د. يوسف داوود


        
<p><strong>بات من المرجح أن تصبح خطة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لتسهيل إرسال المهاجرين إلى بريطانيا بشكل غير شرعي إلى رواندا قانوناً نهائياً، بعد أن نجحت الحكومة في التغلب على محاولات مجلس الشيوخ في البرلمان إجراء تغييرات على التشريع. كان مشروع قانون الهجرة غير الشرعية عالقاً في جدل تشريعي طويل الأمد بين مجلس العموم البريطاني ومجلس اللوردات؛ حيث أجرى الأخير عدداً من التغييرات عليه على مدار الفترة الماضية للتخفيف من الأحكام الواردة فيه؛ ففي الساعات الأولى من يوم 18 يوليو الجاري، تم التصويت على آخر التغييرات المقترحة؛ ما مهد الطريق لإصدار قانون نهائي أثار جدلاً هائلاً لم يتوقف عند حدود الداخل البريطاني ولكن كانت له أصداء دولية في ظل الانتقادات المتعددة التي وجهت للقانون.</strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مضامين القانون</span></strong></p>



<p>يعتبر قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية في بريطانيا في قلب المشروع السياسي لرئيس الوزراء ريشي سوناك القائم على وضع حد لموجات الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا، وخاصةً الزوارق الصغيرة التي تأتي محملة بالمهاجرين غير الشرعيين من فرنسا عن طريق بحر المانش؛ لذلك تضمن القانون عدداً من الأحكام التي يمكن تناولها على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– إيقاف المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم:</strong> ينص القانون على أنه إذا وصل شخص ما إلى المملكة المتحدة بشكل غير منتظم، فسيكون هناك واجب على وزير الداخلية باحتجازه وإبعاده عن المملكة المتحدة، كما ينص القانون على ضرورة ترحيل اللاجئين غير الشرعيين إلى دولهم الأصلية، وإذا تعذر ذلك فإلى دول ثالثة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– حرمان اللاجئين غير الشرعيين من الحماية:</strong> يلغي القانون الجديد أحقية المهاجرين الذين تم استغلالهم أو الاتجار بهم في الحصول على حماية السلطات المحلية قبل البت في وضعيتهم القانونية؛ حيث إنه وفقاً للإجراءات المنصوص عليها بالقانون الجديد، فإن من المرجح أن يتم ترحيلهم دون تلقي الدعم الذي يحق لهم الحصول عليه، في نوع من الردع شديد اللهجة للمهاجرين غير الشرعيين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– فرض قيود إجرائية إضافية على اللاجئين:</strong> يفرض القانون مزيداً من القيود الإضافية على اللاجئين مقارنةً بالضوابط الموجودة أصلاً، وعلى رأسها منع الخاضعين للترحيل من إعادة دخول المملكة المتحدة أو التقدم بطلب للحصول على الجنسية البريطانية في المستقبل، وتوسيع قائمة البلدان الثالثة الآمنة، ووضع حد أقصى سنوي لعدد الذين يمكنهم دخول المملكة المتحدة من خلال طرق آمنة وقانونية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تقييد السبل القانونية المتاحة للاجئين غير الشرعيين:</strong> أعطى القانون السلطة التقديرية للجهات التنفيذية لتحديد إذا ما كان المهاجر يخضع بالفعل لعملية اتجار في بشر من عدمه، ولم يفصل الحالات التي يمكن للاجئ اللجوء فيها إلى القضاء لتحديد سبب لجوئه بما يحد من سلطة الرقابة القضائية، كما قيد القانون أنواعاً معينة من الطعون والدفوع المتعلقة بحقوق الإنسان التي تحول دون الترحيل السريع للاجئين غير الشرعيين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">جدل متصاعد</span></strong></p>



<p>بالتزامن مع طرح القانون من جانب الحكومة البريطانية، تصاعدت وتيرة التساؤلات حول مدى إمكانية تطبيق بعض أحكامه على أرض الواقع؛ حيث وجدت السلطات البريطانية المعنية نفسها أمام مسؤولية صياغة لائحة تنفيذية يشوبها قدر كبير من اللغط والإشكاليات، ولعل أهمها:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– معضلة حماية الفئات الأكثر هشاشة:</strong> من أهم الإشكاليات ونقاط الجدل المتعلقة بالقانون، عدم توفير تعامل خاص للأطفال غير المصحوبين بذويهم، والحوامل، وضحايا الرق أو الاتجار بالبشر، وهو بذلك يعتبر قانوناً غير تمييزي على نحو سلبي، يساوي نظرياً بين حالات غير متساوية في الواقع العملي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تجاهل القانون الأسباب العميقة للهجرة غير الشرعية: </strong>يوصف النهج المتبع في صياغة القانون بأنه يركز على التدابير العقابية، ولا يعالج الأسباب الجذرية للهجرة، بما يؤدي إلى تعريض حياة عدد كبير من البشر للخطر، دون وجود أي وسيلة لضمان سلامتهم وضمان حقوقهم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– إشكاليات ترحيل طالبي اللجوء غير الشرعيين:</strong> بالرغم من النص الصريح في القانون الذي يقضي بترحيل طالبي اللجوء من المهاجرين غير الشرعيين إلى دول آمنة من ضمنها رواندا، فإنه – في حال إقرار القانون – من غير المرجح أن تبدأ رحلات الترحيل إلى رواندا حتى العام المقبل على أقرب تقدير، كما سيتوقف الشروع فيها على حكم المحكمة العليا في بريطانيا بشأن شرعيتها؛ حيث من المرتقب أن تنظر المحكمة العليا في دعوى ذات صلة في وقت لاحق من هذا العام. وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا قد أبرمت صفقة مبدئية بقيمة 140 مليون جنيه إسترليني (180 مليون دولار) مع رواندا خلال العام الماضي لتنفيذ رحلات الترحيل، لكن هذه الصفقة تم تقييدها في المحاكم؛ حيث تم حظر أول رحلة ترحيل إلى رواندا كانت مقررة قبل عام بموجب حكم صدر في اللحظة الأخيرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– اتهام القانون بالمساهمة في تفاقم ظاهرة العبودية الحديثة: </strong>عقب تمرير القانون في البرلمان، دفعت تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية السابقة بأنه سيقوض جهود المملكة المتحدة للتصدي للعبودية الحديثة؛ لأن المتضررين من هذه الجرائم سيكونون أقل قدرةً على المساعدة في عملية الملاحقات الجنائية للمتورطين في هذه الجرائم؛ حيث تعتمد الملاحقة القضائية للمتهمين عادةً على شهادات الضحايا. وإذا لم يكن هؤلاء الضحايا محميين بحكم القانون، فلن يكون لديهم استعداد للشهادة في المحاكم؛ نظراً إلى خوفهم من التشهير أو التصفية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لذلك، يرى عدد من المحللين أن هذا القانون من شأنه مفاقمة ظاهرة العبودية الحديثة، وتحويل بريطانيا إلى مقصد لهذا النوع من الجرائم؛ نظراً إلى اطمئنان المتورطين فيها إلى عدم ملاحقتهم عن طريق السلطات البريطانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">التداعيات المحتملة</span></strong></p>



