ماثيو كونيلي


        
<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية</span></strong></p>



<p><strong>أصدرت شركة " بانثيون "، في 17 يناير 2023، كتاباً للكاتب "ماثيو كونيلي" أستاذ التاريخ بجامعة كولومبيا، بعنوان "محرك رفع السرية: ما يكشفه التاريخ عن أهم أسرار الولايات المتحدة"، ناقش الكاتب فيه مسألة التناقض في التعامل مع قضية السرية بالنسبة إلى الحكومة الأمريكية، وكذلك مخاطر الإفراط في تصنيف ملايين الوثائق باعتبارها سرية، وقدَّم الكاتب في النهاية حلاً يجمع بين المحافظة على سرية الوثائق الأكثر حساسيةً وبين الإفراج عن الوثائق الأخرى التي لن تضر الأمن القومي الأمريكي</strong><strong>.</strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">استباحة الأسرار</span></strong></p>



<p><strong>أشار الكتاب إلى أن الولايات المتحدة تعرضت في أغسطس 2016، لواحدة من أكثر التسريبات الكارثية للمعلومات السرية في التاريخ. وبحسب الكتاب، كشفت هذه الحادثة عن مخاطر تسريب المعلومات السرية على الأمن القومي الأمريكي، ومن أبرزها ما يلي</strong><strong>:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تمكين القراصنة من استخدام أسلحة إلكترونية أمريكية:</strong> وفقاً للكتاب، كشف كيان مجهول يُطلِق على نفسه اسم "وسطاء الظل" عن ترسانة من الأسلحة الإلكترونية التي تم تطويرها في سرية تامة من قبل وكالة الأمن القومي. وطبقاً للكتاب، ومع نشر شفرة المصدر لهذه الأسلحة القوية على الإنترنت، أعاد القراصنة استخدامها لشن هجمات فدية "جريئة"؛ ما أدى في النهاية إلى إغلاق ملايين من أجهزة الكمبيوتر حول العالم، وشل الآلاف من الشركات الخاصة، من مصنع سيارات في فرنسا إلى مصنع شوكولاتة في أستراليا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– استفادة حكومات معادية من أسلحة إلكترونية أمريكية:</strong> أوضح الكتاب أن الحكومات الأجنبية المعادية استفادت كذلك من هذه الأدوات أيضاً؛ فقد استخدمت كوريا الشمالية الشفرة الخبيثة لوكالة الأمن القومي الأمريكي لمهاجمة نظام الرعاية الصحية البريطاني، واستخدمتها إيران لاستهداف شركات الطيران في الشرق الأوسط، فيما استخدمتها روسيا ضد أوكرانيا، وفق ما ذكر الكتاب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– جعل بعض أسرار الولايات المتحدة مُستباحة في العالم:</strong> نوه الكتاب أنه في عام 2017، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه بعد 15 شهراً من التحقيق، لم تتمكن السلطات من معرفة الجاني، وإذا تمكنت من معرفته فسيظل ذلك أيضاً "سرياً"، وفق ما ذكر الكتاب. ويعتقد الكتاب أن الكارثة برمتها تُسلِّط الضوء على قضية التصنيف الحكومي؛ إذ تُشتهر الوكالات الأمريكية – بما فيها وكالة الأمن القومي الأمريكية – بأنها سرية، ومع ذلك كان هناك تسريب هائل تم فيه نشر بعض أسرار الدولة أمام العالم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ضغوط البيروقراطية</span></strong></p>



