إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

عقد "إنترريجونال التحليلات الاستراتيجية" حلقة نقاشية في 27 نوفمبر 2024 بعنوان "ما بعد الانتخابات: السياسات المتوقعة للرئيس الجديد في أوروجواي"، استضاف خلالها مارو كازا المحاضر الزائر بجامعة أو آر تي، والمستشار السياسي لعدد من المؤسسات والشركات بـ"مونتيفيديو"، أوروجواي. &nbsp;ملامح التحولاتشهدت أوروجواي بعض التحولات السياسية على مدار السنوات الماضية، يمكن تلخيصها فيما يلي: 1– مرونة النظام السياسي الحالي في أوروجواي: وفق المتحدث الرئيسي، تم تشكيل الإطار السياسي الحديث لأوروجواي من قِبَل خوسيه باتل إي أوردونييز في أوائل القرن العشرين، وقد أسست إصلاحاته حقوق العمل والاقتراع العام وعلمنة الدولة، وخلقت نموذج رعاية اجتماعية قوياً يركز على الرعاية الصحية العامة والتعليم والضمان الاجتماعي. ومع ذلك، تميز منتصف القرن العشرين بالصراعات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية والدكتاتورية العسكرية التي استمرت 12 عاماً، والتي تم خلالها تعليق المؤسسات الديمقراطية ووقعت انتهاكات لحقوق الإنسان. وبعد عام 1985، ركزت أوروجواي على المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات وإعادة تأسيس هويتها المحلية.وأدى ظهور جبهة أمبليو في عام 1971 إلى تحويل نظام أوروجواي الحزبي إلى إطار ائتلافي متعدد الأحزاب. من عام 2005 إلى عام 2020، سنَّت حكومات جبهة أمبليو إصلاحات تقدمية شاملة، تشمل تقنين الماريجوانا والإجهاض. وعززت هذه السياسات سمعة أوروجواي العالمية كدولة تقدمية. ومع ذلك، في عام 2020، حدث تحول عندما تولى لويس لاكالي بو من الحزب الوطني السلطة بائتلاف يمين الوسط. لقد أعطت إدارته الأولوية للتحرير الاقتصادي وإصلاحات الأمن وإدارة جائحة كوفيد–19.2– تمتع أوروجواي بالاستقرار مقارنةً بدول الجوار: يتناقض الاستقرار السياسي في أوروجواي مع التقلبات في البلدان المجاورة؛ ما يجعلها شريكاً موثوقاً به في التحالفات الإقليمية، مثل ميركوسور. وعلى الرغم من صغر حجمها، فإن الحكم الثابت والممارسات الشفافة في أوروجواي تعمل على تضخيم دورها على الساحة في أمريكا الجنوبية. وربما يرجع ذلك إلى أن النظام السياسي في أوروجواي يتميز بالاعتدال، وبتجنب الاستقطابات الشائعة في العديد من البلدان المجاورة. وقد جاء ذلك بعد موجة من الإصلاحات التدريجية؛ ما مكَّن البلاد من الحفاظ على إطار ديمقراطي مرن في خضم التحديات الإقليمية.3– التقدم في مؤشرات الديمقراطية وحرية الصحافة: تحتل أوروجواي باستمرار مرتبة متقدمة ضمن أكثر البلدان ديمقراطيةً وشفافيةً في العالم، مع درجات عالية للحريات المدنية واستقلال القضاء وحرية الصحافة. ​​وتسلط منظمات مثل "مراسلون بلا حدود" الضوء على استقلالها الصحفي، وتتصدر التصنيفات الإقليمية في مستويات الفساد المنخفضة، كما تعزز حوكمة البلاد المؤسسات العامة القوية والمشاركة المدنية الفعالة. اقتصادياً، حققت أوروجواي نمواً