إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز، يوم 1 مايو 2025، وذلك نتيجة توجهاته المتشددة في السياسة الخارجية الأمريكية، إلى جانب تبنيه نهجاً مخالفاً لموقف الرئيس الأمريكي تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى موقفه الموالي لرئيس الوزراء الإسرائيلي في توجيه ضربات عسكرية ضد إيران في الوقت الذي يحاول فيه ترامب احتواء الموقف حتى لا تقوم حرب إقليمية لها تبعات كبيرة على العالم، فضلاً عن أن والتز تسبب في حدوث تسريبات لمعلومات سرية بشأن الضربات العسكرية الموجهة للحوثيين في اليمن عبر تطبيق المراسلة المشفر سيجنال.أسباب مؤثرةثمة عديد من الأسباب التي أثرت على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجعلته يغضب من مستشاره مايك والتز، والتي أدت به في نهاية المطاف إلى إقالته من منصبه وتعيينه في منصب آخر هو سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وهذه الأسباب يمكن توضيحها فيما يلي:1- تبني والتز موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن إيران: من بين الأسباب التي أدت إلى إقالة مستشار الأمن القومي من منصبه وجعلت الرئيس الأمريكي يغضب منه، أن مايك والتز تبنى وجهة نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه إيران، والذي كان يرجح توجيه ضربات عسكرية إلى إيران، في حين أن والتز قام بإجراء محادثات مكثفة مع نتنياهو بشأن الخيارات العسكرية المتاحة ضد طهران، وذلك قبل اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي، وهذه الأمور أغضبت الرئيس الأمريكي.في حين أن الرئيس الأمريكي رأى أن والتز كان مخالفاً لتوجهاته وأنه انقسم عن الإدارة الأمريكية بشأن قضية إيران، والتي تعتبر إحدى أهم القضايا الأكثر حساسية في السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك لأنه في الوقت الذي يتبنى فيه مبعوث الرئيس للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف نهجاً دبلوماسياً مع طهران لتفادي حدوث حرب إقليمية مكلفة، تبنى والتز موقفاً متشدداً تجاه إيران.2- تورط والتز في تسريبات سيجنال: قد يكون من بين الأسباب التي جعلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطيح بوالتز من منصبه، أنه تسبب في الشهر الماضي في حدوث اختراق أمني أثار غضباً واسعاً في الأوساط الأمريكية، إلى جانب أنه هز الطبقة السياسية الأمريكية بأكملها، وذلك من خلال قيامه بإضافة رئيس تحرير مجلة "ذي أتلانتيك" جيفري جولدبيرج، عن طريق الخطأ إلى المجموعة الخاصة على تطبيق المراسلة المشفر سيجنال، وكانت هذه المحادثة تضم كبار المسؤولين الأمريكيين من بينهم وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، والذين كانوا يناقشون خططاً عسكرية هامة وسرية للغاية تتعلق بضربات عسكرية وشيكة على الحوثيين في اليمن.3- تولي والتز منصب سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة: من بين الأسباب التي قد تكون وراء إقالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمايك والتز من منصبه، أنه يرى أنه سيكون أفضل في منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، لذلك صرح على قناة تروث سوشيال قائلاً: "عمل مايك والتز بجد لوضع مصالح أمتنا في المقام الأول، وأنا على يقين بأنه سيفعل الشيء نفسه في منصبه الجديد"، في حين أراد الرئيس الأمريكي تعيين وزير الخارجية ماركو روبيو ليتولى مهام مستشار الأمن القومي بالوكالة بدلاً منه، وهذه هي المرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة بأن يجمع شخص واحد بين منصبين في آن واحد منذ أن شغل هنري كسينجر في السبعينيات منصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي.4- امتلاك والتز توجهات متشددة وصارمة: قد يكون من الأسباب التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير من وجهة نظر الرئيس الأمريكي، أن مستشار الأمن القومي مايك والتز كانت لديه توجهات في السياسة الخارجية تميل إلى الشدة والصرامة وخاصة فيما يتعلق بروسيا وإيران، والدليل على ذلك أن والتز اتبع نهجاً صارماً تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الوقت الذي كان ترامب يتبع أساليب أكثر تصالحاً ودبلوماسية مع موسكو وطهران، وهو بذلك أصبح مخالفاً لتوجهات الرئيس الأمريكي الذي حرص عند اختياره لفريق إدارته الثانية على أن يختار أشخاصاً موالين له ويتبعون نفس أفكاره.5- امتعاض الإدارة الأمريكية من تصرفات والتز: من بين الأسباب أيضاً التي عجلت بإطاحة مايك والتز من منصبه، أن الكثير من المسؤولين في الإدارة الأمريكية والبيت الأبيض ينتقدون تصرفات وأداء والتز في الفترة الأخيرة، وذلك من خلال زلاته الكثيرة من خلال تسببه في فضيحة سيجنال، إلى جانب أدائه غير الجيد مع مسؤولي الحكومة الأمريكية والبيت الأبيض، والدليل على ذلك ما نصحه به نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس أثناء اصطحابه إلى جزيرة جرينلاند بالدنمارك "بالعمل بشكل أكثر تعاوناً مع زملائه"، بالإضافة إلى أن كبيرة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز كان لديها استياء كبير في الفترة الأخيرة من تصرفات وأفعال والتز وطالبت بإقالته، لذلك قالت: "إن والتز لم يعد يناسب الرئيس، وإنه أحرج الإدارة الأمريكية كثيراً".