د. ياسمين كالميت

تصاعدت الخلافات بين الولايات المتحدة والمكسيك في الآونة الأخيرة على خلفية الاقتراح الذي طرحه الرئيس الأمريكي "ترامب" بإرسال قوات أمريكية إلى المكسيك لمحاربة كارتلات المخدرات، وهو ما أعاد إلى الواجهة الحديث عن سياسة التدخل التي تنتهجها الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية؛ فخلال مكالمة هاتفية، اقترح ترامب على رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، السماح بدخول القوات الأمريكية إلى الأراضي المكسيكية، مشيراً إلى أن ذلك سيساعد في مكافحة الاتجار بالمخدرات، غير أن هذا المقترح دفع البعض إلى القول بأن واشنطن تسعى إلى التأثير على السياسات الداخلية وتأمين مصالحها الاقتصادية، كما حدث سابقاً مع "خطة كولومبيا" (2000–2016) والتدخلات في الإكوادور عام 2024. وأمام هذا السيناريو، رفضت شينباوم الاقتراح بدبلوماسية محسوبة، وهو الأمر الذي قوبل بانتقادات من جانب ترامب الذي أشار، يوم 4 مايو 2025، إلى أن رئيسة المكسيك رفضت المقترح لأنها خائفة من العصابات. دوافع رئيسيةارتبط رفض رئيسة المكسيك لمقترح الرئيس الأمريكي ترامب بشأن نشر قوات أمريكية لمكافحة الاتجار بالمخدرات بعدد من الدوافع والمحركات الرئيسية المتمثلة فيما يلي: 1– مخاوف التأثير على السيادة المكسيكية: يبدو أن ترامب استغل هشاشة المكسيك التجارية – إذ تمثل الولايات المتحدة الوجهة الأولى لصادراتها، وفقاً لتقديرات البنك الدولي في 2023 – ليقترح تدخلاً عسكرياً قُدِّم على أنه دعم ضد الكارتيلات، لكنه في الواقع يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية. جاء رد شينباوم متزناً، متفاديةً المواجهة المباشرة، ومؤكدةً حرمة الأراضي المكسيكية، في انعكاس للمأزق الدائم الذي تواجهه حكومات أمريكا اللاتينية: كيف ترفض التدخل الأمريكي من دون تعريض العلاقات الاقتصادية الحيوية للخطر.2– إثبات نموذج الإكوادور صعوبة الاعتماد على الحل العسكري: تُشكِّل الحالة الأخيرة في الإكوادور تحذيراً صارخاً؛ فبعد إعلان "حرب شاملة" على تجار المخدرات عام 2024، ارتفعت جرائم القتل بنسبة 210% خلال ستة أشهر؛ ما يوضح مخاطر الاعتماد على الحل العسكري كخيار وحيد.3– المخاوف من تكرار تجربة التدخل الأمريكي في كولومبيا: دعمت الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية كولومبيا في مواجهة تجار المخدرات؛ حيث طُرِحَت خطة لدعم كولومبيا في مواجهة تجار المخدرات، وهي الخطة التي انطلقت بصورة رئيسية عام 2000 باستثمار أوَّلي بلغ 7.5 مليار دولار (منها 1.3 مليار من التمويل الأمريكي المباشر)، ولكنها أظهرت التناقضات الجوهرية لهذا النهج.فبينما حقَّقت بعض النجاحات التكتيكية – مثل اعتقال قادة كارتلات كالي وميديلين، وتحقيق تخفيضات محلية في زراعة الكوكا – فإنها فشلت على المستوى الاستراتيجي: لم ينخفض إنتاج الكوكايين، بل تفتَّتت المنظمات الإجرامية إلى هياكل أكثر لا مركزيةً وعابرة للحدود، وتصاعد عنف الدولة بشكل كبير، مع تقارير عن آلاف من حالات الإعدام خارج نطاق القانون.وبشكل مُفارِق، تَمثَّل الإرث الأبرز لخطة كولومبيا في توسيع الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة؛ حيث أُنشِئت سبع قواعد أمريكية جديدة في الأراضي الكولومبية بحلول عام 2015؛ ما يؤكد أن الخطاب المتعلق بمكافحة المخدرات كان يُغطِّي تحته مصالح جيوسياسية أوسع.4– التأثيرات المحتملة لتصنيف واشنطن عصابات المخدرات كمنظمات إرهابية: لا يمكن إغفال أن قرار ترامب بتصنيف كارتلات المخدرات المكسيكية كـ"منظمات إرهابية أجنبية" – وهو إجراء غير مسبوق في العلاقات الثنائية – يشكل خطراً أكبر؛ إذ يمنح الولايات المتحدة سلطات أحادية الجانب موسعة.