ميرال حسين


        
<p><strong>جعل إعلان حملة "نيكي هايلي" و"فيفيك راماسوامي"، خلال الأيام الماضية، ترشحهما لانتخابات الرئاسة القادمة في عام 2024، هذه الانتخابات الدورةَ الثالثةَ على التوالي التي يترشح فيها أمريكي من أصل هندي لمنصب الرئيس، والأولى التي تشهد تنافس مرشحَين اثنَين من أصل هندي؛ ما أثار عدة تساؤلات حول طبيعة وأبعاد دور الهنود الأمريكيين في السياسة الأمريكية؛ فمنذ قديم الأزل، يتسم المجتمع الأمريكي بأنه بمنزلة (</strong><strong>Melting Pot</strong><strong>) بوتقة تنصهر فيها جميع الثقافات والجنسيات المختلفة، لكن على الرغم من كونهم من أكبر مجموعات المهاجرين في الولايات المتحدة، فإن الأمريكيين من أصل هندي كانوا مُمثَّلين بالكاد في السياسة الأمريكية. أما الآن فقد تبدَّل الحال؛ فالمجتمع الأمريكي الهندي قد نما في جميع المجالات، وأصبح له تأثير ممتد في المشهد العام الأمريكي.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مؤشرات متعددة</span></strong></p>



<p><strong>تُعَد من الأشياء الجديرة بالملاحظة تصاعد نفوذ الهنود الأمريكيين في السياسة الأمريكية، سواء بتولِّي بعض المناصب في الدولة، أو بتزايد تمثيلهم في الكونجرس، وهو ما يمكن قياسُه عبر عدد من المؤشرات؛ حيث يوفِّر فَهْم هذه المؤشرات نظرة تحليلية للدور المتطور الهنود الأمريكيين في السياسة الأمريكية؛ وذلك على النحو التالي:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– زيادة مشاركة الناخبين الهنود: </strong>بات الهنود الأمريكيون أكثر انخراطاً في العملية السياسية، وأصبحوا يتجهون على نحو متزايد للتصويت في الانتخابات؛ فوفقاً لبيانات من مركز "بيو" للأبحاث، تضاعف عدد الناخبين الأمريكيين الهنود المؤهلين تقريباً خلال العقد الماضي، وزادت نسبة الناخبين الأمريكيين الهنود الذين يقولون إنهم يصوتون دائماً، من 53% في عام 2008 إلى 70% في عام 2020؛ ما يشير إلى أن الهنود الأمريكيين أصبحوا كتلة تصويتية متزايدة الأهمية في السياسة الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تزايد التمثيل في الكونجرس:</strong><strong> </strong>يضم مجلس النواب الحالي خمسة من الأمريكيين الهنود؛ هم: آمي بيرا، ورو خانا، وراجا كريشنامورثي، وبراميلا جايابال، وشري ثانيدار. وما يقرب من 50 منهم موجودون في المجالس التشريعية للولايات؛ وذلك في زيادة عن 2013؛ حين كان لمجلس النواب عضو أمريكي هندي واحد، وكان أقل من 10 من الأمريكيين الهنود يخدمون في المجالس التشريعية للولايات، كما لم يتم انتخاب أي عضو في مجلس الشيوخ.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبشكل عام، يعد الكونجرس الـ118 هو الأكثر تنوعاً عرقياً في التاريخ الأمريكي؛ حيث تم تحديد 133 مشرعاً على أنهم من أصل هندي أمريكي، أو أمريكي آسيوي، أو من أصل إسباني، أو من ذوي الأصول الأفريقية، أو من سكان ألاسكا الأصليين. ويشكل هؤلاء المشرعون معاً ربع الكونجرس، بما في ذلك 28% من مجلس النواب و12% في مجلس الشيوخ. وبالمقارنة، فإنه في الكونجرس الـ79 في عام 1945، كان المشرعون من غير أصحاب البشرة البيضاء يمثلون 1% فقط من مجلسَي النواب والشيوخ مجتمِعين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تولي مناصب عليا في الدولة:</strong> شهدت