تشهد التفاعلات القائمة بين النيجر وبنين الواقعتين في إقليم غرب أفريقيا حالة من الانحسار والتراجع بشكل ملحوظ، انطلاقاً من تباعد المواقف السياسية بين الطرفين منذ وقوع الانقلاب العسكري في النيجر في 26 يوليو 2023، ولعل آخر مظاهر ذلك احتدام المواقف بين الطرفين على خلفية مسألة تصدير النيجر النفط عبر خط أنابيب يمر عبر أراضي بنين؛ حيث قامت الأخيرة بإعلان إلقاء القبض على خمسة مواطنين نيجريين بتهمة دخول ميناء "سيمي كبودجي" بأسلوب غير قانوني في 5 يونيو 2024، وذلك قبل أن يطلق سراحهم بعد ذلك ويتم ترحيلهم إلى النيجر يوم 21 يونيو 2024؛ إذ زعم المدعي العام لبنين استخدامهم وثائق مزورة للوصول إلى المنشأة، وفي المقابل وجهت النيجر اتهاماً إلى بنين باختطاف موظفين بشركة النفط التابعة لها قالت إنهم كانوا في الميناء لمتابعة تحميل شحنة نفط.

أبعاد محورية

ثمة جملة من الأبعاد المحورية المرتبطة بتصاعد وتيرة الخلافات بين النيجر وبنين خلال الآونة الأخيرة، وهي الأبعاد المتمثلة فيما يلي:

1– منع بنين تصدير النفط القادم من النيجر: أعلن رئيس بنين "باتريس تالون" عن اتخاذ قرار بمنع تصدير النفط من النيجر عبر موانئ بنين في 8 مايو 2024؛ حيث أكد أنه إذا كان لدى النيجر رغبة في تصدير النفط عبر موانئ بنين، يتعيَّن عليها مراعاة أن بنين ليست دولة معادية، وأن أراضيها لا يمكن أن تكون موضوعاً للاتجار غير المشروع أو التبادل غير الرسمي، وأضاف أنه إذا قررت السلطات النيجرية التعاون مع بنين رسمياً فسيتم استئناف تصدير النفط الوافد من النيجر مجدداً؛ علماً بأن النيجر تعتمد على خط أنابيب ضخم لنقل النفط الخام يصل طوله إلى نحو (2000) كم ممتد من حقل نفط "أغاديم" الواقع في منطقة "ديفا" جنوب شرق النيجر إلى ميناء "سيمي كبودجي" الواقع بالقرب من ميناء "كوتونو" في بنين؛ وذلك تمهيداً لتصديره إلى الخارج.

وقد وقَّع الطرفان على اتفاقية تأسيسه في عام 2019، وكان من المفترض الانتهاء من إنشائه في صورته النهائية بحلول عام 2022، ولكن تم تأجيل موعد إعلان وصوله إلى مرحلة التشغيل الكامل. وبموجب هذا المشروع سيصل إنتاج النفط الخام في النيجر إلى نحو (90) ألف برميل يومياً من النفط الخام سيتم تصديرها، ومن المقرر أن يرتفع الإنتاج بشكل كبير ليصل إلى نحو (110) آلاف برميل مع وصول المشروع إلى مرحلة التشغيل الكامل. ويجري تنفيذ هذا المشروع من خلال مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) بتمويل يصل إلى نحو (4.6) مليار دولار .

2– توقف حركة تصدير النفط بعد عودتها بشكل مؤقت: قامت الصين بدور الوساطة بين النيجر وبنين لتسوية الخلافات العالقة بين الطرفين من أجل استئناف وتيرة تصدير النفط؛ حيث أرسلت مسؤولين من وزارتي الخارجية والطاقة بجانب مديرين تنفيذيين في "مؤسسة النفط الوطنية الصينية" إلى بنين للمساعدة في رأب الصدع بين الجانبين في 15 مايو 2024. وقد أسفرت هذه الجهود عن إعلان وزير المناجم البنيني "سامو سيدو أدامبيسماح" عن السماح بمرور سفينة واحدة عبر موانئها قبل أن تعود الأمور إلى التوقف مجدداً بفعل تمسك النيجر بعدم بفتح حدودها البرية مع بنين لأسباب أمنية. وقد اعتبرت بنين الخطوة إجراءً مؤقتاً لإظهار حسن النية ريثما تعود العلاقات بين الطرفين إلى حالتها الطبيعية.

