إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>مع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها العاشر، شنت القوات الروسية هجمات صاروخية استهدفت البنية التحتية والمراكز الحيوية للطاقة في أوكرانيا. وعلى الرغم من ذلك، لا دلائل على تراجع المقاومة من جانب القوات الأوكرانية؛ حيث تشير تقديرات إلى أن القوات الروسية خسرت أكثر من نصف الأراضي التي استولت عليها خلال بداية العملية العسكرية في فبراير 2022، واضطرت للانسحاب من أغلب هذه المناطق. وتواجه أوكرانيا أصعب شتاء حتى الآن، بعدما تم تدمير الكثير من المدن بشكل شبه كامل، كما تم تهجير الكثير من سكان هذه المدن، ونزحوا إلى مناطق أخرى مجاورة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد تركت الهجمات الروسية الأخيرة على البنى التحتية الأوكرانية أعداداً لا حصر لها من المواطنين الأوكرانيين بدون كهرباء للإضاءة والتدفئة وبدون مياه. ومن ثم فإن المواطنين الأوكرانيين يواجهون خيارات صعبة؛ فإما البقاء وإعادة بناء تلك المنازل، أو الرحيل وتذوق مرارة الشتات وعدم الاستقرار. ولا تبدو الصورة أكثر إشراقاً بالنسبة للجانب الروسي، الذي فقد الكثير من مخزونه الاستراتيجي من الأسلحة والصواريخ، كما تكبد عدداً من الهزائم في مختلف ميادين المعركة، ومن ثم طرح البعض تساؤلات عدة حول المسارات المتوقعة للحرب الروسية–الأوكرانية خلال فصل الشتاء.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تأثيرات الشتاء</span></strong></p>



