ميرال حسين


        
<p><strong>شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً في حدة الصدام بين الدول الإسلامية وكل من الدنمارك والسويد؛ وذلك بعد قيام جماعة يمينية تُدعَى داينش باتريوت "الوطنيون الدنماركيون" بحرق المصحف الشريف خارج السفارة العراقية في العاصمة الدنماركية "كوبنهاجن"، وكرر خمسة أعضاء من الجماعة الراديكالية نفسها هذا التصرف، وأحرقوا القرآن أمام السفارة المصرية في الدنمارك، لتكون ثاني دولة من دول شمال أوروبا تقوم بهذا الفعل، بعد واقعة حرق المتطرف السويدي من أصول عراقية "سلوان موميكا" نسخة من المصحف مرتين أمام سفارة بلاده في العاصمة السويدية "ستوكهولم"، آخرهما كانت أول أيام عيد الأضحى المبارك، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحاً بفعل ذلك إثر قرار قضائي، وكانت الأخرى خلال تظاهرة مناهضة لأنقرة أمام السفارة التركية، وهو ما أثار ردود فعل مستنكرة عربياً وعالمياً؛ الأمر الذي يجعلها ظاهرة تستحق الدراسة، في وقت يجاهد فيها المجتمع الدولي للتصدي للحوادث الإرهابية على مستوى العالم؛ ما أثار تساؤلات حول أسباب تصاعد وتكرار أحداث حرق المصحف الشريف في الدول الغربية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع متشابكة</span></strong></p>