<p>ينطوي القانون المطروح على عدد من التداعيات المحتملة يمكن تناولها على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تشديد سياسة الهجرة إلى بريطانيا:</strong> يعتبر نظام الهجرة في المملكة المتحدة واحداً من الأنظمة الأكثر تعقيداً وتكلفةً على الإطلاق؛ حيث يوجد عدد محدود جداً من الطرق القانونية التي تتيح ذلك مع منح حق العمل لهؤلاء اللاجئين. وبموجب القانون الجديد، من المرجح أن يتولد شعور عام متزايد من الخوف والنبذ للمهاجرين، سواء جاؤوا بطريقة شرعية أو غير شرعية؛ ما يترك المزيد من المهاجرين في أوضاع محفوفة بالمخاطر، ومعرضين لمزيد من الاستغلال والابتزاز من أرباب العمل. وقد تجلت هذه الممارسات في السنوات الأخيرة في عدد من القطاعات في بريطانيا، ومنها على سبيل المثال العمال الموسميون في القطاع الزراعي، الذين وصفوا معاناتهم بأنهم يشعرون بكونهم "عمالة بالسخرة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– إمكانية انتهاج دول أخرى مسار بريطانيا:</strong> بدت مخاوف دولية تتنامى مع طرح القانون البريطاني؛ حيث صرح منسق حقوق الإنسان بالأمم المتحدة "فولكر تورك" بأن إقرار القانون يثير "مخاوف قانونية خطيرة للغاية"، ويمثل "سابقة مقلقة لإلغاء الالتزامات المتعلقة باللجوء"، التي قد تتبعها دول أخرى. وعقب تجاوز القانون عقبة البرلمان البريطاني، بدأت التيارات اليمينية في عدد من الدول الأوروبية (فرنسا وإيطاليا والنمسا) تنادي بانتهاج النهج نفسه، من منطلق عدم رغبتها في تحمل الفاتورة التي تنصلت منها بريطانيا، خاصةً أن للأخيرة سجلاً ثقيلاً من التنصل من أي التزامات أوروبية على المستوى الجماعي قبل وبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تشديد الضغوط الدولية على بريطانيا في المحافل الحقوقية:</strong> يوم يوليو 20 الجاري، حث خبراء لجنة حقوق الإنسان بجنيف المملكة المتحدة على اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تنفيذ قانون الهجرة غير الشرعية، وجعل القانون المحلي يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان لحماية حقوق المهاجرين ودعمها؛ حيث أكدت سكرتارية اللجنة أن أي سياسة ترحيل تعد انتهاكاً مباشراً لالتزامات المملكة المتحدة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، إذا فشلت في توفير ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، وتقييمات المخاطر الفردية، وإجراءات اللجوء وإجراءات الحماية المناسبة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– إمكانية إذكاء خلافات بين بريطانيا ورواندا:</strong> من الجدير بالذكر أن بريطانيا لم تنجح في إبرام أي اتفاق ترحيل آخر إلا مع رواندا، ومن غير المتوقع أن تنجح رواندا في استقبال كافة الأعداد المتوقع ترحيلها من بريطانيا؛ لذلك يتوقع البعض أن يؤدي الواقع العملي إلى نشوب خلافات بين بريطانيا ورواندا نتيجة عدم ترجمة التمويلات التي ستخصصها بريطانيا بموجبه للحكومة الرواندية، إلى النتائج المرجوة من قبل لندن.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>الخلاصة: رغم اعتماد القانون المشار إليه بشكل نهائي، فإن الواقع العملي والتعقيدات القانونية قد يقفان حائلاً أمام تطبيقه بشكل فعال؛ لذلك يذهب البعض إلى تقدير أن هذا القانون من شأنه فقط أن يدعم شعبية الحكومة الحالية، دون أن يكون لديها النية لتطبيقه على طول الخط؛ إذ يوظف رئيس الوزراء "ريشي سوناك" هذا القانون للترويج لأجندته، وتعزيز فرص حزب المحافظين في الانتخابات القادمة.</strong></p>

      

التداعيات المحتملة لقانون الهجرة غير الشرعية في بريطانيا