توصلت كل من إيران وباكستان، في يونيو 2009، إلى اتفاق بشأن تشييد خط أنابيب مشترك، يعرف باسم خط أنابيب السلام، يبلغ طوله 2775 كيلومتراً، وهو مشروع طويل الأجل بين طهران وإسلام أباد. ورغم انتهاء إيران من بناء 900 كيلومتر من خط الأنابيب على جانبها في عام 2011، فإن باكستان لم تبدأ في العمل من طرفها إلا في غضون الأسابيع الماضية، عندما أعطت الحكومة الباكستانية في 23 فبراير 2024، الضوء الأخضر لبناء أول 80 كيلومتراً من خط أنابيب الغاز من داخل الحدود الباكستانية الإيرانية إلى ميناء جوادر في مقاطعة بلوشستان الباكستانية، باعتبار ذلك مرحلة أولى. وفي 25 من مارس الماضي، شهد المشروع زخماً إضافياً، مع إصدار رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، توجيهات بتشكيل لجنة وزارية مشتركة على الفور لتسريع وتيرة المشروع، في تحركات تبدو كأنها إعادة تنشيط للمشروع بعد تأخير استمر عقداً من الزمان.

تحديات عالقة

خلال العقد الماضي، طرأ عدد من التحديات السياسية والتمويلية والاقتصادية أمام باكستان حيال مشروع خط الغاز الإيراني الباكستاني؛ ما تسبب في تعطله وتوقف مسيرته. وفيما يأتي يمكن الوقوف على أبرز تلك التحديات:

1– فرض عقوبات غربية ضد إيران: كان من بين أبرز الأسباب وراء التأخير في بناء خط الأنابيب بين باكستان وإيران، جملة العقوبات الغربية المفروضة على إيران، من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على مدار السنين الأخيرة. وإن كان قد تم رفع جميع هذه العقوبات بحلول أكتوبر 2023، غير أن العقوبات الأمريكية على إيران لا تزال قائمة، وهذه العقوبات لا تتعلق فحسب ببرنامج طهران النووي، بل أيضاً بانتهاكات حقوق الإنسان.

2– مخاوف باكستانية من خسارة أموال المانحين الأجانب: على الرغم من تأكيد باكستان في أكثر من سياق عدم حاجتها إلى موافقة الولايات المتحدة على المشروع، فإن مخاوف باكستان من حرمانها من الدعم المالي المقدم من قبل المانحين الدوليين إذا نفذت المشروع مع إيران، شكل تحدياً رئيسياً أمام إقدام باكستان على البدء في المشروع.

إذ يرتبط التأخير في بناء خط الأنابيب الإيراني الباكستاني، بشكل كبير بالمساعدات المالية والقروض التي تتلقاها باكستان من الذين يعارضون المشروع؛ فمن ناحية، يمثل الموقف الغربي حيال إيران تحدياً رئيسياً بالنسبة إلى باكستان، ومن ناحية أخرى فإن ذلك المشروع قد لاقى معارضة واضحة من قبل بعض الأطراف الإقليمية. ولعل حساسية ذلك بالنسبة إلى باكستان، ترجع إلى دور كلا البلدين في مساعدة إسلام أباد على تجاوز أزمتها الاقتصادية.

3– تأرجح العلاقات بين إيران وباكستان: خلال السنوات الأخيرة، لم تكن العلاقات بين إيران وباكستان على ما يرام، بل كانت مشحونة وسط توجيه إيران اتهامات ضد باكستان في المحكمة الدولية؛ بسبب فشل إسلام أباد في الانتهاء من المشروع في الموعد المحدد، وقبل ذلك كانت باكستان خاضعة للعديد من الضغوط الإيرانية منذ أكملت إيران بناء الجزء الخاص بها من خط الأنابيب. ولعل تعقد الموقف بين إيران وباكستان يشكل تحدياً رئيسياً أمام فرص التعاون المستقبلي في تنفيذ المشروع، وخاصة أن التحركات الباكستانية الأخيرة فيما يخص تنشيط المشروع، يعزوها العديد من المحللين إلى كونها رضوخاً للضغط الإيراني خشية تكبد غرامات تقدر بنحو 18 مليار دولار بحلول سبتمبر 2024، إذا لم تتحرك إسلام أباد بخطوات محسوسة لتنفيذ المشروع.