<p>لا شك أن تكرار حوادث حرق القرآن تمثل تفاعلاً معقداً من العوامل السياسية والدينية والاجتماعية والنفسية، ومعالجتها تتطلب نهجاً شاملاً ودقيقاً. لذلك يمكن تسليط الضوء على بعض الأسباب المحتملة التي قد تساهم في تصعيد وتكرار مثل هذه الحوادث، وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– صعود اليمين المتطرف في أوروبا:</strong> لا تنفصل الأحداث المعادية للمسلمين والرموز الدينية الإسلامية عن التحولات السياسية التي شهدتها الدول الأوروبية خلال السنوات الأخيرة، والتي دفعت نحو تعزيز مكانة ونفوذ قوى اليمين المتطرف. وفي هذا الصدد، فإن ما حدث مؤخراً في السويد كان متوقعاً، خاصةً بعد فوز الحزب الديمقراطي السويدي، الذي يعد أبرز أدوات الحركة اليمينية المتطرفة التي تتخذ موقفاً معادياً للدين الإسلامي وللمهاجرين ولجميع الأديان الأخرى؛ فهي تعبر عن ذلك كنوع من الثقافة المتشددة والمغالية في التطرف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– الانعكاسات الممتدة للشعور بالتهديد الخارجي:</strong> لا يمكن إغفال أن التهديدات الخارجية التي باتت تشعر بها الدول الأوروبية، والتي كان آخرها الحرب الأوكرانية، كان لها تأثير معاكس على حالة الاستقرار النفسي لدى أفراد الكثير من المجتمعات الأوروبية، بما فيها الدنمارك والسويد التي أدت الحرب الأوكرانية إلى خروجها من سنوات السكون، وكشف نقاط الضعف الدفاعية والعسكرية لديها. وفي هذا الإطار، تشكلت مجموعة من المحفزات الإضافية لإظهار العداء للمسلمين وإكساب اليمين المتطرف المزيد من الزخم؛ إذ تفترض نظرية التهديد بين الجماعات (Intergroup Threat Theory) أن التحيز والكراهية إزاء الآخرين ينتج عن الشعور بوجود تهديدات من الجماعات الخارجية، وهي التهديدات التي تتشكل على المستويين الجماعي والفردي ليكون هناك ثمة تصورات بتهديد للقيم والتكوين الرمزي للجماعة، وكذلك سلامة وأمن الجماعة ورفاهيتها الاقتصادية، فضلاً عن استمرارية الصور النمطية السلبية تجاه الآخرين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تعقُّد الخلافات السياسية:</strong> لا تنفصل أحداث حرق المصحف الشريف المتكررة في السويد والدنمارك عن الخلافات السياسية القائمة بين بعض الدول الأوروبية وتركيا؛ فثمة خلافات تصاعدت في الشهور الماضية على خلفية ملف انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وتباطؤ تركيا في الموافقة على طلب انضمام الدولتين إلى الحلف، وربط الانضمام بمجموعة من الشروط. علاوةً على ذلك، فإن بعض الدول الغربية لا تزال مستاءة من مواقف دول إسلامية وعربية إزاء الحرب الأوكرانية؛ نتيجةً لتمسكها بموقف محايد، وتجنبها الانحياز إلى وجهة النظر الغربية تجاه الحرب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– الدعاية وجذب الانتباه عبر ممارسات الكراهية:</strong> يمكن لحوادث حرق القرآن، خاصةً عند مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي أو تغطيتها في الأخبار، أن تجذب الانتباه، وتوفر منصة للذين يسعون إلى نشر أيديولوجياتهم، كما أنه عندما تحظى حادثة ما باهتمام وسائل الإعلام، قد تُلهِم الآخرين لتكرار الفعل؛ ما يؤدي إلى تكرار حوادث حرق القرآن، وهو ما ظهر في بث أنصار المجموعة اليمينية بإلقاء العلم العراقي والمصحف على الأرض والسير عليهما بالأقدام، على الهواء مباشرةً عبر حساب المجموعة على منصة فيسبوك. وذكرت وكالة الأناضول أن المجموعة ذاتها اعتدت سابقاً على المصحف والعلم التركي أمام السفارة التركية لدى كوبنهاجن.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– الصدام حول حدود حرية التعبير:</strong> تعكس الأحداث العدائية المتكررة تجاه رموز الإسلام حالة من الصدام حول مفهوم حرية التعبير وحدودها. وفي هذا السياق، تدفع العناصر المتطرفة بأن حرقها المصحف بمنزلة تأكيد لقيمة حرية الرأي والتعبير؛ ففي وقت سابق، دعا "راسموس بالودان" السياسي الدنماركي السويدي، الذي اشتهر بتنظيم أحداث استفزازية مماثلة في الماضي، إلى ترحيل المسلمين من المجتمع الغربي. وقد أعلن "بالودان" أن الغرض من حرق القرآن هو الاحتجاج على عجز الحكومة السويدية عن دمج المهاجرين في المجتمع السويدي والدفاع عن حرية التعبير.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي بعض المجتمعات الغربية، يمكن أن تؤدي الاشتباكات بين القيم الثقافية والدينية المختلفة إلى تأجيج التوترات. قد يُنظَر إلى حرق القرآن على أنه تحدٍّ ضد التعدي المتصور على الثقافات الأجنبية أو الممارسات الدينية؛ لذلك يمكن أن يتجلى التحيز والخوف تجاه الإسلام والمسلمين، المعروف باسم "الإسلاموفوبيا"، في أعمال حرق القرآن باعتباره وسيلةْ للتعبير عن العداء والسيطرة على المجتمع المستهدف. وفي بعض المجتمعات الغربية، قد يتم تأطير حوادث حرق القرآن على أنها مسألة حرية التعبير؛ حيث تستخدم الجماعات المتطرفة هذه الحجة لتبرير أفعالهم، باعتبار ذلك شكلاً من أشكال الاحتجاج أو التعبير السياسي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– التعامل الغربي الهش مع التجاوزات:</strong> إن ضعف إنفاذ القانون، والاستجابة غير الكافية لحوادث التدنيس الديني، يمكن أن يخلق بيئة يُنظر فيها إلى مثل هذه الأعمال على أنها مقبولة أو تمر دون عقاب، وهو ما حدث في السويد والدنمارك؛ حيث قامت قوات الشرطة في كلتا البلدين برعاية الحادث تحت بند "حرية التعبير" و"حرية التظاهر"، وأنها مكفولة بالدستور، كما قالت الحكومة السويدية إنها غير قادرة على وقف التظاهرات المرتبطة بالقرآن؛ إذ يُترك قرار السماح بالاحتجاجات للشرطة التي لا يمكنها إيقاف حدث ما إلا إذا كان هناك سبب وجيه، مثل تهديد السلامة العامة، كما يمكن للمحاكم أن تنقض قراراتها. ومع ذلك أدانت الدولتان تلك الحوادث باعتبارها "معادية للإسلام"، لكنها أكدت حرية التظاهر في الوقت نفسه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تداعيات متعددة</span></strong></p>