في حين قامت المروجة لنظريات المؤامرة المؤيدة لترامب والمؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي لورا لومر، بشن حملة شرسة ضد من تزعم أنهم غير موالين ومحافظين جدد، ورأت أن هؤلاء الأشخاص ما كان ينبغي توظيفهم في ولاية ترامب الثانية ومن بينهم والتز، لذلك قامت بمشاركة فيديو قديم لوالتز ينتقد فيه ترامب منذ سنوات.6- قيام والتز بإصلاحات في مجلس الأمن القومي: من بين الأسباب التي روجها نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس عن سبب إقالة الرئيس الأمريكي لمستشار الأمن القومي مايك والتز من منصبه، أنه رأى أن والتز تم اختياره من البداية لإنجاز مهمة واضحة هي إجراء إصلاحات جادة داخل مجلس الأمن القومي، وأنه بالفعل قام بهذه المهمة على أكمل وجه لذلك تمت ترقيته لمنصب سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة، والدليل على ذلك ما قاله فانس في حديثه على شبكة فوكس نيوز: "أعتقد أن هذه ترقية، ويمكن القول إنها حجة قوية. جلبنا مايك لإجراء إصلاحات جادة في مجلس الأمن القومي، وفعل ذلك بأُلف".تداعيات متوقعةثمة العديد من التداعيات المتوقع أن تحدث عقب إقالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمستشار الأمن القومي مايك والتز، وهذه التداعيات يمكن توضيحها فيما يلي:1- تراجُع دور مجلس الأمن القومي: من المتوقع أن يتأثر مجلس الأمن القومي بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز، لذلك توقع بعض المسؤولين في البيت الأبيض أن الدور الذي يقوم به مجلس الأمن القومي قد يتضاءل تحت قيادة ترامب، حيث إن مجلس الأمن القومي كان يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، لكن الآن سيصبح تحت قيادة مباشرة من الرئيس الأمريكي، والذي يتبع نهجاً مغايراً عن سابقيه في السياسة الخارجية التقليدية.2- اتباع واشنطن نهجاً أكثر انعزالية: من المرجح مع إقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز واستبداله بوزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يعد من الموالين لتوجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن يتبع روبيو خلال الفترة القادمة نهج ترامب القائم على شعار "أمريكا أولاً"، والذي يؤدي إلى اتباع واشنطن نهجاً أكثر انعزالية في سياستها الخارجية، وذلك لأن روبيو يريد البقاء في منصبه لأنه يعلم جيداً أن من يخالف الرئيس الأمريكي في الرأي فإنه سيفقد منصبه.3- اعتماد ترامب على الأشخاص الموالين له: من المحتمل أن الفترة القادمة من تاريخ الإدارة الأمريكية الحالية ستشهد الكثير من إقالات كبار المسؤولين البارزين في الإدارة، واستبدالهم بأشخاص آخرين لديهم ولاء وطاعة عمياء للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأن تكون لديهم نفس الرؤى والأفكار الخاصة بالرئيس بغض النظر عن خبراتهم السياسية أو مؤهلاتهم العلمية التي يمتلكونها.4- احتمالية تعيين ترامب لميلر بديلاً عن والتز: من المتوقع أن يختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستيفن ميلر لمنصب مستشار الأمن القومي الأمريكي، وذلك لأنه يتمتع بخبرة واسعة في الإدارة نظراً لأنه منذ تخرجه في الجامعة في 2007م عمل كمتدرب في مكتب النائب الجمهوري جون شاديج عن ولاية أريزونا، ثم شغل منصب السكرتير الصحفي للنائبة الجمهورية ميشيل باخمان عن ولاية مينيسوتا، إلى جانب شغله الكثير من المناصب والتي كان آخرها توليه منصب نائب رئيس موظفي البيت الأبيض ومستشار الإدارة للأمن الداخلي، لذلك أشاد ترامب به قائلاً: "إنه شخص ذو قيمة كبيرة في الإدارة".في حين أنه من المتوقع أن يعاون ميلر ترامب في العديد من القضايا الداخلية التي تشغله منذ توليه منصبه في البيت الأبيض والتي على رأسها قضية الهجرة، لذلك فقد يعزز إجراءات الترحيل الجماعي، واستخدام الحرس الوطني لتنفيذ عمليات الهجرة كما روج ترامب لخطة ترحيل المهاجرين غير النظاميين خلال حملته الانتخابية، إلى جانب أنه قد يتبنى نفس توجهات الرئيس الأمريكي في القضايا الخارجية التي تهم ترامب فيما يخص إيران والصين.إقالات متكررةوختاماً، يمكن القول إن سيناريو إقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز الذي قام به الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي سيتكرر كثيراً خلال الفترة القادمة، وذلك لأن الرئيس الأمريكي يريد من يكون في فريقه وإدارته الثانية ممن يكون ولاؤهم الأساسي له، وأن تكون لديهم طاعة عمياء له في كل مواقفه، لذلك من المتوقع أن كل من يخالف وجهة نظره أو يعارضها فإن مصيره سيكون مثل والتز، وأن هذه القرارات التي سيتخذها ستحدث تغييرات كبيرة داخل الحزب الجمهوري وذلك من خلال ظهور جيل أصغر سناً من الموالين له، وأقل ولاءً للمؤسسات التقليدية وأكثر تنفيذاً لإرادة ترامب.

أبعاد إقالة مايك والتز من منصب مستشار الأمن القومي