عبد الله جمال

رفعت الولايات المتحدة، في 11 يونيو 2024، الحظر الذي فرضته منذ فترة طويلة على إمدادات الأسلحة والتدريب لكتيبة آزوف الأوكرانية؛ وذلك بعد مرور نحو 10 سنوات على قرار منع إرسال عتادها الحربي إلى هذه الوحدة؛ نظراً إلى الجدل حول صلاتها المزعومة بجماعات يمينية متطرفة في ذلك الوقت؛ وذلك بموجب قانون ليهي الذي يحظر على الولايات المتحدة توريد الأسلحة أو المساعدات المالية لوحدات قوات الأمن الأجنبية في حال وجود معلومات موثوقة تشير إلى تورط تلك الوحدات في ارتكاب جرائم جسيمة. بيد أن القرار الأمريكي الجديد قد جاء على خلفية مراجعة أمريكية – وفقاً لبيان الخارجية الأمريكية – توصَّلت إلى عدم وجود أي دليل على انتهاكات حقوق الإنسان من قِبل كتيبة آزوف، وهو أحدث تراجع من جانب واشنطن يمكن أن يساعد حليفتها في مواجهة التقدم الروسي في ساحة المعركة.وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن أصول كتيبة آزوف ترجع إلى فترة أزمة شبه جزيرة القرم في مايو 2014؛ حين تم تكوينها بهدف محاربة القوات المدعومة من روسيا في منطقة دونباس شرق أوكرانيا. وفي وقت لاحق من ذلك العام، تم دمجها لفترة وجيزة كفوج منفصل في وزارة الداخلية الأوكرانية، قبل أن يتم نقلها إلى الحرس الوطني. وفي عام 2016، اتهم تقرير للأمم المتحدة هذه الكتيبة بنهب ممتلكات المدنيين؛ ما أدى إلى نزوح العديد منهم في شرق أوكرانيا، كما أثارت منظمة هيومن رايتس ووتش العديد من المخاوف بشأن كتيبة آزوف، نتيجة مزاعم موثوقة – وفقاً لها – عن انتهاكات جسيمة نفذها مقاتلوها؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى منع الكتيبة من استخدام أسلحتها، مستشهدةً بأيديولوجية النازيين الجدد لدى بعض مؤسسيها.دوافع القراريعكس قرار الإدارة الأمريكية الحالية السماح لكتيبة آزوف الأوكرانية باستخدام أسلحتها المصدرة إلى أوكرانيا، تراجعاً عن سياسة ظلت قائمة منذ فترة طويلة؛ وذلك لعدة أسباب:1– الادعاء بعدم وجود دليل انتهاكات ضد الكتيبة الأوكرانية: قدمت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً جاء فيه أنه "بعد مراجعة شاملة، اجتازت كتيبة آزوف الثانية عشرة للقوات الخاصة الأوكرانية فحص ليهي"، مشيرةً إلى عدم وجود أي دليل على مثل هذه الانتهاكات، كما أوضح بيان الوزارة أن المعلومات المضللة الروسية قد عملت بنشاط على تشويه سمعة الكتيبة دون حق. من جانبه أيضاً، صرح متحدث باسم وزارة الخارجية، بأن الروس "قد حاولوا منذ فترة طويلة الخلط بين وحدة الحرس الوطني الأوكراني التابعة لكتيبة القوات الخاصة الثانية عشرة آزوف وبين ميليشيا تم تشكيلها للدفاع عن أوكرانيا ضد الغزو الروسي في عام 2014، تسمى كتيبة آزوف"، مضيفاً أنه قد سبق أن تم حل تلك الميليشيا في عام 2015، ومن ثم، لا علاقة لكتيبة القوات الخاصة آزوف بتلك الميليشيا؛ الأمر الذي يسهل عملية إسقاط القيود على دعم هذه الكتيبة بالمعدات والأسلحة اللازمة لدعم بلادها في الحرب.2– تطور تكتيكات الدعم الأمريكية لكييف: يشير هذا التطور إلى أن الوضع على الخطوط الأمامية الأوكرانية أصبح حاداً للغاية، لدرجة إلغاء الحظر المفروض على وحدة مسلحة لها علاقات بانتهاكات حقوق الإنسان والنازيين الجدد، وفقاً للمزاعم الروسية والأممية، وهو ما يتزامن مع قرار إدارة بايدن، في وقت سابق من هذا الشهر، السماح لكييف بتنفيذ ضربات محدودة داخل الأراضي الروسية باستخدام الأسلحة الأمريكية.