أعلنت الحكومة الهندية خلال شهر مارس 2024، بداية تطبيق قانون جديد تم إقراره في عام 2019 ليكون تعديلاً لقانون الجنسية الصادر في عام 1955، لمنح الجنسية الوطنية للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من ثلاث دول مجاورة، وهي باكستان وبنجلاديش وأفغانستان. ويسعى هذا القانون – وفقاً لتصريحات حكومة "مودي" – إلى توفير ملاذ أمن للفارين من الاضطهاد الديني في هذه البلدان، بينما يقول منتقدوه بأنه قانون مناهض للإسلام والمسلمين. وجاء الإعلان عن تطبيق القانون بعد أن تم تعليق العمل به، بعد إقراره في 2019، نتيجة اندلاع احتجاجات واسعة في أوساط المسلمين الذين رأوا في القانون الجديد محاولة جديدة من الحكومة الهندية لتهميشهم. وقد نتج عن هذه الاحتجاجات مقتل الآلاف واعتقل عدد كبير.

التعديل الإشكالي

تم تمرير تعديل خاص بقانون المواطنة في البرلمان الهندي خلال ديسمبر 2019. ويسمح هذا التعديل بإضافة بعض الاستثناءات على القانون الذي أقر منذ نحو 64 عاماً، والذي يحظر حصول المهاجرين غير الشرعيين على الجنسية الهندية. وبوجه عام يثير الإعلان عن بدء تطبيق القانون عدداً من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- استباق الحكومة الانتخابات العامة: أعلنت وزارة الداخلية الهندية يوم 11 مارس 2024 بدء استقبالها طلبات التقديم للحصول على الجنسية الهندية من قبل المهاجرين غير الشرعيين عبر الموقع الإلكتروني للوزارة للنظر فيها، إلا أنها لم تحدد الموعد النهائي للبت في هذه الطلبات. ويأتي هذا القرار قبل أشهر قليلة من انعقاد الانتخابات العامة في البلاد، التي يسعى حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الهندي الحالي "مودي"، خلالها إلى الفوز بولاية ثالثة.

2- استبعاد المهاجرين المسلمين من تطبيق القانون: ويتم تعريف المهاجريين غير الشرعيين بأنهم الأجانب الذين يدخلون الهند بدون جواز سفر أو وثائق سفر صالحة، ويقيمون في البلاد بصورة غير شرعية. ويسمح قانون البلاد الداخلي الحالي بترحيلهم أو حتى سجنهم. ومع دخول القانون الجديد حيز النفاذ، سيستثنى المهاجرون غير الشرعيين المنتمون إلى ستة أديان من تطبيق قواعد الترحيل، مع منحهم الحق في التقدم للحصول على الجنسية الهندية. وتتمثل هذه الجماعات الستة في الهندوس، والسيخ، والبوذيين، والجاينية، والبارسية، والمسيحية، مع توقف منحهم الجنسية على تمكنهم من إثبات عودة أصولهم إلى كل من باكستان أو أفغانستان أو بنجلاديش.

يضاف إلى شرط إثبات الجنسية الحالية، عيش وعمل الأفراد المتقدمين للحصول على الجنسية الهندي لمدة ست سنوات في الداخل، ليصبحوا في أعقاب ذلك مؤهلين بصورة رسمية للحصول على الجنسية الهندية. ويتمثل وجه الخلاف الأساسي حول هذا القانون، في كونه يرفض منح المهاجرين غير الشرعيين المسلمين الحق الذي يمنحه في الوقت الحالي للأقليات الدينية المضطهدة؛ وذلك على الرغم من نزوح الكثير من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من الدول الثلاثة السالفة الذكر، الذين ينتمون إلى الدين الإسلامي، إلى الهند، خلال فترات زمنية مختلفة؛ نتيجة لمرور بلدانهم بحالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي.

