عرض: د. إيمان عبد الحليم

بالرغم من النفوذ الكبير الذي تتمتع به نيجيريا في منطقة غرب أفريقيا وفي عموم القارة، سواء لحجم اقتصادها أو عدد سكانها، فإن هذا النفوذ قد تعرض لإشكاليات عديدة في السنوات الأخيرة، مع تنامي التحديات الداخلية التي تواجهها الدولة، وفي ظل معاناتها من سوء الإدارة، وضعف المؤسسات، وتدهور الأوضاع الأمنية، وتسارع الانحدار الاقتصادي؛ ما يجعل نيجيريا – بحسب البعض – أقرب إلى رجل أفريقيا المريض. ولهذه الأسباب، اعتبر المتابعون أن الانتخابات الرئاسية التي شهدتها نيجيريا عام 2023، يمكن أن تمثل فرصة لإعادة ضبط الأوضاع بالدولة، وبدء العملية الضرورية لإصلاح ما تعانيه البلاد من مشكلات، ورسم مسار جديد لمستقبل أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان.

ومن هذا المنطلق، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، في مايو 2024، تقريراً لـ"كاميرون هدسون" الزميل الأول في برنامج أفريقيا في المركز، والزميل السابق في "مركز أفريقيا" التابع للمجلس الأطلسي، وهو التقرير الذي حمل عنوان "آفاق التطورات في نيجيريا: سياسة جديدة ونتائج قديمة"؛ حيث تتناول الورقة بعض الخيارات السياسية المبكرة التي اتخذها الرئيس وأسلوبه في الحكم؛ لرسم التوقعات المتعلقة بسرعة ونوعية الإصلاحات الاقتصادية وخطط الحوكمة، مع التركيز على وجه الخصوص على قطاع النفط والغاز، الذي كان – تقليدياً – محرك النمو الاقتصادي في نيجيريا.

الإدارة والاقتصاد

يرى العديد من المحللين والسياسيين وقادة الأعمال أن نيجيريا تمتلك القوانين والمؤسسات اللازمة للعمل الفعَّال لدولةٍ تتسم بالكفاءة، ولكنها مع ذلك تفتقر، بحسب التقرير، إلى ذلك النوع من القيادة اللازمة لتحدي شبكات المحسوبية الراسخة التي تستمر في تقويض أفضل المؤسسات؛ وذلك فيما لا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بالاتجاه الذي سيختاره بولا تينوبو في الحكم لتصور الإصلاحات البنيوية الأكبر التي يمكن له اتخاذها، وخاصةً لإصلاح قطاعي الاقتصاد والطاقة.

ومع الإشارة إلى أن نيجيريا – ومن الناحية النظرية – تتمتع بالقدرة على أن تصبح القوة الاقتصادية لأفريقيا؛ فهي تتمتع بالفعل بأكبر اقتصاد في القارة وأكبر عدد من السكان، ومن المتوقع أن يكون لديها ثالث أكبر عدد من السكان على مستوى العالم بحلول عام 2050، وتغذيها طبقة متوسطة كبيرة، بجانب خطاب الرئيس الصديق للأعمال التجارية، ووعوده بحقبة جديدة من تخفيف القيود التنظيمية، ودعم القطاع الخاص، لكنه مع ذلك تواجهه العديد من المشكلات في الحكم، وهو ما تناوله التقرير في النقاط الآتية:

1– معاناة الرئيس النيجيري من معضلة "الشعبية": تولى تينوبو رئاسة نيجيريا في مايو 2023، ليواجه بالطعون ضد فوزه الانتخابي على مدى الأشهر الخمسة الأولى له في منصبه؛ ما أدى إلى تشتيت جهوده وتهدئة الزخم المرتبط عادةً بالانتصارات الانتخابية، وهو الزخم المهم للإدارات الجديدة لشحذ الطاقة اللازمة للتغيير والإصلاح. وبجانب المزاعم التي واجهها بداية حكمه بتزوير الانتخابات، كان تينوبو مثقلاً بالضرر الذي أصاب سمعته نتيجةً لكونه أول رئيس نيجيري يُنتخَب دون الحصول على أغلبية الأصوات الشعبية، بعد فوزه بنسبة 36% فقط من الأصوات، ليكون تفويضه هو الأضعف عند توليه الحكم.

