د. محمود زكريا

تشهد العلاقات بين نيجيريا والنيجر الواقعتين في إطار إقليم غرب أفريقيا، حالة من التوتر المتصاعد خلال الآونة الأخيرة، ولعل ذلك يرتبط في الأساس بتوجيه رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر "عبد الرحمن تياني"، في 25 ديسمبر 2024، اتهاماً إلى نيجيريا بالتعاون مع فرنسا لزعزعة استقرار بلاده، كما اتهم نيجيريا بتقديم الدعم والملاذ لجماعة جهادية وُجِّهت لها اتهامات تتعلق بتخريب خط أنابيب نفط رئيسي. وقد تزامن ذلك مع قيام النيجر باستدعاء القائم بالأعمال في السفارة النيجيرية. وفي المقابل سعى المسؤولون في نيجيريا إلى نفي هذه الاتهامات وتأكيد عدم صحتها، كما وصف وزير الإعلام النيجيري "محمد إدريس" هذه المزاعم بأنها لا أساس لها من الصحة. وتأتي هذه التطورات لتلقي بظلالها على ملامح التباعد والتنافر في المواقف بين الطرفَين منذ اندلاع الانقلاب العسكري في النيجر منذ 26 يوليو 2023،، التي من شأنها أن تؤثر على مسار وآفاق تطور العلاقات المستقبلية بين البلدين.ملامح بارزةثمة جملة من الملامح الدالة على تصاعد التوترات بين نيجيريا والنيجر خلال الآونة الأخيرة. وتتمثل هذه الملامح فيما يلي:1– تفاقم التوترات الدبلوماسية بين الدولتين: حيث قام وزير الخارجية النيجري "بكاري ياو سانجاري" باستدعاء القائم بالأعمال في السفارة النيجيرية في أواخر ديسمبر 2024. وقد وجَّه المسؤول النيجري، عبر بيان بثه التلفزيون الوطني، اتهاماً لنيجيريا بشأن تسهيل الجهود الرامية إلى زعزعة استقرار النيجر، وأعرب عن خيبة أمله حيال تصرفات نيجيريا في هذا الشأن، وأشار إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين الجانبين، فإن نيجيريا لم تتخلَّ عن العمل كقاعدة خلفية لزعزعة استقرار النيجر بتواطؤ مع بعض القوى الأجنبية ومسؤولي النظام السياسي السابق بقيادة الرئيس "محمد بازوم"، الذين تُقدِّم لهم نيجيريا اللجوء. وتأتي هذه الاتهامات عقب تعهد سابق من قِبل القائد العسكري الأعلى النيجيري لقائد جيش النيجر بشأن عدم التدخل في شؤون البلاد في أغسطس 2024.2– توجيه النيجر اتهاماً إلى نيجيريا بالتعاون مع فرنسا لزعزعة استقرارها: تبلور ذلك من خلال اتهام رئيس المجلس العسكري الانتقالي في النيجر "عبد الرحمن تياني"، في 25 ديسمبر 2024، نيجيريا بالتعاون مع فرنسا لزعزعة استقرار بلاده، من خلال السماح بإنشاء قاعدة عسكرية فرنسية، كما اتهم فرنسا بالتحالف مع الجماعات المسلحة في منطقة بحيرة تشاد لتقويض أمن النيجر بعلم نيجيريا. وربما يعزز من مخاوف النيجر في هذا الإطار تنامي حالة التقارب بين نيجيريا وفرنسا خلال الآونة الأخيرة؛ حيث أجرى رئيس نيجيريا "بولا تينوبو" زيارة إلى فرنسا في أواخر نوفمبر 2024، ناقش الجانبان في إطارها تعميق العلاقات الاقتصادية المشتركة، كما أعلنت فرنسا عن عدد من المشروعات وتقديم المساعدات التنموية. وعلى الرغم من عدم الإدلاء بأي تصريحات بشأن تحسين وتطوير العلاقات الأمنية البينية، فإن البحريتين الفرنسية والنيجيرية أجرتا تدريبات بحرية مشتركة قبالة سواحل مدينة "لاجوس" بنيجيريا في نوفمبر 2024.3– نفي نيجيريا الاتهامات النيجرية