السنوات الأخيرة زيادة في عدد الموظفين الأمريكيين من أصل هندي في المناصب المنتخبة والمعينة على جميع مستويات الحكومة؛ حيث أظهرت الإحصائيات أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، عيَّن 130 أمريكياً من أصل هندي في مناصب رئيسية في إدارته حتى الآن، وهو أفضل تمثيل للمجتمع الذي يشكل نحو 1% من السكان الأمريكيين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما حصلت "كامالا هاريس" على منصب نائب رئيس الدولة، وهي مولودة لأم هندية تعود أصولها إلى ولاية "تاميل نادو" الهندية؛ إذ تم انتخاب "كامالا" لأول مرة لعضوية مجلس الشيوخ في عام 2016، فيما يؤكد إعلان "نيكي هايلي" و"فيفيك راماسوامي" رجل الأعمال في قطاع الرعاية الصحية والتكنولوجيا، عن ترشحهما للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على تفاؤل الهنود الأمريكيين بتولي قمة الهرم السياسي الأمريكي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كذلك يتولى عدد صغير ولكن متزايد من الأمريكيين الهنود مناصب عليا في وزارة الخزانة الأمريكية، في علامة أخرى على تأثير المجتمع المتزايد في السياسة الأمريكية، خاصةً في المؤسسة التاريخية التي قادها "ألكسندر هاملتون" لأول مرة منذ أكثر من قرنين من الزمان؛ إذ أدت مارلين ماليربا رئيسة قبيلة موهيجان الهندية، التي تتكون من نحو 2400 شخص، اليمين لتكون أمينة صندوق الولايات المتحدة، وهي أول مواطن أمريكي–هندي يتولى هذا المنصب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– شغل مناصب متقدمة في مجال شركات الأعمال:</strong><strong> </strong>يتمتع الهنود الأمريكيون بالفعل بتقدير كبير في الولايات المتحدة؛ بسبب فطنتهم التكنولوجية؛ لذلك يشغلون مناصب عليا في شركات التكنولوجيا أو مُؤسِّسين لأحدث الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المعلومات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>إذ تطول القائمة التي تتضمن كبار المديرين التنفيذيين الهنود الأمريكيين، بما في ذلك المديرون من Google وMicrosoft وستاربكس، كما يُشكلون أيضاً نحو 10% وما يقرب من 60 مديراً تنفيذياً في مؤسسة Fortune 500؛ أي إن ثُلث الشركات على الأقل لديها الآن مؤسس مشارك هندي أمريكي. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) عن تعيين الأمريكي الهندي "ناند مولشانداني" ليكون أول مسؤول تقني للوكالة (CTO) على الإطلاق في الوكالة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تنامي عدد الأكاديميين الهنود</strong><strong>:</strong><strong> </strong>ينمو الأمريكيون الهنود بسرعة في الأوساط الأكاديمية؛ فمع نحو 20 ألف أستاذ أمريكي هندي، فضلاً عن الأطباء المشهورين، مثل الجرَّاح العام الدكتور "فيفيك مورثي" من الولايات المتحدة، ورئيس قسم الاستجابة لفيروس كورونا الدكتور "أشيش جها" في البيت الأبيض.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع مُحفزة</span></strong></p>



