الإيكونوميست

عرض: د. إيمان عبد الحليمتعرضت أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم لتحديات متنامية خلال الشهرين الأخيرين من عام 2023؛ إذ بدأ المتمردون الحوثيون هجماتهم ضد السفن المارة بالبحر الأحمر عبر مضيق "باب المندب" في أوائل ديسمبر، ولينخفض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 40% مع تحول السفن نحو "رأس الرجاء الصالح"، كما انخفضت التجارة عبر قناة بنما ثاني أكثر الممرات البحرية الصناعية ازدحاماً، بنسبة 30% منذ نوفمبر.ومن هذا المنطلق، عرضت مجلة "إيكونوميست" التحديات المتنامية التي تواجه قناة بنما المائية على نحو خاص، ومن خلال التقرير المنشور في 9 يناير 2024، وحمل عنوان "تقلص ​​قناة بنما يعزز طرق التجارة المنافسة"؛ حيث كشف التقرير عن مرور قناة بنما بواحدة من أسوأ أزماتها بسبب الجفاف، وبسبب سعي العديد من الدول اللاتينية إلى "اغتنام الفرصة" لخلق ممرات بديلة؛ ما يهدد بنما بخسارة ملايين الدولارات سنوياً، التي كانت تجنيها من القناة.تحديات متنوعةتواجه قناة بنما، بحسب التقرير، بعض التحديات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1– تزايد تأثير التغيرات المناخية: أوضح التقرير أنه في مقابل المشكلات الجيوسياسية التي تواجه قناة السويس، فإن تلك التي تواجه قناة بنما هي مشكلات مناخية بالأساس؛ إذ تجف البحيرات التي تغذي القناة؛ بسبب حالات الجفاف السنوية التي قد تتفاقم مع ارتفاع درجة حرارة المناخ. والنتيجة أن سلسلة الأقفال التي تربط المحيطين الأطلسي والهادئ عبر بحيرة "جاتون" قريبة من درجة الاضمحلال الشديد إلى الحد الذي لا يسمح لأكبر سفن الحاويات بالمرور.ويؤثر ذلك – بلا شك – على عوائد القناة، التي تنقل في الأوقات العادية نحو 5% من التجارة البحرية العالمية، وقد أدرَّت نحو 2.5 مليار دولار لخزانة بنما في العام المالي 2022–23؛ أي نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.2– منافسة مشروع "ممر المحيطات" في المكسيك: يُعد مشروع "ممر المحيطات" للمكسيك الأقرب إلى الاكتمال بعد أن ظل المشروع قيد النقاش عقوداً من الزمن، ثم مضى العمل فيه قدماً ضمن برنامج مشروعات البنية التحتية الذي تولى زمامه الرئيس "أندريس مانويل لوبيز أوبرادور". وأبرز مكونات المشروع هو تحديث خط سكة حديدية بطول 300 كيلومتر يمتد عبر جنوب المكسيك، من المحيط الهادئ إلى ساحل المحيط الأطلسي.وذلك فيما أجرت المكسيك تحديثات على الموانئ الواقعة على كلا الجانبين – "كواتزاكوالكوس" على المحيط الأطلسي، و"سالينا كروز" على المحيط الهادئ – لزيادة طاقتها الاستيعابية من حاويات الشحن، وتسريع عمليات التفتيش الجمركي.وقد اكتملت معظم أعمال بناء السكك الحديدية، وبدأ الخط في نقل الركاب، إلا أن العمل في الموانئ لم يكتمل بعد، وقد أدى ذلك إلى تأخير البدء في رحلات الشحن بين الساحلين، فيما تخطط حكومة المكسيك لافتتاح العمل في خطي السكك الحديدية الثاني والثالث الخاصة بمشروع "ممر المحيطات"، واستعمالهما في نقل البضائع في وقت لاحق من عام 2024.3– خطط كولومبيا لتشغيل خط سكك حديدية: لا تقتصر المنافسة لبنما على ممر المحيطات المكسيكي؛ فهناك مشروع كولومبي كذلك، وإن كان لا يزال في مرحلة التخطيط؛ إذ يستهدف الرئيس "جوستافو بيترو" تشغيل خط سكة حديدية يمر عبر مقاطعة "تشوكو" الشمالية، ويربط ميناء "بوينافينتورا" المطل على المحيط الهادئ بساحل البحر الكاريبي.وتعمل "الوكالة الوطنية للبنية التحتية" في البلاد على تخطيط المشروع، لكنها لم تعلن سوى القليل عنه، ونشر الرئيس الكولومبي خريطة بها خط بري يربط بين الساحلين، على حسابه بموقع "إكس"، فيما لا يُعرف بعد الميناء الذي سينتهي إليه خط السكة الحديدية المتصور إقامته على الجانب الكاريبي.4– طرح مشروع "كابريكورن بيوسنياك" عبر دول عدة: ثالث المشروعات المنافسة هو مشروع "كابريكورن بيوسنياك" الضخم، الذي يتكون من طرق برية تمر عبر دول عدة، هي: بوليفيا والبرازيل والأرجنتين وباراجواي وتشيلي، ويقع تقريباً على المحيط الحيوي لمدار الجدي. وعلى الرغم من أن مسار الطريق البالغ طوله 2250 كيلومتراً، أطول كثيراً من أن يكون نداً لمنافسة قناة بنما، فإنه قد يكون خياراً مفيداً للشركات، التي تتخذ من أمريكا اللاتينية مقراً لها، في تجارتها مع آسيا.