<p>من المؤكد أن لتكرار حوادث حرق القرآن تداعيات بعيدة المدى وذات مغزى مؤثر على جوانب مختلفة من الأفراد والمجتمعات. وتتضمن بعض التداعيات المحتملة ما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تفاقم الأزمات الدبلوماسية بين الدول:</strong> إذ تسببت هذه الحوادث بالفعل في توتر بين السويد والدنمارك مع دول إسلامية عدة، وبأزمة دبلوماسية بين بغداد وستوكهولم على وجه الخصوص؛ حيث طرد العراق السفيرة السويدية وسحب القائم بأعماله من ستوكهولم، وكذلك أعلنت بغداد، في شهر يوليو الجاري، عن تعليق رخصة شركة "إريسكون" السويدية العملاقة للاتصالات على أراضيها، لكن الحكومة تراجعت فيما بعد، وقال مستشار رئيس الوزراء فرهاد علاء الدين لصحفيين إن "جميع الاتفاقات التعاقدية التي وقعتها الحكومة العراقية سيتم احترامها"، وإنه "لم يتم تعليق عمل أي شركة، ومن ضمنها إريسكون".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تنامي الاحتجاجات داخل العالم الإسلامي:</strong> إذ انتقدت الدول والمنظمات ذات الأغلبية المسلمة هاتين الدولتين بشدة؛ لعدم وقف تلك الممارسات، كما استدعت بعض الدول سفراء السويد والدنمارك للتعبير عن احتجاجها. علاوةً على ذلك، لوَّح مئات المتظاهرين بالأعلام الإيرانية وبنسخ من المصحف وهم يهتفون: "تسقط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل والسويد"، فيما أشعل بعضهم النار في العلم السويدي، وقاموا برمي البيض والطماطم على السفارة السويدية قبل أن يتفرقوا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كذلك أصدرت تركيا مذكرة توقيف بحق السياسي الدنماركي السويدي اليميني المتطرف "راسموس بالودان" بعد إشعاله النار علناً في نسخة من القرآن في ستوكهولم، بتهمة "إهانة القيم الدينية علناً"، كما صدرت أوامر بالقبض على تسعة أشخاص آخرين؛ لتورطهم في حرق القرآن خارج السفارة التركية في العاصمة السويدية. وفي لبنان، نظم المئات من أنصار حزب الله تجمعاً أمام عدة مساجد عقب صلاة الجمعة، يوم 21 يوليو الجاري، في بعض المناطق مثل الضاحية الجنوبية لبيروت ومدينتي بعلبك وصيدا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– </strong>&nbsp;<strong>تزايد</strong><strong> </strong><strong>الاستنفار الأمني في بعض الدول العربية: </strong>شهدت بعض الدول العربية والإسلامية توترات ناجمة عن حوادث حرق المصحف في الدنمارك والسويد؛ فعلى سبيل المثال، تم تشديد الإجراءات الأمنية في بغداد بشكل كبير، وأُغلقت الجسور المؤدية إلى المنطقة الخضراء الشديدة التحصين، التي تضم العديد من السفارات الأجنبية، بعد محاولات المتظاهرين الوصول إلى السفارة الدنماركية. وتزعم التقارير أن الموظفين الدنماركيين في السفارة ببغداد غادروا البلاد قبل يومين من الحادث، لكن هذا لم تؤكده وزارة الخارجية الدنماركية. وذكر متحدث باسم السفارة أن السفارة أغلقت بسبب العطلة الصيفية منذ 22 يوليو، ونفى أن تكون الدنمارك قد سحبت وجودها من العراق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– دعوة لإعادة النظر في حرية التعبير:</strong> دعت وزارة الخارجية العراقية منذ ذلك الحين دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في موقفها من حرية التعبير والحق في الاحتجاج؛ إذ قد تساهم حوادث حرق القرآن في زيادة جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين أو أماكن العبادة، فضلاً عن أشكال أخرى من السلوك المعادي للإسلام.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تغذية الخطاب المتطرف المضاد:</strong> ربما يدفع خطاب الكراهية اليميني تجاه الرموز الدينية الإسلامية نحو تغذية الخطاب المتطرف المضاد؛ ففي مثل هذا السياق قد تجد بعض الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة فرصة لتبرير وجودها وخطابها المعادي للغرب وروايتها عن "صراع الحضارات". وتستغل الجماعات الإرهابية التأثير العاطفي الكبير الذي تنتجه حوادث حرق القرآن على المجتمعات المسلمة في الدول الغربية؛ إذ قد ينشأ الخوف والغضب والشعور بالضعف بين المسلمين الذين يشعرون بأنهم مستهدفون أو يعاملون بشكل غير عادل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وإجمالاً لما سبق، فإن تكرار هذه الحوادث تمثل تذكيراً صارخاً بالتوازن الدقيق بين حرية التعبير واحترام المعتقدات الدينية، وإن احتماليات نشوب الصراع تزداد عند اختلال هذا التوازن؛ لذلك من الضروري إعطاء الأولوية للتسامح الديني، بجانب إنفاذ القانون في المجتمعات الأوروبية، وتأكيد أن مثل هذه الحوادث هي صميم "خطاب الكراهية"؛ حتى لا تزيد فجوة التمييز بين أفراد المجتمع الدولي الذي له علاقة طردية بزيادة معدلات جرائم الإرهاب.</strong></p>

      

التداعيات المحتملة لإهانة الرموز الإسلامية في الغرب