إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

باتت قضية الأمن السيبراني محوراً مركزياً لتحقيق الأمن القومي لدول العالم كافةً؛ فعملية سيبرانية معادية واحدة كفيلة بتكبيد الدولة خسائر بشرية ومقدرات مالية، وإحداث كوارث صحية وبيئية ومالية هائلة الأثر. وقد اختبرت الولايات المتحدة ذلك حينما نفَّذت مجموعةُ القرصنة الروسية المرتبطة بالاستخبارات اختراقاً كبيراً للمورد الحكومي سولار ويندز، واستطاعت إلحاق الضرر بما يصل إلى 12 وكالة فيدرالية. وفي ضوء ذلك، تُركِّز الولايات المتحدة الأمريكية على الأمن السيبراني وتعزيزه؛ لحماية البنية التحتية الحيوية وتأمين الأمن القومي الأمريكي.وفي هذا الصدد، يمكن تسليط الضوء على السياسات التي قد تنتهجها هاريس إذا وصلت إلى المكتب البيضاوي في انتخابات نوفمبر القادمة، وهو أمر ستستند فيه هاريس إلى خبرتها حينما كانت المدعي العام سابقاً لولاية كاليفورنيا والعضو السابق بلجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، فضلاً عن عملها نائبةً للرئيس بايدن، وتوليها ملفات السياسة الخارجية المختلفة، ومنها الملفات المتعلقة بالأمن السيبراني، كما عملت على بلورة مبادرات تتعلق بالأمن السيبراني والفضاء الإلكتروني، بجانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عام 2021.سياسات هاريسهناك مجموعة من التوقعات المرتبطة بسياسات الأمن السيبراني التي قد تتجه هاريس إلى تطبيقها إذا أصبحت أول سيدة تفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويمكن تسليط الضوء على ملخص هذه السياسات فيما يلي:1– التركيز على التشريعات التي تحافظ على خصوصية الأفراد: استناداً إلى تاريخ هاريس بشأن سياسات الأمن السيبراني، من المتوقع أن تهتم بالتشريعات التي تحمي خصوصية بيانات الأفراد، وتمنع الشركات من استخدامها دون إذن مسبق من الأفراد؛ حيث تبنَّت تشديد العقوبات والإجراءات على مُطوِّري تطبيقات الهاتف المحمول الذين يستغلون بيانات الأفراد دون إذن مسبق منهم، كما أسست وحدة إنفاذ وحماية الخصوصية التابعة لوزارة العدل في كاليفورنيا، بهدف حماية خصوصية المستهلكين والأفراد في عام 2012.2– مكافحة عمليات القرصنة ومعالجة الثغرات الأمنية: من المتوقع أن تتبنَّى هاريس سياسات أكثر شدةً تجاه شركات التكنولوجيا، بحيث تجبرها على معالجة الثغرات الأمنية الموجودة في تطبيقاتها وبرامجها التي قد تؤثر سلباً على المستهلكين؛ ولذلك ليس من المستغرب أن تتلقى هاريس دعماً مالياً ومعنوياً من المتخصصين في الأمن السيبراني خلال فعالية انتخابية لجمع التبرعات على هامش مؤتمر "ديف كون" DEF CON للقراصنة، خاصةً أن حملة هاريس والمسؤولين القريبين منها قد أكدوا أن هاريس ستتبنى إجراءات صارمة ضد المحتالين ومجرمي الإنترنت، وهو أمر يحظى بترحيب واسع.3– تعزيز آليات مواجهة الهجمات السيبرانية الأجنبية: ستسعى هاريس إلى محاربة محاولات الدول الأجنبية المناوئة لواشنطن للتدخل في نظام الحكم، أو التأثير على توجهات المواطنين، أو نشر المعلومات المضللة، أو تنفيذ هجمات سيبرانية على البنية التحتية الحيوية الأمريكية، وهو أمر تجلَّى حينما صادرت وزارة العدل الأمريكية خلال عام 2024 نحو 32 نطاقاً إلكترونياً