مطرداً كدولة متوسطة الدخل، ووصلت إلى معدل محو أمية مرتفع، بالإضافة إلى خدمات صحية واجتماعية عالية الجودة.4– ظهور تحديات اقتصادية بعد جائحة كورونا: واجهت حكومة أوروجواي، بقيادة الرئيس لويس لاكالي بو، جائحة كوفيد–19 بعد أيام قليلة من توليها منصبها في مارس 2020. واستجابت الإدارة بسرعة، ونفذت حملة تطعيم فعَّالة، وقلَّلت من تأثير الوباء مقارنةً بالدول الأخرى. وساهم هذا الإجراء السريع، بجانب التواصل الواضح والحكم الشفاف، في ارتفاع معدلات الموافقة. ومع ذلك، فإنه بحلول أواخر عام 2022، أصبحت التداعيات الاقتصادية للوباء واضحة، مع ركود الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الفقر. وتتضح آثار الارتفاع الواضح في التشرد، وخاصةً في مونتيفيديو؛ ما خلق صورة سلبية عن أداء الحكومة.5– ارتفاع معدلات العنف والجريمة المنظمة: وفق المتحدث الرئيسي، بدأت أوروجواي، المعروفة تقليدياً بمعدلات الجريمة المنخفضة، تشهد ارتفاعاً في العنف والجريمة المنظمة، مدفوعةً إلى حد كبير بشبكات الاتجار بالمخدرات. وفي حين لم تكن شديدة كما هو الحال في البرازيل والمكسيك المجاورتَين، فإن هذا الارتفاع في العنف وفضائح الفساد المرتبطة به أدى إلى تآكل ثقة الجمهور بالحكومة. وتزايد الإحباط العام مع تزايد المخاوف المتعلقة بالسلامة؛ ما أدى إلى تفاقم التحديات التي تواجه ائتلاف لاكالي بو، وساهم في تنامي الشعور بانعدام الأمن.فوز اليسارشهدت الانتخابات الرئاسية الأخيرة فوز المرشح اليساري من جبهة أمبليو بفارق ضئيل على منافسه اليميني بعد خوض جولة إعادة. وقد أظهرت نتائج الانتخابات بعض الديناميكيات في المشهد السياسي ويمكن تلخيصها في التالي: 1– احتدام التنافس بين المرشحين على منصب الرئيس: أبرزت الجولة الثانية من الانتخابات التنافس الشديد بين المرشحين؛ فقد هزم ياماندو أورسي مرشح جبهة أمبليو، لويس لاكالي بو من الحزب الوطني بفارق ضئيل. وكان هذا الانتصار الضيق نتيجةً لقدرة المعارضة على تكوين تحالف قوي وواسع النطاق، وهو التحالف الذي ضم أحزاباً مثل حربَي كولورادو، وكابيلدو أبييرتو، وعدة فصائل أصغر حجماً. وقد أدت هذه التحالفات إلى زيادة دعم لاكالي بو في الجولة الأولى من الانتخابات من 27% إلى ما يقرب من 46% في الجولة الثانية؛ ما يدل على القوة الاستراتيجية لبناء التحالفات في المشهد السياسي التنافسي في أوروجواي.على الرغم من هذا، حافظت جبهة أمبليو على تفوقها، بمساعدة تماسكها الداخلي القوي وهويتها الأيديولوجية الواضحة، في حين كافح التحالف المتعدد الهويات تحديات توحيد الأحزاب المتنوعة تحت راية مشتركة. لقد ساهمت قدرة جبهة أمبليو على حشد قاعدتها وتقديم جبهة موحدة في نجاحها، حتى في مواجهة جهود المعارضة المنسقة.2– استغلال الأحزاب المعارِضة استياء الناخبين: تتوافق نتائج الانتخابات في أوروجواي مع اتجاه عالمي أوسع نطاقاً يتمثل في استياء الناخبين والتحديات التي تواجهها الحكومات القائمة؛ ففي مختلف الديمقراطيات، كافحت