على مدار العقود الماضية، شهدت التهديدات الرقمية تحولات عميقة مدفوعة بالتقدم التكنولوجي والتحول الرقمي، خاصةً مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية في مجالات الاتصالات والتجارة والبنية التحتية الحيوية؛ ما جعل صناعة الأمن السيبراني بمنزلة قطاع سريع الحركة؛ حيث يتنافس مقدمو الخدمات الأمنية والحلول السيبرانية على تقديم الخدمات الأفضل والأكثر ابتكاراً في مجال الأمن السيبراني. ولعل حالة الإغلاق التي نجمت عن تفشي جائحة كوفيد–19 في النصف الأول من عام 2020، وما ارتبط به من تحول إلى العمل عن بُعد، قد دفع نحو مزيد من تصاعد الاهتمام بمجال الأمن السيبراني، سواء من جانب الحكومات أو الشركات الكبرى، في سبيل حماية أمن المعلومات والبيانات الحساسة؛ تجنباً للاختراقات المحتملة؛ نظراً إلى كون المكاتب المنزلية أكثر قابليةً للتعرض للهجمات الإلكترونية عن المكاتب الرسمية.

اتجاهات رئيسية

يمكن النظر إلى الاتجاهات الرئيسية في صناعة الأمن السيبراني من خلال عدد من المؤشرات الرئيسية؛ وذلك على النحو التالي:

1– توفير التكاليف الناجمة عن الهجمات السيبرانية: أدى مشهد التهديدات السيبرانية المتطور، بما في ذلك ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى تزايد اهتمام الحكومات بتعزيز وجودها في صناعة الأمن السيبراني، كما دفع المؤسسات المختلفة نحو تبني الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحسين بنيتها التحتية الأمنية؛ نظراً إلى دور ذلك في توفير التكاليف الناجمة عن الاختراقات، وما أظهرته البيانات بالفعل؛ إذ إنه في عام 2020، أدى نشر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالكامل في المؤسسات الحكومية والخاصة، إلى توفير ما متوسطه 3.58 مليون دولار.

2– إطلاق أوروبا اللائحة العامة لحماية البيانات: خلال السنوات الأخيرة، بذل الاتحاد الأوروبي جهوداً مكثفة لتعزيز دفاعه ضد الهجمات السيبرانية وتحسين أمن البيانات، ومنها قانون الأمن السيبراني للاتحاد الأوروبي (CSA)، الذي أُطلِق في عام 2018، ونص على إنشاء هيئة أوروبية مستقلة واسعة النطاق لتنظيم الأمن السيبراني كجزء من هدف "السوق الرقمية الواحدة". أضف إلى ذلك إطلاق اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي؛ من أجل مزيد من الضوابط الرامية إلى تعزيز الأمن السيبراني. وفي إطار تحسين القدرة الجماعية لدول الاتحاد الأوروبي ضد التهديدات السيبرانية، عمدت المفوضية الأوروبية في ديسمبر 2023، إلى تخصيص 214 مليون يورو لعام 2024، ليتم إنفاقها من أجل دعم الأمن السيبراني. ومن المقرر أن يتولى المركز الأوروبي لكفاءة الأمن السيبراني – ومقره في بوخارست – مسؤولية تنفيذ الإجراءات اللازمة لتعزيز الأمن السيبراني للاتحاد الأوروبي.

3– جهود حكومات الخليج الواسعة في التصدي للهجمات الإلكترونية: على خلفية عدم الاستقرار الجيوسياسي والتقدم التكنولوجي المتسارع، يواصل الشرق الأوسط وضع نفسه في مكانة رائدة عالمياً في مجال الأمن السيبراني؛ حيث يقود عملية الابتكار، ويضع معايير جديدة للمرونة السيبرانية؛ فوفق تقرير صادر عن شركة فروست آند سوليفان (Frost & Sullivan)، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تصدت لنحو 50 ألف هجمة إلكترونية يومية في عام 2023. هذا وقد أحبطت الدولة خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام نفسه ما يزيد عن 72 مليون محاولة هجوم إلكتروني؛ ما يكشف عن حجم النمو الهائل في التهديدات السيبرانية التي تتعرض لها دولة الإمارات، ومنطقة مجلس التعاون الخليجي على نطاق واسع.

