د. محمد عباس ناجي

أعلن مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، تقديم استقالته من منصبه، في 2 مارس 2025، لينهي بذلك سبعة أشهر من الصراع والتوتر مع تيار المحافظين الأصوليين، الذين شنوا حملة قوية ضده خلال المرحلة التالية على بداية ولاية الرئيس مسعود بزشكيان في أغسطس 2024. وتعد الاستقالة هي الثانية من نوعها، التي يقدمها ظريف في عهد بزشكيان، والثالثة منذ توليه منصب وزير الخارجية؛ إذ سبق أن أعلن ظريف استقالته من منصب مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية، في أغسطس 2024، اعتراضاً على عدم اختيار بعض الذين رشحهم لحقائب وزارية في حكومة بزشكيان؛ حيث كان يتولى رئيس لجنة إدارة المرحلة الانتقالية، إلا أنه تراجع عنها بعد أسبوعين ليمارس مهام منصبه من جديد.لكن الاستقالة الأبرز قدمها ظريف في فبراير 2019، عندما كان وزيراً للخارجية في حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني؛ وذلك احتجاجاً على عدم إبلاغه بالزيارة التي قام بها الرئيس السوري السابق بشار الأسد في هذا اليوم إلى طهران؛ إذ فوجئ بها هو والرئيس روحاني، بعد أن قام القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني بإعداد برنامجها بشكل سري؛ حيث بدأت الزيارة بلقاء بين الأسد والمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي.أسباب عديدةيمكن تفسير إعلان ظريف تقديم استقالته من منصبه في ضوء أسباب عديدة يتمثل أبرزها فيما يلي:1– سحب البرلمان الثقة من وزير الاقتصاد: كان لافتاً أن استقالة جواد ظريف جاءت بعد ساعات من القرار الذي اتخذه مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بسحب الثقة من وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، بعد أن أيد 182 نائباً سحب الثقة مقابل اعتراض 89 نائباً، وامتناع نائب واحد عن التصويت. وقد برر النواب الذين ينتمون إلى تيار المحافظين الأصوليين قرارهم بفشل همتي في احتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية، على نحو بدا جلياً في مؤشرات عديدة، مثل وصول مستوى التضخم إلى نحو 32%، وانهيار العملة الوطنية، بعد أن وصل الدولار إلى أكثر من 92 ألف تومان، إلا أن جواد ظريف اعتبر أن إقالة همتي تمثل محاولة لتوظيف الأزمة الاقتصادية لصالح ممارسة ضغوط سياسية على الحكومة، خاصةً أن الوزير لم يقضِ في منصبه سوى أقل من سبعة أشهر، ومن ثم لم يتمكن بعد من الوصول إلى آليات فعالة لهذه الأزمة، وهي مهمة تبدو في حاجة إلى مزيد من الوقت من أجل التعامل معها.2– استباق تحركات مناوئة من جانب المتشددين: اعتبر جواد ظريف أنه بعد إقالة همتي سيكون هو المسؤول الثاني في الحكومة الذي سيوضع على قائمة الإقالات من جانب تيار المحافظين الأصوليين الذي يسيطر على غالبية مقاعد مجلس الشورى الإسلامي. وقد بدأ هذا التيار بالفعل في الإعداد للإطاحة بظريف من منصبه؛ حيث يتم إعداد مشروع قانون في المجلس لمنع الإيرانيين الذين حصل أبناؤهم على جنسيات أخرى من تولي مناصب عامة؛ حيث يدعي المحافظون الأصوليون أن أبناء ظريف حصلوا على الجنسية الأمريكية خلال فترة توليه منصب المندوب الإيراني الدائم في الأمم المتحدة.وقد قال ظريف في الرسالة التي تضمنت استقالته من منصبه إنه أقدم على هذه الخطوة بعد "نصيحة" قدمها له رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي، وهو ما يعني أن الأخير – الذي طالب ظريف بالعودة إلى التدريس في الجامعة – كان يدرك مستوى الضغوط التي سوف يمارسها المحافظون الأصوليون لإقالة ظريف من منصبه.3–التحفظ على تصريحات خامنئي ضد الحوار مع واشنطن: لا يمكن فصل الخطوة التي أقدم عليها ظريف بالاستقالة من منصب مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية عن الحملة التي شنها المرشد الأعلى للجمهورية والتي تبعه فيها كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، والتي انتقدت المسؤولين الذين يدعون إلى إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث اعتبر خامنئي، في فبراير 2025، أن هذه المفاوضات المحتملة "غير شريفة وغير ذكية". وقد أشار خامنئي بوضوح إلى ظريف في التصريحات التي رفض فيها التفاوض مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ حيث قال في هذا الصدد: "خاضت حكومتنا المفاوضات، ذهبت وعادت، جلست وقامت، وتفاوضت وتحدثت، وضحكت وصافحت، وتظاهرت بالصداقة، وقدمت تنازلات سخية، وفي النهاية قام الشخص الذي يحكم الآن (ترامب) بتمزيق الاتفاق".