انتهى في يوم 17 مارس 2024 التصويت بالانتخابات الرئاسية الروسية التي أجريت على مدار ثلاثة أيام، ووصلت نسبة المشاركة 77%. وأظهرت مؤشرات الفرز الأولى للأصوات فوز الرئيس الحالي للبلاد "فلاديمير بوتين" بنسبة 87.3% من الأصوات ليمهد له ذلك حكم البلاد لولاية جديدة مدتها ست سنوات تنتهي في 2030، وهو ما كان متوقعاً وفق استطلاعات الرأي الأخيرة بالبلاد، وهي نسبة فوز تفوق ما حصل عليه في آخر انتخابات له عام 2018. وتحظى هذه الانتخابات بأهمية خاصة؛ حيث إنها تُعَد استفتاءً على استمرار العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا. ويمكن القول إن عملية التصويت مرت بهدوء رغم حدوث عدة حوادث داخلية، واستهداف مسيرات أوكرانية مراكز الاقتراع، بينما نفت واشنطن الاتهامات الروسية لها بالتدخل في العملية الانتخابية؛ ولذا فإن فوز "بوتين" سيعزز تماسك الجبهة الداخلية معه لمواجهة التحديات الخارجية المتعددة التي تبدأ بالحرب الأوكرانية، وتوسع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وضرورة تعزيز النفوذ الروسي بدول الجوار، وإدارة التنافس الإقليمي والدولي مع بكين وواشنطن.

أبعاد متعددة

نُظِّمت بروسيا خلال الفترة (15–17) مارس 2024 الانتخابات الرئاسية الثامنة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، وهي الأولى التي يتم التصويت فيها على ثلاثة أيام ومن خلال التصويت الإلكتروني أيضاً، والأولى منذ الحرب الروسية بأوكرانيا قبل عامين. وكان "بوتين" قد عدَّل الدستور عام 2021 ليتم السماح له بالترشح لفترتين رئاسيتين إضافيتين، كما تم توسيع صلاحيات الرئيس، وبعد فوزه بهذه الانتخابات سيحكم حتى عام 2030 ليصبح أطول حاكم في تاريخ روسيا منذ القرن الثامن عشر؛ لأنه يحكم روسيا منذ عام 1999 وتم انتخابه للرئاسة 4 ولايات أعوام (2000، 2004، 2012، 2018). وهناك عدد من الأبعاد تميز هذه الانتخابات كما يلي:

1– تسجيل نسبة مشاركة شعبية مرتفعة: شارك الناخبون الروس في عمليات التصويت بالانتخابات الرئاسية على مدى ثلاثة أيام، وتشير التقديرات إلى وصول نسبة المشاركة الإجمالية إلى 77.4%. وتُجرَى الانتخابات بنظام الاقتراع السري العام المباشر، ويطبق التصويت الإلكتروني أيضاً. وبدأ التصويت في أقصى شرق روسيا بشبه جزيرة "كامتشاتكا"، وكذلك في البعثات الدبلوماسية بالخارج. ويتجاوز عدد الناخبين الروس الذين يحق لهم التصويت 112 مليوناً داخل روسيا وخارجها (مليون و890 ألفاً و863 شخصاً) منهم 11 ألفاً بمدينة بايكنور في كازاخستان. وتمت الانتخابات تحت رقابة داخلية وخارجية، وأشاد المراقبون الدوليون بمستوى تنظيم الانتخابات الروسية.

2– استدعاء الانتخابات بعض التوترات الأمنية: شهدت عمليات التصويت أعمال عنف ضعيفة؛ حيث تم توقيف أكثر من 13 شخصاً لقيامهم بأعمال تخريب بمراكز الاقتراع؛ منها إضرام النار، وإلقاء زجاجة مولوتوف أو رش "سائل ملون" على بطاقات اقتراع في صناديق، كما أشارت رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية "إيلا بامفيلوفا" إلى تعرض موقع لجنة الانتخابات المركزية الروسية لأكثر من 12 مليون هجوم سيبراني منذ بدء حملة الانتخابات الرئاسية؛ من بينها 90 ألف هجوم سيبراني في اليوم الأول للاقتراع فقط، فضلاً عن تعرض جميع الخدمات الإلكترونية لحزب روسيا الموحدة الحاكم لهجوم سيبراني واسع النطاق خلال اليوم الثاني للاقتراع على الانتخابات؛ ما أسفر عن تعليق الخدمات غير الأساسية للحزب.

