علي عاطف

بعد عقود من التعامل السياسي والاجتماعي معها، تصاعدت أزمة المهاجرين الأفغان في إيران مؤخراً وأصبحت مادة إعلامية واسعة في الداخل ليس فقط لدى الرأي العام الإيراني، بل وعلى أجندة كبار المسؤولين في طهران. فقد قادت التطورات السياسية والأمنية الداخلية في أفغانستان والتحولات الاقتصادية والمجتمعية في إيران خلال العقد الماضي على الأقل إلى بروز أزمة المهاجرين الأفغان في إيران، ما دعا الأخيرة إلى السعي المستمر لترحيل أعداد كبيرة منهم، بعدما وصل عددهم رسمياً إلى 6 ملايين و100 ألف أفغاني في الداخل الإيراني، من بينهم حوالي 2 مليون شخص فقط دخلوا إلى البلاد بشكل قانوني. ولم يقتصر الأمر على ذلك خلال العامين الماضيين، حيث بات المواطنون الإيرانيون أنفسهم غير متقبلين لاستمرار هذا العدد الكبير من اللاجئين الأفغان، في ظل نشر إحصاءات أخرى وتقديرات غير حكومية تزعم أن عدد المهاجرين الأفغان وحدهم في إيران قد بلغ 10 ملايين شخص.أسباب عديدةقادت التحولات الداخلية في إيران، على المستويات الاقتصادية والمجتمعية، خلال الأعوام الماضية إلى تغير في رؤية المواطنين والحكومة لقضية المهاجرين الأفغان، بما يعني أن هناك أسباباً عديدة دفعت في اتجاه تصاعد أزمتهم في الفترة الحالية، ويتمثل أبرزها في: 1- التوقعات بتراجع عدد السكان الإيرانيين: من وجهة النظر الحكومية، فإن أخطر تهديد يمثله ذلك العدد الهائل من المهاجرين الأفغان في إيران، يتصل بتوقعات حدوث تحول ديموجرافي واسع في إيران خلال السنوات المقبلة في ظل تزايد عدد المهاجرين الأفغان (بوجه خاص مقارنة بأعداد المهاجرين الآخرين مثل الباكستانيين)، وتناقص عدد المواليد في إيران. وتُعد هذه أزمة كبرى استوجبت تحذيراتٍ من جانب المرشد الإيراني نفسه، علي خامنئي، في أكثر من مناسبة، إلى جانب تحذيرات موازية من جانب كبار المسؤولين في إيران.فطبقاً للإحصاءات الإيرانية، لا يريد أكثر من 50% من الأفراد في سن الزواج والإنجاب أن يكونوا آباء أو أن يتزوجوا بالأساس، أما نسبة الـ40% المتبقية فهم طلبة في الوقت الراهن بالأساس. وحتى من هم في سن الزواج، فإنهم يواجهون مشكلات اقتصادية كبيرة تتمثل في تراجع فرصة الحصول على مسكن، أو توفير النفقات الأسرية اللازمة.وعليه، فإن تراجع عدد المواليد في إيران قد دقّ ناقوس الخطر للمسؤولين الإيرانيين، وشجعهم على التعامل السريع مع تزايد أعداد اللاجئين الأفغان بالملايين، بعد عودة حركة "طالبان" إلى الحكم في كابول في أغسطس 2021، حيث يخشى المسؤولون في طهران من أن هذا التزايد المستمر في عدد اللاجئين الأفغان، الذين يختلفون عن الإيرانيين أيضاً بإنجابهم المستمر وبأعداد غير ضئيلة في الداخل الإيراني، سوف يعزز في المستقبل من سيطرة الأفغان التدريجية وتوغلهم داخل أركان المجتمع الإيراني، من حيث استئثارهم مستقبلاً بالاقتصاد، وبالتالي تنامي قدرتهم السياسية والمجتمعية في الداخل الإيراني.2- تفاقم أزمات سوق العمل: تسبب انخراط ما لا يقل عن 6 ملايين لاجئ أفغاني في سوق العمل الإيراني خلال السنوات الماضية في تضاؤل فرص توظيف الإيرانيين. ويعزز من ذلك أن الأفغان يقبلون بأية فرصة عمل ممكنة قد لا يقبل بها المواطن الإيراني. ويسيطر الأفغان في إيران على سوق عمال الإنشاءات، كما أنهم يعملون كذلك في قطاعات أخرى أهمها عمال مؤسسات وشركات، بالإضافة إلى انخراطهم مؤخراً في الوظائف الاقتصادية والمصرفية بإيران، خاصة أولئك المهاجرين الحاصلين على الإقامة الرسمية في البلاد.وتجري هذه التحولات في ظل معاناة الاقتصاد الإيراني بالأساس من أزمات بطالة وتضخمٍ وتدني رواتب وعقوبات أمريكية قاسية ومتتالية تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي في إيران. وعليه، لم تزعج هذه الأزمة المسؤولين في طهران أول الأمر، ولكنها باتت تؤرق بشدة المواطنين الإيرانيين وخريجي الجامعات والعمال الساعين للحصول على وظائف في الداخل. لذا، أصبحت وسائل الإعلام الإيرانية تتحدث بشكل مستمر من حين لآخر عن جرائم وقعت بين لاجئين أفغان ومواطنين إيرانيين، خاصة في المحافظات الأخرى غير طهران، مثل فارس، مما أثار انتباه الحكومة لهذا التطور الخطير الذي يمكن أن ينذر في المستقبل بصراعات مجتمعية خطيرة قد تهدد الأمن القومي الإيراني إذا استمرت أعداد المهاجرين الأفغان في التزايد محلياً.3- تصاعد