4– تورط طهران في مزيد من الصراعات الإقليمية: إن كانت باكستان جادة في إتمام المشروع، فإنها في المقابل من ذلك، لا ترغب في إثارة غضب واشنطن. ومع تورط إيران في صراعات إقليمية حاسمة في منطقة الشرق الأوسط، والتصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل؛ فإنه إذا استمرت إيران في نهجها الداعم لزعزعة الوجود الأمريكي في المنطقة، فمن المرجح أن تتخلى باكستان عن المشروع؛ لما في ذلك من مخاطرة بعلاقات باكستان مع واشنطن. ويبقى الأمر قيد احتمال تورط إيران في تأجيج مزيد من الصراعات في المنطقة، بما يثير حفيظة الولايات المتحدة تجاهها.

5– تنامي التحديات التمويلية للمشروع: أدى الأداء الاقتصادي المتعثر في باكستان خلال السنوات الماضية، وما ارتبط به من أزمات اقتصادية واسعة، إلى افتقار باكستان إلى القدرة على ضخ الأموال اللازمة لبناء خط الأنابيب. وفي ظل إحجام المؤسسات المالية الدولية عن المشاركة في المشاريع التي تكون إيران طرفاً فيها، على خلفية العقوبات والتوترات الجيوسياسية في المنطقة، فإن ذلك قد مثَّل – ولا يزال – أحد أكبر العوائق أمام تنفيذ باكستان للمشروع.

6– شكوك حول حرمان باكستان من القروض المعلقة من صندوق النقد: اضطرت باكستان كذلك إلى تأخير المشروع، نتيجة القروض المعلقة من قبل صندوق النقد الدولي، بقيادة الولايات المتحدة. وفي ظل الركود المستشري الذي يخيم على الاقتصاد الباكستاني، فإن التفاوض يجري حالياً بشأن الدفعة التاسعة من صندوق التسهيل الممدد التابع لصندوق النقد الدولي؛ ما يبقى تحدياً أمام باكستان؛ إذ ربما يترتب على استكمال عملية البناء، حرمان من القروض التي تعول عليها من أجل إنعاش اقتصادها، خاصة أنها قد تمكنت من الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي في العام الماضي، وتأمل الحصول على الجولة التالية من تلك القروض هذا العام.

محددات مستقبلية

يتوقف مستقبل مشروع خط أنابيب الغاز الباكستاني الإيراني على عدد من المحددات المستقبلية، وهي المحددات التي يمكن أن تحدد مصير المشروع سواء بالنجاح أو الفشل؛ وذلك على النحو التالي:

1– استمرار العقوبات الأمريكية ضد إيران: انطلاقاً من أهمية التمويل الأمريكي بالنسبة إلى باكستان، فإن من شأن الاستمرار في النهج الأمريكي العقابي ضد إيران، أن تتعرض باكستان بالتبعية للعقوبات ضدها من جراء انتهاكها العقوبات الأمريكية على طهران. ولعل ما يعضد تلك الحُجة، أن باكستان قد سبق أن أبلغت إيران رسمياً في عام 2019، أنها ما دامت طهران تخضع للعقوبات الأمريكية، فلا يمكن تنفيذ مبادرة بناء خط أنابيب الغاز مع إيران، وهو الأمر الذي يجعل من تكرار ذلك السيناريو احتمالاً وارداً. وعلى خلفية ذلك، يذهب بعض الخبراء إلى القول بأنه في ظل التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية السائدة فيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية والأممية على إيران، فإن ذلك المشروع غير قابل التنفيذ.

2– خلق الولايات المتحدة حلولاً بديلة لباكستان: تعي الولايات المتحدة الأمريكية أن المحرك الرئيسي وراء قبول باكستان منذ البداية بذلك المشروع هو معضلة نقص الطاقة بها، ومن ثم اقترحت الولايات المتحدة بناء محطة للغاز الطبيعي المسال؛ حيث كانت واشنطن على استعداد للمساهمة في تمويله، علاوة على اقتراحها مشاريع أخرى بديلة أكثر ملاءمة لباكستان على حد اعتقاد الولايات المتحدة، وهي الفرص التي عبرت إسلام أباد أنها ستعمل على استكشافها. وعليه، فإن نجاح الولايات المتحدة في إيجاد الحل البديل الذي يعوض نقص الطاقة في باكستان، يمكن أن يُثني إسلام أباد عن استكمال ذلك المشروع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن باكستان تعمل على زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من قطر؛ ما يعني أن ثمة محاولات أخرى من جانب باكستان لتعويض نقص الطاقة بها.