3– ضعف المرشحين المنافسين لبوتين: خاض الانتخابات أربعة مرشحين، هم: الرئيس الحالي "فلاديمير بوتين" (71 عاماً) الذي اختار أن يخوضها مرشحاً مستقلاً بعيداً عن حزب "روسيا الموحدة" الحاكم رغم أن الأخير أكد دعمه التام له. ولم يقدم "بوتين" برنامجاً انتخابياً كاملاً، ولم يضع حملة دعاية انتخابية، بيد أنه عقد عدداً من المقابلات مع وسائل الإعلام الروسية لطرح برنامج عمله خلال الولاية الجديدة. والمرشحون الآخرون هم: مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي "ليونيد سلوتسكي"، ومرشح حزب "الناس الجدد" "فلاديسلاف دافانكوف"، ومرشح الحزب الشيوعي الروسي "نيكولاي خاريتونوف". والمنافسون الثلاثة "لبوتين" لا توجد بينهم اختلافات جذرية في الرؤى السياسية أو الاقتصادية، ويؤيدون قراره بالحرب في أوكرانيا، ووصفتهم الأوساط السياسية الغربية بأنهم "مرشحون شكليون" للإيحاء بوجود انتخابات متعددة. وقبل بدء الانتخابات، تم استبعاد مرشحين مناهضين للحرب بأوكرانيا؛ هما "إيكاترينا دونتسوفا"، و"بوريس ناديجدين" رغم تمكُّن الأخير من تجميع عدد الأصوات التي تؤهله للترشح. وقد دعت المعارضة الروسية إلى تنظيم احتجاجات أمام مراكز الاقتراع في اليوم الأخير للانتخابات، ولم يتم ذلك بشكل كبير.

4– اتهام أوكرانيا بتهديد العملية الانتخابية: اتهم "بوتين" أوكرانيا بالسعي إلى تخريب الانتخابات قبل بدء عمليات التصويت. وفي ثاني يوم للانتخابات، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً اتهم كييف بتنفيذ أنشطة إرهابية لعرقلة سير عمليات الانتخابات الرئاسية بروسيا؛ حيث أعلنت موسكو اعتقال رجل بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي لصالح أوكرانيا على تقاطع سكك حديدية في سيبيريا، كما أعلن حزب "روسيا المتحدة" الحاكم يوم 16 مارس 2024 تعرضه لهجوم واسع النطاق ضد جميع خدماته الإلكترونية، بينما كشفت أجهزة الأمن الروسية عن إحباط محاولة اغتيال أحد المقربين من بوتين في مقاطعة "زابوريجيا" الأوكرانية. وأوضح بيان لوزارة الدفاع الروسية في آخر يوم للتصويت أن الجيش الروسي أحبط جميع المحاولات الأوكرانية لاختراق المنطقة الحدودية بمنطقة "كوزينكا" في مقاطعة بيلجورود، وأكدت روسيا إسقاط 12 صاروخاً بالمنطقة، و35 مسيرة أوكرانية؛ منها 4 فوق موسكو، بينما هاجمت مسيرتان أوكرانيتان مركز تصويت في "زابوريجيا"؛ حيث تتهم موسكو كييف بإفساد الانتخابات بضرباتها للبنية التحتية الروسية خلال أيام التصويت، وقد تعهد "بوتين" "بمعاقبة أوكرانيا على تلك الهجمات".

5– نفي أمريكي للتدخل بالانتخابات الروسية: أصدر البيت الأبيض بواشنطن بياناً يوم 12 مارس 2024 ينفي أي تدخل في الانتخابات الرئاسية، ويؤكد أن المزاعم الروسية بذلك "كاذبة تماماً"، وجدد اتهامه لموسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية التي من المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل. وكان جهاز المخابرات الخارجية الروسي اتهم واشنطن بالتخطيط لشن هجوم إلكتروني على نظام التصويت الروسي عبر الإنترنت. وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية تعرضها لأكثر من 12 مليون هجمة إلكترونية خلال أيام التصويت، كما اتهمت موسكو واشنطن بنشر "حزمة أخبار كاذبة" حول المرشحين والأحزاب السياسية عشية الانتخابات الروسية؛ للتأثير على سير الانتخابات.