الضغط على البنى التحتية: تؤرق هذه القضية الحكومة الإيرانية على وجه الخصوص. فقد قاد العدد المتزايد من المهاجرين الأفغان في إيران خلال السنوات الماضية إلى الضغط على المرافق والبنى التحتية في إيران بشدة، خاصة مع عدم قدرة الحكومة مالياً على صيانة أو تجديد هذه المرافق، بل إنها لم تستطع لهذا السبب أيضاً نقل العاصمة من طهران إلى سواحل مكران في الجنوب الغربي. وعليه، تسعى الحكومة في طهران إلى الحد من أعداد اللاجئين الأفغان منعاً لتنامي حالة السخط الداخلية فيما يخص حالة المرافق والبنى التحتية المعرضة للمزيد من التآكل بسبب أعداد المهاجرين الكبيرة.4- تفاقم حدة التهديدات الأمنية لإيران: تخشى الحكومة من أن تزايد أعداد اللاجئين الأفغان قد يؤدي في المستقبل إلى أزمات أمنية بسبب وجود عدد من المتطرفين في صفوف هؤلاء المهاجرين. وهم متشددون يعادون بالأساس في قرارة أنفسهم توجهات النظام الإيراني في طهران. إذ تعتقد الحكومة في إيران أن المهاجرين الأفغان قد ينخرطون في المستقبل في مسار تشكيل جماعات مسلحة تناوئ النظام في طهران وحركة "طالبان" في كابل، بل إنها تضع في الحسبان كذلك إمكانية مهاجمة مثل هذه الجماعات المسلحة لدول في الجوار. لذا، تحاول الحكومة في طهران التعامل بشكل استباقي مع هذه السيناريوهات عن طريق الحد من أعداد المهاجرين الأفغان لديها.توظيف سياسيرغم التحديات التي يفرضها العدد الكبير من المهاجرين الأفغان في إيران، إلا أن النظام في طهران يوظف هذه القضية لمصالح ومكاسب سياسية يمكن تناولها على النحو التالي:1- ممارسة ضغوط على حركة طالبان: تستخدم طهران ورقة المهاجرين الأفغان للضغط سياسياً على منظومة الحكم في أفغانستان المجاورة التي تقودها حركة "طالبان" منذ أغسطس 2021، خاصة مع فشل طهران في تدعيم نفوذها داخل أفغانستان "الطالبانية" حالياً عن طريق تأسيس جماعات مسلحة أو توظيف ورقة العرقيات. فلطالما تطرح طهران في مناقشاتها مع القادة الأفغان –سواء في طهران أو كابل– ملف المهاجرين، وتسعى من وراء ذلك إلى عدم إضرار الحركة الأفغانية بمصالح طهران الأمنية والعسكرية إقليمياً، خاصة ما يتعلق بقضايا الأمن الحدودي.2- إدارة النزاع المائي بين طهران وكابل: على غرار مصالحها السياسية والأمنية، تستخدم إيران قضية المهاجرين الأفغان لديها لإدارة الصراع مع حركة "طالبان" حول مياه نهر هلمند الذي ينبع من أفغانستان ويصل إلى إيران. إذ تقوم أفغانستان حالياً ببناء سدود وتقليص نسبة المياه الواردة إلى إيران من هذا النهر، ما يتسبب في الإضرار بالمناطق الحدودية على وجه الخصوص التي تعتمد بنسبة كبيرة على مياه هلمند، خاصة محافظة سيستان وبلوشستان ذات الأكثرية السنية شرقي إيران. وتسعى إيران إلى تغليب المسار الدبلوماسي للتعامل مع هذه الأزمة مع كابول، وأصبحت من بين أوراق ضغطها غير المباشرة.3- توجيه تهديدات غير مباشرة للدول الأوروبية: تقوم إيران بتوظيف قضية اللاجئين الأفغان لديها في علاقاتها مع الدول الأوروبية على النواحي السياسية. إذ لطالما هددت إيران –ولا تزال- بترحيل ملايين اللاجئين الأفغان إلى الدول الأوروبية قسراً إذا ما فرضت هذه الدول عقوبات قاسية عليها، خاصة في القطاع النفطي. فعلى سبيل المثال، هدد نائب وزير الخارجية الإيراني الأسبق (وزير الخارجية الحالي)، عباس عراقجي، في مايو 2019، بترحيل ملايين اللاجئين الأفغان إلى أوروبا إذا ما أوقفت الدول الأوروبية صادرات النفط الإيرانية. ويعني هذا أن ملف اللاجئين الأفغان في إيران يتخطى مسألة التوظيف الإقليمي في قضايا إيران مع أفغانستان، بل يصل الأمر إلى طبيعة التعاطي الإيراني مع أزماتها مع أوروبا.سيناريو محتملرغم حملة الترحيل التي تسعى الحكومة الإيرانية من ورائها إلى إيصال عدد اللاجئين الأفغان لديها إلى الحد الأدنى، إلا أنه لا يُتوقع أن تغلق الحكومة هذا الملف بشكل كامل. إذ يرجح أنها سوف تترك الباب "موارباً" في هذه القضية، أي أنها سوف ترحل عدداً كبيراً من اللاجئين الأفغان لديها، مع الإبقاء على عدد غير ضئيل منهم سيُقدَّر في النهاية بالملايين أيضاً، وذلك من أجل استمرار توظيفهم في قضاياها الإقليمية والدولية.حيث ستظل الحكومة الإيرانية بحاجة إلى استخدامهم كورقة ضغط على "طالبان" الأفغانية، وعلى الدول الأوروبية أيضاً.

لماذا تصاعدت أزمة المهاجرين الأفغان في إيران؟