إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

عقد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" حلقة نقاشية عن مستقبل الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر، في ظل الضربات التي تشنها واشنطن وبريطانيا ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، وكيف ستتطور تحركات واشنطن عقب الانتخابات الرئاسية في 2024. وقد استضافت الحلقة "ديفيد دي روش" الأستاذ المشارك في مركز الشرق الأدنى للدراسات الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، كما شغل عدة مناصب سابقاً بالوزارة بصفته مدير عمليات الناتو ونائب مدير عمليات حفظ السلام.تحولات نوعيةأكد المتحدث الرئيسي أن قدرات الحوثيين اختلفت عن الأعوام السابقة، وهو ما يشكل تهديدات جديدة وملحة تتطلب استراتيجيات متوافقة. ويمكن تلخيص تلك التهديدات في التالي:1- قدرة ميليشيا الحوثي على تصنيع الأسلحة محلياً: بحسب المتحدث الرئيسي، أصبح الحوثيون يُصنِّعون الآن بعض مكونات الأسلحة والتقنيات المرتبطة بها بدلاً من الحصول على التسليح كاملاً من إيران، وهو ما يشكل تطوراً نوعياً في قدراتهم على إخفاء تلك المكونات داخل الأجهزة الإلكترونية، مثل التلفاز وأجهزة الحاسوب وغيرها؛ فمن الصعب على المراقب العادي تمييز أي من الدوائر الكهربائية في هذا الجهاز قد يتم استخدامه في تصنيع السلاح.2- تزويد الصواريخ الحوثية بأجهزة استشعار بصرية: أصبحت الأسلحة الحوثية، وفق المتحدث الرئيسي، من صواريخ وطائرات مسيرة، مزودة بأجهزة استشعار بصرية تمنحها قدرة على المناورة والتخفي عن الأنظمة الدفاعية؛ وذلك من خلال مرونتها في تغيير المسار وفقاً لما تواجهه من عقبات، كما أنها تعزز دقة إصابة الصواريخ للأهداف بشكل كبير.3- توظيف التقنيات المتاحة تجارياً والمعلومات المفتوحة المصدر : أكد المتحدث الرئيسي أن الهجمات الحوثية ستستمر لأنهم يعتمدون في تصنيع الطائرات المسيرة على تقنيات وأدوات متاحة تجارياً، ولأنه من السهل للغاية تصنيع هيكل الطائرة بمواد مثل ألواح ركوب الأمواج، كما أن معلومات تحركات السفن متاحة على الإنترنت، ويستطيع أي شخص الحصول عليها من أجل منع حوادث التصادم بين السفن.4- تصدير الميليشيا نفسها كفاعل دولي مستقل: أشار المتحدث الرئيسي إلى أن هجمات الحوثيين غير مرتبطة بالحرب على غزة، وأن الجماعة تحاول استغلال الأحداث هناك ذريعةً لتبرير هجماتها، والحصول على مكاسب سياسية من ورائها، لكن تحاول ميليشيا الحوثي في الأساس استعراض قوتها العسكرية وفرض نفوذها في المنطقة وخلق تصور بأنها دولة مثل سائر الدول وليست مجرد فاعل. ويتضح ذلك في تسمية قاداتهم؛ فوزير الدفاع على سبيل المثال يسمونه "وزير الدفاع اليمني" وليس "وزير دفاع جماعة أنصار الله".5- توسيع مناطق استهداف ميليشيا الحوثي: أوضح المتحدث الرئيسي أنه منذ بدء الضربات الأنجلو أمريكية في البحر الأحمر، بدأت ميليشيا الحوثي تستهدف سفناً في أماكن أخرى مثل خليج عدن بدلاً من جنوب البحر الأحمر. وأرجع المتحدث الرئيسي السبب وراء ذلك إلى رغبة الحوثيين في تفادي وقوع خسائر بشرية من الجانب الأمريكي؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب.ووفق المتحدث الرئيسي، تضررت المصالح الصينية كثيراً من التصعيد في البحر الأحمر؛ لأن معظم شحناتها تمر من هناك إلى أوروبا. ويأتي ذلك وسط تباطؤ في التصنيع المحلي في الصين، كما تأثرت الأسواق الأوروبية؛ لأن أغلب هذه الصادرات الصينية كانت تصل إلى أوروبا من خلال الممر الملاحي نفسه.إشكاليات أمريكيةأكد المتحدث الرئيسي وجود إشكاليات متعددة فيما يتعلق بالتعامل الأمريكي مع الأزمة وتأثيرات الضربات على الأمن في البحر الأحمر، بالإضافة إلى تأثيراتها على الداخل الأمريكي والتصويت في الانتخابات القادمة. ويمكن تلخيص هذه الإشكاليات فيما يلي: 1- قصور في تحديد مناطق استهداف الميليشيا: أكد المتحدث الرئيسي أن الحوثيين يمثلون أقلية من المجتمع اليمني، لكن أغلبهم متمركزون في مدينة صعدة، ومن ثم فإن الهجمات يجب أن تركز على مدينة صعدة؛ حيث يوجد أغلب المنتمين إليهم، لكن الهجمات تركز على مدن أخرى مثل تعز والحديدة، ومن ثم لن تردع الهجمات الأنجلو-أمريكية الحوثيين بالكفاءة المطلوبة، كما أن الضربات لم تستهدف القيادات السياسية للحوثيين، بل استهدفت أسلحتهم فقط.2- ضغط تكثيف العمليات على الميزانية الأمريكية: أكد المتحدث الرئيسي أن وجود حاملتيّ طائرات أمريكيتين في البحر الأحمر في توقيت واحد هو أمر نادر