6– انتقاد دولي لإجراء الانتخابات بالدونباس: أصرت موسكو على إجراء الانتخابات بالأقاليم الجديدة، وهي الأراضي الأوكرانية التي ضمتها إليها بعد الحرب (جمهوريتا دونيتسك ولوجانسك، ومقاطعتا زابوريجيا وخيرسون)، وهو ما انتقده الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" وأكثر من 50 دولة؛ لأن ذلك يُعَد انتهاكاً للقانون الدولي؛ لأنها تعد "أراضي أوكرانية محتلة من روسيا". وأكدت تقارير غربية أنه يتم "إجبار" الناخبين على التصويت بتلك الأقاليم، كما أصدرت أوكرانيا و55 دولة عضواً بالأمم المتحدة بياناً ينتقد إجراء الانتخابات بتلك الأقاليم؛ لأنه "تجاهل واضح لمبادئ السيادة والسلامة الإقليمية". وانتقدت واشنطن الانتخابات ووصفتها "بالانتخابات الصورية المنظَّمة في الأراضي الأوكرانية المحتلة".

7– استياء مولدوفا من افتتاح مراكز اقتراع بترانسنيستريا: استمراراً للتوترات بين روسيا ومولدوفا نتيجةً لدعم موسكو لإقليم ترانسنيستريا الانفصالي الذي تسكنه أغلبية روسية في مولدوفا، استدعت مولدوفا السفير الروسي لديها احتجاجاً على فتح مراكز اقتراع في إقليم "ترانسنيستريا"، كما اتهم نائب رئيس الوزراء المولدوفي "أوليج سيريبريان"، موسكو بانتهاك القوانين لقيامها بطباعة بطاقات اقتراع في منطقة "ترانسنيستريا" الانفصالية قبل الانتخابات الرئاسية الروسية.

8– تشكيك غربي بنزاهة الانتخابات: شككت واشنطن بنتائج الانتخابات الرئاسية الروسية فور انتهاء عمليات التصويت والإعلان عن فوز "بوتين"، ووصفتها بأنها "غير حرة ولا نزيهة"، وعدَّتها بولندا "غير قانونية". وكان رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشال" قد وجه رسالة تهنئة في أول أيام التصويت إلى "بوتين" على فوزه الساحق في الانتخابات حتى قبل الإعلان عن نتائجها، ووصفها بأنها انتخابات تجرى "بلا معارضة أو حرية أو خيار". وهذا التشكيك الغربي في نتائج الانتخابات أمر متوقع، بيد أنه بالفعل ووفق المراقبين الدوليين لا يوجد منافس "لبوتين"؛ لأنه كما وصفه المتحدث باسم الكرملين "دميتري بيسكوف" "السياسي والفاعل الأول في الدولة، لا منافس له في روسيا، ولن يكون له منافس".

9– استمرار سيطرة "بوتين" على المشهد الداخلي: بنهاية يوم التصويت الثالث والأخير للانتخابات الرئاسية الروسية وبدء عمليات الفرز، أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات عن فوز الرئيس "بوتين" بأكثر من (88%) من الأصوات التي تم فرزها، وهي نسبة تجاوزت نتائج عام 2018 التي فاز فيها "بوتين" بنسبة (77.5%)؛ ما يدل على تأييد معظم قطاعات المجتمع الروسي بمختلف فئاته "لبوتين" ولقرار الحرب الروسية بأوكرانيا؛ حيث فضَّل الناخب الروسي الاستقرار واستمرار الوضع الحالي على التغيير، كما يشير فوزه إلى تماسك الجبهة الداخلية الروسية خلفه، وضعف المعارضة الروسية التي لم تشكل أي منافسة تهدد فرصه بالفوز.