<p><strong>تتباين تقديرات الخبراء والمتابعين لمسار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ويتضاعف هذا التباين وعدم القدرة على وضع تقديرات مستقبلية دقيقة، مع دخول فصل الشتاء القادر ببرودته على تغيير جميع موازين القوى، ومنح النصر النهائي لطرف على حساب طرف آخر، خاصةً مع بروز تخوفات كبرى من أن تشهد أوروبا أسوأ فترة شتوية في تاريخها، مع تعرض حياة الملايين من الأفراد للخطر، نتيجة لنقص إمدادات الطاقة. وتتمثل أبرز التأثيرات المحتملة لفصل الشتاء على الحرب الأوكرانية فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تراجع حدة العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا:</strong> يرى بعض الخبراء أن الشتاء سيبطئ وتيرة الحرب الروسية–الأوكرانية؛ وذلك في ظل العقوبات التي تتعرض لها روسيا ونقص الذخيرة والإمدادات والخدمات اللوجستية. ويدعم ذلك تصريحات مديرة الاستخبارات الأمريكية "أفريل هاينز"، أثناء مشاركتها مؤخراً في أعمال منتدى ريجان السنوي للدفاع الوطني في كاليفورنيا، التي قالت خلالها إن القتال في الحرب الروسية–الأوكرانية يسير بوتيرة منخفضة. كما أكدت "هاينز" أن القوات الأوكرانية ما زالت تتمتع بالسبق والغلبة في العمليات العسكرية القائمة على الأرض؛ وذلك على الرغم من تدمير القوات الروسية خلال الأسابيع الأخيرة جزءاً كبيراً من البنى التحتية في أوكرانيا. &nbsp;</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تحجيم الشتاء قدرة الطرفين على التوسع العملياتي:</strong> تتوقع بعض التحليلات مساهمة فصل الشتاء في إبطاء مسار العمليات العسكرية لمدة ستة أشهر؛ حيث ستساهم الأمطار الغزيرة التي تشهدها أوكرانيا عادةً خلال هذا الفصل، وارتفاع نسبة الرطوبة في الأرض، في إبطاء تحركات كلا الجيشين. وحتى مع انتهاء موسم الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة وتجمد التربة الطينية، سيكون من غير السهل على الدبابات والشاحنات التحرك والانخراط في عمليات موسعة؛ وذلك نتيجة لتساقط الثلوج بكثافة، وانخفاض درجات الحرارة إلى الحد الذي لا يستطيع الجنود التأقلم والتعاطي معه. &nbsp;</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- الاستعداد لجولة جديدة من التصعيد في فصل الربيع:</strong> على الرغم من توقع الكثيرين مساهمة فصل الشتاء في الحد من تطور العمليات العسكرية في الداخل الأوكراني، فإن هذا التراجع سيسمح لكلا الطرفين بتجديد وتعزيز القدرات، مع وجود فرصة ووقت كافٍ لإعادة الإمداد والتشكيل استعداداً لشن عمليات هجومية مضادة واسعة في فصل الربيع. ويدعم ذلك تصريحات للأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرج" مؤخراً، أكد خلالها أن روسيا تحاول تجميد الصراع من أجل أن تستعيد قواتها قدراتها العسكرية، استعداداً لشن هجوم أضخم في وقت لاحق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويشاركه في الرأي ذاته "دان سولير" العقيد السابق في وحدة الاستخبارات التابعة للجيش الأمريكي، الذي أشار في تصريحات له مؤخراً إلى وجود مؤشرات تؤكد محاولة روسيا الحثيثة تهدئة وتيرة الحرب وتأجيل اشتعالها إلى فصل الربيع. وقال "سولير" في تصريحاته إن من المهم بالنسبة لأوكرانيا أن تواصل الضغط على روسيا خلال الشتاء، منعاً لاستغلال موسكو هذه الفترة لإعادة بناء قدراتها العسكرية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- حفاظ الطرفين على الوضع الميداني تحسباً للمفاوضات:</strong> ثمة قناعة لدى بعض الخبراء بأن الحرب الروسية–الأوكرانية تقترب من فصولها الأخيرة، لكنهم يرون أن هذه الحرب ستنتهي على الأرجح عبر طاولة المفاوضات. وبطبيعة الحال فإن ما سيحدث خلال المفاوضات يعتمد بشكل تام على الوضع في ساحة المعركة؛ لذلك إذا كانت النتيجة المنشودة من وراء تلك المفاوضات من جانب كييف تتضمن أن تستمر أوكرانيا بتمتعها بصفة الدولة المستقلة ذات السيادة، فإن الغرب في حاجة إلى الاستمرار في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا خلال فصل الشتاء القادم، وتحمل تبعات الحرب على الطاقة الأوروبية.&nbsp;</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن ناحية أخرى، إذا تمكنت روسيا من الحفاظ على حالة من التوازن في أرض المعركة خلال فصل الشتاء، مع استمرار وصول شحنات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية، واستعادة الاقتصاد الروسي جزءاً من توازنه بفعل العوائد القادمة من هذه الشحنات، يمكن أن تدخل موسكو المفاوضات دون التنازل عن الشروط الثلاثة التي تنادي بها. وتتمثل هذه الشروط في الحفاظ على استقلالية وحياد كييف السياسي، مع تخفيض قدراتها العسكرية والحصول على تعهد من أوكرانيا بعدم إقدامها على الانضمام إلى حلف الناتو، والموافقة على استقلال المدن الواقعة في شرق أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تكتيكات محتملة</span></strong></p>



