كرم سعيد

أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، زيارة رسمية إلى الجزائر، في الفترة من 20 إلى 21 أبريل 2025، لحضور الاجتماع الثالث لمجلس التعاون الاستراتيجي الرفيع المستوى بين البلدين. وطغى ملف التوترات الإقليمية على ملامح هذه الزيارة بشكل واضح، خاصةً في ظل ارتدادات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستمرار حالة السيولة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء غرب أفريقيا. وشهدت العلاقات بين البلدين دفعة كبيرة على مستوى طبيعة المضامين الخاصة بالتفاعلات البينية القائمة بين الطرفين، ويرتبط ذلك في الأساس بالزيارة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزائر في عام 2023، ووقَّع خلالها نحو 13 اتفاقية تعاون، بالإضافة إلى زيارته في عام 2020، التي تقرر خلالها إنشاء مجلس التعاون رفيع المستوى بين البلدين، كما جاءت زيارة "فيدان" لتعكس حالة من التطور في ملامح العلاقات المشتركة بين الجانبين، ولا سيما في ضوء ديناميات التنافس الدولي القائم في أفريقيا، في ظل تحركات عدد من القوى الدولية لملء فراغ التراجع الغربي.&nbsp;سياقات مغايرةجاءت زيارة وزير الخارجية التركي إلى الجزائر في ظل مجموعة من السياقات المغايرة، التي فرضت على البلدين تعزيز وتوسيع مساحات التقارب المشترك، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:1– تصاعد حدة التوتر الجزائري الغربي: جاءت زيارة فيدان إلى الجزائر في ظل تصاعد حدة التوتر بين الجزائر والقوى الغربية، وبخاصة باريس وواشنطن؛ فبينما شهدت العلاقة توتراً في منتصف أبريل 2025، بعد طرد الجزائر 12 دبلوماسياً فرنسياً، وهو ما دفع الأخيرة إلى الرد بالمثل، فإن ثمة توتراً مكتوماً بين الجزائر وواشنطن، بعد تجديد الأخيرة في 8 أبريل 2025 سيادة المغرب على الصحراء الغربية؛ حيث أكد وزير الخارجية ماركو روبيو خلال لقائه بنظيره المغربي في واشنطن، أن الحل الوحيد للنزاع لا يمكن أن يقوم إلا على أساس مقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط.2– محاولة تركيا ملء الفراغ في أفريقيا: تأتي زيارة فيدان إلى الجزائر في ظل مسارعة تركيا الخطى لترسيخ حضورها في القارة الأفريقية، مستفيدةً من تراجع نفوذ القوى الدولية التقليدية، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في عدد من المناطق، وعلى رأسها منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي. وعلى ضوء ذلك، تسعى تركيا إلى توظيف الشراكة مع الجزائر باعتبارها أحد المداخل المهمة لدعم حضورها في أفريقيا. ولعل هذا ما يدفع تركيا إلى التوازن بشأن قضية الصحراء الغربية؛ لذا تعكس زيارة فيدان إلى الجزائر، وما انطوت عليه من اتفاقيات بين البلدين، رغبة تركيا في تقويض النفوذ الغربي في أفريقيا، وهو الأمر الذي يُعَد أحد أهداف تركيا. 3– توترات الجزائر مع المغرب: حيث تحمل هذه الزيارة أهمية كبيرة في رؤية الجزائر، وخاصةً بعد أن تمكن المغرب من تطوير علاقاته الاستراتيجية مع واشنطن والقوى الأوروبية مقابل تراجع لافت في علاقات الجزائر مع الغرب؛ لذلك ينظر العديد من المراقبين إلى هذه الزيارة على أنها ورقة رابحة للجزائر، ودليل على قدرة إدارة الرئيس تبون على بناء تحالفات واصطفافات إقليمية جديدة يمكن التعويل عليها في تحييد تحركات الخصم المغربي.4– استمرار الارتدادات العكسية لصراعات الإقليم: تعكس المعطيات الراهنة في غزة وسوريا، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة على خلفية استمرار إسرائيل القوة الصلبة في قطاع غزة، بالإضافة إلى تصاعد الخلاف التركي–الإسرائيلي على الساحة السورية، تحركات أنقرة والجزائر المشتركة والمتنامية لتحييد الارتدادات العكسية لصراعات المنطقة على مصالح البلدين، وكذلك توظيف هذه الصراعات لتعزيز حضورهما الإقليمي، وهو ما ينعكس بوضوح في تحول أنقرة والجزائر إلى وجهة رئيسية لحماس؛ حيث زار وفد حماس تركيا في 19 أبريل 2025. وعلى مستوى الجزائر، قام وفد من حماس بزيارة الجزائر في 19 يناير 2025، وقبلها في 4 فبراير 2024.5– إعادة هيكلة سياسة الجزائر تجاه تركيا: تعكس تحركات الدبلوماسية الجزائرية تجاه تركيا خلال الآونة الأخيرة، رغبتها في تنويع شراكاتها الخارجية، وإعادة صياغة علاقاتها الخارجية؛ إذ يبدو أن الجزائر باتت تتطلع كي تصبح تركيا شريكاً رئيسياً لها، خاصة في ظل فتور نسبي في العلاقات مع روسيا، والتوتر الحاصل في علاقاتها مع الغرب. وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل الدلالات المهمة التي عكستها زيارة فيدان إلى الجزائر، وهو ما ظهر في الافتتاح الرسمي للقنصلية العامة التركية في مدينة وهران غرب الجزائر، كما كشفت طريقة الاستقبال التي حظي بها وزير الخارجية التركي، ولقاؤه بالرئيس تبون، رغبة الجزائر في الدفع نحو توسيع مستويات شراكاتها بتركيا.