وفي هذا الصدد، برزت الإمارات والسعودية دولتَين رائدتَين في مجال الأمن السيبراني؛ إذ احتلتا المرتبتين الثانية والخامسة على التوالي، من بين 194 دولة مشاركة في مؤشر الأمن السيبراني العالمي للاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2020؛ حيث طبَّقت كلتا الدولتين أساليب تنظيمية واسعة النطاق، واستثمرتا في مبادرات لتعزيز الابتكار في مجال الأمن السيبراني والتعليم.

جدير بالذكر أن تقرير فروست آند سوليفان السالف ذكره، قد أكد نمواً متوقعاً لصناعة الأمن السيبراني في منطقة الشرق الأوسط بقيمة 13.4 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030. ولعل مؤتمر جيسيك العالمي 2024، المقرر عقده في مركز دبي التجاري العالمي في الفترة من 23 إلى 25 أبريل 2024، يشير إلى التزام المنطقة بالتعاون والابتكار وتنمية المواهب في مجال الأمن السيبراني. ومع توقع مشاركة أكثر من 20 ألف زائر و750 شركة عارضة، بما في ذلك رواد الصناعة مثل (Cloudflare) و (Spire Solutions)، فإن ذلك المؤتمر من المنتظر أن يكون أكبر حدث للأمن السيبراني والأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط وأفريقيا.

4– نمو متوقع في عوائد سوق الأمن السيبراني: وفق أحدث البيانات الواردة على موقع البيانات (Statista)، فإن عوائد سوق الأمن السيبراني من المتوقع أن تشهد ارتفاعاً بمقدار الضعف بحلول نهاية العقد الحالي؛ حيث تشير الأرقام إلى نمو فعلي في حجم عوائد السوق في عام 2022 من 217.90 مليار دولار في عام 2020 إلى 296.10 مليار دولار. وفي ضوء الاتجاهات الجديدة للصناعة، فإن من المُرجَّح أن تصل عوائد سوق الأمن السيبراني عالمياً إلى نحو 538.30 مليار دولار بحلول عام 2030.

5– تزايد عوائد سوق الأمن السيبراني عبر الأقاليم المختلفة: تعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا والمملكة المتحدة واليابان أكبر أسواق الدول الرائدة في صناعة الأمن السيبراني، وهو ما تظهره عوائد هذه الدول في سوق الأمن السيبراني، بيد أن الولايات المتحدة هي السوق الكبرى على الإطلاق؛ حيث تنامت عوائد السوق في الولايات المتحدة من 49.01 مليار دولار في عام 2019 إلى 71.79 مليار دولار في عام 2023، في مقابل نمو سوق الأمن السيبراني في الصين من 8.35 مليار دولار في عام 2019 إلى 13.71 مليار دولار في عام 2023، والمملكة المتحدة من 6.9 مليار دولار في عام 2019 إلى 9.4 مليار دولار في عام 2023، واليابان من 7.8 مليار دولار في عام 2019 إلى 9.3 مليار دولار في عام 2023.

6– هيمنة قطاع خدمات الأمن على سوق الأمن السيبراني: تشير البيانات الواردة في تقرير الأمن السيبراني على موقع Statista، إلى هيمنة قطاع خدمات الأمن على سوق الأمن السيبراني على حساب قطاع الحلول السيبرانية؛ إذ إنه بتتبع البيانات خلال الفترة من 2016 حتى 2023، كان هناك تنامٍ في حجم عوائد قطاع خدمات الأمن من 23.47 مليار دولار في عام 2016 إلى 39.78 مليار دولار في عام 2023؛ وذلك مقارنةً بقطاع الحلول السيبرانية الذي نما من 12.07 مليار دولار في عام 2016، إلى 32.01 مليار دولار في عام 2024.