وكان خامنئي بذلك يشير بوضوح إلى ظريف، الذي التقى مرات عديدة وبشكل مباشر، ولأول مرة منذ اندلاع الثورة في عام 1979، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي كان يشارك في المفاوضات التي انتهت بالإعلان عن الوصول إلى الاتفاق النووي في يوليو 2015، الذي قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى، بالانسحاب منه في مايو 2018، ثم أعاد فرض العقوبات الأمريكية على إيران بداية من أغسطس من العام نفسه.4– تقليص الضغوط المفروضة على الرئيس الإيراني: يبدو أن ظريف سعى عبر هذه الخطوة إلى تقليص حدة الضغوط التي يتعرض لها الرئيس بزشكيان من جانب تيار المحافظين الأصوليين، على نحوٍ يعني أنه كان يدرك أن بقاءه في منصبه كفيل بإقدام مجلس الشورى الإسلامي على سحب الثقة من بعض الوزراء الآخرين، ومن ثم يضع الرئيس بزشكيان أمام مأزق حرج، في وقت يواجه فيه الأخير خيارات صعبة، بسبب عدم قدرته على تنفيذ ما تعهد به في برنامجه الانتخابي، بشكل بات يعرضه لانتقادات قوية حتى من جانب تيار المعتدلين الذي يضم أجنحة من الإصلاحيين والمحافظين التقليديين والذي دعمه خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت على مرحلتين في يونيو ويوليو 2024، ومكنه من الفوز على اثنين من أقطاب تيار المحافظين الأصوليين، وهما محمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى، وسعيد جليلي ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي.5– تداخل صلاحيات "ظريف" مع وزير الخارجية الإيراني: يبدو أن استقالة ظريف من منصبه ليست بعيدة عن تداخل الصلاحيات الواضح مع وزير الخارجية عباس عراقجي. وقد كان لافتاً أن الأخير وجه عبر تصريحاته من الرسائل ما يفيد بأنه لا يتماهى بالضرورة مع التوجهات التي يتبناها ظريف، حتى رغم العلاقة القوية بين الطرفين، اللذين قادا المفاوضات التي أسفرت عن الوصول إلى الاتفاق النووي.فعندما أعلن ظريف خلال مشاركته في منتدى دافوس، في يناير 2025، أن إيران مفتحة على المفاوضات مع إدارة ترامب، إذا ما تبنى الأخير "نهجاً عقلانياً"، كما أشار إلى أن إيران لم تكن على علم بعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها "كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة حماس داخل مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، وأنها "صدمت" منها؛ تعرض بسبب هذه التصريحات لانتقادات حادة من جانب تيار المحافظين الأصوليين، وكان لافتاً أن عراقجي تماهى معها بشكل واضح؛ حيث أكد، في أواخر يناير 2025، أن "إيران لا تثق بنوايا وسياسات واشنطن"، وزعم، في منتصف فبراير 2025، أن "إيران دائماً مع إخوانها في المقاومة في العراق والمنطقة".ختاماً، ربما لا تكون إقالة همتي واستقالة ظريف هي الأخيرة التي يمكن أن تشهدها إيران خلال المرحلة القادمة؛ فما دام الرئيس بزشكيان يفتقد الظهير السياسي القادر على دعمه في مواجهة تيار المحافظين الأصوليين الذي يسيطر على معظم مؤسسات النظام، وما دامت الضغوط الخارجية والعقوبات الاقتصادية مستمرة، فإن الأزمة الاقتصادية سوف تتصاعد مهما بذلت الحكومة من جهود من أجل احتواء تداعياتها، على نحوٍ يعني أن حكومة الرئيس بزشكيان قد تواجه مزيداً من الاختبارات الصعبة خلال المرحلة القادمة.

لماذا قدَّم جواد ظريف استقالته كمساعد للرئيس الإيراني؟