<p><strong>يرى الكتاب أن ممارسة التصنيف الواسع النطاق للوثائق بالولايات المتحدة، جاءت بعد الحرب العالمية الثانية، في ضوء عدد من الاعتبارات، يتمثل أهمها فيما يلي</strong><strong>:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– صعود البيروقراطية الدفاعية والمجمع الصناعي العسكري:</strong> بحسب الكتاب، كان صعود البيروقراطية الدفاعية الدائمة، والمجمع العسكري الصناعي عقب الحرب العالمية الثانية مباشرةً، هو الذي أدى إلى ولادة ما يمكن تسميته بـ"طاغوت" التصنيف من قِبل المسؤولين الرسميين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– إضفاء الطابع المؤسسي على السرية مع بدء الحرب الباردة:</strong> أشار الكتاب إلى أنه بدلاً من دحر ثقافة ومؤسسات السرية التي كانت سائدةً في زمن الحرب العالمية الثانية، قامت إدارة الرئيس "ترومان" بإضفاء الطابع المؤسسي عليها مع اندلاع الحرب الباردة؛ إذ أدى إنشاء وكالة المخابرات المركزية ووكالات استخبارات أخرى، والسرية المحيطة بترسانة الولايات المتحدة النووية، إلى تسريع إضفاء الطابع الاحترافي على مصنفات الدولة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي هذا السياق، قال السيناتور "هيوبرت همفري" نائب الرئيس "ليندون جونسون"، في عام 1955: "إن نظامنا الأمني الحالي هو ظاهرة العقد الماضي فقط. لقد قمنا بسن قوانين تجسُّس، وشدَّدنا القوانين الحالية، كما طلبنا التحقيق والموافقة على الملايين من مواطنينا، وقمنا بتصنيف المعلومات ووضعناها في الخزائن. لم نتوقف مؤقتاً في سعينا الضروري للأمن لنسأل أنفسنا: ما الذي نحاول حمايته؟ وضد ماذا؟".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تضخُّم السجلات</span></strong></p>



<p><strong>أوضح الكتاب أنه يتم في كل عام وضع علامة "سرية للغاية" على ملايين الوثائق الحكومية الجديدة، مضيفاً أن المزيد من مجالات النشاط الرسمي تُوضع خارج رقابة المواطنين والصحفيين وحتى الكونجرس. وأكد الكتاب أن هذا الإفراط في التصنيف له مخاطر وعيوب كثيرة، منها ما يلي</strong><strong>:</strong><strong></strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– إهدار الموارد المالية للدولة في تصنيف الوثائق:</strong> وفقاً للكتاب، أنفقت الحكومة الفيدرالية في عام 2017 أكثر من 18 مليار دولار من أجل الحفاظ على نظام التصنيف هذا؛ أي ما يقرب من ضعف ما أنفقته قبل خمس سنوات. ولفت الكتاب إلى أنه في ضوء أن الكثير من العمل الحكومي يتسم الآن بستار من السرية، فإنه يتم منح تصاريح لكادر أكبر من الموظفين الفيدراليين؛ لذلك فإن هناك – بحسب الكتاب –نحو 1.3 مليون أمريكي يحملون الآن تصاريح سرية للغاية؛ أي ما يقرب من ضعف عدد سكان مقاطعة كولومبيا على سبيل المثال.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تزايد احتمالية تسريب المصنفات والبيانات:</strong> بالنظر إلى الأعداد الهائلة للمصنفات السرية وكذلك أعداد الذين يحتاجون إلى الوصول إليها للقيام بوظائفهم، مع الأخذ في الاعتبار السهولة المتزايدة لنسخ ونقل كميات هائلة من المعلومات الرقمية، فإنه من شبه المؤكد – طبقاً للكتاب – استمرار حدوث تسريبات بالجملة للمصنفات والبيانات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تقويض الشفافية والمساءلة الديمقراطية:</strong> يرى الكتاب أن عقوداً من العادات السيئة التي مارستها الوكالات الحكومية المرتبطة بالتصنيف، قد قوَّضت الشفافية والمساءلة الديمقراطية؛ إذ يتم تبرير هذا الاندفاع نحو التصنيف العشوائي بالتذرع بالأمن القومي. وأشار الكتاب إلى أنه "عندما يكون كل شيء سراً، لا يبقى شيء سراً"، مضيفاً: "حجم هذه الحالة المظلمة بالذات أصبح يمثل مخاطرة أمنية".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>واستشهد الكتاب بتقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر، الذي خلص إلى أن الإفراط في التصنيف يمكن أن يعرض الأمن القومي للخطر، وهو التقرير الذي جادل بأن "السرية، رغم أنها ضرورية، يمكن أن تضر بالرقابة"، مضيفاً أن "أفضل آلية إشراف في الديمقراطية هي الكشف العلني".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– خدمة مصالح أعضاء السلطة التنفيذية:</strong> أكد الكتاب أن التصنيف هو ممارسة للسلطة، وعلى هذا النحو فإنه غالباً لم يكن مدفوعاً بإملاءات الأمن القومي، بل باعتبارات النفوذ السياسي أو البيروقراطية. وبحسب ما ورد في الكتاب "اتضح منذ البداية أن السر هو كل ما يخدم مصالح الرئيس، وكل من حوله ممن يستثمرون في السلطة التنفيذية؛ ففي أي بيروقراطية، تصبح القدرة على تقديم شيء على أنه سري ورقة رابحة لا تُقاوَم؛ فهي وسيلة للتهرب من الرقابة، والترويج للأولويات الضيقة وإخفاء أوجه القصور".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– حدوث تضخم بسجلات الدولة التاريخية:</strong> يعتقد الكتاب أن التحدي الآخر هو الحجم الهائل للوثائق المقيدة؛ فنظراً إلى أن الحكومة تصنف الوثائق أكثر مما ترفع عنها السرية، فإن حجم السجل التاريخي يستمر في النمو كل عام؛ ما يعرقل إجراءات الحكومة الأمريكية لرفع السرية عن كل هذه المعلومات؛ إذ إنه بحسب الكتاب لا يوجد نظام إلكتروني لأتمتة رفع السرية، وتفتقر الوكالات الفيدرالية ذات الصلة إلى الموظفين والموارد اللازمة يدوياً لمراجعة وتحرير مليارات الوثائق السرية. وأشار الكتاب إلى أنه "إذا تم حجب هذه السجلات إلى أجل غير مسمى، أو إتلافها، فسيكون من المستحيل إعادة فهم ما فعله المسؤولون تحت عباءة السرية".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">البيانات الضخمة</span></strong></p>