7– توسع الشركات الكندية في تدريب الكوادر بمجال الأمن السيبراني: قدرت دراسة استقصائية عن صناعة الأمن السيبراني في كندا، أن واحدة من كل ست وظائف في مجال الأمن السيبراني شاغرة، رغم الأجور والمزايا الجيدة التي تُقدَّم للعاملين في ذلك المجال. وعليه، كثَّف اللاعبون في الصناعة في كندا جهودهم في سبيل تدريب الكوادر والكفاءات في مجال الأمن السيبراني، ومنهم شركة (Fortinet)، وهي شركة عالمية متخصصة في حلول الأمن السيبراني، ورائدة في مجال التقارب بين الشبكات والأمن؛ حيث أطلقت برنامج توجيه "المحاربين القدامى"، وهو مجلس استشاري يتكون من أعضاء من المنظمات التي تدعم مجتمع المحاربين القدامى العسكريين من كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ونيوزيلندا وكندا وأستراليا، ويهدف إلى دمج الأعضاء العسكريين في إطار الدفاع السيبراني في كندا، بغية تحويل المجتمع العسكري الكندي إلى أداء أدوار مدنية في مجال الأمن السيبراني. وفي إطار ذلك، عقدت "فورتينت" شراكات مع عدد من المنظمات ذات التفكير المماثل لتطوير البرنامج، مثل (Cyber Catalyst Talent Solutions) و (Tech Vets Canada).

مخاطر جديدة

أدى التطور التكنولوجي المتسارع إلى زيادة المخاطر المتعلقة بالهجمات السيبرانية؛ حيث أصبحت انتهاكات البيانات وهجمات برامج الفدية والاختراقات، على سبيل المثال، شائعة بشكل متزايد. وفيما يأتي يمكن استعراض أبرز التداعيات السلبية للتطورات التكنولوجية الراهنة على أمن المعلومات والمخاطر الصاعدة في هذا الصدد:

1– تنامي دور إنترنت الأشياء في زيادة الجرائم الإلكترونية: أدى التوسع في إنترنت الأشياء خلال السنوات الأخيرة، إلى خلق فرص متزايدة للجرائم الإلكترونية؛ حيث يشير إنترنت الأشياء إلى الأجهزة المادية بخلاف أجهزة الكمبيوتر والهواتف والخوادم التي تتصل بالإنترنت وتشارك البيانات، كأجهزة تتبع اللياقة البدنية، والثلاجات الذكية. ومع تنامي ذلك التوجه، فإن التقديرات تشير إلى أنه بحلول عام 2026، سيكون هناك نحو 64 مليار جهاز إنترنت الأشياء مثبت حول العالم. ولعل خطورة ذلك تكمن في كون زيادة تلك الأجهزة من شأنها الدفع نحو تغيير ديناميكيات الهجمات السيبرانية؛ أي زيادة عدد نقاط الدخول المحتملة من جانب الجهات الفاعلة الخبيثة، مقارنةً بأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية. ونظراً إلى كون أجهزة إنترنت الأشياء تتمتع بقدرات معالجة وتخزين أقل، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة صعوبة استخدام برامج مكافحة الفيروسات وتطبيقات الأمان الأخرى لحمايتها.

2– تصاعد فاعلية برامج الفدية: خلال العقدين الماضيين، تمكَّنت برامج الفدية من أن تصبح بمنزلة تهديد أمني متزايد؛ حيث تُعَد برامج الفدية وسيلة سهلة نسبياً للمتسللين من أجل الحصول على مكافآت مالية من جراء عمليات الابتزاز. ولعل جائحة كوفيد–19 والرقمنة المتسارعة التي لجأت إليها العديد من المؤسسات، بجانب العمل عن بُعد، قد نتج عنها نشوء أهداف جديدة لبرامج الفدية، ومن ثم زيادة حجم الهجمات الإلكترونية من خلالها. وتتضمن تلك البرامج هجمات ابتزاز من قبل مجرمين يسرقون بيانات الشركات ثم يشفرونها؛ حتى لا يتمكن أحد من الوصول إليها، ثم بعد ذلك يعمل مجرمو الإنترنت على ابتزاز المنظمة والتهديد بالإفراج عن بياناتها الخاصة. ويذكر في هذا الصدد، أن برامج الفدية أضحت أكثر تعقيداً في عمليات التصيد الاحتيالي في السنوات الأخيرة، نتيجةً للتوظيف المتزايد للتعلم الآلي بها، والمشاركة الأكثر تنسيقاً في الويب المظلم.

3– نمو التهديدات الأمنية السحابية: تعد نقاط الضعف السحابية من أكبر التهديدات السيبرانية؛ فمع زيادة الحاجة إلى الخدمات السحابية؛ نظراً إلى ما تقترن به من مزايا عديدة، بما في ذلك قابلية التوسع والكفاءة وتوفير التكاليف، فإنها قد أصبحت هدفاً رئيسياً للمهاجمين. كذلك فإن تكوين إعدادات السحابة بشكل خاطئ، يُعَد سبباً جوهرياً في حدوث انتهاكات في البيانات، والوصول غير المصرح به إليها، واختطاف الحسابات.