هذا التصنيف قد يتيح للولايات المتحدة تجاوز آليات التعاون القانوني القائمة، وتنفيذ عمليات عسكرية من دون استشارة مسبقة مع المكسيك، وكذلك تبرير فرض عقوبات اقتصادية أحادية.وتُظهِر حالة كولومبيا مخاطر هذا النهج؛ فبعد تصنيف "فارك" منظمةً إرهابيةً عام 1997، كثَّفت الولايات المتحدة وجودها العسكري بموجب خطة كولومبيا؛ ما أدى إلى تصاعد العنف بشكل كبير (بأكثر من 8 ملايين ضحية للنزاع، حسب المركز الوطني للذاكرة التاريخية في كولومبيا).وفي المكسيك حيث تنشط الكارتلات في مناطق حضرية مكتظة بالسكان، قد تؤدي العمليات العسكرية الأحادية إلى كوارث إنسانية ضخمة.5– تركيز رئيسة المكسيك على خيارات بديلة للتدخل الأمريكي: تبنَّت الرئيسة كلوديا شينباوم، في إطار ردها على مقترح التدخل الأمريكي، موقفاً دبلوماسياً، متجنبةً المواجهة المباشرة، ومشددة على أهمية التعاون الثنائي القائم على الاحترام، كما سلطت شينباوم الضوء على جهود المكسيك في مكافحة تهريب المخدرات، بما يشمل تسليم زعماء الكارتلات، وزيادة العمليات الأمنية على الحدود. ويعكس هذا الرد محاولةً للحفاظ على استقرار العلاقات مع الولايات المتحدة، مع تأكيد استقلال البلاد وسيادتها، في مسعى إلى تجنب تكرار حلقات التدخل الأجنبي التي تسببت سابقاً في نتائج كارثية لدول أمريكا اللاتينية.تحديات رئيسيةيكشف اقتراح ترامب بالتدخل العسكري في المكسيك بحجة مكافحة تهريب المخدرات عن تناقض جوهري في سياسات الأمن القاري؛ فحسبما أثبتت تجربتا كولومبيا والإكوادور، فإن هذا النوع من التدخلات لم يؤدِّ إلى الحد من تهريب المخدرات – التي ارتفعت بنسبة 40% بعد "خطة كولومبيا" – بل خلَّف ثلاث نتائج جانبية خطيرة، وهي: تقويض المؤسسات الديمقراطية المحلية، وتصاعد العنف المسلح، وترسيخ شبكات الجريمة المنظمة في هياكل أكثر لا مركزيةً وعابرة للحدود.وتجد المكسيك نفسها اليوم أمام معضلة صعبة تتمثل في كيفية مواجهة هذه الضغوط من دون الإضرار بعلاقتها الاقتصادية الحيوية مع الولايات المتحدة، لكن الحل لا يكمن في الخضوع لاستراتيجيات أثبتت فشلها، بل في ترسيخ سياسات عامة قائمة على معطيات واقعية.ولبناء استراتيجية سيادية وفعَّالة، ينبغي للمكسيك تحقيق ما يلي: إصلاح منظومتها القضائية لمحاربة الفساد المؤسسي الذي يُتيح للكارتلات والعصابات الاستمرار في نشاطها؛ فوفقاً لمنظمة الشفافية الدولية 2023، تخسر المكسيك 5% من ناتجها المحلي الإجمالي سنوياً بسبب الفساد، كما تحتاج إلى الاستثمار في التنمية المحلية؛ إذ إن 80% من عمليات تجنيد الكارتلات تحدث في بلديات لا يتجاوز فيها مؤشر التنمية البشرية 0.7.وربما على المكسيك أيضاً الدفع نحو إجراءات موازية من الولايات المتحدة، مثل ضبط تهريب الأسلحة؛ حيث تُظهر بيانات مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية لعام 2023 أن 90% من أسلحة الكارتلات مصدرها الولايات المتحدة، علاوةً على ضرورة مكافحة غسيل الأموال، وتقليص الطلب المحلي على المخدرات؛ إذ تكشف بيانات إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية أن سوق المخدرات في الولايات المتحدة يُدرُّ نحو 150 مليار دولار سنوياً.ومع أن موقف شينباوم الحالي الذي يوازن بين رفض التدخل وتقديم مقترحات للتعاون الفني يتسم بالحكمة، فإنه غير كافٍ؛ فهذه اللحظة تتطلب أجندة جريئة تُحوِّل أزمة الأمن إلى فرصة لإعادة تعريف العلاقات بين دول نصف الكرة الغربي على أسس أكثر إنصافاً، تقوم على المسؤولية المشتركة بدلاً من منطق التدخل الأحادي.

لماذا ترفض المكسيك مقترح التدخل العسكري الأمريكي لمكافحة عصابات المخدرات؟