2– اعتماد تينوبو على شبكة من الموالين له: وصل تينوبو إلى السلطة معتمداً على سمعته بصفته مسؤولاً قادراً على تشكيل فِرَق من المساعدين الأكفاء القادرين على تحقيق النتائج، وهي السمعة التي اكتسبها بصفته حاكماً لولاية لاجوس من 1999 إلى 2007، ولكن رغم ذلك فإن اختيارات تينوبو الوزارية خيَّبت آمال العديد من الذين كانوا يأملون رؤية المسؤولين الحكوميين الشباب الديناميكيين والتكنوقراط الذين يقال إن تينوبو قام بتجميعهم خلال فترة عمله حاكماً لولاية لاجوس، في مقابل مكافأة عدد كبير من أنصار الحزب الحاكم والحلفاء السياسيين بمناصب وزارية ثمينة، بدلاً من الإصلاحيين المؤهلين أو الخبراء الفنيين، مع بعض الاستثناءات فقط.

3– استمرار المخاوف الشعبية بشأن نمط الحكم: بدلاً من تشكيل حكومة تكنوقراط، فإن العدد القياسي من التعيينات الوزارية أدى إلى شكيل حكومة متضخمة وغير عملية، بما قد يؤشر على أن الاعتبارات السياسية ستتفوق على متطلبات الحكم الرشيد خلال حكم تينوبو، الذي أظهر في الأشهر العشرة الأولى لحكمه أن تركيزه من المرجح أن ينصبَّ على النتائج أكثر من التركيز على العملية؛ حيث اقترح كثيرون موقف "الغاية تبرر الوسيلة" تجاه التعامل مع الأزمات. وتوضح العديد من التصريحات السياسية المبكرة هذا النمط من الحكم، بما يشير ضمناً إلى أسلوب قيادة متهور.

4– اتهام الرئيس النيجيري بتبني سياسة خارجية صدامية: وقد يتبدى ذلك من دفاع تينوبو القوي عن الديمقراطية الإقليمية في مواجهة الانقلاب العسكري في النيجر، والتهديدات باستخدام الجيش النيجيري المنهك لشن غزو خارجي لإعادة الرئيس السابق محمد بازوم إلى السلطة في النيجر؛ ما أعطى مؤشراً، بحسب التقرير، للمتابعين على نمط متهور وغير مدروس لإدارة العلاقات الخارجية المعقدة للبلاد؛ وذلك مع الإشارة إلى امتعاض القادة العسكريين على نحو خاص في نيجيريا، بسبب عدم استشارتهم قبل أن يطلق تينوبو تهديداته باستخدام القوة العسكرية ضد دولة درَّبتها نيجيريا إلى حد كبير، وهي الدولة التي يتقاسم معها العديد من ضباط الهاوسا النيجيريين روابط ثقافية وعائلية عميقة.

5– تزايد الصعوبات الاقتصادية: تولى تينوبو منصبه بتوقعات عالية لإنعاش الاقتصاد وتحقيق معجزة اقتصادية للبلاد، وخاصةً أن وصوله إلى الحكم جاء على إثر ارتفاع أسعار النفط العالمية، ومع ذلك تواجه نيجيريا وضعاً اقتصادياً صعباً، مع تدهور وضعها المالي الداخلي بحدة، متأثرةً في ذلك بفترة السنوات الثمانية من السياسات والتدخلات الحكومية في الاقتصاد في ظل حكومة بخاري السابقة، التي اتسمت بضوابط رأس المال، والاقتراض الحكومي الكبير، والإعانات المكلفة من النقد الأجنبي إلى الوقود والكهرباء.