وقد حظي المشروع بتمويل متعدد الأطراف، وبُني جزء منه بالفعل. وأعرب "سيرجيو دياز جرانادوس" رئيس بنك التنمية الإقليمي "كاف"، عن ثقته بقدرة دول الإقليم على إتمام المشروع، ووصفه بأنه من أعظم الفرص ضمن مشروعات التجارة والخدمات في أمريكا اللاتينية.5– البدائل البحرية المحتملة لقناة بنما: بجانب المشروعات البرية السابقة، تم أيضاً طرح العديد من البدائل البحرية المحتملة لقناة بنما، وإن كانت تختلف عن المشروعات البرية في كونها لا تزال قيد التصور؛ إذ تريد نيكاراجوا بناء قناة تمر عبر أراضيها، بالرغم من التكاليف الباهظة والتعقيدات المتوقعة والمرتبطة بهذا النوع من المشروعات، وإخفاق محاولة سابقة مدعومة من شركة إنشاءات في هونج كونج.ومن جهة أخرى، فإن مشكلة الاحتباس الحراري التي بدأت تتسبب في الجفاف بقناة بنما تتسبب كذلك في ذوبان الجليد بالقطب الشمالي الكندي؛ ولذلك فإن الممر الشمالي الغربي – وهو طريق بحري يحدُّ ساحل كندا في القطب الشمالي – قد يصبح قابلاً للاستخدام في الشحن التجاري بعد ذوبان جليده.الأهمية الاستراتيجيةتبدو البدائل البرية أكثر واقعية من البدائل البحرية لقناة بنما؛ فهي أرخص تكلفة وأقل خطورة، ومن ثم أسهل في التمويل، لكن مع ذلك فإن المشروعات المطروحة لن تحل بسهولة محل قناة بنما التي يمكنها استيعاب السفن العملاقة التي تحمل 14 ألف حاوية في شحنة واحدة، لتظل الأهمية الاستراتيجية المتفردة لقناة بنما قائمة، حتى إن تعددت البدائل المحتملة.وفي مقابل اعتقاد الحكومة المكسيكية أن رحلة الشحن عبر خط السكك الحديدية المار في أراضيها من الساحل إلى الساحل ستكون أقصر زمناً من عبور القناة، تتجاهل الإشارة إلى أن سعة القطارات والسرعة التي يمكن بها تحميلها وتفريغها تعني أن المعدل الإجمالي لعبور البضائع بين المحيطين الهادئ والأطلسي في "ممر المحيطات" سيكون أبطأ بكثير من القناة.وذلك مع الوضع في الاعتبار كذلك أن نقل البضائع بالقطار والطرق البرية ليس خياراً جيداً ويحمل الكثير من العوائق والعقبات، التي تفسر تفضيل معظم شركات الشحن قطع كيلومترات إضافية في طرق بحرية أخرى، مثل "رأس الرجاء الصالح"، على الاضطرار إلى مواجهة متاعب التفريغ وإعادة التحميل في الطرق البرية. وإذا لزم الأمر، فمن المحتمل أن يفضل الكثيرون الطرق الحالية عبر الولايات المتحدة الأمريكية على بدائل الطرق غير المختبرة في أمريكا اللاتينية.إلا أن هذا لا يعني أن الطرق الجديدة عديمة الفائدة على الإطلاق؛ فطريق "كابريكورن بيوسنياك" كان له الفضل في إجراء تحديثات مُلحَّة في شبكات الطرق بأمريكا الجنوبية، كما يساعد في تحفيز القدرات التصديرية لهذه الدول، وتعزيز التجارة الإقليمية فيما بينها، التي غالباً ما تكون شديدة الضعف. وربما تستفيد المكسيك كذلك من خطط التوسع المزمعة، ومن مساعي الولايات المتحدة لتقصير سلاسل التوريد ونقلها بعيداً عن الصين.وربما تؤول الطرق البرية الجديدة في نهاية المطاف إلى العمل بالتكامل مع قناة بنما، وليس التنافس معها. أما إذا تفاقمت المشكلات في قناتي السويس وبنما، بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وتفاقم الجفاف في بنما، فإن الطرق البرية غير المكتملة ربما تكون الملاذ الذي تلجأ إليه التجارة العالمية؛ لأنه لن يكون لديها بديل آخر.المصدر:"The dwindling of the Panama Canal boosts rival trade routes", The Economist, January 2024.&nbsp;

كيف تزايدت المشروعات المنافسة لقناة بنما؟