3- تأكيد الحكومة أن القانون يستهدف مساعدة الأقليات المضطهدة: يقوم قانون تعديل المواطنة بتسريع طلبات الحصول على الجنسية الهندية بالنسبة إلى الهندوس والبارسيين والسيخ والبوذيين والجاينيين والمسيحيين الذين فروا إلى الهند ذات الأغلبية الهندوسية من أفغانستان وبنجلاديش وباكستان. ويستثني القانون المسلمين الذين هم أغلبية في هذه البلدان. ويعد هذا القانون تعديلاً لقانون الجنسية الذي تم إصداره في عام 1955، والذي يمنع المهاجرين غير الشرعيين من التقدم بطلب حصول الجنسية الهندية، ويعتبره بعض المعارضين قانوناً تمييزياً ويناقض دستور البلاد، وهو الأمر الذي تنفيه الحكومة. ويعد السجل الوطني للمواطنين جزءاً من جهود الحكومة الحالية لتحديد الأشخاص الذين قدموا إلى البلاد بشكل غير قانوني، وتحديد آليات للتعامل معهم؛ إما عن طريق توثيق أوضاعهم، أو مطالبتهم بالخروج من البلاد، والعودة إلى أوطانهم. وقد دافعت الحكومة عن قانون الجنسية، باعتباره خطوة إنسانية، تمنح الجنسية والحماية للأقليات الدينية التي تتعرض للاضطهاد في دول الجوار ذات الأغلبية المسلمة، مع نفي استخدامه أداةً لمعاقبة جماعة دينية أخرى في البلاد.

4- جدل حول اتساق القانون مع مبادئ الدستور الهندي: يرفض البعض القانون الجديد، ويتهمونه بالعنصرية، وانتهاك المبادئ العلمانية المنصوص عليها في الدستور؛ حيث ينص الدستور الهندي على أن العقيدة لا يجب أن تكون شرطاً للمواطنة. ويحظر الدستور التمييز الديني ضد المواطنين، ويضمن لجميع الأشخاص المساواة أمام القانون والتمتع بالحماية بصورة متكافئة وشاملة. ويشير منتقدو هذا القانون أيضاً إلى أن تقسيم المهاجرين غير الشرعيين عن طريق هذا القانون إلى مسلمين وغير مسلمين، يكرس بشكل صارخ التمييز الديني في القانون والدستور الهنديين، وهو الشيء الذي يتعارض مع أخلاقيات الدستور الهندي العلماني. ويصرح المنتقدون أيضاً بأنه إذا كان هدف القانون هو توفير الحماية للأقليات، فإنه بناء على ذلك ينبغي أن يشمل الأقليات الدينية المسلمة التي تواجه الاضطهاد الديني في الدول المجاورة؛ وذلك على غرار الأحمديين في باكستان، والروهينجا في ميانمار.

5- تطبيق القانون عبر ثلاث مراحل: من المقرر أن يدخل هذا القانون حيز النفاذ عبر ثلاث مراحل؛ حيث تتمثل المرحلة الأولى، في السماح للمهاجرين غير الشرعيين من غير المسلمين الذين دخلوا الهند حتى نهاية عام 2014، بتقديم أوراق تسهل حصولهم على الجنسية الهندية، بينما تتمثل المرحلة الثانية في إجراء مسح في كل بيت للمطالبة بما يثبت الجنسية؛ وذلك على غرار شهادة ميلاد رسمية أو شهادة التخرج. أما المرحلة الثالثة فسيُنشر من خلالها السجل القومي للسكان، الذي يحتوي على أسماء المواطنين الهنود، ومن لم يتم تضمين اسمه في السجل الوطني، فسيتم اعتباره مقيماً بصورة غير شرعية أو متسللاً، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى القبض عليه وإيداعه في معسكرات الاعتقال، تمهيداً لترحيله إلى دول الجوار.

تداعيات محتملة

وصفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، القانون الجديد بأنه تمييزي بشكل أساسي، كما عبرت العديد من جمعيات ونشطاء حقوق الإنسان – وعلى رأسها "هيومن رايتس ووتش" – عن رفضها هذا القانون؛ للتداعيات الخطيرة التي قد تترتب عليه، خاصة ضد المجتمع المسلم في الهند. ويشكل مسلمو الهند البالغ عددهم 200 مليون مواطن، أقلية كبيرة نسبياً بالنسبة إلى السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. ويعيش المسلمون في كافة أنحاء البلاد تقريباً، وقد تم استهدافهم في سلسلة من الهجمات منذ وصول "مودي" إلى السلطة في عام 2014. وإذا مضت الحكومة قدماً في خطتها، فسيتم تصنيف المسلمين كمهاجرين غير شرعيين، وسيتم تعريضهم للطرد من البلاد والحبس. ويمكن حصر أبرز تداعيات هذا القانون الجديد في النحو التالي:

1- المساهمة في تغيير التركيبة السكانية لولايات الشمال الهندي: وينتقد المدافعون عن حقوق الإنسان تعديلات قانون الجنسية الجديد، باعتباره جزءاً من خطة القوميين الهندوس التابعين لرئيس الوزراء "مودي"، التي تهدف إلى تهميش الأقلية المسلمة في الهند. بالإضافة إلى ذلك، يخشى سكان شمال شرق البلاد – وهي المنطقة التي تشهد عدداً من الاشتباكات الطائفية المتكررة – أن يؤدي ذلك إلى تسهيل وصول المهاجرين الهندوس من حدود بنجلاديش؛ ما يعني أنهم سوف يسيطرون على المنطقة والوظائف بدلاً من سكانها المسلمين الأصليين.

2- استبعاد الكثير من المسلمين الهنود من السجل الرسمي الوطني: ينظر إلى هذا القانون باعتباره خطوة أولى في طريق إنشاء سجل وطني شامل للمواطنين الهنود، وهو الأمر الذي يخشاه المسلمون في البلاد، خاصة أنه من المحتمل أن يساهم في حرمانهم من الجنسية الهندية؛ وذلك بفعل عدم قدرتهم على توفير وثائق ومستندات تساعدهم على إثبات تمتعهم بالجنسية الهندية؛ حيث لا يملك العديد من الهنود الفقراء وثائق تثبت جنسيتهم، وقد عاشوا في كنف الهند قبيل الاستقلال وحروب التقسيم، إلا أنهم لم يتمكنوا من توثيق أوضاعهم بصورة رسمية؛ لبعض العراقيل اللوجستية، ولتفشي الفقر والجهل في بعض هذه المجتمعات، وهو الأمر الذي قد يحُول مستقبلاً أيضاً دون اعتراف الحكومة بجنسيتهم الهندية.

ويرتبط سجل المواطنين بهذا القانون ارتباطاً وثيقاً؛ حيث إنه سيساعد في حماية غير المسلمين المستبعدين من السجل، ممن يواجهون خطر الترحيل أو الاعتقال. وهذا يعني أن عشرات الآلاف من المهاجرين الهندوس البنغال الذين لم يتم إدراجهم في السجل، لا يزال بإمكانهم الحصول على الجنسية للبقاء في البلاد.

3- دخول الحكومة في صدامات موسعة مع المعارضين: رُفعت أكثر من 200 دعوى قضائية أمام المحكمة الهندية العليا ضد هذا القانون، ترفض الأسس الدستورية والقانونية التي قام عليها هذا القانون. وعلى الرغم من ذلك، فإن المحكمة لم تبدأ حتى النظر في شرعيته. وقد دعا الحزب الشيوعي الهندي المعارض – وهو الحزب الحاكم بولاية كيرلا الجنوبية – إلى خروج المواطنين في احتجاجات واسعة على مستوى الولاية ككل؛ لإظهار معارضتهم لهذا التعديل؛ وذلك في أعقاب اندلاع احتجاجات متفرقة خلال الأسبوع الثاني من مارس، عقب إعلان وزارة الخارجية الهندية بدء العمل به مباشرة، ولكن لم ترد أنباء عن وقوع أضرار أو أي أعمال عنف نتيجة لهذه الاحتجاجات. وقد صرح رئيس وزراء ولاية كيرلا "بيناراي فيجايان" في بيان، بأن هذا القانون سيؤدي إلى المزيد من الانقسامات، ويعتقد أنه لا يتماشى نهائياً مع دستور البلاد.

4- تأثير القانون على مشهد الانتخابات القادمة: يمكن القول إن إقرار تعديلات قانون الجنسية في هذا التوقيت، يرتبط بشكل أساسي بالانتخابات التشريعية القادمة في الهند؛ فعلى الرغم من نفي حزب "بهاراتيا جاناتا" أن يكون القانون تمييزياً تجاه المسلمين، الذين يمثلون نحو 15% من عدد سكان الهند، واتهامه أحزاب المعارضة بمحاولة خلق حالة من القلق في أوساط المجتمع الهندي، فإن بنود القانون تخدم أهداف الأجندة السياسية العامة لحزب "بهاراتيا جاناتا" الذي يرى أن الهند يجب أن تكون للهنود الأصليين في إشارة – على حد ادعائهم – إلى الهندوس والأقليات الدينية الأخرى، التي استوطنت الهند قبل المسلمين.