وهو ما دعا بنين إلى العودة مجدداً إلى قرار تعليق حركة تصدير النفط الوافد من النيجر. وقد عمَّق من حدة الخلاف القائم بين الطرفين إعلانُ المدعي العام في بنين أن السلطات الرسمية اعتقلت خمسة مواطنين من النيجر بزعم دخولهم محطة خط أنابيب "سيمي كبودجي" بأسلوب غير قانوني في 5 يونيو 2024، وهي الرواية التي نفاها وزير النفط النيجري "ماهامان مصطفى باركي"؛ حيث أكد أن المعتقلين كانوا مفتشين يشرفون على تحميل النفط الخام بما يتماشى مع الاتفاق القائم مع بنين.

3– إدانة النيجر موقف بنين بشأن اتفاقيات نقل النفط: أصدر المجلس العسكري الانتقالي في النيجر بياناً صحفياً في 8 يونيو 2024، أكد انتهاك بنين الاتفاقيات الخاصة بنقل واستغلال النفط بين البلدين؛ حيث أشار البيان إلى وجود ثلاث اتفاقيات تحكم العلاقة بين الطرفين في هذا الشأن: فأما الأولى فتتمثل في الاتفاقية الموقعة في 23 يناير 2019، المتعلقة ببناء وتشغيل نظام نقل المواد الهيدروكربونية عبر خطوط الأنابيب. وأما الثانية فتكمن في الاتفاقية الموقعة بين بنين وشركة خط أنابيب نفط غرب أفريقيا في 5 أغسطس 2019. وأما الثالثة فتتمثل في الاتفاقية الموقعة بين النيجر وشركة خط أنابيب نفط غرب أفريقيا في 15 سبتمبر من العام ذاته. وتنص هذه الاتفاقيات صراحةً على عدم عرقلة نظام نقل المواد الهيدروكربونية تحت أي ظرف من الظروف، كما أكد البيان عدم وجود أي تأثير قانوني للخلافات العالقة بين الطرفين على عملية ونظام نقل النفط، وكذلك وُجِّه اتهام إلى بنين بعدم مراعاة ضرورات الأمن الوطني للنيجر.

4– تمسك النيجر بعدم فتح حدودها البرية مع بنين: تمسَّكت النيجر بقرارها بعدم فتح الحدود مع بنين منذ إغلاقها في نوفمبر 2023؛ وذلك على الرغم من صدور قرار في قمة رؤساء الدول والحكومات لتجمُّع "إيكواس" المنعقدة في نيجيريا أواخر فبراير 2024 برفع جزء كبير من العقوبات المؤثرة بأثر فوري المفروضة على النيجر عقب الانقلاب العسكري في 26 يوليو 2023، وقد شمل ذلك فتح الحدود البرية والمجال الجوي للنيجر، والسماح باستئناف التعاملات المالية بين دول "إيكواس" والنيجر، وتعليق القرار الخاص بتجميد أصولها لأسباب إنسانية، مع تأكيد المطالبة بالإفراج الفوري عن رئيس النيجر الأسبق "محمد بازوم" الذي يعتقله النظام العسكري الانتقالي، بيد أن قمة التجمُّع أكدت بقاء بعض العقوبات الفردية والسياسية قائمةً دون تغيير.

وفي هذا الصدد، أعلنت النيجر عبر رئيس وزرائها "علي الأمين زين"، في مطلع مايو 2024، أن قرارها بالإبقاء على الحدود مغلقةً مع بنين يعود إلى أسباب أمنية في المقام الأول. ويرتبط ذلك في الأساس بتأكيدها وجود أدلة لديها على وجود خمس قواعد عسكرية فرنسية في بنين، وهي القواعد التي تؤوي عناصر إرهابية تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار النيجر بشكل مباشر. وعلى الجانب الآخر، نفى المتحدث الرسمي باسم حكومة بنين "ويلفريد هونجبيدجي" وجود عمليات عسكرية فرنسية في بلاده. والجدير بالذكر أن ثمة العديد من الاتفاقيات الثنائية في مجالات عدة بين بنين وفرنسا، وهي الاتفاقيات التي تعود إلى عام 1975 وفقاً لموقع وزارة الخارجية الفرنسية، كما أن هناك نحو (40) شركة فرنسية في بنين توفر قرابة (8) آلاف فرصة عمل مباشرة.