<p>يرتبط تنامي تأثير الهنود في السياسة الأمريكية، في الآونة الأخيرة، بعدد من الدوافع المُحفزة، يمكن تناول أهمها فيما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تصاعد نشاط المنظمات الأمريكية الهندية غير الربحية:</strong> أصبحت هذه المنظمات والجماعات المناصِرة أكثر نشاطاً في السنوات الأخيرة، ودفعت باتجاه السياسات والتشريعات التي تؤثر على مجتمعها، كما نجحت هذه المجموعات في زيادة الوعي بالقضايا التي تؤثر على الأمريكيين الهنود وزيادة ظهورهم وأهميتهم في المجال السياسي؛ فعلى سبيل المثال، فإن Indian American Impact Fund لجنة عمل سياسي تدعم المرشحين الأمريكيين الهنود، وإن "المؤسسة الهندية الأمريكية" منظمة غير ربحية تدافع عن حقوق الإنسان والتعددية والاحترام المتبادل في الولايات المتحدة والهند. ومنظمة "المؤتمر الوطني للهنود الأمريكيين" (NCAI)، التي تأسست في عام 1944، هي أقدم وأكبر منظمة وأكثرها تمثيلاً للهنود الأمريكيين وأهل ألاسكا الأصليين في الولايات المتحدة، وتدافع عن الحكومات والمجتمعات القبلية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تنامي تأثير التبرعات السياسية:</strong> إذ يتبرع الهنود الأمريكيون بشكل متزايد للحملات السياسية والمرشحين؛ ما ساعد على زيادة نفوذهم في العملية السياسية؛ ففي الانتخابات الرئاسية لعام 2020، تبرع الأمريكيون الهنود بأكثر من 3 ملايين دولار لمرشحين من كلا الحزبين الرئيسيين؛ ما جعل هذا المستوى من العطاء السياسي، الأمريكيين الهنود دائرة انتخابية مهمة للسياسيين الذين يسعون إلى مناصب، ومنحهم صوتاً أكبر في عملية صنع القرار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– التداعيات الممتدة للتحولات الديموغرافية:</strong> ففي السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة زيادة في عدد الهنود الأمريكيين، ومن المتوقع أن يستمر هذا التحول الديموغرافي في المستقبل؛ حيث إنه على الرغم من أن 65% من الأمريكيين الهنود وُلدوا في الخارج، فإن 35% من أطفالهم مولودون في الولايات المتحدة. وبما أن الأقليات العرقية تتحول إلى الأكثرية في بعض المناطق، فإنه يمكن توقع زيادة المشاركة السياسية والنفوذ السياسي للهنود الأمريكيين في هذه المناطق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– الاستفادة من التأثير التجاري والاقتصادي:</strong> إذ يُعد الهنود الأمريكيون من أكثر المجتمعات نجاحاً وازدهاراً في الولايات المتحدة؛ حيث يتمتعون بمستويات عالية من التعليم والدخل، وقد منحهم ذلك نفوذاً اقتصادياً وتجارياً أكبر؛ الأمر الذي تُرجم بدوره إلى نفوذ سياسي متزايد؛ إذ ينشط رواد الأعمال بشكل متزايد في العملية السياسية، مستخدمين مواردهم وشبكاتهم لدعم المرشحين والسياسات التي تتوافق مع اهتماماتهم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– التركيز على سيادة القبائل:</strong> أصبحت سيادة القبائل قضية مهمة في السياسة الأمريكية؛ حيث يدفع قادة الهنود الأمريكيين والمدافعون عنهم للحصول على اعتراف أكبر وحماية أكبر لحقوق سيادة القبائل، وقد أدى ذلك إلى زيادة المشاركة السياسية والدعوة من قبل المنظمات الهندية الأمريكية، بما في ذلك المؤتمر الوطني لقادة القبائل الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– زيادة الوعي بقضايا الهنود الأمريكيين:</strong> زاد الوعي بالقضايا التي يواجهها الهنود الأمريكيون في السنوات الأخيرة، بما في ذلك العدالة البيئية. وقد أدى هذا الوعي المتزايد إلى زيادة الدعم العام لقضايا الهنود الأمريكيين، وساعد على رفع