ونظراً إلى أن المؤسسات تعتمد على الخدمات السحابية، فإن ضمان اتخاذ تدابير أمنية قوية أصبح أمراً بالغ الأهمية لتخزين البيانات على نحو آمن. وعلى الرغم من أن موفري الخدمات السحابية ينفذون بروتوكولات أمان قوية، فإن من الممكن أن تنشأ ثغرات أمنية نتيجة لأخطاء المستخدم أو البرامج الضارة أو هجمات التصيد الاحتيالي؛ لذا تمثل المراقبة وإجراء التحديثات المستمرة في هذا الصدد، أموراً ضروريةً للغاية للتخفيف من المخاطر وحماية البيانات السرية المخزنة في السحابة.

4– معضلة المصادقة المتعددة العوامل للتطبيقات: في عام 2020، نصحت شركة مايكروسوفت المستخدمين بالتوقف عن استخدام المصادقة المتعددة العوامل (MFA) المستندة إلى الهاتف، وأوصت بدلاً من ذلك باستخدام أدوات المصادقة ومفاتيح الأمان القائمة على التطبيقات؛ حيث إن الرسائل النصية القصيرة المرسلة، بما في ذلك لأغراض المصادقة، هي في الأصل غير مشفرة؛ ما يعني أن الجهات الفاعلة الخبيثة يمكنها تنفيذ هجمات وسيطة آلية للحصول على رموز مرور لمرة واحدة بنص عادي، وهو ما يمثل ثغرة أمنية في أنشطة عديدة، مثل الخدمات المصرفية عبر الإنترنت؛ حيث تتم المصادقة غالباً عبر الرسائل النصية القصيرة على نحو متزايد.

5– تزايد فرص القرصنة للمركبات الحديثة: كثير من المركبات الحديثة حالياً مزودة ببرامج متطورة توفر اتصالاً سلساً وميزات متقدمة، مثل التحكم في سرعة وتوقيت المحرك وأنظمة مساعدة السائق. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد على الأتمتة والاتصال يُعرِّض المركبات أيضاً لمخاطر القرصنة المحتملة، باستخدام تقنيات مثل Bluetooth وWiFi للاتصال؛ حيث يمكن للمتسللين استغلال نقاط الضعف للسيطرة على السيارة أو حتى التنصت على المحادثات من خلال الميكروفونات المدمجة. ومع تزايد اعتماد المركبات الآلية، فإن من المتوقع أن تتصاعد هذه التهديدات، بما يستلزم اتخاذ تدابير صارمة للأمن السيبراني، وخاصةً بالنسبة إلى المركبات الذاتية القيادة.

6– قدرة الذكاء الاصطناعي على تهديد الدول: بالرغم من مراهنة بعض الحكومات على دور الذكاء الاصطناعي في أداء بعض المهام، فإن ثمة تقديرات بأن الذكاء الاصطناعي سيدفع إلى زيادة حجم الهجمات السيبرانية ويزيد من تأثيرها، وخاصةً أن جميع أنواع الجهات الفاعلة في مجال التهديد السيبراني – حكومية وغير حكومية – تستخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي بدرجات متفاوتة. وفي هذا الصدد، يعمل الذكاء الاصطناعي على تقليل العوائق أمام مجرمي الإنترنت المبتدئين والمتسللين المأجورين ونشطاء القرصنة لتنفيذ عمليات الوصول وجمع المعلومات بشكل فعال.

7– تصاعد استهداف البنية التحتية للدول: كشفت السنوات الماضية عن تنامي استهداف البنية التحتية من جانب البرامج التخريبية؛ فقد استخدم قراصنة ينتمون إلى جماعة يُطلَق عليها اسم "تشيرنوفيت"، برمجيات خبيثة لاستهداف عدة مواقع للكهرباء والغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة عبر قطع اتصالها بالشبكة العنكبوتية في 14 فبراير 2023، في مثال فج لاستهداف البنية التحتية الأمريكية لتخرج كليةً من الخدمة؛ فقد تزايدت الهجمات التي يشنُّها قراصنة الطاقة ضد المرافق والمنشآت الحيوية الأمريكية في الآونة الأخيرة، دون أن تقتصر تلك الهجمات على مرافق الكهرباء والغاز بطبيعة الحال؛ فقد امتدت كذلك لتشمل المحطات النووية الأمريكية؛ حيث استهدف فريق من القراصنة الروس معروف باسم "النهر البارد" أو "كولد ريفر" ثلاثة مختبرات أبحاث نووية أمريكية بارزة. ورصدت تسجيلات الإنترنت محاولات القراصنة إنشاء صفحات تسجيل دخول مزيفة للمختبرات الثلاث، وإرسال رسائل بريد إلكتروني إلى العلماء النوويين بهدف الاحتيال عليهم، وحضِّهم على الكشف عن كلمات المرور الخاصة بهم.