وفي السياق ذاته، تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تتقدم فيه روسيا شرقاً، بعد أن سيطرت على قرية في منطقة دونيتسك؛ ولذلك يعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن منطقة دونيتسك الشرقية هي "باستمرار الجزء الأصعب من الجبهة" في الوقت الحالي، على حد وصفه. ومن ثم قد تلعب هذه الوحدة دوراً في مساعدة القوات الأوكرانية على صد التقدم الروسي، في حال وصولها إلى المعدات العسكرية الأمريكية.3– الضغط الأوكراني لصدور هذا القرار: كان إلغاء الحظر الأمريكي أولوية بالنسبة إلى المسؤولين الأوكرانيين، الذين لطالما طالبوا برفعه عن هذه الكتيبة، خاصةً أن الأخيرة قد لعبت دوراً رئيسياً في الدفاع عن مدينة أزوفستال في بداية الحرب الأوكرانية. ووفقاً لمسؤول أوكراني، فقد سبق أن أثار وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا موضوع الحظر مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عندما زار الأخير كييف الشهر الماضي.ومن جانبه، أوضح رسلان موزيتشوك المتحدث باسم الحرس الوطني الأوكراني، أن القرار الأمريكي برفع القيود بموجب عملية التدقيق التي أجرتها بموجب قانون ليهي، يعد أمراً محورياً في جهود مساعدة مجموعة واسعة من الوحدات التي تنفذ عمليات قتالية نوعية على خط المواجهة، مصرحاً بأن "فهم حلفائنا لمدى أهمية مساعدة كلٍّ من هذه الوحدات هو خطوة مهمة أخرى على طريق نضالنا من أجل الاستقلال".4– دعم القدرات الهجومية والدفاعية الأوكرانية: أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الوحدة، التي لعبت دوراً مهماً في جهود أوكرانيا لصد العمليات العسكرية الروسية التي تم شنها في فبراير 2022، "يمكن الآن تدريبها على يد أفراد عسكريين أمريكيين، واستخدام الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة"، وهو الأمر الذي دعمه المتحدث باسم الحرس الوطني الأوكراني، باعتبار أنه بمجرد إقرار هذه التعديلات فعلياً، فإنه لن يكون هناك ما يمنع كتيبة آزوف من أداء مهامها القتالية والدفاعية بشكل أكثر فاعليةً، بل إنه يشكل أيضاً دفعة قوية للقدرات الدفاعية الأوكرانية لصد الهجمات الروسية المتتالية.تداعيات القراربطبيعة الحال، احتفت وحدة آزوف بهذه الخطوة الأخيرة، ولكن القرار قوبل بتوبيخ روسي متوقع؛ الأمر الذي ينذر بمزيد من التصعيد بين الجانبين في ساحة المعركة الأوكرانية؛ وذلك نتيجة مجموعة من المؤشرات، منها:1– الإدانة الروسية للقرار الأمريكي: سرعان ما شجبت روسيا هذه الخطوة؛ حيث أوضح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن بلاده قد اتخذت وجهة نظر "سلبية للغاية" تجاه قرار واشنطن، ووصف كتيبة آزوف بأنها "تشكيل مسلح متطرف"، متهماً السلطات الأمريكية بأنها مستعدة لمغازلة النازيين الجدد. ومن ناحيته أيضاً، قال السفير الروسي لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف، إن الخطوات التي اتخذتها واشنطن "لا يمكن أن تسبب سوى السخط الشديد"، بل وصف الكتيبة كذلك بأنها "تشكيل قومي علني"، محذراً النهج الأمريكي الذي يرمي إلى دعم الجماعات الإرهابية في كييف.هذا وتتماشى هذه التصريحات مع استشهاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً وتكراراً، بأن عناصر كتيبة آزوف من "نظام النازيين الجدد" في كييف، بجانب تصنيف المحكمة العليا في روسيا في عام 2022، الكتيبة رسمياً "جماعة إرهابية"، ومن ثم كان من المتوقع أن يؤدي التحول في سياسة الولايات المتحدة تجاهها، إلى إعادة إشعال تلك الانتقادات الروسية من جديد، بل قد نشهد هجمات روسية مكثفة ضد عناصرها خلال الفترة المقبلة.2– ترحيب قوي من الكتيبة بقرار واشنطن: فور الإعلان عن القرار الأمريكي، أشادت كتيبة آزوف – وهي الآن وحدة ضمن الحرس الوطني الأوكراني – بهذه الخطوة، موضحةً في بيان لها أن "الأكاذيب بشأن آزوف، التي ظل نظام الكرملين ينشرها في الغرب منذ سنوات، تلقت ضربة مدمرة اليوم"، مضيفاً: "هذه صفحة جديدة في تاريخ وحدتنا؛ حيث أصبحت آزوف أكثر قوةً وأكثر احترافاً وأكثر خطورةً على المحتلين".