مرتبطاً بمحاولات موسكو التدخل في الانتخابات الرئاسية بنوفمبر القادم، فخرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معرباً، بأسلوب لا يخلو من السخرية، عن دعمه وصول هاريس إلى مقعد الرئاسة، لترد حملتها معربةً عن رفض هاريس "أي تدخل أجنبي في هذه الانتخابات على الإطلاق، من أي جهة، ومن أي بلد".4– الحفاظ على سياسة تسهيل وصول الإنترنت المنخفض التكلفة: على غرار محاولات إدارة بايدن–هاريس لدعم المجتمعات المهمشة والريفية، وتسهيل وصول الإنترنت إلى مختلف الأمريكيين بأسعار معقولة من خلال قانون البنية التحتية من الحزبين؛ من المتوقع اهتمام هاريس بهذا الملف، خاصةً أنها تملك نوايا لتقليص الممارسات غير الآمنة التي تتزامن مع محاولات بعض الأفراد الوصول إلى الإنترنت؛ حيث قالت هاريس في هذا الشأن: "عندما لا يتمتع الناس بإمكانية الوصول إلى الإنترنت بشكل موثوق، فإنهم يكتسبون ممارسات غير آمنة؛ فهم لا يستخدمون برامج إدارة كلمات المرور، ولا يستخدمون مواقع ويب موثوقة، ولا يقومون بالتحديثات التلقائية".5– تضارب حول الإبقاء على فريق الأمن السيبراني بالبيت الأبيض: تختلف الأقاويل بين مرجح ومتشكك في إمكانية إبقاء هاريس على فريق الأمن السيبراني في البيت الأبيض؛ حيث يرجح البعض أن تأتي هاريس بوجوه جديدة، لكنَّ هناك آخرين يرون أن هاريس ستُبقِي على العاملين في الوكالات الفيدرالية، ومنها وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية.6– دعم سياسات بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي: من المتوقع أن يلغي ترامب، إذا فاز في الانتخابات، الأمر التنفيذي الذي وقَّعه الرئيس جو بايدن الذي يهدف إلى تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الوكالات الفيدرالية، وأن يبحث عن سبل معالجة المشكلات التي قد يتسبب بها هذا الاستخدام، على أن يتم رفع النتائج إلى البيت الأبيض في ديسمبر 2024. ولكن على النقيض، من المتوقع أن تُبقي هاريس على الأمر التنفيذي، كما أن من المتوقع أن تقوم بتمديده، واستغلال النتائج الصادرة عنه لتحويله إلى تشريع يمرره الكونجرس لتنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي في عمليات الرقابة الحكومية، وفي تقديم الخدمات للمواطنين، بخلاف ترامب الذي يأمل تطبيق إجراءات أقل صرامةً بشأن الذكاء الاصطناعي؛ لعدم تقويض القدرة على الإبداع والابتكار.7– الإبقاء على قوانين مكافحة الاحتكار: تمتلك هاريس وبايدن رؤى مشتركة بشأن مكافحة احتكار الشركات الكبرى للسلع والخدمات، ومساعيها للاستحواذ على الشركات الصغيرة والناشئة، خاصةً أن ذلك يؤثر على الاقتصاد، وقد يسهم في ارتفاع معدلات التضخم، كما أنه قد يحد من القدرة الشرائية للأفراد من جراء قدرة بعض المنصات الإلكترونية أو الشركات التكنولوجية على احتكار سلعة أو خدمة معينة ورفع سعرها على المواطن دون أن يكون لديه القدرة على تحمل ثمنها. وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تتجه هاريس نحو تعيين شخصيات قوية في وزارة العدل أو لجنة الاتصالات الفيدرالية أو لجنة التجارة الفيدرالية لمكافحة عمليات الاحتكار.8– زيادة الجهود الرامية إلى تأمين العمليات الانتخابية: لم تكن هاريس من داعمي استخدام