5– إدانة بنين الانقلاب العسكري في النيجر: وهو الأمر الذي يشكل المحور الرئيسي لتفسير التوترات الحالية بين الطرفين؛ حيث أعلنت بنين منذ الوهلة الأولى رفضها وشجبها الانقلاب العسكري الواقع في النيجر بقيادة "عبد الرحمن تياني" في 26 يوليو 2023؛ إذ طالب رئيس بنين باستعادة النظام الدستوري في النيجر بإعادة الرئيس الأسبق "محمد بازوم" إلى السلطة السياسية في الدولة، وقد أعلنت بنين دعمها تفعيل الخيار العسكري المحتمل (آنذاك) تحت مظلة تجمع "إيكواس" لتحقيق هذا الغرض. وقد أثار تفعيل هذا الخيار حالة من الانقسام الحاد في المواقف بين الدول الأعضاء في التجمع؛ حيث رفضته بعض الدول بشدة، وعلى رأسها (مالي، وبوركينافاسو، وجمهورية غينيا)؛ علماً بأن هذا الخيار كان مدعوماً على المستوى الدولي في الأساس من قبل القوة الاستعمارية السابقة في النيجر "فرنسا".

تداعيات محتملة

ثمَّة جملة من التداعيات المحتملة المصاحِبة لتفاقم الأزمة القائمة بين النيجر وبنين خلال الآونة الأخيرة، وهي التداعيات المتمثلة فيما يلي:

1– تفاقم الأعباء الاقتصادية على النيجر: يعزز من ذلك اعتمادُ النيجر، في كافة وارداتها من المواد الغذائية والسيارات والسلع الاستهلاكية، على ميناء "كوتونو" في بنين اعتماداً أساسياً؛ وذلك في مرحلة ما قبل وقوع الانقلاب العسكري في 26 يوليو 2023؛ إذ تبلغ نسبة اعتمادها عليه في التجارة الخارجية نحو (69%). ومن ثم فإن توقف التنسيق المشترك بين الطرفين في هذا الشأن من المحتمل أن يُعرِّض خطة النيجر لبدء تصدير النفط للخطر؛ حيث توظف النيجر نحو (20) ألف برميل يومياً من إنتاجها النفطي لأغراض الاستهلاك المحلي بسبب انعدام وجود طريق للتصدير.

وهو ما قد يفرض تزايد العبء الاقتصادي على الميزانية العامة للدولة؛ نظراً إلى استخدامها شحنات النفط الخام التي يتم تصديرها إلى الخارج عبر بنين لسداد قرض مقدم من "مؤسسة النفط الوطنية الصينية" بقيمة تصل إلى نحو (400) مليون دولار، ومن المفترَض أن ترسل النيجر النفط إلى الصين على مدى (12) شهراً كدفعة سداد بسعر فائدة تصل إلى نحو (7%) وفقاً لاتفاقية القرض.

ويعزز من التأثير السلبي لذلك اعتمادُ النيجر على القطاع النفطي باعتباره إحدى أدوات دعم الإيراد الخارجي للدولة؛ حيث دخلت نادي الدول المنتجة للنفط في عام 2011. وقد يؤثر مجمل ما سبق على تطلعات النيجر للانتقال من مصاف الدول الأكثر فقراً إلى قائمة الدول الأسرع نمواً في القارة الأفريقية، وهو ما تسعى إليه النيجر في ضوء توقع صندوق النقد الدولي حدوث نمو اقتصادي بنحو (11%) خلال عام 2024.

2– بحث النيجر عن بدائل إقليمية لتصدير النفط: من المتوقع أن يؤدي استمرار الأزمة مع بنين إلى اتجاه النيجر نحو تعزيز صلاتها التجارية مع بعض الدول الإقليمية البديلة لتعويض وقف تصدير النفط عبر بنين، ويأتي على رأسها توجو؛ حيث تعتمد النيجر على ميناء "لومي" بنحو (13%) من حركة استيرادها الخارجي. ويدعم من هذا التوجه قيامُ الدولتين بالتوقيع على مذكرة تعاون معنية بوضع آلية مؤسسية للتعاون في مجالات التجارة والنقل والعبور وتسهيل نقل البضائع في مطلع يونيو 2024، وهي المذكرة التي تضمَّنت تسهيل نقل البضائع "عبر ممر لومي – واجادوجو – نيامي"، أو أي ممر آخر يتم تحديده بشكل توافقي بين الطرفين. وكذلك من المُرجَّح أن تلجاً النيجر إلى تعزيز صلاتها التجارية مع كلٍّ من غانا وكوت ديفوار، وهما الدولتان اللتان تعتمد عليهما في حركة الاستيراد الخارجي بنحو (8%) و(7%) على الترتيب.

