الإيكونوميست

عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجيةفي عام 2013، اقترحت الصين مبادرة الحزام والطريق بهدف تحسين التعاون والترابط الممتد عبر القارات، خاصةً مع دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، إلا أن المبادرة واجهت صعوبات وانتقادات جمة. وقد اعتقد البعض، لا سيما في الغرب، أن دول المنطقة سترفض استكمال المبادرة، فيما يرى تقرير لمجلة إيكونوميست بعنوان "جنوب شرق آسيا تتعلم كيفية التعامل مع الصين"، أن مبادرة الحزام والطريق تلعب دوراً محورياً في تنمية العلاقات الصينية مع دول الآسيان، ومن المتوقع استمرارها رغم ما يعتري المبادرة من انتقادات واسعة. تمويل استراتيجيقبل عقد من الزمن، أعلن الزعيم الصيني شي جين بينج عن اعتزامه إنشاء شبكة عالمية من البنية التحتية. وقد ركزت بكين على جنوب شرق آسيا؛ فقد كانت المنطقة محورية لاستراتيجية الصين الاقتصادية؛ وذلك في ضوء الاعتبارات الآتية:1– موقع جنوب شرق آسيا باعتبارها فناءً خلفياً للصين: منذ البداية، كان من المقرر أن تكون منطقة جنوب شرق آسيا بمنزلة المحور الرئيسي لما أصبح يُعرَف بمبادرة الحزام والطريق (BRI)؛ فقد كانت المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها 690 مليون نسمة، هي الفناء الخلفي للصين. وبحسب التقرير، كانت المنطقة تحتاج إلى تريليونات الدولارات من البنية التحتية وغيرها من أشكال التنمية.2– الرغبة في دعم سلاسل التوريد التي تمر بالمنطقة: كانت سلاسل التوريد التي تتمحور حول الصين، تمر على نحو متزايد عبر رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تضم عشر دول. ويمكن لنحو 60–70 مليون مواطن من أصل صيني في جنوب شرق آسيا، والعديد منهم من رجال الأعمال الناجحين، أن يساعدوا في مهمة الصين.3– الفرص المتاحة في مشاريع البنية التحتية بالمنطقة: يشير التقرير إلى أنه لعشرات السنين، اجتاحت منطقة جنوب شرق آسيا، موجات من الأموال الصينية والاستثمارات، جالبةً معها آلات عملاقة، وأطقم البناء الصينية، ورجال الأعمال والدبلوماسيين الصينيين، و "عدداً ليس بالقليل من المجرمين" بحسب وصف التقرير.ولقد سارت العديد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق بشكل جيد؛ حيث تم إنشاء الطرق وخطوط السكك الحديدية ومحطات الطاقة؛ ففي كمبوديا – على سبيل المثال – أدى إنشاء طريق سريع جديد بين بنوم بنه وسيهانوكفيل إلى خفض الرحلة من العاصمة إلى الساحل الجنوبي من خمس ساعات إلى ساعتين، لكن من ناحية أخرى، قدمت عدد من الشركات عوائد ضعيفة للعاملين، وكان عدد قليل منها مسرفاً إلى حد كبير، أو مدمراً للبيئة، بجانب نشر الفساد بين النخب المحلية، بل وحتى تقديم الفرص لما سمَّاه التقرير "العصابات الإجرامية الصينية".4– سعي بكين إلى ضمان التزام دول المنطقة بالمصالح الصينية: إن تجربة الحزام والطريق التي امتدت لعقد من الزمان، جعلت دول جنوب شرق آسيا حَذِرةً من انتقاد الصين علناً، ولا يمكنها بسهولة انتقاد أو إلغاء المشاريع المميزة دون إثارة غضبها، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية. وعلى حد تعبير "توني بوا" السياسي الماليزي السابق الذي خدم في وزارة المالية "لا نستطيع أن نخرج إلى هناك وندين الصين؛ لأنه سرعان ما يحجم المزيد من السياح الصينيين عن الإتيان إلى ماليزيا. وسوف نفشل ليس فقط اقتصادياً، بل سننزعج من الناخبين من ذوي الأصول الصينية الذين ينحازون إلى الصين".5– إدراك بعض دول المنطقة فوائد الاستثمارات الصينية: بعيداً عن رفض التوجهات الصينية الجديدة، كما كان البعض في الغرب يأمل أن يحدث ذلك، فإن العديد من أعضاء رابطة الآسيان ما زالوا يرحبون بمبادرة الحزام والطريق. ومع ذلك، فإنهم يفعلون ذلك بشروط أكثر فائدةً لاقتصاداتهم بشكل واضح؛ فهم يشجعون أنواعاً مختلفة من الاستثمارات الصينية في التكنولوجيا والطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، كما أن المستفيدين من مبادرة الحزام والطريق يسعون، في كثير من الأحيان، إلى التوصل لمساومات مع بكين في بعض المشاريع مثل خط سكة حديد الساحل الشرقي لماليزيا (ECRL)، الذي يربط موانئها الغربية بالساحل الشرقي غير المتطور نسبياً، ويزعم أن تكلفته الأولية كانت مُبالَغاً فيها إلى حد كبير؛ فقد أشار وزير النقل الماليزي "أنتوني لوك" إلى أن دولته نجحت في مطالبة نظرائها الصينيين بخفض سعر المشروع بنسبة 30%، وزيادة مشاركة الشركات الماليزية، وتقاسم المخاطر من خلال الإدارة المشتركة لمشروع ECRL قيد التشغيل.