الحدوث، ويضغط على الاقتصاد الأمريكي، متابعاً أن الولايات المتحدة لديها 11 حاملة طائرات فقط، العديد منها خارج الخدمة أو غير ملائم، كما أن واشنطن لديها التزامات أمنية في مناطق أخرى من العالم.3- صعوبة استمرار الهجمات الأمريكية لوقتٍ طويل: أكد المتحدث الرئيسي أنه سيكون من الصعب على واشنطن الحفاظ على سياسة دفاعية لوقت طويل؛ لأن أي خطأ، سواء كان مقصوداً أم لا، سيترتب عليه شن هجمات، وتصعيد الصراع، ولا يريد أي من الأطراف ذلك، لا سيما الدول المطلة على البحر الأحمر التي لا تزال مترددة في الانضمام إلى هذا الصراع.4- عدم رؤية بعض الأمريكيين المنطقة كأولوية استراتيجية: أشار المتحدث الرئيسي إلى أن هجمات الحوثيين تهدد في الأساس المصالح الصينية والأوروبية، وبدرجة أقل تهدد مصالح دول الشرق الأوسط؛ لذا لا يعتبر الأمريكيون أن هذه المنطقة ذات أولوية استراتيجية لهم، لكن ربما تحاول واشنطن إطالة أمد الاضطرابات كجزء من سياستها لإجبار الصين على التحدث مع طهران وطلب وقف دعمها للحوثيين؛ لما لهجماتهم من أضرار على مصالحها الاقتصادية.5- انخفاض شعبية بايدن مع تفاقم الانقسامات الحزبية: بحسب المتحدث الرئيسي، تراجع الرضا العام عن أداء بايدن في الرأي العام الأمريكي، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت هناك في أواخر 2023، وانخفض عدد المؤيدين له داخل الحزب الديمقراطي من 100% إلى 25% تقريباً. ويسري ذلك على جميع الفئات العمرية داخل الحزب. وفيما يخص التعامل مع الحرب في غزة، أظهرت الاستطلاعات نسبة أكبر من عدم الرضا عن أداء الرئيس بايدن بين الفئات العمرية بين 18 و45 عاماً، مقارنة بالفئة العمرية الأكبر التي تبدأ من 45 عاماً حتى 65 ومن فوقها.6- تراجع السياسة الخارجية في أولويات الناخبين الأمريكيين: أوضح المتحدث الرئيسي أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا تهم سوى فئة قليلة من الناخبين بالشكل الذي قد يؤثر على اختياراتهم للمرشحين. وتتركز هذه النخبة في ولايات مثل واشنطن العاصمة ولوس أنجلوس ونيويورك، كما أن الناخبين لا يواجهون خيارات متعددة فيما بخص المرشحين؛ فهم يحاولون اختيار الأفضل بين الموجودين في صناديق الاقتراع، ولا يعني ذلك بالضرورة أن هذا المرشح هو الأفضل في المطلق من وجهة نظرهم.سياسات مقترحةأبرز المتحدث الرئيسي أن دول الشرق الأوسط والخليج العربي أمامها فرصة لمراجعة بعض سياساتها لتتماشى مع التهديدات الناشئة في البحر الأحمر، وهي الفرصة التي تتمثل في الآتي:1- ضرورة تنويع الشركاء التجاريين لدول المنطقة: أكد المتحدث الرئيسي أن دول الخليج عليها أن تراجع سياساتها فيما يخص الشركاء التجاريين، بالإضافة إلى السلع التي تعتمد عليها في الصادرات؛ حتى لا تتأثر مصالحها باضطرابات الأسواق، فلا يقتصر الأمر على الخطر القادم من اليمن؛ فربما يظهر خطر من الحركات المتمردة في الصومال، وغيرها من مناطق الصراع المشتعلة؛ لذا يجب وضع خطة طويلة الأمد لتنويع السلع والشركاء.2- إعادة صياغة تفاهمات أخرى للتعاون الأمني مع واشنطن: اعتبر المتحدث الرئيسي أن هناك سوء فهم من جانب دول الخليج تجاه التزامات واشنطن الأمنية في المنطقة؛ فلن تستطيع الولايات المتحدة في جميع الأحوال ردع الحوثي مطلقاً أو ردعه قبل الانتخابات الأمريكية؛ لما لذلك من خسائر بشرية هائلة، كما أن الولايات المتحدة لن تستطيع خوض حروب في أماكن متعددة في وقت واحد؛ فهي توفر الأسلحة والإمكانات مثل منظومة الدفاع الجوي "باتريوت" لكن لن تتدخل مباشرة في صراعات جديدة.3- توظيف علاقات الخليج مع الصين للضغط على إيران: أشار المتحدث الرئيسي إلى أن دول الخليج تتمتع بصلاحية ونفوذ يمكنها استغلالهما لردع إيران عن دعم الحوثيين؛ وذلك من خلال وقف الصادرات النفطية إلى الصين باعتبار ذلك أحد الأمثلة التي سيترتب عليها حتماً – وفقاً للمتحدث الرئيسي – طلب الصين من إيران وقف دعمها للحوثيين بسبب تضرر مصالحها الاقتصادية؛ فالصين من أهم المستوردين للنفط الخليجي.في الختام، أكد المتحدث الرئيسي خطورة استمرار الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وتداعياته الأمنية والاقتصادية على دول المنطقة، مع توضيع بعض الثغرات التي لا تجعل الضربات الأمريكية فعالة بالشكل المطلوب. واستعرض المتحدث الرئيسي كذلك تأثيرات تلك الهجمات على الولايات المتحدة وعلى دول الشرق الأوسط ودول الخليج، مع طرح بعض السياسات التي قد تخفف من حدة الأزمة.

مستقبل الاستراتيجية الأمريكية تجاه البحر الأحمر (حلقة نقاشية)