاريع مشتركة بين الطرفين، كما عملت الصين على تطوير علاقاتها مع طالبان. ولعل هذا ما اتضح من استعادة التمثيل الدبلوماسي بين الطرفين في الشهور الماضية، وكذلك مساعي بكين للاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة في أفغانستان.5- إمكانية توظيف الهند للتوترات بين طالبان وإسلام أباد: من المحتمل أن تفضي التوترات الراهنة بين إسلام أباد وكابول إلى خدمة مصالح الهند؛ إذ ليس من مصلحة نيودلهي أن تتقارب طالبان مع إسلام أباد على النحو الذي يشكل تهديداً لها. ومن ثم، ستعمل نيودلهي على فتح قنوات مع حركة طالبان لضمان استقطابها بعيداً عن خصمها التقليدي باكستان. ولعل هذا ما يفسر حرص الهند على الانفتاح على حركة طالبان، والتطور الحادث في العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، وخاصةً مع الإعلان في شهر نوفمبر 2023 عن تسليم السفارة الأفغانية في الهند إلى حكومة طالبان واستئناف عملها.6- إذكاء الخطاب المتطرف المضاد لإسلام أباد: ربما تدفع الهجمات الباكستانية الأخيرة ضد مواقع داخل أفغانستان نحو إذكاء الخطاب المتطرف وإكساب تنظيم طالبان باكستان المزيد من الزخم، لا سيما أن الهجمات نتج عنها مقتل مدنيين، ومن ثم يتوقع أن تتواصل الهجمات الإرهابية ضد باكستان خلال الفترة القادمة.وفي النهاية، يمكن القول إنه على الرغم من التصعيد الأخير، فإن احتمالية نشوب صراع شامل بين البلدين تبقى منخفضةً؛ حيث تدرك حركة طالبان الأفغانية مخاطر الانخراط في صراع عسكري موسع ضد باكستان؛ نظراً إلى المصالح المالية والروابط العائلية، وقاعدة الدعم التي تتمتع بها في باكستان، فضلاً عن الانقسامات الداخلية في حركة طالبان، التي تزيد من تعقيدات الرد الموحد على تصرفات باكستان؛ لذلك فإن رد الحركة سوف يُختصَر في إدانة وإيماءات رمزية. &nbsp;

ما حدود التصعيد بين باكستان وأفغانستان؟