الأحزاب الحاكمة للاحتفاظ بالسلطة في مواجهة قضايا مثل التفاوت الاقتصادي، وتحول أسواق العمل، وعدم اليقين في عالم ما بعد الوباء. وقد أدت خيبة الأمل المتزايدة لدى الجمهور تجاه النخب والمؤسسات السياسية إلى نشوء بيئة انتخابية تتمكن فيها أحزاب المعارضة من الاستفادة من ذلك الاستياء لتعزيز شعبيتها. وقد جعل هذا السياق العالمي من الاستياء، الانتخابات أكثر تنافسيةً. والفارق الضئيل في نتائج انتخابات الإعادة في أوروجواي عكس هذه البيئة.3– إظهار جبهة أمبليو قدرات تنظيمية بارزة: إن أحد الأسباب الرئيسية وراء النجاح الدائم لجبهة أمبليو هو قوتها التنظيمية وتماسكها الأيديولوجي. على عكس التحالف المتعدد الألوان، الذي يضم أحزاباً متنوعة وأحياناً متناقضة؛ تمتلك جبهة أمبليو كياناً سياسياً متماسكاً وله تاريخ يمتد لأكثر من خمسين عاماً، كما أن تنظيمها الإقليمي يمتد إلى المناطق النائية في أوروجواي. يشمل طيفها الأيديولوجي الواسع مجموعة من الاشتراكيين والشيوعيين والتقدميين والمعتدلين؛ ما يُمكِّنها من جذب ناخبين متنوعين.أما تحالف لاكالي بو (الذي يشمل الحزب الوطني، وحزب كولورادو، وفصائل أصغر) فقد بدأ في البداية بشكل موحد خلال فترة الوباء، إلا أن التحالف عانى من انقسامات داخلية بعد الوباء، خصوصاً في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، مثل الفقر والجريمة المتزايدة؛ ما أدى إلى تآكل الثقة العامة. استفادت جبهة أمبليو من هذه النقاط الضعيفة؛ حيث ركز مرشحها ياماندو أورسي على بناء علاقات شخصية قوية، وزيارة المدن الصغيرة، والتفاعل مع الصحفيين المحليين، وهو ما لاقى صدى واسعاً لدى الناخبين. على الرغم من وجود الفصائل الداخلية المتنافسة، نجحت جبهة أمبليو في الحفاظ على تماسكها؛ حيث قدمت نهجاً أصيلاً وتواصلاً مباشراً مع الجمهور، في حين عجز الحزب الوطني عن تقديم رؤية مقنعة للمرحلة القادمة.4– فشل خطابات ديلجادو في اكتساب الزخم السياسي: واجه مرشح الحزب الوطني ألفارو ديلجادو تحديات في صياغة خطاب سياسي واضح ومقنع؛ حيث تحول إلى خطاب قائم على الخوف، محذراً من الاشتراكية الراديكالية، كما فشل في اكتساب الزخم؛ حيث تناقضت صورة أورسي المعتدلة والقابلة للارتباط مع مثل هذه الادعاءات. كانت أصالة أورسي وخلفيته المتواضعة ورفضه للسياسة الاستقطابية – مدعومة بتأييد شخصيات رئيسية مثل خوسيه "بيبي" موخيكا – جذابة للناخبين الذين يسعون إلى بديل عملي وشامل.ارتدادات مختلفةمن المتوقع أن تُلقِي نتائج الانتخابات بظلالها على مستقبل السياسة الداخلية والخارجية لأوروجواي على النحو التالي: 1– التحول بعيداً عن الولايات المتحدة وإسرائيل: في عهد الرئيس لاكالي بو، شهدت أوروجواي تقرباً نحو إسرائيل والولايات المتحدة في خضم الحرب القائمة في الشرق الأوسط. وقد مثَّل هذا انحرافاً عن دعم أوروجواي التاريخي للقضية الفلسطينية ودعم حل الدولتين. ومع ذلك، من المتوقع أن تعيد الحكومة القادمة التحالف مع زعماء أمريكا اللاتينية، مثل