ورغم الآمال المحلية بتبني المزيد من التحرير، وتدخل حكومي أقل في الاقتصاد، وخاصةً أن تينوبو نفسه يبحث عن مكاسب سريعة لوقف نزيف الاقتصاد، فإنه مع ذلك لا يُنظر إليه باعتباره مصلحاً، وهو لم يُعْطِ أي إشارة إلى فعل الكثير لكسر نظام المحسوبية المهيمن على النموذج الاقتصادي النيجيري، وإعادة بنائه بشكل أكثر كفاءة في ظل سيادة القانون. وفي غياب مثل هذا الإصلاح، فإن التوقعات الاقتصادية لنيجيريا ستظل غير قابلة للتنبؤ إلى حد كبير.

ويضيف "هدسون" أنه في ظل صعوبات التنبؤ بآفاق الاقتصاد، يبدو أن الإعلانات المتسرعة عن الإصلاحات الرامية إلى إلغاء دعم الوقود وتعويم سعر الصرف الأجنبي قد تم تنفيذها من دون قدر كبير من التشاور مع المستشارين الاقتصاديين، ومن دون استراتيجية قصيرة أو طويلة الأجل للتخفيف من العواقب غير المقصودة المترتبة على قرارات تينوبو، وافتقاره الواضح إلى خطة اقتصادية شاملة. وفي حين يعترف الكثيرون في نيجيريا بأن هذه القرارات كانت ضرورية للبدء في تصحيح المسار الاقتصادي للدولة، فإن عدم دراستها جيداً تسبب في فقدان النايرا ما يقرب من 100% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي منذ الإعلان عن التعويم، مقابل الارتفاع الكبير في تكلفة السلع الأساسية اليومية.

وأدى ذلك إلى انتكاسة اقتصادية، وأضر بالمواطنين النيجيريين الذين كانوا مستهدفين بالإصلاحات، وخاصةً مع تراوح معدل التضخم الحقيقي بين 50 و75% شهرياً، ليبدأ الاستهلاك الإجمالي في الانخفاض؛ ما زاد من الضغوط الاقتصادية الهبوطية، وتسبب في تقليص شريحة الطبقة المتوسطة، فيما بلغت هجرة الأدمغة مستوى قياسياً بالدولة.

6– دراسة الشركات الدولية الكبرى الخروج من نيجيريا: على هذه الخلفية الاقتصادية، فإن الطبقة المتوسطة ليست وحدها الساعية للخروج من الاقتصاد النيجيري، وفقاً للتقرير. وبجانب دراسة بعض شركات النفط الكبرى إمكانية تصفية أعمالها بالدولة، قرر كبار مقدمي السلع الاستهلاكية، مثل شركة التجزئة الجنوب أفريقية Shoprite، والشركات الغربية العملاقة، مثل Proctor & Gamble وUnilever، إنهاء عمليات التصنيع في البلاد، وتحولوا بدلاً من ذلك إلى نموذج الموزع لبيع البضائع في نيجيريا؛ وهذا بسبب ضوابط رأس المال الصارمة.

معضلة النفط

تعطي صناعة النفط والغاز المثال الأوضح لإمكانات نيجيريا غير المستغلة، وقد حمل انتخاب تينوبو بعض الأمل والمزيد من الوعود ببذل المزيد من الجهد لمعالجة أوجه القصور وإعادة تنشيط القطاع ليصبح مرة أخرى محركاً للنمو في الدولة، ومصدراً للعملة الأجنبية التي تشتد حاجة البلاد إليها. وفي إطار ذلك، أعلن الرئيس عن رغبته في رفع إنتاج البلاد من النفط إلى 4 ملايين برميل يومياً، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف مستوى إنتاجها الحالي، وهو في حد ذاته أقل بكثير من حصة البلاد المحددة في إطار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، كما يرى الكثيرون أن تجربة "تينوبو" الشخصية في العمل لدى إحدى شركات النفط الدولية وعلاقات عائلته العميقة بالصناعة تمنحه رؤية خاصة وحافزاً لإصلاح القطاع، غير أن مثل هذه الطموحات الهائلة تواجه عدد من التحديات التي عرضها التقرير في النقاط التالية:

1– تفاقم مشكلة الحوكمة في قطاع النفط: يشير "هدسون" إلى أن القطاع يظل يعاني من تأثير إخفاقات الإدارة الأوسع في نيجيريا. ويمكن الإشارة هنا إلى قرار "تينوبو" نفسه بالاحتفاظ بمنصب وزير النفط، كما فعل كل الرؤساء النيجيريين السابقين، وهو ما اعتُبر فرصة ضائعة للخروج عن التقاليد، وإشارة إلى محدودية الجهود الحقيقية التي قد تُبذل في سبيل إصلاح النظام الذي يشرف عليه تينوبو.