3– قدرة باكستان على الحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية: يتوقف استكمال المشروع كذلك على مدى قدرة باكستان على الحصول على إعفاءات من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على كل من يتعاون مع إيران. جدير بالذكر أنه خلال السنوات الماضية، أجلت باكستان البناء على أمل قبول طلب الإعفاء من العقوبات الأمريكية، بيد أن باكستان لم تحرز تقدماً يذكر في هذا الصدد حتى الوقت الراهن، وإن كانت الحكومة الحالية تدرك أهمية هذه الفرصة وتتطلع بنشاط إلى العمل على تحقيقها من خلال الضغط والإجماع الدبلوماسي. وعليه، تستعد باكستان لتقديم طلب رسمي للإعفاء من العقوبات الأمريكية المتعلقة بمشروع خط أنابيب الغاز الباكستاني الإيراني، مع وجود مسودة نهائية جاهزة لتقديمها إلى الإدارة الأمريكية. ويهدف ذلك الجهد إلى تلبية احتياجات باكستان من الطاقة مع ضمان الامتثال للاتفاقيات التعاقدية مع إيران.

4– مدى نجاح باكستان في التفاوض مع طهران حول القضايا الخلافية: يتعين على باكستان التفاوض مع طهران حول القضايا الخلافية بينهما، التي بلغت أشدها في مطلع عام 2024، حينما شنت إيران هجمات صاروخية على جماعة مسلحة تدعى جيش العدل في مقاطعة بلوشستان الباكستانية؛ فقد عمدت باكستان إلى الرد بضربات مضادة، واستدعت مبعوثها من إيران، بيد أن الوضع سرعان ما عاد إلى طبيعته، غير أن تلك الاشتباكات تظل قابلة للتجدد ما لم يتم التوصل إلى حل للقضايا الخلافية بينهما، كي لا تدعا فرصة لخلافاتهما أن تعرقل سير المشروع.

جدير بالذكر أن منح إيران مهلة لباكستان من أجل التنفيذ حتى سبتمبر 2024، وإن كان يتم تفسيرها على أنها وسيلة ضغط على باكستان، إلا أنها تحمل معنى إيجابياً يتمثل في كون إيران أكثر استعداداً للتسوية مع باكستان، بدلاً من جر إسلام أباد إلى محكمة التحكيم الدولية، كما تبدو كأنها فرصة تمنحها إيران لباكستان لإعادة مشروع خط الأنابيب إلى مساره الصحيح.

5– منح الولايات المتحدة تعويضاً لباكستان بقيمة الغرامات: يمكن للولايات المتحدة أن تثني باكستان عن المشروع، إذا ما تمكنت من إمداد باكستان بالمساعدات الكافية التي هي في أمس الحاجة إليها، أو إقناع باكستان بحل مشكلة الغرامة التي تواجهها بقيمة 18 مليار دولار، إذا مضت إيران في طريق طلب التحكيم، وحينها يمكن لباكستان التوقف عن المشروع؛ إذ ليس هناك ما يجبرها على الاستمرار في مشروع يثير غضب مموليها.

ولعل تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "ماثيو ميلر"، يوم 3 أبريل الجاري، بأن "حكومة الولايات المتحدة ستواصل توسيع تعاونها الأمني مع باكستان، الذي دائماً ما يمثل أولوية بالنسبة إلى واشنطن"، يشير إلى رغبة أمريكية حقيقية في ذوبان الجليد في العلاقات مع باكستان، وربما يكون مؤشراً على تطورات إيجابية على صعيد العلاقات بين البلدين، على النحو الذي يؤثر على الموقف الباكستاني من الاستمرار في المشروع.

6– مدى قدرة باكستان على الموازنة بين احتياجاتها من الطاقة والعقوبات الدولية: تتوقف جدية باكستان في إكمال المشروع على قدرتها على الموازنة بين أهمية المشروع بالنسبة إليها، لتلبية احتياجاتها من الطاقة، ومدى قدرتها على الصمود في وجه العقوبات الدولية والتحديات المحلية.