كما أن فوز بوتين يدل على خطأ الحسابات الغربية التي راهنت على تراجع شعبيته وزعزعة الاستقرار داخلياً بروسيا بعد عامين من الحرب التي تخوضها بأوكرانيا التي كبَّدتها خسائر بشرية واقتصادية جمة، بيد أن "بوتين" نجح في استغلال الحرب لتعزيز شعبيته عبر استقطاب التيارات القومية له. وقد حث "بوتين" الناخبين في مقطع فيديو مصور على التصويت بكثافة لمواجهة "الفترة الصعبة" التي تمر بها البلاد.

تداعيات متوقعة

يمكن القول إن الرئيس "بوتين" قد خاض انتخابات رئاسية وهو ضامن الفوز بها، ويطرح أمامه مجموعة من التحديات، وتشمل الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وإعادة هيكلة الاقتصاد لمواجهة العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، كما تشمل على الصعيد الخارجي تحقيق انتصار عسكري بأوكرانيا، وتعزيز النفوذ الروسي بدول الجوار، وإدارة التنافس مع الغرب. وقد حدد "بوتين" بعض معالم سياسته المستقبلية بولايته الجديدة وآليات معالجته لتلك التحديات؛ وذلك كما يلي:

1– العمل على إعادة هيكلة الاقتصاد الروسي: أشار "بوتين" في خطابه السنوي خلال فبراير الماضي، إلى العمل على تحديث المدارس والبنى التحتية ومكافحة الفقر، وحماية البيئة، وتعزيز التكنولوجيا والاهتمام بالمناطق النائية، وكشف عن سعيه إلى جعل الاقتصاد الروسي منافساً للياباني؛ حيث تحتل روسيا المركز السابع ضمن الدول العشر الأول عالمياً في القوة الشرائية، وأكد تماسك الجبهة الداخلية رغم المحاولات الغربية زرع الانقسامات بروسيا، وتعهد بمواصلة العمل على الاكتفاء الذاتي في مجال الدفاع وتحديث الصناعات العسكرية باستمرار والحفاظ على الردع النووي لضمان أمن البلاد.

2– استمرار الحرب الأوكرانية: أشار "بوتين" غير مرة إلى أن "العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مستمرة وطويلة"، وهو يراهن في ذلك على تراجع الدعم الغربي لكييف؛ ما سيدفع الأخيرة إلى التفاوض مع موسكو وفق شروط الأخيرة التي حددها "بوتين"، وتنص على الاعتراف بالواقع الميداني، وعدم الانسحاب من إقليم الدونباس الذي ضمه إلى روسيا العام الماضي، ومنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وحذر من أي تدخل أمريكي مباشر في المعارك بأوكرانيا عبر إرسال قوات أوروبية أو أمريكية إلى أوكرانيا، وأكد استعداد روسيا لتلك الخطوة إذا تمت؛ لأنها ستعد "تدخلاً عسكرياً مباشراً في الحرب". وقد عزز "بوتين" موقعه في الحرب عبر تحقيق تقدم عسكري ميداني بشرق أوكرانيا، وسيطر على مدينة أفدييفكا، ونجح في تحويل الحرب إلى "حرب استنزاف شاملة" لقدرات أوكرانيا و"الناتو".

3– إجراء تغييرات عسكرية لمواجهة توسع "الناتو": مثَّل انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتحويل بحر البلطيق إلى "بحيرة أطلسية" تحدياً أمنياً لروسيا، وتهديداً مستمراً بالاتجاه الشمالي الغربي لها؛ حيث سينشر الحلف أسلحة حديثة وصواريخ نووية بتلك الدول، وكذلك يعد هذا تهديداً لمقاطعة "كالينينجراد" الروسية، كما يعمل "الناتو" على ضم دول أخرى بالفناء الخلفي الروسي إلى الحلف، مثل (أوكرانيا، جورجيا، مولدوفا، أرمينيا). ورغم إعلان الحلف عدم بدء التفاوض مع تلك الدول، فإن تعزيز العلاقات العسكرية بينها وبين الحلف تفسره موسكو على أنه تهديد لها؛ ما أدى إلى وجود متغيرات جيوسياسية جديدة لموسكو، وهو ما دفع "بوتين" إلى تأكيد أن "كل خطوة للناتو سيكون لها الرد المتكافئ"، ووصف الحلف بأنه "حلف مُعادٍ" لروسيا.