ولكن من جانبهم، لم يصرح أيٌّ من المسؤولين الأوكرانيين بموقفهم إزاء هذا القرار، بيد أنه قد يُفهَم ضمنياً أن هناك ترحيباً واسع النطاق من قِبلهم، والدليل على ذلك أنه في يوليو 2023، عاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أوكرانيا من تركيا، ومعه خمسة من قادة آزوف السابقين الذين قاتلوا في الحرب الأوكرانية ضد القوات الروسية في مدينة ماريوبول؛ ما تسبب في إحداث توتر في العلاقات بين موسكو وأنقرة، على خلفية اتهام الكرملين لتركيا بانتهاك اتفاق تبادل الأسرى الذي تم توقيعه بينهما في عام 2022.3– تعزيز القدرات القتالية لكتيبة "آزوف": حتى صدور قرار وزارة الخارجية، كان هناك بند في قانون المخصصات الأمريكي يحظر على قوات آزوف إرسال مقاتلين إلى تدريبات عسكرية غربية أو الحصول على الأسلحة المشتراة بأموال أمريكية، بيد أنه بعدما أصبحت الكتيبة الأوكرانية قادرةً على الحصول على المساعدة العسكرية الأمريكية مثل أي وحدة أخرى، فمن المرجح أن نشهد تطورات نوعية في القدرة القتالية للكتيبة، وخاصةً في هذا الوقت الحرج من هذه الحرب؛ حيث تعاني أوكرانيا من نقص مستمر في الذخائر والأفراد.وفي بيان للكتيبة عقب القرار الأمريكي، أوضحت أنها لم تتسلَّم بعدُ أيَّ أسلحة أمريكية، لكنها تأمل أن يحصل ذلك في أقرب وقت، بدايةً من الدبابات ومركبات المشاة إلى أنظمة الدفاع الجوي، مضيفاً أن "الحصول على أسلحة غربية وتدريب من الولايات المتحدة يؤدي إلى زيادة القدرة القتالية لآزوف، بل الأهم من ذلك أنه سيُساهم في الحفاظ على حياة وصحة الأفراد".4– ظهور مزيد من الدعم الشعبي لمقاتلي الكتيبة: ينظر الكثيرون في أوكرانيا إلى مقاتلي آزوف كأبطال قوميين؛ لدفاعهم لعدة أشهر عن مدينة ماريوبول الجنوبية من الهجوم الروسي؛ إذ لعب جنود آزوف آنذاك، دوراً رئيسياً في الدفاع عن المدينة؛ حيث صمدوا في حصار ونقص في الذخيرة لأسابيع في مصنع الصلب بالمدينة الساحلية الجنوبية، على الرغم من الهجمات الكثيفة التي شنتها القوات الروسية في عام 2022، بل رفضت الاستسلام لمدة 80 يوماً، حتى أمرت السلطات الأوكرانية القوات المتبقية في المصنع بالاستسلام للقوات الروسية من أجل ضمان البقاء.ومن ثم، أصبحت قوات آزوف رمزاً قوياً للمقاومة الأوكرانية في الحرب ضد روسيا، خاصةً أنه لا يزال العديد منها في الأسر الروسي؛ لذلك عادةً ما يتم الترحيب بهم في أوكرانيا، كما يخرج المواطنون الأوكرانيون إلى الشوارع للمشاركة في مسيرات أسبوعية تطالب بالإفراج عن مئات الأسرى منهم. ومن ثم يعد القرار الأمريكي بمنزلة انتصار لهذه الكتيبة؛ ما قد يمنحها مزيداً من الدعم الشعبي؛ نظراً إلى ما يمثله هذا القرار من براءة خفية للاتهامات التي سبق أن وُجِّهت إليها، على الرغم من أنه قرار سياسي وعسكري بالأساس لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا.ختاماً، تواصل الولايات المتحدة إطلاق العنان للأوكرانيين لإلقاء كل ما لديهم على الروس، بيد أن مثل هذه الخطوات الأمريكية لم تغير بعدُ الحقائق الأساسية في ساحة المعركة، لكنها تُظهِر فقط رغبة واشنطن في تقديم الدعم المباشر لكافة أنواع الجماعات المسلحة التي بإمكانها المساعدة في التصدي للهجمات الروسية ضد الأهداف الأوكرانية، في ضوء تزايد المخاوف الغربية من اقتراب الانتصار الروسي في الحرب الدائرة من أكثر من عامين. من ناحية أخرى، إذا شعرت أي حكومة أوكرانية مستقبلية بأنها مضطرة للتوصل إلى تسوية سلام مع روسيا، فمن المرجح أن تواجه احتجاجات مسلحة من قبل كتيبة آزوف وغيرها من الجماعات المماثلة، التي يمكن أن تشكل خطراً حقيقياً على الدولة الأوكرانية، كما حدث في عام 2014، خاصةً بعدما حصلت على دعم مباشر من واشنطن من أجل تحقيق أهدافها.

لماذا سمحت واشنطن لكتيبة "آزوف" الأوكرانية باستخدام أسلحتها؟