<p><strong>على الرغم من أن أغلب التقديرات تشير إلى أن مسار المواجهات العسكرية على الأرض سيتراجع في أوكرانيا نتيجة تأثيرات الشتاء، </strong><strong>فإ</strong><strong>ن ذلك لن يمنع طرفي القتال </strong><strong>من</strong><strong> تبني بعض التكتيكات التي تعزز وضعيتهما</strong><strong>.</strong><strong> ويمكن استعراض تكتيكات الطرفين المحتملة عبر ما يلي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>1- قيام</strong></a><strong> </strong><strong>الجانبين الروسي والأوكراني بهجمات نوعية متبادلة:</strong> على الرغم من وجود توقعات بأن روسيا ستقوم بإعادة تنظيم قواتها خلال فصل الشتاء لاستعادة الغلبة والتفوق في المعارك المستقبلية، فإن ذلك لن يمنع موسكو من القيام بهجمات صاروخية وجوية ضد القوات الأوكرانية، كما تشير تقارير إلى عدد من الأسباب التي قد تدفع أوكرانيا – على الرغم من جميع المعوقات التي سيفرضها فصل الشتاء – نحو تنفيذ عمليات عسكرية نوعية مضادة ضد القوات الروسية. ويدعم ذلك توقع الغرب أن تستغل أوكرانيا جميع المعدات والأسلحة العسكرية التي تم تقديمها لكييف منذ بداية الحرب، فضلاً عن وجود قناعة بأن الاستمرار في الضغط الهجومي على روسيا يمكن أن يمنح الأوكرانيين الثبات أثناء تعاملهم مع الهجمات الصاروخية الروسية القادمة، وإبقاء الجيش الروسي تحت الضغط المتواصل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- محاولة نظامي أوكرانيا وروسيا استعادة الدعم الشعبي:</strong> ستكون المهمة الأصعب لطرفي الحرب خلال فصل الشتاء، العمل على استعادة الدعم الشعبي للعمليات العسكرية؛ فمن جانبه، دعا الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" مؤخراً إلى التعاون وتحقيق الوحدة فيما بين المواطنين مع بدء درجات الحرارة في الانخفاض. وتعني رسالة "زيلينسكي" أنه يُدرك جيداً أن صورة القائد الذي يخوض حرباً عنيفة قد تتراجع مع حرمان الأوكرانيين من الكهرباء والفحم اللازمين للتدفئة خلال فصل الشتاء، وهو ما قد يؤدي إلى موجة من الوفيات قد تتجاوز في حصيلتها الخسائر البشرية التي تكبدتها أوكرانيا حتى الآن بفعل الحرب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>علاوة على ذلك، أشارت وزارة الدفاع البريطانية، في تقدير استخباراتي صادر عنها مؤخراً، إلى وجود مؤشرات جديدة تؤكد وصول الدعم الشعبي في روسيا للحملة العسكرية إلى أدنى مستوياته. وقالت الوزارة إنها حصلت على استطلاع رأي سري حديث أجرته دائرة الحماية الفيدرالية الروسية المسؤولة عن حراسة الكرملين وتوفير الأمن لكبار المسؤولين الحكوميين، لقياس موقف الرأي العام الروسي من الحرب الأوكرانية. وبحسب الوزارة، أيد 55% من المستطلعة آراؤهم انخراط الحكومة في محادثات سلام مع أوكرانيا، فيما عبر 25% منهم عن رغبتهم في استمرار الحرب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- البحث عن صيغ وحلول لمواجهة التغير في مواقف الحلفاء: </strong>قد تتعرض كل من روسيا وأوكرانيا في الفترة المقبلة لضغوط خارجية مضاعفة، يصعب عليهما التعامل معها. وعلى ما يبدو فإن موقف أوكرانيا في هذا المضمار أضعف من غريمتها روسيا؛ حيث إن تقليص شحنات الطاقة الروسية إلى أوروبا قد يؤدي إلى تآكل الدعم الغربي لأوكرانيا تدريجياً. وقد يعزز هذا من التقدم العسكري لروسيا، مع استمرار مهاجمة موسكو القوات والقواعد والبنى التحتية وشبكات الكهرباء الأوكرانية؛ ولذلك اندفع الرئيس الأوكراني نحو توجيه انتقادات لاذعة لقرار أوروبا والولايات المتحدة واليابان وأستراليا باستمرار استيراد الغاز الروسي مع وضع سقف عام لسعره.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد وصف الرئيس الأوكراني سقف الأسعار الذي وضعه حلفاؤه الغربيون على صادرات النفط الروسية بأنه ضعيف، كما أكد أنه ليس خطيراً بما يكفي لإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي، مبرراً ذلك بالقول: "إن الأموال التي ستضخها أوروبا في الاقتصاد الروسي لن تذهب فقط لتمويل آلة الحرب، بل ستستخدمها روسيا لرعاية الأنظمة والمنظمات الإرهابية، وهو ما يساهم في زعزعة استقرار القارة الأوروبية ككل".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">الاختبار الأصعب</span></strong></p>



<p><strong>وختاماً، على الرغم من تباين التقديرات المختلفة للمسارات والسيناريوهات المحتملة للحرب الأوكرانية خلال فصل الشتاء، فإن بعض السيناريوهات قد لا تتحقق على أرض الواقع، خاصةً مع حاجة كل طرف </strong><strong>إلى </strong><strong>تحقيق النصر على خصمه، إرضاءً للرأي العام، ولتبرير التكلفة السياسية والاقتصادية والعسكرية للحرب. وسواء تحولت الحرب خلال فصل الشتاء إلى حرب استنزاف، أو فضل الطرف</strong><strong>ا</strong><strong>ن المهادنة استعداداً لفصل جديد من فصول هذه المعركة </strong><strong>ال</strong><strong>مترامية </strong><strong>الأطراف؛ </strong><strong>فإن المواطنين الأوروبيين في طريقهم لاختبار أحد أصعب فصول الشتاء التي مرت على أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.</strong><strong></strong></p>

      

المسارات المحتملة للحرب الروسية–الأوكرانية خلال فصل الشتاء