وأفاد المتحدث الرسمي باسم الحزب الحاكم بأن قرار إقرار القانون جاء نتيجة الرغبة في التعامل مع قضايا اللاجئين بطريقة إنسانية، وتوفير حياة كريمة لهم. وقالت وزارة الداخلية في تغريدة عبر تطبيق منصة "إكس" إن العديد من المفاهيم الخاطئة انتشرت حول القانون، وإنه لن يتم سحب الجنسية من أي مواطن هندي، بغض النظر عن ديانته. وأضاف البيان أن القانون يهدف إلى تخفيف معاناة العديد من الأشخاص الذين يواجهون منذ فترة طويلة معاملة غير عادلة في الهند. وأضاف البيان أن العديد من المفاهيم الخاطئة قد انتشرت بين الجمهور حول القانون الذي يختص بأولئك الذين عانوا من الاضطهاد لسنوات وليس لديهم أي مأوى آخر في العالم سوى الهند. وبعد سخرية العديد من المتفاعلين عبر منصة "إكس" من هذا البيان، ووصف البعض الآخر له بالبيان المتخاذل الذي يخضع أمام ادعاءات المتشددين من المسلمين، قامت وزارة الداخلية بحذفه بسرعة من موقع الوزارة.

5- تزايد الانتقادات الدولية للقانون الهندي: علقت مفوضية اللاجئين، على لسان المتحدث باسمها، على قانون الجنسية الهندي الجديد، بتأكيد رفضها للقانون جملة وتفصيلاً؛ لمساهمته في إثارة النعرات الطائفية، وتهديده وجود الأقلية المسلمة في الهند، كما أشار المتحدث إلى أن المفوضية بصدد دراسة مدى توافق هذا القانون مع القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ للوقوف على إذا ما كانت الهند – باعتبارها عضواً في المجتمع الدولي يجب عليه الالتزام بمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان – قد انتهكت القانون من عدمه من خلال هذه التعديلات الجديدة.

كما عبرت الولايات المتحدة عن قلقها من إقرار الهند لهذا القانون، مع إشارة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن واشنطن تقوم في الوقت الحالي بمتابعة كيفية تطبيق القانون، وتشديدها على ضرورة احترام حق الجميع في التمتع بالحرية الدينية في الهند.

وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش بياناً قالت فيه: "ينبغي للهند أن تثبت التزامها الحقيقي بمساعدة أولئك الذين تتعرض حياتهم أو حريتهم للخطر؛ وذلك من خلال حماية جميع طالبي اللجوء، وينبغي لها التصديق على اتفاقية اللاجئين، ووضع قانون للاجئين وإجراءات لجوء غير تمييزية، وتمهيد الطريق للحصول على الجنسية لجميع اللاجئين المعترف بهم بغض النظر عن دينهم".

6- تصاعد الدعاية المضادة لسياسات الحكومة الهندية: يمنح القانون فرصة للمزيد من الدعاية المضادة لسياسات الحكومة الهندية التي بدت خلال السنوات الماضية أكثر انحيازاً لتكريس الطابع الهندوسي للدولة، في مقابل الضغط على المسلمين الهنود ورموزهم الدينية. وفي هذا الإطار، يرجح الخبراء إثارة هذا القانون حفيظة دول الجوار الإسلامي، التي ترى أن الهند تتبنى سياسات داخلية معادية للإسلام والمسلمين.

خلاصة القول: يتوقع أن تدخل الهند موجة جديدة من العنف الطائفي، خاصة مع اقتراب انعقاد الانتخابات التشريعية، وحاجة الحزب الحاكم إلى حشد مناصريه، واقتناص الأغلبية في مواجهة أحزاب المعارضة، التي ترغب في إنهاء الأغلبية التي تمتع بها حزب "بهاراتيا جاناتا" على مدار العقد الماضي.

لماذا يثير قانون الجنسية الهندي معارضة واسعة؟