إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

جاء الإعلان عن احتجاز السلطات الفنزويلية عنصراً من البحرية الأمريكية، يوم 4 سبتمبر 2024، ليدلل على تصاعد التوترات بين فنزويلا والولايات المتحدة؛ حيث إن هذا الأمر جاء بعد إعلان السلطات الأمريكية يوم 2 سبتمبر 2024 أنها استولت على طائرة الرئيس الفنزويلي في جمهورية الدومينيكان، ونقلتها إلى ولاية فلوريدا، مُدعيةً أنها تم شراؤها على نحوٍ ينتهك العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. وقد جاءت مصادرة الطائرة وسط ضغوط مستمرة على مادورو في الداخل والخارج بشأن الانتخابات المتنازَع عليها التي أُجرِيت في يوليو الماضي، والتي ادَّعى أنه فاز بها.أسباب حاسمةهناك عدة أسباب تفسر مصادرة الولايات المتحدة الأمريكية طائرة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ومن أبرزها ما يلي: 1– ترويج واشنطن لانتهاك شراء الطائرة العقوبات المفروضة على فنزويلا: قامت الولايات المتحدة بعملية ضبط الطائرة لأنه تم شراؤها كان بشكل غير قانوني مقابل 13 مليون دولار؛ الأمر الذي اعتبرته واشنطن انتهاكاً لقوانين مراقبة الصادرات والعقوبات الأمريكية المفروضة على فنزويلا؛ ما دفع وزير العدل الأمريكي ميريك جارلاند إلى إصدار بيان ينص فيه على أن "وزارة العدل صادرت طائرة تم شراؤها بشكل غير قانوني مقابل 13 مليون دولار من خلال شركة وهمية، وتم تهريبها خارج الولايات المتحدة لاستخدامها من قِبل مادورو وأعوانه"، بجانب قيام مادورو وشركائه في وقت سابق باستخدام شركة وهمية أيضاً مقرها في منطقة البحر الكاريبي لإخفاء مشاركتهم في شراء الطائرة من شركة في ولاية فلوريدا. وهذه الطائرة تم نقلها من الولايات المتحدة إلى فنزويلا عبر منطقة البحر الكاريبي، وكان ذلك بهدف التحايل على الأمر التنفيذي الذي يحظر على الأمريكيين إجراء أعمال تجارية مع نظام مادورو، في حين ردت الحكومة الفنزويلية باتهام الولايات المتحدة بـ"تصعيد العدوان" عقب الانتخابات الرئاسية المتنازَع عليها التي أُجرِيت في يوليو الماضي.2– إرسال واشنطن رسالة إلى فنزويلا بعدم استثناء قيادة النظام من العقوبات: حاولت الولايات المتحدة، من خلال استيلائها على الطائرة، إرسال رسالة إلى قمة النظام السياسي في فنزويلا، فحواها أنْ لا أحد فوق القانون، ولا أحد فوق العقوبات الأمريكية؛ الأمر الذي دفع مساعد وزيرة التجارة الأمريكية ماثيو أكسلرود إلى القول: "دعونا نجعل هذه المصادرة ترسل رسالة واضحة: الطائرات التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني من الولايات المتحدة لصالح المسؤولين الفنزويليين الخاضعين للعقوبات، لا يمكن أن تطير في غروب الشمس". وهذه الرسالة تعتبر تهديداً ضمنياً من قِبل الولايات المتحدة إلى فنزويلا من أجل الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليها.3– تشكيك واشنطن في نتائج الانتخابات الرئاسية في فنزويلا: من الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى مصادرة طائرة الرئيس الفنزويلي، أنها شككت في نزاهة الانتخابات الرئاسية الفنزويلية التي أُجريت في يوليو الماضي، واتهامها الرئيس الفنزويلي صراحةً بأنه أجرى انتخابات مشكوكاً في نزاهتها؛ ما جعل واشنطن ترفض الاعتراف بفوز مادورو في الانتخابات دون الاطلاع على نتائج التصويت المُفصلة؛ وذلك نتيجة الاحتجاجات الداخلية في فنزويلا اعتراضاً على فوزه، التي راح ضحيتها أكثر من 27 شخصاً، وإصابة ما لا يقل عن 192 آخرين.4– اتهام فنزويلا واشنطن بإنشاء قواعد عسكرية سرية بإقليم إيسيكيبو: اتهمت الحكومة الفنزويلية في وقت سابق واشنطن بأنها تنشئ قواعد عسكرية سرية محاذية لها في إقليم إيسيكيبو الغني بالنفط، والتابع لجيانا؛ الأمر الذي جعل مادورو يصفه بأنه "عدوان وتحضير للتصعيد ضد فنزويلا". وقد أعلنت فنزويلا في وقت سابق أحقيتها في السيطرة على الإقليم، ولكن الولايات المتحدة نفت هذه الاتهامات، وأكدت أنها لا تمتلك خططاً لإقامة قاعدة عسكرية سرية في تلك المنطقة.5– اتهام كاراكاس الولايات المتحدة بتحريض المواطنين الفنزويليين على الانقلاب: اتهم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الولايات المتحدة بالوقوف وراء ما وصفها بمحاولة الانقلاب في فنزويلا؛ وذلك على خلفية الاحتجاجات على نتائج الانتخابات التي أُعلنت في يوليو الماضي، وقد ذكر في مؤتمر صحفي في 30 أغسطس الماضي أن الولايات المتحدة تحاول تكرار أحداث 2019؛ عندما رفضت الولايات المتحدة أيضاً الاعتراف بشرعيته، واعترفت برئيس البرلمان آنذاك المعارض خوان جوايدو رئيساً مؤقتاً لفنزويلا، ودعا المواطنين الفنزويليين إلى عدم الانجرار مع الانقلاب الذي تشنه الولايات المتحدة.