كما كشفت موسكو عن عزمها تكوين تشكيلات عسكرية جديدة هذا العام في (موسكو، وبيلجورود، وبريانسك، وكالوجا)، وإجراء تغييرات واسعة بالجيش الروسي حتى عام 2026، تشمل تكوين القوات المسلحة وزيادة أعدادها، وتغيير التقسيم العسكري الإداري لروسيا؛ وهذا لإحكام السيطرة الأمنية والعسكرية على كافة المناطق الروسية الحدودية والنائية والانفصالية، ومواجهة التهديدات العسكرية والإرهابية المتوقعة لها.

4– إعادة تأكيد النفوذ الروسي في مناطق مختلفة: أدى الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية خلال العامين الماضيين، إلى تعزيز النفوذ الأوروبي والأمريكي والصيني بدول الجوار الروسي في آسيا الوسطى والقوقاز؛ لذا يجب على موسكو صوغ سياسة خارجية جديدة، تعمل على تعزيز نفوذها "بالفناء الخلفي" لها في الجمهوريات السوفييتية السابقة بناءً على تبادل المصالح المشتركة مع الدول المؤثرة بالمنطقة، مثل (كازاخستان، أذربيجان)، وإدارة التنافس الإقليمي فيها مع تركيا وإيران والصين، كما تواجه موسكو ملفات خارجية أخرى تحتاج إلى إعادة تموضع فيها، ومنها الملف السوري الذي تتقاطع مصالحها فيه مع تركيا وإيران، وملفات الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية، والملف الليبي) التي تعد موسكو طرفاً فاعلاً فيها، فضلا عن تعزيز وجودها العسكري ونفوذها السياسي في القارة الأفريقية، فضلاً عن القضايا الدولية التي تحتاج إلى الجهود الروسية، ومنها (الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، والتهديدات السيبرانية).

5– مواصلة التحركات الهادفة لتغيير بنية النظام الدولي: تواجه روسيا تنافساً دولياً مزدوجاً؛ فهي تتنافس مع الدول الأوروبية المؤثرة (ألمانيا، وفرنسا) على بسط النفوذ بدول شرق أوروبا، ومواجهة تصاعد التيارات اليمينية الأوروبية الموالية لروسيا، وتتنافس مع الصين لبسط النفوذ بآسيا الوسطى والقوقاز، كما يعد الدعم الاقتصادي الصيني لروسيا تهديداً لها على المدى المتوسط إذا أغرقتها بالديون كما تفعل بكين مع الدول الأفريقية. من جهة أخرى، تتعاون بكين وموسكو لمواجهة النفوذ الأمريكي وتغيير النظام الدولي الحالي من أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب، تكون الصين وروسيا عنصرَين فيه. وفي تحقيق ذلك تعمل الدولتان على تفعيل عدد من المنظمات الإقليمية لتصبح بديلاً للمؤسسات الغربية، مثل (شنجهاي للتعاون، بريكس)، ومن جهة ثانية تتنافس مع واشنطن على تحديث الصناعات العسكرية وتغيير بنيتها، وعلى بسط النفوذ بعدد من الأقاليم؛ منها (الشرق الأوسط، وشرق المتوسط، وآسيا الوسطى، وجنوب آسيا، والقارة الأفريقية، وشرق أوروبا).

مما سبق، نجد أن فوز الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بولاية جديدة بنسبة مرتفعة، يعزز مكانته الداخلية، ويؤكد سيطرته على الحكم منذ ربع قرن، بيد أنه سيواجه تحديات خارجية متعددة بناءً على التغيرات الإقليمية والدولية الجيوسياسية التي نتجت بعد قراره بالحرب على أوكرانيا قبل عامين. وبناءً على خيارات "بوتين" وسياسته بولايته الجديدة، سيتحدد مستقبل روسيا، وكذلك مستقبل المواجهة بينها وبين الغرب بأوكرانيا وبعدة ملفات سياسية وأمنية عالقة بينهما.

ما دلالات نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية؟