7– تحييد الهجمات الإرهابية عن استهداف المشروع: من ضمن المحددات المستقبلية التي ينظر إليها بعين الريبة فيما يخص سلامة المشروع في حال إتمامه، هو مدى قدرة كل من إيران وباكستان على تحييد الهجمات الإرهابية ومنعها من استهداف المشروع؛ إذ لربما تتكرر الاشتباكات عبر الحدود؛ ما يجعل خط أنابيب حينها هدفاً سهلاً من جانب الجماعات المسلحة، فيخسر الطرفان ما تم تحقيقه في المشروع.

8– استكمال مسار التصعيد بين إسرائيل وإيران: من المؤكد أن استمرار مسار التصعيد بين إيران وإسرائيل عقب الهجمات الإيرانية، يوم 13 أبريل 2024، ضد إسرائيل رداً على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وكذلك احتمالية تنفيذ تل أبيب هجوماً مضاداً على إيران، سيكون له انعكاسات حادة على العلاقات بين باكستان وإيران، وسيفاقم من الضغوط الغربية على باكستان للتوقف عن استكمال مشروع خط أنابيب الغاز.

سيناريو التنفيذ

إجمالاً، رغم التحديات الراهنة والمستقبل الغامض الذي يحدق بالمشروع، فإن هناك عدداً من الأسباب الرئيسية التي ربما تدفع باكستان نحو الاستمرار في بناء خط الأنابيب دون الالتفات إلى ما سبق من تحديات، ويكمن الدافع الأول في الغرامة البالغة 18 مليار دولار، التي تراكمت على باكستان من جراء تباطؤها في مشروع خط الأنابيب مع إيران؛ حيث تعد الغرامة أكبر من قدرة باكستان على تحملها؛ ما قد يجبر باكستان على الاستمرار في المشروع، خشية تكبد الغرامة، خاصة إذا لم تتلق باكستان عروضاً من قبل قوى دولية بتحمل تلك الغرامة عوضاً عنها.

ومن ناحية أخرى، فإنه مع تشكيل حكومة جديدة، أصبحت إسلام أباد أكثر قلقاً بشأن أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق، ويدلل على ذلك أن شهباز شريف رئيس الوزراء الباكستاني نفسه، قد أصدر توجيهاته لتحسين وضع الطاقة في البلاد عقب تقلد منصبه؛ وذلك انطلاقاً من كون التكلفة الاقتصادية المباشرة التي تتحملها باكستان نتيجة لأزمة الطاقة تبلغ سنوياً نحو 3–4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي التكلفة التي يتم احتسابها بقسمة الناتج المفقود على الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإن التكاليف غير المباشرة لأزمة الطاقة على مستوى الاقتصاد الكلي أكثر اتساعاً؛ حيث تمتد لتشمل انخفاضاً في مستويات التوظيف، وتراجع الدخل، وقلة الإيرادات الحكومية.

ومع النمو السكاني المتسارع واتساع القاعدة الصناعية، فإن احتياجات باكستان من الطاقة يتجاوز قدرتها الإنتاجية المحلية؛ ما ينجم عنه بالتبعية نقص وتعطيل متكرر. ومن بين مصادر الطاقة المختلفة، فإن الغاز الطبيعي يمارس دوراً حاسماً في مزيج الطاقة في باكستان؛ حيث يعمل وقوداً أساسياً لتوليد الطاقة والعمليات الصناعية والاستخدام المنزلي، ومن ثم، فإن النقص المستمر في إمدادات الغاز يشكل تحدياً خطيراً للتنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية.

ومن هذا المنطلق، يعتقد عدد كبير من المتخصصين أن خط أنابيب الغاز الباكستاني الإيراني يمثل شريان الحياة للطاقة في باكستان، ويستندون في وجهة نظرهم، إلى الحدود المشتركة مع إيران باعتبارها الخيار الأكثر قابليةً للتطبيق من الناحيتين المالية والجغرافية، كما ينظرون إلى المشروع من منطلق كونه مستداماً من حيث احتياطيات الغاز الكافية لإيران، ومن منطلق التكلفة الإجمالية المناسبة وسعر الغاز المعقول كذلك؛ إذ من المتوقع، بمجرد تشغيل خط الأنابيب، أن يزود باكستان بنحو 750 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز الرخيص؛ ما يعادل أكثر من سبع شحنات من الغاز الطبيعي المسال شهرياً. ومن ثم يعتقد بعض المحللين الباكستانيين، أن أي تأخير إضافي في بناء خط الأنابيب قد يضر بمصالح باكستان بالتبعية.

هل ينجح مشروع خط الغاز بين باكستان وإيران؟