إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

في تصعيد جديد مع جنوب أفريقيا، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو طرد سفيرها لدى الولايات المتحدة إبراهيم رسول، وكان مبرره في ذلك أنه يكره الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب، بجانب أنه صرَّح في منشور له على منصة إكس بأن رسول "لم يَعُد موضع ترحيب في الولايات المتحدة، وأنه سياسي مثير للفتنة العرقية، وليس لدينا ما نناقشه معه؛ ولذلك يعد شخصاً غير مرغوب فيه". وأعطى روبيو إبراهيم رسول مهلة أقصاها يوم الجمعة الموافق 21 مارس 2025 لترك الولايات المتحدة والخروج منها.عوامل دافعةهناك العديد من الأسباب التي دفعت وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى الإعلان عن طرده سفير جنوب أفريقيا إبراهيم رسول، ولعل من أهم الأسباب الدافعة إلى ذلك ما يلي:1– اتهام جنوب أفريقيا بالقيام بتحركات معادية لواشنطن: تتمثل أحد الأسباب التي دفعت وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى اتخاذ هذا القرار، إعلانه في فبراير 2025 أنه لن يشارك في اجتماعات مجموعة الـ20 في جنوب أفريقيا؛ حيث اتهم حكومة جنوب أفريقيا بأنها تتبع جدول أعمال مُعادياً للولايات المتحدة الأمريكية، وصرَّح حينها بأن جنوب أفريقيا "تفعل أشياء سيئة جداً"، بجانب أنه وجَّه لها اتهامات بأنها تستخدم قمة العشرين للترويج للتضامن والمساواة والاستدامة، إلا أنها تستولي على الممتلكات الخاصة، وفق قوله.2– تنفيذ أجندة الرئيس "ترامب" بشأن جنوب أفريقيا: تتسق الخطوة التي أقدم عليها وزير الخارجية الأمريكي مع خطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن جنوب أفريقيا، الذي وقَّع في فبراير 2025 على أمر تنفيذي يتم بموجبه وقف المساعدات المالية لجنوب أفريقيا؛ وذلك نتيجة ملاحقة بريتوريا لإسرائيل وتقديمها دعوى ضدها أمام المحكمة الجنائية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة. وعلى إثر ذلك هاجم ترامب سياسة جنوب أفريقيا الخارجية.وسبق أن تقدمت جنوب أفريقيا بدعوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي في ديسمبر 2023، اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، في حين أمرت المحكمة بعد النظر في الدعوى في يناير 2024، بمنع إسرائيل من ارتكاب أعمال تدخل في اتفاقية منع الإبادة الجماعية ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، بجانب أنها قدمت طلباً عاجلاً في 24 مايو 2024 إلى محكمة العدل الدولية، وحينها أصدرت المحكمة قراراً يُلزم إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في رفح، وفتح كل المعابر البرية للقطاع، ولا سيما معبر رفح، وقد جعلت كل هذه المواقف علاقاتها مع الغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، على المحك.3– اتهام وزير الخارجية الأمريكي لـ"رسول" بأنه كاره لـ"ترامب": من الأسباب التي دفعت روبيو إلى اتخاذ قرار بطرد سفير جنوب أفريقيا، أنه رصد له مقالات يتهم فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه "يقود حركة لتفوق العرق الأبيض". وعلى إثر هذه التصريحات، اتهمه وزير الخارجية الأمريكي بأنه يكره الولايات المتحدة ورئيسها؛ ولذلك نشر على منصة إكس أنه "لم يَعُد مُرحَّباً به في الولايات المتحدة، وأنه لا يوجد ما نناقشه معه"، بجانب أنه أعطاه مهلة أقصاها يوم 21 مارس 2025 للخروج من الولايات المتحدة والعودة إلى بلاده.4– وصف "روبيو" لـ"رسول" بأنه مثير للفتن العرقية: برر وزير الخارجية الأمريكي قراره بطرد سفير جنوب أفريقيا من الولايات المتحدة بأنه سياسي يؤجج التوترات العرقية، ويرى أن حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً"، هو شعار يرفعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل تفوق البيض على تنامي التنوع الديموغرافي في الولايات المتحدة. وفي ضوء ذلك، يعتبر روبيو أن تحركات رسول مثيرة للفتن العرقية في الولايات المتحدة؛ ولذلك اتخذ قراراً