وقد يكون الأهم أنه يشير إلى استمرار نهج العمل المعتاد في هذا القطاع؛ حيث تحتفظ الرئاسة بقبضة قوية على جميع العقود والاستثمارات في صناعة النفط في البلاد. ونتيجةً لذلك، فإن المشكلات المرتبطة بحوكمة قطاع النفط تركت العديد من الجهات الفاعلة؛ بدءاً من شركات النفط العالمية، وصولاً إلى مستوى المجتمع، تشعر بخيبة أمل وإحباط شديد بشأن مستقبل التطوير، ومعالجة أوجه القصور في قطاع النفط في نيجيريا، التي هي انعكاس مباشر لعجز الحكومات النيجيرية المتعاقبة، وعدم قيامها بالجهد اللازم لمعالجة تحديات الحكم، وتراجع الأمن وتفشي حالة الفساد.

2– تأخر إقرار قانون صناعة النفط: يشير آخرون إلى أن تأخر إقرار القانون التاريخي الخاص بصناعة النفط في نيجيريا، دليل إضافي على محدودية الأدوات التشريعية والتنظيمية وتأخرها للغاية في السعي لإصلاح القطاع؛ حيث كان الهدف من مشروع القانون عند بداية وضعه توفير مجموعة شاملة من التدابير القانونية والحوكمة والتنظيمية والشفافية لمعالجة العديد من التحديات المتوطنة في القطاع وفتح نيجيريا أمام جيل جديد من الاستثمار، غير أن التشريع الذي وُضِع قبل 20 عاماً، لم يتم إقراره إلا في عام 2021. وفي حين كان المشرعون النيجيريون مشغولون بإنفاق عقدين من الزمن في مناقشة كيفية تحويل الصناعة وحوكمتها؛ تغيَّر القطاع والعالم من حوله.

ومثالاً على ذلك، عندما بدأ النقاش حول مشروع القانون، كانت نيجيريا عملاق النفط في أفريقيا؛ حيث تنتج ما يقرب من 2.5 مليون برميل يومياً، ولم يكن لدى شركات النفط الكبرى سوى القليل من البدائل الأخرى للنفط النيجيري. ولكن لم يَعُد هذا هو الحال الآن، مع حدوث اكتشافات نفطية على طول ساحل غرب أفريقيا، ناهيك عن اكتشافات جديدة كبرى في أماكن أبعد مثل أوغندا وموزمبيق، وليكون لدى شركات النفط العالمية الآن الكثير من الفرص الاستثمارية التي يمكن الاختيار من بينها.

وفيما كان يُؤمَل أن يفتح التشريع الباب أمام استثمارات جديدة لتنشيط القطاع، توجهت شركات النفط الكبرى – التي فضَّلت معرفة الاتجاه الذي سيتخذه هذا الجهد التشريعي التاريخي في نهاية الأمر – نحو تأخير الاستثمارات الضرورية اللازمة لصيانة وتوسيع البنية التحتية النفطية التي من شأنها أن تسمح لنيجيريا ولو بالوفاء بحصص إنتاجها الحالية. وربما ليس بمستغرب أنه في هذه البيئة الصعبة والمثيرة للجدل من الناحية التشغيلية، اختارت شركات النفط الكبرى في السنوات الأخيرة تأجيل الاستثمارات البرية الموعودة التي تحمل تراخيص حصرية لها، وفي بعض الحالات اختارت إعادة تلك التراخيص إلى الحكومة.