بشأن المساس باستقرارها الداخلي: تجلى ذلك من خلال حرص المسؤولين الرسميين لنيجيريا على نفي الاتهامات الموجهة من النيجر؛ حيث أشار مستشار الأمن القومي "نوهو ريبادو" إلى أن هذه الاتهامات "لا أساس لها من الصحة" و"كاذبة"، مع تأكيد أن نيجيريا لن "تخرب النيجر أبداً أو تسمح لأي كارثة أن تقع عليها، وهو الموقف ذاته الذي تبناه رئيس أركان الدفاع الجنرال "كريستوفر موسى"؛ حيث أوضح أن نيجيريا ليس لديها خطط لاستهداف النيجر، كما وصف وزير الإعلام النيجيري "محمد إدريس" هذه المزاعم بأنها لا أساس لها من الصحة، مؤكداً عدم مشاركة نيجيريا في أي تحالف علني أو سري مع فرنسا أو أي دولة أخرى لزعزعة استقرار جمهورية النيجر، ونفى أيضاً وجود أي دور لنيجيريا في تخريب خط أنابيب النفط والزراعة في النيجر، وكذلك أشار إلى أن هذه الاتهامات بمنزلة تكتيك تحويلي، يهدف من خلاله رئيس المجلس الانتقالي في النيجر "تياني" إلى التغطية على إخفاقات إدارته، فضلاً عن اعتباره هذه الاتهامات بمنزلة محاولة لابتزاز نيجيريا بشأن موقف تجمع "إيكواس" ضد الاستيلاء غير الدستوري على السلطة في النيجر عقب الانقلاب العسكري الذي وقع في 26 يوليو 2023.4– ترويج النيجر لتوظيف نيجيريا تجمع "إيكواس" لفرض عقوبات ضدها: يشكل ذلك حجر الأساس في بداية التوترات بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة؛ إذ ترى النيجر أن نيجيريا دفعت، عبر قيادة رئيسها "تينوبو" تجمع "إيكواس"، نحو حسم خيار التدخل العسكري لإعادة النظام الدستوري وفرض عقوبات عليها؛ وذلك عقب الانقلاب العسكري الذي جرى فيها في عام 2023، والذي نتج عنه الإطاحة بالرئيس السابق "محمد بازوم" من الحكم، وهو الأمر الذي نفاه تجمع "إيكواس" عبر بيان مشترك في 26 ديسمبر 2024، أشار إلى دحض الادعاءات المتعلقة بكون نيجيريا دولة راعية للإرهاب؛ وذلك عبر تأكيد كونها دولة داعمة للسلام والأمن في العديد من البلدان؛ ليس فقط في إطار إقليم غرب أفريقيا بل أيضاً في القارة الأفريقية، كما ذكر البيان قبول انسحاب النيجر من عضوية التجمع – بجانب مالي وبوركينافاسو – بعد رفضها استعادة الحكم الديمقراطي في الدولة.آفاق مستقبليةثمة جملة من التأثيرات المحتملة على مستقبل التفاعلات بين نيجيريا والنيجر في ضوء التوترات القائمة بين الجانبين خلال الآونة المقبلة. وتتمثل هذه التداعيات فيما يلي:1– تحرك النيجر لكسب دعم المجتمعات المحلية في شمال نيجيريا: يعزز من ذلك حرص قائد المرحلة الانتقالية في النيجر "تياني" على استمالة المجتمعات المحلية والرأي العام في شمال نيجيريا، التي تمثل في الأساس مناطق نفوذ وقواعد جماهيرية لدعم الرئيس النيجيري "تينوبو"؛ حيث أدلى "تياني" بتصريحاته التي اتهم من خلالها نيجيريا بالتدخل لزعزعة استقرار النيجر في أواخر ديسمبر 2024 باستخدام لغة "الهاوسا"، وهي اللغة السائدة في أجزاء من النيجر وشمال نيجيريا.