انتقادات واسعةمع ذلك، لم تتمكن المبادرة من تحقيق الرؤية والنفوذ الصيني في منطقة جنوب شرق آسيا، وقد تم انتقادها على مستويات عدة؛ وذلك على النحو الآتي:1– غياب استراتيجية صينية كبرى للتعامل مع دول المنطقة: على الرغم من أن الرئيس الصيني ربما كان يأمل أن تكون مبادرة الحزام والطريق وسيلة استراتيجية لتعزيز نفوذ الصين في جنوب شرق آسيا، فإنه لا توجد خطة كبرى واضحة. وبدلاً من ذلك، فإن الشركات الصينية المملوكة للدولة التي تعاني من الطاقة الفائضة في الداخل، كثيراً ما كانت تسارع إلى كسب المال في المنطقة.2– تخوف بلدان المنطقة من التعاملات الصينية: بحسب التقرير، أضحت دول جنوب شرق آسيا أكثر حذراً بشأن تعاملاتها التجارية مع الصين، في ضوء التخوف من التعرض لبعض الضغوط، ناهيك عن الإشكاليات التاريخية التي تسيطر على العلاقات بين بكين ودول الجوار.3– عدم اكتمال العديد من مشاريع المبادرة: يشير التقرير إلى أن العديد من المشاريع المعلن عنها لم تبدأ قط. ومع ذلك، أنفقت الصين عشرات المليارات من الدولارات في الدعم المالي والمساعدات الاقتصادية والإقراض الميسر لجنوب شرق آسيا في العقد الماضي، وحصلت إندونيسيا على الحصة الكبرى.علاوة على ذلك، تأتي البنية التحتية وغيرها من الاستثمارات بشروط تجارية، بما في ذلك معظم مشاريع مبادرة الحزام والطريق الرائدة التي باركتها الحكومة المركزية في الصين. ووفقاً لبنك مايبانك الماليزي، بلغ متوسط الاستثمار الصيني في المشاريع التجارية في جنوب شرق آسيا 27.9 مليار دولار سنوياً بين عامي 2015 و2019، وانخفض إلى أقل من 11 مليار دولار في عام 2021، قبل أن يتعافى إلى 18.6 مليار دولار في عام 2022. ويتناقض التعافي في رابطة الآسيان مع التراجع المستمر في الاستثمار في مبادرة الحزام والطريق في أماكن أخرى.4– تضرر بعض البلدان من غياب مقاييس إدارة مشاريع المبادرة: بحسب التقرير، فإنه بالنسبة إلى القادة السياسيين، فإن ميزة مبادرة الحزام والطريق هي الاستثمار والسرعة بلا قيود، وهو ما يعني الوصول السريع إلى التمويل الصيني والمعرفة، لكن المشاريع الواسعة النطاق، تتطلب إدارة دقيقة وتحليلاً، وهو ما لا تتضمنه المبادرة؛ ففي كمبوديا ولاوس، تُلحِق سدود الطاقة الكهرومائية المدعومة من الصين على نهر ميكونج أضراراً بمنطقة حيوية فريدة من نوعها، وتُهدِّد سبل عيش الملايين من الصيادين والمزارعين، كما تم افتتاح قطار جوكوي الفائق السرعة، الذي أطلق عليه اسم "ووش" في إندونيسيا، لكنه تجاوز الميزانية المحددة بشكل كبير، ولن يستطيع تغطية تكلفته.5– اختلاف ردود فعل دول المنطقة حول مدى الاستفادة من المبادرة: بحسب التقرير، فقد تبنت "كمبوديا" و"لاوس"&nbsp;الدولتين الصغيرتين المدينتين للصين، مبادرة الحزام والطريق دون أدنى شك. أما فيتنام، التي كانت تشعر بالقلق منذ فترة طويلة من جارتها العملاقة، فقد تجنَّبتها إلى حد كبير، مفضلةً التواصل من خلال التجارة. وفي إندونيسيا، استخدم الرئيس جوكو ويدودو المعروف باسم جوكوي، مبادرة الحزام والطريق للترويج لأجندته الاقتصادية الخاصة، بما في ذلك إنشاء خط سكة حديدية فائق السرعة من العاصمة جاكرتا إلى باندونج، وبناء صناعة معالجة النيكل من الصفر.6– سعي بعض الدول إلى إيقاف مشاريع المبادرة القائمة: رغم أن الرئيس الفلبيني السابق رودريجو دوتيرتي، رحَّب باستثمارات مبادرة الحزام والطريق، فإن المبادرة لم تفعل الكثير من أجل تنمية البلاد، كما جلبت في أعقابها صناعة قمار غير قانونية ضخمة عبر الإنترنت يهيمن عليها المغتربون الصينيون. وقد ألغى الرئيس الحالي فرديناند "بونجبونج" ماركوس ثلاثة مشاريع للبنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق، ولم يوقع على أي مشاريع جديدة.وختاماً، يشير التقرير إلى أن تجربة عقد من الزمن لم تُضعف رغبة الآسيان في التعاون مع الصين؛ فعلى عكس ما يزعم العديد من الأطراف المنتقدة لسياسات بكين، فإن إرث الحزام والطريق في جنوب شرق آسيا يبدو عميقاً ودائماً، وهو الأمر الذي يؤكد نفوذ بكين المتواصل في المنطقة. المصدر: -&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;The Belt and Road in Asia: South–East Asia learns how to deal with China, The Economist, January 2024.

اتجاهات تفاعل دول الآسيان مع مبادرة الحزام والطريق