3– تصاعد إشكاليات حماية وتأمين المنشآت النفطية: يرتكز الأمن في دلتا النيجر إلى حد كبير على فكرة مفادها أن مزيجاً من المال ووجود الجيش من شأنه أن يعالج المشكلات الأمنية التي يعاني منها قطاع النفط والغاز، ولكن العكس يبدو صحيحاً؛ فكلما زاد نشر الأموال والقوات في الدلتا في السنوات الأخيرة، أصبح الوضع الأمني أسوأ؛ وهذا بالإشارة إلى أن ما لا يقل عن ربع وما يصل إلى نصف إنتاج النفط اليومي في نيجيريا تسرقه الجماعات المسلحة عبر ولايات دلتا النيجر الست، وهو ما يعود في جزء منه إلى غياب أموال التنمية، ونقص الوظائف والفرص الاقتصادية أمام الأعداد المتزايدة من السكان الشباب، وخاصةً في المناطق النائية، في مقابل أن سرقة النفط تخلق وظائف ذات رواتب أعلى مما يمكن تحصيله في سوق العمل المحلي، وتسد فجوات الطاقة في المنطقة من خلال التكرير على نطاق صغير.

وفي تجسيد لهذه المشكلات الأمنية المرتبطة بقطاع النفط، أُعلِن عام 2023 عن حصول المتمرد السابق في دلتا النيجر وزعيم سوق النفط غير القانوني تومبولو، على عقد سنوي بقيمة 48 مليارين (نحو 60 مليون دولار عند التوقيع) من قِبل الحكومة الفيدرالية لتوفير الأمن لخطوط الأنابيب عبر دلتا النيجر، ورأى الكثيرون أن هذه الصفقة بمنزلة اعتراف هادئ وعلني من الدولة بأنها غير قادرة على توفير الأمن لخطوط الأنابيب، في مؤشر على تنازل الحكومة عن مسؤولياتها في المنطقة، بل مكافأة المجرمين وقطاع الطرق والجماعات المسؤولة عن نهب الثروات وتردي الوضع الأمني، وبما يؤثر بالتبعية على التزام شركات النفط العالمية بالإنتاج.

4– تأثير الحملات المناخية على قطاع النفط: ظهرت خلال السنوات الماضية اتجاهات أخرى خارج صناعة النفط التي لها اليوم تأثير عميق على مستقبل القطاع في نيجيريا؛ حيث بدأ السباق نحو تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية والحملات ضد الوقود الأحفوري، تُحدِث تأثيرات عميقة على الصناعة النفطية بطرق من شأنها أن تؤثر على الاستثمارات المستقبلية، وتُثبِّط – على ما يبدو – الحماس لمشاريع النفط الجديدة في نيجيريا.

ومع وجود تأثير لحركة صافي الانبعاثات الصفرية داخل بعض الدوائر المجتمعية، بدا أن السياسيين المحليين غير متأثرين إلى حد كبير بالجدل العالمي حول تغير المناخ؛ وذلك مع اعتقاد كثيرين بأن الدول الغربية مستمرة في القيام باستثمارات جديدة كبيرة في الوقود الأحفوري كدليل على أن النداءات الدولية التي تطلقها تلك الدول لبدء التحول نحو الطاقة الخضراء لا تزال تواجهها التحديات، لتظل الأولوية في نيجيريا لتطوير قدر أكبر من الطاقة المتاحة بأسعار معقولة للسوق المحلية، ولكن ليس بالضرورة من مصادر خضراء.

ورغم أن إمدادات البلاد من الغاز الطبيعي تتجاوز بكثير احتياطاتها من النفط في المستقبل، وجدل البعض بأن التحول إلى الغاز لاستخدامات الطاقة الداخلية، وكذلك للتصدير، هو على وجه التحديد نوع المبادرة الذي تحتاجه الحكومة لتحفيز الاقتصاد وجلب مصدر جديد للنقد الأجنبي؛ فإن هذا النوع من المناقشات الخاص بتحول الطاقة كان بطيئاً في الانتشار بين القادة وحتى السكان؛ بسبب قبضة النفط الكبيرة على الاقتصاد والحكم في البلاد، ولصعوبات تحويل نيجيريا بعيداً عن كونها دولة ريعية تدور حول النفط، وإن كان البعض يرى أن تعيين الرئيس تينوبو مؤخراً لوزير للغاز كان بمنزلة إشارة محتملة إلى الأمل. ولتفعيل هذه الجهود، دعا آخرون إلى وضع خطة رئيسية للغاز والتنمية الاستراتيجية من أجل مستقبل القطاع.