عمليات التصويت الإلكتروني حينما خاضت منافسة الانتخابات الرئاسية التمهيدية في عام 2019؛ حيث رأت أن التصويت التقليدي الورقي لن تتمكن الجهات الأجنبية الخبيثة من التدخل فيه أو تزويره، وهي تنادي منذ ذلك الحين حتى الآن – ومع توجه العديد من الولايات إلى إتاحة التصويت الإلكتروني – بتعزيز الأمن السيبراني للمواقع الإلكترونية الخاصة بالانتخابات؛ ولذلك شاركت في عام 2020 في رعاية "مشروع قانون الانتخابات الآمنة" الذي كان يسعى إلى مكافحة عمليات التدخل السيبراني والتضليل في الانتخابات، ومن المتوقع زيادة الحديث عن التشريعات المتعلقة بتعزيز الأمن السيبراني لأنظمة الانتخابات.9– تطبيق معدلات ضرائب أعلى على الشركات التكنولوجية الكبرى: على غرار رغبة بايدن، وتطبيقاً لتصريحاتها المختلفة، وإرضاءً للتقدميين داخل الحزب الديمقراطي، من المتوقع أن تتجه هاريس نحو تطبيق ضرائب تصاعدية على الشركات التكنولوجية الكبرى، بحيث تخالف سياسات التخفيضات الضريبية التي سبق أن طبَّقها ترامب إرضاءً لطبقة رجال الأعمال في عام 2017، والتي أعلن أنه ينوي تمديدها لفترة أطول إذا عاد إلى البيت الأبيض.10– مكافحة التحيزات العنصرية والجنسية: تملك هاريس آراء واضحة بشأن مكافحة العنصرية والتمييز الجنسي في مختلف الوظائف في سوق العمل. وبالتطبيق على التكنولوجيا، وخاصةً تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أشارت بعض الدراسات إلى أنها تتضمن نوعاً من أنواع العنصرية والتحيز الجنسي من جراء البيانات التي يتم جمعها من بيئات محددة، والتي قد تدفع التطبيقات إلى تطوير نماذج متحيزة؛ فإن هاريس ستعمل على مكافحة هذا الأمر، ومن المتوقع الاستمرار في استخدام سياسات "التنوع والمساواة والإدماج" التي طبقتها إدارة الرئيس جو بايدن.11– تعزيز إجراءات التعامل مع العملات المشفرة: بخلاف ترامب الذي يبدو أكثر انفتاحاً على رواج سوق العملات المشفرة في الولايات المتحدة، موضحاً أن واشنطن يجب أن يكون لها السبق والريادة في هذا المجال، داعياً إلى تطبيق نهج معتدل في التعامل مع تلك المسألة منعاً لتقييد الابتكار؛ تدعو هاريس إلى تطبيق المزيد من القيود والإجراءات التي تحمي المستهلكين والمستثمرين في العملات المشفرة، بحيث يكون التعامل مع شركات العملات المشفرة أكثر شفافيةً، وأن تخضع لرقابة صارمة من جانب هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.وتيرة الاهتمامختاماً، يمكن القول إن الأمن السيبراني قضية ليست موضع خلاف وانقسام حزبي؛ حيث إنها مؤرقة للحزبين الجمهوري والديمقراطي ولمختلف المؤسسات الفيدرالية؛ لذلك سواء كان الفائز ترامب أو هاريس، فإن هذه القضية ستستحوذ على اهتمام كبير، وربما قد تتشابه بعض السياسات بينهما في هذا الشأن. وفي المجمل، لن يكون هناك اختلاف واضح بين سياسات هاريس وتلك التي تبناها الرئيس جو بايدن، لا سيَّما أن تصريحات هاريس في مختلف المحافل، وأجندتها الانتخابية، لم تَحِد عن المسار المتبع في الوقت الراهن من قِبل إدارة بايدن الديمقراطية. والأمر الذي ربما يكون فارقاً هو أن وتيرة الاهتمام بتلك القضية قد تكون أكثر كثافةً مع تزايد المنافسة في السياق العالمي.

كيف ستتعامل كامالا هاريس مع قضية الأمن السيبراني؟