مستوى الوعي بأهميتها. وبما أن الهنود الأمريكيين من أكبر الأقليات العرقية في الولايات المتحدة، يتزايد الاهتمام بهذه القضايا ومن ثم يزيد نفوذهم السياسي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7– تعاظم الطموحات الهندية في السنوات الأخيرة:</strong> يمكن القول إن عام 2016 شكَّل نقطة تحوُّل في المناصب الفيدرالية بالنسبة إلى الهنود الأمريكيين؛ إذ أصبح "بوبي جندال" من لويزيانا أول أمريكي هندي يترشح للرئاسة. وكان ذلك أيضاً هو العام الذي تم فيه انتخاب النواب "براميلا جايابال" من واشنطن، و"رو خانا" من كاليفورنيا، و"راجا كريشنامورثي" من إلينوي؛ ما رفع عدد الأمريكيين الهنود في مجلس النواب من واحد – وهو النائب "آمي بيرا" من كاليفورنيا، المنتخب في عام 2012 – إلى أربعة. وكان هذا أيضاً العام الذي أصبحت فيه "كامالا هاريس" أول أمريكية هندية تُنتخَب لعضوية مجلس الشيوخ. ومنذ ذلك الحين، تضاعف العدد في المجالس التشريعية للولايات أكثر من ثلاثة أضعاف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ربما تتصاعد الطموحات الهندية خلال السنوات القادمة، وخصوصاً مع إعلان "نيكي هايلي" و"فيفيك راماسوامي" ترشحهما لانتخابات الرئاسة القادمة في عام 2024، ناهيك عن ترشيح الإدارة الأمريكية، أجاي بانجا الأمريكيَّ ذا الأصول الهندية الرئيسَ التنفيذي السابق لشركة ماستر كارد، لقيادة البنك الدولي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وإجمالاً لما سبق، على الرغم من تشكيل الهنود الأمريكيين 1% فقط من سكان الولايات المتحدة، لكنهم حققوا نجاحاً متصاعداً بقوة في المجالات الدبلوماسية والسياسية، وهو ما أشار إليه "نيل مخيجا" المدير التنفيذي لمجموعة "إمباكت"، وهي مجموعة مناصرة أمريكية–هندية، حين أكد أن الهنود الأمريكيين انتقلوا حرفياً من عدم وجود أحد إلى الاقتراب من التكافؤ. ومن ثم، فإنه من المتوقع استمرار تزايد النفوذ السياسي للهنود الأمريكيين في السياسة الأمريكية في المستقبل مع زيادة الوعي بقضاياهم والتحولات الديموغرافية في الولايات المتحدة.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>إلا أن التحدي الذي سيكون الهنود الأمريكيون على موعد معه هو دعم "نيكي هايلي" و"فيفيك راماسوامي" اللذين يراهنان، إلى جانب المرشحين الديمقراطيين، على أصوات الناخبين الهنود؛ إذ يعد الناخبون الهنود الأمريكيون ديمقراطيين بأغلبية ساحقة؛ فجميع الهنود الأمريكيين الخمسة في الكونجرس، وجميع مشرعي الولايات تقريباً، من الديمقراطيين. كما صوَّت 74% لـ"جو بايدن" في السباق الرئاسي لعام 2020، أكثر من الناخبين من خلفيات آسيوية أخرى.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>لكن وفقاً لاستطلاع أجرته </strong><strong>Asian American Justice AAPI Data</strong><strong>، فإن 60% من الهنود الأمريكيين، سيكونون منفتحين للتصويت لمرشح هندي أمريكي بغض النظر عن انتمائه الحزبي، إلا أن هذا الاستعداد ليس مطلقاً، لا سيما إذا كان التنافس مع الرئيس السابق "دونالد ترامب"، وحاكم فلوريدا "رون ديسانتيس"؛ حيث تتبنى "نيكي هايلي" المزيد من خطابهما المناهض للهجرة، وهو الملف ذو الأولوية لدى الهنود الأمريكيين.</strong></p>

      

أبعاد تصاعد نفوذ الهنود الأمريكيين في السياسة الأمريكية