5– صعوبات الرهان على الشركات المحلية: نظراً إلى التحديات المختلفة المتعلقة بالحوكمة والأمن التي تواجهها شركات النفط العالمية في العمل في دلتا النيجر، بجانب الضغوط العالمية المتزايدة لتقليل الاستثمار في الوقود الأحفوري، فإن ذلك يدفع العديد من شركات النفط الكبرى في نيجيريا إلى مناقشة الانسحاب من نيجيريا. ومع ذلك، يبدو أن معظم أصحاب المصلحة الرئيسيين في صناعة النفط، من رجال الأعمال والمجتمعات المحلية والسياسيون ومجموعات المجتمع المدني، منقسمون بحدة حول التأثير الإيجابي الممكن لحصول شركات النفط النيجيرية المحلية على الأصول والقدرة الإنتاجية للشركات الدولية.

وفي الوقت ذاته يجادل البعض بأن رحيل كبار مشغلي النفط الدوليين قد يمثل فرصة تاريخية لتطوير قدرات الشركات المحلية، والحفاظ على ثروة نيجيريا النفطية الهائلة، وبما يفيد الشعب والاقتصاد النيجيري بشكل أفضل، ولكن مع ذلك يشير آخرون إلى الفساد المحلي المستشري في القطاع، وكيف يمكن سرقة ما يزيد عن نصف إنتاج نيجيريا اليومي، وكذلك تسريب المعلومات إلى المسلحين بشأن مكان وتوقيت الضربات الحكومية لهم، فضلاً عن المشكلات الأمنية المرتبطة بحقيقة أن مقاتلي الدلتا ما زالوا أفضل تسليحاً بكثير، وأكثر اطلاعاً، وأكثر تحفيزاً من قوات الأمن الفيدرالية المنوطة بها حماية الأصول المملوكة والمدارة محلياً.

وأيضاً فإن من غير المرجح أن تكون هذه الشركات المحلية على قدر استجابة شركات النفط الدولية، التي تضم مساهمين ومجالس إدارة ناشطين يسعون إلى تقليل المخاطر الإعلامية والتشغيلية، وكذلك من حيث مراعاة حقوق العمالة فيها. وعلى نحو مماثل، وفي غياب محاكم أجنبية تفصل في المنازعات، يخشى كثيرون من فرض المزيد من الضغوط على الهيئات القضائية ووكالات إنفاذ القانون الضعيفة في نيجيريا لتتمكن من إدارة القطاع بشكل أكثر نشاطاً، بل يشعر بعض النشطاء المحليين بالقلق من أن المشغلين المحليين قد يسلكون طرقاً مختصرة في قضايا مثل الصحة والسلامة والأمن وحقوق العمال؛ لأنهم لا يخشون التداعيات التي قد تتأثر بها شركات النفط الدولية.

الخلاصة أنه بالنظر إلى مختلف التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه الرئيس تينوبو في إدارة شؤون البلاد، ولا سيما في قطاع النفط، يتخوف البعض من تبعات الأخطاء والقرارات الاقتصادية التي اتخذها الرئيس، وبدلاً من ذلك، يأمل النيجيريون أن يبدأ تينوبو في مسار من الإصلاحات السياسية والاقتصادية المدروسة والمعتمدة التي تستفيد من المزايا الطبيعية التي تتمتع بها البلاد. وفي حال عدم مراعاة ذلك، فمن المرجح أن تظل حظوظ نيجيريا الاقتصادية والسياسية متناقضة وغير قابلة للتنبؤ بها.

المصدر:

Cameron Hudson, "Nigeria’s Evolving Outlook. New Politics, Old Outcomes", The Center for Strategic and International Studies (CSIS), May 2024.

كيف تفاقمت التحديات أمام الرئيس النيجيري؟