3– خلق تحديات اقتصادية متنامية لبنين: يرتبط ذلك بتأثر إيرادات الدولة بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة من جراء استمرار الأزمة القائمة مع النيجر على الحدود؛ ما أدى إلى زيادة تكاليف الغذاء للسكان ووقوع احتجاجات شعبية اعتراضاً على ارتفاع تكاليف مستوى المعيشة؛ إذ إن بنين تخسر نحو (7) ملايين دولار يومياً كانت تحصل عليها نظير رسوم عبور النفط القادم من النيجر. ويزيد من صعوبة الإشكاليات الاقتصادية المواجهة لبنين تصنيفُها من بين قائمة الدول الأكثر فقراً في إطار إقليم غرب أفريقيا؛ حيث بلغ معدل الفقر الوطني نحو (36.2%) وفقاً لبيانات البنك الدولي الصادرة في عام 2022، كما تحتل ترتيباً متأخراً وفقاً لمؤشر التنمية البشرية (HDI)؛ حيث جاءت في الترتيب الـ(173) من أصل (193) دولة شملها المؤشر الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في عام 2022.

4– انحسار التنسيق الأمني المشترك: يدعم ذلك قرارُ المجلس العسكري في النيجر في سبتمبر 2023 بإنهاء اتفاقية عسكرية أُبرِمت مع بنين في 11 يوليو 2022؛ وذلك على خلفية اتهام الأخيرة بالسماح بنشر قوات على أراضيها استعداداً لتدخل عسكري محتمل ضد النيجر من تجمع "إيكواس"؛ حيث أكد المجلس العسكري الانتقالي في النيجر أن بنين سمحت بنشر جنود ومرتزقة ومواد حربية؛ وذلك في ضوء التدخل العسكري المزمع (آنذاك) بقيادة فرنسا بالتنسيق مع تجمع "إيكواس"؛ علماً بأن هذه الاتفاقية تتعلق باتفاقية تبادل جيشَي البلدين المعلومات الاستخبارية والمساعدة الجوية لمراقبة تحركات الإرهابيين، وتنفيذ عمليات مشتركة. وقد ينتج عن تراجع التنسيق الأمني عبر الحدود بين الدولتين تنامي مختلف أشكال الجرائم المنظمة من قبيل تهريب الأسلحة والمواد المخدرة والاتجار في البشر، وكذلك تزايد العمليات والأنشطة الإرهابية انطلاقاً من كون النيجر من الدول المتأثرة بالأنشطة الإرهابية لجماعة بوكو حرام.

وختاماً، يمكن القول إن الأزمة الحالية القائمة بين النيجر وبنين ستُلقي بظلالها غير المواتية على آفاق ومجالات التعاون المشترك المستقبلية على كافة المستويات، وهو ما سيكون لها تداعيات مباشرة على حجم وكثافة التنسيق البيني على مختف الأصعدة، ولا سيما الاقتصادية والأمنية، كما أن هذه الأزمة ستُفاقِم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة لكلتا الدولتين، ولا سيما النيجر التي تمر بمرحلة سياسية انتقالية شديدة التعقيد. وتطرح الرؤية المستقبلية استمرار هذه الأزمة القائمة بين الجانبَين على الأقل في المدى الزمني المنظور، انطلاقاً من عدم وجود أي معطيات أو مؤشرات دالة على انفراجها، وخاصةً في ظل تمسك النيجر بموقفها المتعلق بعدم فتح حدودها مع بنين لاعتبارات أمنية متصلة بصلات الأخيرة مع فرنسا ذات التوجهات المعادية للنظام العسكري الانتقالي في النيجر.

ما أبعاد التوترات المتصاعدة بين بنين والنيجر ؟