رسمياً بطرده من الولايات المتحدة.5– رغبة واشنطن في إعادة تقييم علاقاتها بجنوب أفريقيا: قد يكون قرار روبيو طرد سفير جنوب أفريقيا من الولايات المتحدة، نابعاً من رغبة الولايات المتحدة في إعادة تقييم علاقاتها بجنوب أفريقيا في الفترة المقبلة؛ وذلك نتيجةَ امتعاض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قوانين الإصلاح الزراعي التي تنتهجها حكومة جنوب أفريقيا، والتي تتضمن الاستيلاء على الأراضي من المزارعين البيض دون تعويض لهم، وقد وصف البيض بأنهم "ضحايا لقوانين الملكية العنصرية"، وأيَّده في ذلك حليفه إيلون ماسك؛ ولذلك قدم ترامب دعوة سيسهل من خلالها لأي مزارع من جنوب أفريقيا من ذوي البشرة البيضاء الحصول على الجنسية الأمريكية.وفي المقابل، رفضت حكومة جنوب أفريقيا بقيادة سيريل رامافوزا هذه الاتهامات، ورأت أنها ادعاءات خاطئة وليس لها دليل، ورأت أيضاً أن الأمر التنفيذي الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "لا يعترف بتاريخ جنوب أفريقيا العميق والمؤلم في الاستعمار والفصل العنصري". وردت حكومة جنوب أفريقيا على الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بوقف المساعدات المالية إلى جنوب أفريقيا بإيقاف عمل بعض الشركات الأمريكية لديها، بالإضافة إلى قيامها بوقف تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة.تحركات محتملةعلى غرار قيام الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته بطرد سفير دولة من الولايات المتحدة، فمن المتوقع أن يلجأ ترامب إلى هذا القرار مرات أخرى، خاصةً مع الدول التي توجد خلافات بينها وبين واشنطن، وهو ما سيتم توضيحه فيما يلي:1– الطرد المحتمل للسفيرة الكندية من واشنطن: من الوارد أن يلجأ الرئيس الأمريكي وإدارته إلى استخدام هذا الأمر مع الدول التي تعارض رغباته التي يريدها، ومن هذه الدول كندا التي يرغب في ضمها إلى الولايات المتحدة لتكون الولاية الأمريكية الـ51. وفي هذا الإطار، من الوارد أن يقوم في الفترة المقبلة بطرد السفيرة الكندية كيرستن هيلمان، كخطوة استفزازية لرئيس الوزراء الجديد مارك كارني. ويعزز حدوث ذلك تصريحات هيلمان الأخيرة التي قالت فيها إن بلادها "تأخذ على محمل الجد قضية سيادتها"، ورفضها تصريحات ترامب المتكررة التي يطلب فيها بضم كندا إلى الولايات المتحدة.2– تصعيد التوتر مع بكين من خلال طرد سفيرها: من الوارد أن يقوم الرئيس الأمريكي في الفترة المقبلة بتصعيد التوتر مع الصين، عبر طرد سفيرها لدى الولايات المتحدة شيه فينج؛ وذلك نتيجة تصريحاته التي أدلى بها عقب فوز الرئيس ترامب برئاسة الولايات المتحدة؛ حين قال: "لا يوجد فائزون في حروب التعريفات الجمركية والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والحروب الصناعية". ومن الممكن أن ينظر ترامب إلى هذه التصريحات على أنها تحدٍّ له، فيفعل مثلما فعل مع سفير جنوب أفريقيا.3– احتمال طرد سفراء من دول "القائمة الحمراء": قد تفعل إدارة ترامب الأمر نفسه ضد سفراء الدول التي تخطط وزارة الخارجية لإدراجها في المجموعة الحمراء التي ترغب في منع دخول مواطنيها كلياً إلى الولايات المتحدة، على اعتبار أنهم يشكلون مخاطر أمنية ضد الولايات المتحدة، حسبما يرى الرئيس ترامب ووزير خارجيته. وتشمل هذه المجموعة 11 دولة، وهي: اليمن وليبيا وسوريا والصومال والسودان وأفغانستان وبوتان وفنزويلا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا. وتنظر واشنطن إلى هذه الدول على أنها تهدد الأمن القومي الأمريكي.أداة ضغطوختاماً، من الوارد أن يتجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى خطوة طرد عدة سفراء من الولايات المتحدة في الفترة المقبلة، مثلما حدث مع سفير جنوب أفريقيا إبراهيم رسول، ومن المحتمل أن يستخدم هذا الأمر كأداة ضغط على الدول التي يرغب في أن تنفذ أمراً معيناً ولم توافق عليه من قبل، أو أن يكون بينه وبينها خلاف على أمر ما.

ما أبعاد طرد إدارة "ترامب" سفير جنوب أفريقيا من البلاد؟