والجدير بالذكر أن المجتمعات المحلية في شمال نيجيريا ترتبط بعلاقات اجتماعية عميقة مع النيجر. ونتيجةً لذلك، عارض العديد من الزعماء الدينيين والسياسيين في المنطقة بشدة جهود الرئيس "تينوبو" لتعبئة تحالف عسكري إقليمي تحت مظلة تجمع "إيكواس" للتدخل العسكري من أجل الإطاحة بالمجلس العسكري في النيجر في عام 2023؛ حيث خشيت المجتمعات الشمالية من العواقب الاقتصادية والإنسانية لمثل هذا التدخل، كما عارضت هذه المجتمعات بشدة الحظر الاقتصادي الذي فرضه تجمع "إيكواس" على النيجر، الذي تسبب في صعوبات اقتصادية جمة في أجزاء من أقصى شمال نيجيريا.2– انحسار كفاءة وفاعلية الترتيبات الأمنية الثنائية: يشكل ذلك أحد الأمور ذات الأولوية في الصلات البينية، ولا سيما في ضوء اتفاقية التعاون الأمني المبرمة في أواخر أغسطس 2024، التي وقع عليها رئيسا أركان الدفاع في البلدين في عاصمة النيجر "نيامي"، وتعد أول اتفاقية عسكرية بين الدولتين منذ الانقلاب العسكري في النيجر الذي وقع في أواخر يوليو 2023، وقد أعربت النيجر بموجبها عن استعدادها لاستئناف المشاركة النشطة في إطار "قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات" (MNJTF) لمحاربة جماعة بوكو حرام. وتأسست هذه القوة من خلال "مفوضية حوض بحيرة تشاد" بجانب دولة بنين في أكتوبر 2014، وبدأت مهامها الفعلية في يناير 2015، وتعود جذور تأسيسها إلى عام 1994.3– تراجع الصلات الاقتصادية القائمة بين البلدين: يدعم ذلك عدم استقرار الحدود الممتدة بين الجانبين، التي تصل إلى نحو (1600) كم، وهو ما شكَّل عاملاً مؤثراً على حركة التبادل التجاري بين الجانبين؛ حيث أظهرت بيانات مركز التجارة الدولية في عام 2022 أن التجارة عبر الحدود بين البلدين بلغت قيمتها نحو (226) مليون دولار؛ إذ كانت نيجيريا تزود النيجر بالكهرباء والتبغ ومواد البناء مثل الأسمنت. وفي المقابل كانت النيجر تزود نيجيريا بالمنتجات الزراعية، مثل التمور والماشية، كما أن النيجر تعتمد بشكل كبير على الموانئ النيجيرية في حركة الاستيراد الخارجية، بيد أن حركة التجارة البينية تأثرت بشكل ملحوظ من جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة من قِبل تجمع "إيكواس" ضد النيجر في أغسطس 2023؛ وذلك على نحوٍ أدى إلى التأثر التام للأنشطة الاقتصادية التقليدية في إطار المجتمعات الحدودية المشتركة بين البلدين.كما نتج عن ذلك حدوث ارتفاعات في أسعار السلع، وارتفاع معدلات البطالة في النيجر، وهو ما فاقم الأوضاع المعيشية الصعبة، ولا سيما في ضوء أن نحو (4.3) مليون مواطن يعتمدون على المساعدات الإنسانية وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. والجدير بالذكر أن هناك مشروع سكة حديد تم تصميمه ليربط مدينة "كانو"– أكبر مدينة في شمال نيجيريا – بمدينة "مارادي" في النيجر؛ بغية تعزيز حركة التجارة البينية والنقل، وهو المشروع الذي كانت نيجيريا قد حصلت على تمويل بقيمة تصل لنحو (1.3) مليار دولار لاستكماله في مارس 2024؛ علماً بأن إحدى الشركات الصينية ستمول نحو (85%) من تكلفة المشروع، بينما ستساهم الحكومة النيجيرية بنسبة الـ(15%) المتبقية.4– تفاقم المخاطر والتهديدات الإرهابية عبر الحدود: يدعم ذلك قيام جماعة مسلحة جديدة تسمى "لاكوراوا" بتفجير خط أنابيب نفط في النيجر في 17 ديسمبر 2024، وهي الجماعة التي قامت أيضاً بمهاجمة قرى في مناطق نائية في شمال غرب نيجيريا وعبر الحدود في النيجر. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن عناصر هذه الجماعة يسيطرون على أراضٍ في عدة قرى؛ حيث يفرضون أيضاً ضرائب على الماشية. وتعتمد الجماعة على توزيع الأموال وأدوات الزراعة والأسمدة والبذور وآلات ضخ المياه على السكان المحليين المحتاجين، كتكتيك لجذب المزيد من الأتباع، والحصول على الدعم المحلي، كما أن هذه الجماعة سعت إلى فرض نسختها الخاصة من الشريعة الإسلامية في المناطق التي تحكمها.وقد اعترف الجيش النيجيري لأول مرة بوجود هذه الجماعة، وأن أعضاءها يعملون من مقرهم في ولايتي "سوكوتو" و"كيبي" في نيجيريا في نوفمبر 2024؛ علماً بأن مقاتلي هذه الجماعة ينحدرون في الأصل من مالي، لكنهم استقروا لسنوات في مجتمعات على طول الحدود بين نيجيريا والنيجر وفقاً لمسؤولين في الجيش النيجيري. وكان أعضاء هذه الجماعة في الأصل من الرعاة الذين يحملون بنادق للحماية، وقد شكَّلوا جماعة مسلحة منظمة بعد أن دعاهم زعماء محليون في المجتمعات الريفية في "جودو وتانجازا" في ولاية "سوكوتو" النيجيرية للمساعدة في التصدي لقطَّاع الطرق المسلحين الذين كانوا يهاجمون المجتمعات من أجل المال والماشية؛ وذلك وفقاً لما أشارت إليه بعض التقارير الدولية. وبجانب ما سبق توجد جماعة بوكو حرام التي تتمركز بشكل عملياتي في نيجيريا، وتنفذ بعض العمليات والأنشطة الإرهابية في كل من النيجر وتشاد والكاميرون، وهي الجماعة التي تعد أحد التنظيمات الإرهابية الرئيسية العابرة للحدود في إقليم غرب أفريقيا.5– تركيز النيجر على شراكتها الأمنية عبر "تحالف الساحل": يعزز من ذلك رؤية النظام الحاكم في النيجر تحرك نيجيريا نحو تعزيز الصلات الأمنية مع فرنسا خلال الآونة الأخيرة من جهة، وهو ما يشكل تعارضاً مع منظومة الأهداف والمصالح الذاتية للنيجر، بل دول "تحالف الساحل" ككل، التي يجتمع أعضاؤها على معاداة النفوذ التقليدي لفرنسا؛ علماً بأن هذا التحالف قد تشكَّل من قِبل كلٍّ من مالي وبوركينافاسو والنيجر في سبتمبر 2023. واتفقت هذه الدول في الاجتماع الأول لها على تأسيس "كونفدرالية الساحل" في يوليو 2024. وقد جاء ذلك بعد أن قررت هذه الدول الانسحاب من عضوية تجمع "إيكواس" في يناير 2024.وختاماً، يمكن القول إن تصاعد التوترات بين نيجيريا والنيجر خلال الآونة الأخيرة، يرتبط في الأساس بتحرك النظام الحاكم في النيجر بقيادة "تياني" نحو ممارسة ضغوط على نيجيريا بشأن تقويض علاقتها الأمنية مع فرنسا، التي قطعت النيجر معها كافة الصلات العسكرية والأمنية والاقتصادية بفعل موقفها الداعم لخيار التدخل العسكري تحت مظلة تجمع "إيكواس" عقب الانقلاب العسكري الذي جرى في يوليو 2023. وتطرح الرؤية المستقبلية اتجاه منحنى العلاقات بين نيجيريا والنيجر إلى الانحسار في ظل استمرارية معطيات التباعد في تنسيق المواقف المشتركة، سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف في إقليم غرب أفريقيا، وهو ما من شأنه أن يلقي بظلاله على مستقبل مضامين التفاعلات البينية القائمة بين الجانبين على مختلف الأصعدة، ولا سيما الأمنية والاقتصادية.

كيف تصاعدت التوترات بين نيجيريا والنيجر؟