<p><strong>وختاماً، قدَّم الكتاب حلاً تقنياً مبتكراً للتغلب على مشكلة الإفراط في التصنيف وتضخم السجلات التاريخية؛ حيث أشار إلى أنه نظراً إلى أن الحجم الإجمالي للمعلومات التي لا تزال مصنفة ضخم للغاية، فإن الطريقة الوحيدة لمعالجتها ستكون باستخدام البيانات الضخمة؛ فمن خلال مسح مئات الآلاف من المستندات التي تم رفع السرية عنها – وبعضها لا يزال محجوباً والبعض الآخر متاح – تمكن مؤلف الكتاب وزملاؤه في جامعة كولومبيا من البحث عن كلمات وموضوعات واتصالات معينة لتحديد المجالات ذات الحساسية الخاصة.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وأكد الكتاب أنه بالمقارنة بين النسخ المنقحة وغير المنقحة من المستندات ذاتها التي رفُعت عنها السرية منذ فترة معينة، تم ابتكار سلسلة من الأساليب التكنولوجية لفرز المحفوظات الواسعة النطاق بسرعة، واختيار الوثائق التي تفي بمعايير معينة. وشدد الكتاب على أنه إذا تم تسخير مثل هذه التقنيات في عملية رفع السرية، فقد يكون من الممكن "تدريب الخوارزميات للبحث عن السجلات الحساسة التي تتطلب تدقيقاً أوثق، وفي الوقت ذاته تسريع إذن نشر كل شيء دونها"، مضيفاً أن هذا هو "محرك رفع السرية" الذي يمثل حلاً تقنياً مبتكراً لمشكلة بيروقراطية معقدة.</strong><strong></strong></p>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">المصدر:</span></strong></p>



<p>Matthew James Connelly,<strong> The Declassification Engine: What History Reveals About America’s Top Secrets, </strong>(USA: ‎ Pantheon, 2023).</p>

      

ما مخاطر الإفراط في تصنيف ملايين الوثائق الأمريكية باعتبارها سرية؟