تداعيات محتملةقد يُسفر استيلاء الولايات المتحدة على طائرة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في جمهورية الدومينيكان عن عدة تداعيات، ومن أبرزها ما يلي:1– تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا: يؤدي استيلاء واشنطن على طائرة الرئيس الفنزويلي إلى تصاعد حدة التوترات بين البلدين، وهو ما ظهر جلياً في اتهام الحكومة الفنزويلية واشنطن بأنها تمارس أعمالاً إجراميةً، ووصفت ما قامت به "بالقرصنة"، وكان ذلك عقب مصادرة الطائرة مباشرةً.وأصدرت وزارة الخارجية الفنزويلية بياناً تنص فيه على أن "الولايات المتحدة الأمريكية أقدمت مجدداً على ممارسة إجرامية متكررة لا يمكن وصفها إلا بأنها عمل قرصنة؛ وذلك عبر مصادرتها بشكل غير قانوني طائرة يستخدمها رئيس الجمهورية"، وأضافت أن "الولايات المتحدة استخدمت مراراً قوتها الاقتصادية والعسكرية للترهيب والضغط على دول مثل جمهورية الدومينيكان لتصبح متواطئة في جرائم واشنطن".2– حرص فنزويلا على اتخاذ خطوات عملية للرد على واشنطن: يدفع استيلاء واشنطن على طائرة الرئيس الفنزويلي، كاراكاس إلى اتخاذ خطوات عملية للرد على واشنطن، وربما يدفعها إلى تصدير الضغوط إليها. وفي هذا الصدد، قد تلجأ فنزويلا إلى احتجاز بعض المواطنين الأمريكيين واستخدامهم للمساومة؛ فعلى سبيل المثال، أعلن البنتاجون، يوم 4 سبتمبر 2024، أن جندياً من البحرية الأمريكية قُبض عليه في فنزويلا بعد أن سافر إلى البلاد من دون تصريح رسمي. ووفقاً للتقارير فإن الجندي كان محتجزاً منذ 30 أغسطس 2024.3– فرض مزيد من العقوبات الأمريكية على فنزويلا: من المحتمل أن تزيد الولايات المتحدة العقوبات على قطاع الغاز والنفط في فنزويلا مثلما فعلت في الآونة الأخيرة، رداً على فشل حكومة مادورو في السماح بإجراء انتخابات شاملة وتنافسية؛ حيث تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم عام 2023، وهو ما يمثل نحو 17% من إجمالي الاحتياطيات العالمية؛ ما يجعلها منتجاً رئيسياً للنفط. وتستعد الولايات المتحدة لفرض 15 عقوبة فردية على عدد من الوزراء الفنزويليين المرتبطين بمادورو؛ وذلك لأنها زعمت أنهم عرقلوا إجراء انتخابات حرة ونزيهة في فنزويلا.4– حدوث أزمة دولية بين فنزويلا وجمهورية الدومينيكان: من الوارد أن مصادرة الولايات المتحدة طائرة الرئيس الفنزويلي من جمهورية الدومينيكان ونقلها إلى ولاية فلوريدا، قد تتسبب في خلق أزمة كبرى بين البلدين؛ وذلك لأن فنزويلا ستعتقد أن جمهورية الدومينيكان ساعدت واشنطن في استيلائها على طائرة الرئيس؛ الأمر الذي دفع جمهورية الدومينيكان، من خلال وزارة خارجيتها، إلى إصدار بيان تتبرأ فيه، وتنفي مشاركة الولايات المتحدة في التحقيق بشأن الطائرة التي كانت على أراضيها خلال عدة أشهر، وأضافت أن الطائرة كانت على أراضيها بهدف الصيانة فقط.5– تعليق فنزويلا الرحلات التجارية مع عدد من الدول: في إطار التصعيد الأمريكي ضد فنزويلا، أعلنت الأخيرة تمديد تعليق الرحلات الجوية التجارية بينها وبين عدة دول؛ منها بنما وبيرو وجمهورية الدومينيكان، حتى 30 سبتمبر 2024؛ وذلك نتيجة رفض هذه الدول الاعتراف بمادورو رئيساً لفنزويلا، ورأت أن الانتخابات التي أُجريت مشكوكٌ في نزاهتها مثلما رأت الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المتوقع أن تمدد فنزويلا تعليق الرحلات مع هذه الدول إلى مدد أخرى إذا لم تتراجع عن قرارها.6– تحفيز عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بمادورو رئيساً لفنزويلا: من المتوقع، وخاصةً مع استمرار التصعيد الأمريكي ضد النظام الفنزويلي، أن يعلن الاتحاد الأوروبي عدم اعترافه بمادورو رئيساً لفنزويلا؛ حيث أعلن رفضه نتائج الانتخابات التي أُجريت في يوليو الماضي؛ فثمة اتجاه داخل الاتحاد الأوروبي يرى أن محاولات أوروبا لتعزيز العملية الديمقراطية داخل فنزويلا أخفقت، وهو ما تجلى مع الانتخابات الرئاسية الأخيرة.توترات متصاعدةوختاماً، ستؤدي مصادرة الولايات المتحدة طائرة الرئيس الفنزويلي إلى تصاعد التوترات بين البلدين، ومن المحتمل قيام الحكومة الفنزويلية باتخاذ العديد من الإجراءات القانونية لإصلاح الضرر الذي لحق بها من السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة تجاهها؛ ما سيجعل واشنطن تزيد من عقوباتها الاقتصادية على فنزويلا، فتُضاعِف الضغوط المفروضة على كاراكاس.

مآلات التصعيد بين الولايات المتحدة وفنزويلا