قادة البرازيل وكولومبيا، ودعم نهج أكثر توازناً تجاه القضية الفلسطينية، وإعادة تأكيد موقف أوروجواي التقليدي بشأن حقوق الإنسان وحل النزاعات السلمية.2– رفض أوروجواي التدخل العسكري في فنزويلا: على غرار زعماء مثل رئيس البرازيل لولا دا سيلفا، من المتوقع أن يدفع الرئيس الجديد لأوروجواي من أجل التغيير الديمقراطي في فنزويلا دون تأييد التدخل العسكري الأجنبي. وفي حين أن هناك انتقادات قوية للنظام الاستبدادي في فنزويلا، فإن أوروجواي – مثل غيرها من دول أمريكا اللاتينية – تسعى إلى تجنب السياسات التدخلية، وإلى التركيز بدلاً من ذلك على الحلول الدبلوماسية ودعم الانتقال السلمي في فنزويلا.3– تكثيف جهود مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية: ستواجه الحكومة الجديدة تحديات رئيسية، مثل النمو الاقتصادي البطيء، والأجور الراكدة، والعنف المتزايد، وهي التحديات التي تعد من أهم المخاوف لدى الجمهور. ومن المتوقع أن يركز الرئيس القادم على معالجة الجريمة المنظمة من خلال استراتيجية وطنية، مع الاعتراف بالحاجة إلى الوحدة السياسية لمكافحة العنف بشكل فعال. وتسلط الدروس المستفادة من إدارة لاكالي بو الضوء على أهمية التعاون بين الأحزاب في معالجة هذه القضايا.4– مساعي الرئيس الجديد لمنع الاستقطاب السياسي: على الرغم من المخاوف بشأن الاستقطاب السياسي الذي تجلى في جولة الإعادة، يُنظر إلى الرئيس الجديد المعروف بالتزامه بالحوار والتفاوض، على أنه قادر على توحيد الفصائل المختلفة، وبناء إجماع لمعالجة تحديات السياسة الداخلية والخارجية بشكل فعال.5– توجُّه أوروجواي نحو تعزيز العلاقات مع الصين: ازدادت علاقة أوروجواي بالصين بشكل مستمر، على الرغم من التحديات السابقة التي واجهتها مع كتلة ميركوسور التجارية. وفي حين سعت حكومة لاكالي بو إلى إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع الصين، فقد عرقلتها البرازيل. ومن المرجح أن تواصل الحكومة القادمة السعي إلى إقامة علاقات اقتصادية أعمق مع الصين، رغم أنها ستحتاج إلى توجيه هذه الجهود ضمن إطار ميركوسور الأوسع؛ حيث يشكل نفوذ البرازيل عاملاً رئيسياً. وتشير السياسة الخارجية البرجماتية لأوروجواي إلى أنها ستواصل البحث عن فرص لتعزيز الشراكات في مجالات مثل التجارة والأمن والدبلوماسية، وخاصةً في سياق التكامل الإقليمي الأوسع ومعالجة التحديات المشتركة.&nbsp;ختاماً، فإنه في السنوات الأخيرة، كانت هناك روابط متنامية بين أوروجواي والإمارات، وكان التطور الرئيسي هو زيارة الرئيس لاكالي بو والسيدة الأولى إلى الإمارات، التي سلطت الضوء على قطاع تكنولوجيا المعلومات المتوسع في أوروجواي. كان هذا القطاع ينمو بشكل مطرد، ويوفر إمكانات للتعاون مع الإمارات، وخاصةً في الشركات الناشئة والتقنيات الجديدة؛ حيث يتقاسم البلدان نقاط قوة تكميلية، كما يمكن للبلدين التعاون بشكل كبير في مجال الطاقة النظيفة والخضراء.

السياسات المتوقعة للرئيس الجديد في أوروجواي (حلقة نقاشية)