اعتبارات مختلفةثمة العديد من الدوافع المفسرة لزيارة وزير الخارجية التركي إلى الجزائر في التوقيت الحالي، وهي الدوافع التي يتمثل أبرزها فيما يلي:1– التنسيق في مواجهة التحديات الإقليمية: شهدت زيارة وزير الخارجية التركي إلى الجزائر الاتفاق بين الجانبَين على تعزيز الصلات في مواجهة التحديات الإقليمية، وخاصةً الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتوغل الإسرائيلي في سوريا، بالإضافة إلى تعزيز حالة الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، بجانب التنسيق المشترك بين الطرفين بشأن دعم الخيارات الدبلوماسية لتسوية الصراع الدائر في ليبيا. 2– دعم العلاقات في مجال التجارة والاستثمار: استهدفت زيارة فيدان إلى الجزائر دفع التعاون المشترك في مجال الاقتصاد الاستثمار، باعتباره من أبرز المجالات التي تحتل اهتمام الطرفين؛ فعلى مستوى التجارة البينية، تعد الجزائر من أهم الشركاء التجاريين الرئيسيين لتركيا في أفريقيا؛ حيث يوجد في الجزائر نحو 1400 شركة تركية مسجلة، منها 60 شركة إنشاءات، كما بلغ حجم الاستثمارات التركية المباشرة في الجزائر 6 مليارات دولار، بينما وصل حجم التبادلات التجارية بين البلدين إلى 6.42 مليار دولار في عام 2024. وتجدر الإشارة إلى أن الاجتماع الثالث لمجموعة التخطيط المشترك ين البلدين، الذي حضره "فيدان" في 21 أبريل 2025، أكد أهمية الوصول خلال المرحلة المقبلة إلى الهدف المشترك، المتمثل في رفع حجم التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار.<h4 class="ql-align-justify ql-direction-rtl"> </h4>3– تطوير التعاون في مجال الطاقة: تمثل مشاريع الطاقة أحد المجالات المهمة في علاقة تركيا والجزائر، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية التركي خلال لقاءاته في الجزائر. ويُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة زيادة حجم الاستثمارات التركية في مجال الطاقة والغاز واستغلال الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة في الجزائر التي تمتلك إمكانات في مجال الموارد الطبيعية والطاقات المتجددة. وتعتبر تركيا، عبر شركات كبرى مثل "سيمبور"، واحدة من أبرز المستثمرين في الصناعات الثقيلة والطاقة النظيفة في الجزائر. وفي المقابل، كانت عملاقة الطاقة الجزائرية سوناطراك، قد بدأت في سبتمبر 2024، تضخ استثمارات هائلة بالشراكة مع شركة "رونسانس" التركية، في مشروع نزع الهيدروجين من البروبان، وإنتاج البوليبروبيلان في تركيا.4– تأمين واردات تركيا من الغاز: في رؤية تركيا، تمثل الجزائر واجهة رئيسية لتأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة، وخاصة الغاز المسال، لا سيما أن واردات تركيا من الغاز المسال شهدت ارتفاعاً ملحوظاً منذ ديسمبر 2024 لتسجل مستوى غير مسبوق في فبراير 2025، مع زيادة الطلب المحلي، سواء لقطاع الصناعة أو للاستهلاك المنزلي. وتمثل الجزائر حالياً واحدة من أهم موارد الغاز بالنسبة إلى تركيا؛ حيث تحصل الأخيرة على نحو 4,4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من شركة النفط والغاز الجزائرية الحكومية سوناطراك؛ وذلك بموجب عقد موقَّع في عام 1988، ومن المقرر انتهاؤه في نهاية عام 2027.كما تجدر الإشارة إلى أن التحركات التركية الراهنة تجاه الجزائر ترتبط بمساعي أنقرة إلى تقليص الاعتماد على الغاز الروسي والإيراني؛ بسبب استمرار الحرب الأوكرانية، ومخاوف أنقرة من فشل المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، التي قد يستتبعها فرض مزيد من العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الإيراني.توسيع الحضورختاماً، يمكن القول إن الزخم الراهن في علاقة كلٍّ من تركيا والجزائر، يعكس سعي أنقرة إلى توسيع حضورها في أفريقيا، وتوظيف تراجع النفوذ الفرنسي في الجزائر لملء الفراغ، بالإضافة إلى حرص تركيا على تقليل مستوى اعتمادها على الغاز الروسي والإيراني، بينما تستهدف الجزائر إعادة هيكلة تحالفاتها الإقليمية لصالح تعزيز العلاقات مع تركيا، خاصةً في ظل توتر علاقاتها بالغرب، فضلاً عن تصاعد خلافاتها مع جوارها الإقليمي، ولا سيما المغرب ومالي.

دوافع زيارة وزير الخارجية التركي إلى الجزائر