8– مواصلة الهجمات على المنشآت الخدمية: كانت المنشآت الخدمية أيضاً عرضةً لهجمات سيبرانية واسعة خلال السنوات الأخيرة؛ ففي فبراير 2023، اتهمت هولندا جماعة "كيلنات" الموالية لروسيا باستهداف مستشفى "يو إم سي جي" في جرونينجن شمال البلاد بجانب مستشفيات في دول أوروبية أخرى تدعم أوكرانيا؛ فقد شنت الجماعة هجمات "الحرمان من الخدمة الموزعة" ضد عدد من المستشفيات الأوروبية في بريطانيا وألمانيا وبولندا والدول الاسكندنافية والولايات المتحدة، كما تعرَّضت مواقع إلكترونية لإدارات عامة وأخرى في القطاع المالي في ألمانيا لهجمات نُسِبَت إلى جماعة القرصنة نفسها، كما استُهدِفت خدمة البريد البريطانية في يناير 2023 بهجمات سيبرانية توقفت على إثرها خدماتها الخارجية مؤقتاً، وعجزت عن إرسال رسائل أو طرود إلى دول أخرى، وأوصت العملاء بالاحتفاظ بالبريد الذين يريدون إرساله إلى خارج البلاد لحين حل المشكلة.

متطلبات رئيسية

إجمالاً، دفع مشهد التهديدات الرقمية المتطور كلاً من الحكومات والهيئات التنظيمية والشركات الرائدة في صناعة الأمن السيبراني إلى تقديم لوائح ومعايير جديدة، ووضع برامج فعالة في سبيل تطوير قدرات العاملين في الصناعة، بيد أن التحدي في هذا الصدد يتمثل في الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها المؤسسات المختلفة لضمان الامتثال لتلك المتطلبات؛ حيث إن الامتثال والحفاظ عليه قد يكون أمراً صعباً؛ نظراً إلى الطبيعة الديناميكية للتهديدات الرقمية.

وعلى الجانب الآخر، تفرض الطبيعة المتسارعة للهجمات السيبرانية حتمية بناء استراتيجيات فعالة للاستجابة لتلك الهجمات، ما يتوجب على المؤسسات أن تركز على منع الهجمات واكتشاف الانتهاكات المحتملة والتخفيف منها، بما في ذلك القيام بتقييمات أمنية منتظمة وتدريب الموظفين ووضع خطط لضمان الاستجابة القوية للتهديدات السيبرانية.

ونظراً للطبيعة العابرة للحدود الوطنية للتهديدات الرقمية؛ فإن التعاون الدولي أضحى متطلب رئيسي لتنمية وتطوير صناعة الأمن السيبراني من أجل مكافحة التهديدات السيبرانية، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة عمل الحكومات ووكالات إنفاذ القانون ومنظمات الأمن السيبراني في جميع أنحاء العالم معاً على تبادل المعلومات المتعلقة بالتهديدات، وتعقب مجرمي الإنترنت، وتخفيف التهديدات وتداعياتها على نطاق عالمي.

ولمَا كان توظيف ذوي الخبرة والمهارة في مجال الأمن السيبراني يواجه عقبات عديدة، حيث يوجد ما يقدر بنحو 3.4 مليون وظيفة أمنية شاغرة عالمياً، فإن عدم توافر الأعداد والمهارات اللازمة لشغل هذه المناصب، يمكن أن يزيد من الهجمات السيبرانية على الأنظمة والصناعات الحيوية، وهو ما يجعل من بناء القدرات التي تحتاجها دول العالم لسد الفجوات في ذلك المجال متطلب حتمي وضروري.

ما تحديات صناعة الأمن السيبراني عالمياً؟