ميرال حسين

تتزايد الانتقادات العلنية لإسرائيل بشكل غير مسبوق في أروقة المؤسسات الأمريكية، على الرغم من الموقف الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بمساندة حليفتها بكل ما أوتيت من قوة، بعد عملية السابع من أكتوبر؛ فقد شهدت الآونة الأخيرة تزايد المعارضة لتمويل إسرائيل في الكونجرس الأمريكي وسط دعوات للإدارة الأمريكية لوقف دعمها "غير المشروط" لتل أبيب في حرب غزة؛ فبينما ينتظر البيت الأبيض موافقة الكونجرس على مشروع قانون لإرسال 10 مليارات دولار من التمويل العسكري لإسرائيل، وجَّه السيناتور المستقل "بيرني ساندرز" دعوة صارمة للمشرعين إلى رفض ما وصفه بالتمويل غير القانوني وغير الأخلاقي لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" للحرب على الشعب الفلسطيني.مؤشرات واضحةلا شك أن المعارضة المتصاعدة لتمويل إسرائيل في الكونجرس الأمريكي مدفوعة بمجموعة من العوامل، يمكن تسليط الضوء على أبرزها على النحو التالي:1– انتقاد سلوك إسرائيل في الحرب: انتقد عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، مثل "بيرني ساندرز" و"جواكين كاسترو"، تصرفات إسرائيل في حرب غزة، ووصفوها بأنها "غير متناسبة بشكل صارخ، وغير أخلاقية، وتنتهك القانون الدولي"، ويقولون إن الدمار في غزة يتجاوز الأمثلة التاريخية، مثل القصف الأمريكي لمدينة "دريسدن" وألمانيا والمدن اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الصدد، يشير بعض المشرعين إلى التأثير الشديد على المدنيين في غزة؛ حيث تم تهجير 85% منهم قسراً، وتدمير 70% من المنازل، ومواجهة جميع السكان للجوع.2– الدفع بتورط الولايات المتحدة في الصراع: يؤكد "ساندرز" أن الحرب ضد الشعب الفلسطيني قد تم شنها بشكل كبير بالقنابل الأمريكية وقذائف المدفعية وأشكال أخرى من الأسلحة؛ ما يجعل الأمريكيين منخرطين بشكل غير مباشر في الصراع. وكذلك يرى المشرعون أن دافعي الضرائب في الولايات المتحدة يجب ألا يكونوا متواطئين بعد الآن فيما يعتبر أنه تدمير لحياة الأبرياء في غزة؛ ما يعكس مشاعر متزايدة ضد الدعم غير المشروط لإسرائيل.3– مخاوف بشأن استمرار قيادة نتنياهو: أعرب بعض المشرعين عن مخاوفهم بشأن توفير التمويل العسكري لإسرائيل ما دام رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" في السلطة، ويطالبون بإعادة تقييم العلاقة، ويعربون عن شكوكهم في فاعلية مراقبة التزام إسرائيل بالقوانين الدولية.4– الرغبة في وقف إطلاق النار: يضغط بعض المشرعين، بمن في ذلك أعضاء الحزب الديمقراطي، من أجل وقف دائم لإطلاق النار وحل دبلوماسي للصراع. ويشير هؤلاء إلى أن إرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل يجب أن يكون مشروطاً بالتقدم نحو السلام، ويؤكدون الحاجة إلى معالجة الوضع بشكل شامل. ومن جانبه، يرفض الرئيس الأمريكي "جو بايدن" الدعوات المتزايدة لوقف إطلاق النار في غزة، متعللاً بأن ذلك "لن يحقق السلام".وفي هذا الصدد، تخطط مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، وخاصةً أعضاء لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، لتقييم الوضع في المنطقة من خلال زيارة إسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية. وهذا يشير إلى الاعتراف بالحاجة إلى تقييم شامل والمشاركة مع الحلفاء الإقليميين للمساهمة في الطريق إلى السلام.5– الاستياء من تجاوز "بايدن" للكونجرس: أثار قرار إدارة بايدن تجاوز الكونجرس والموافقة على مبيعات الأسلحة الطارئة لإسرائيل، استياء المشرعين، بمن في ذلك أعضاء حزب الرئيس نفسه. وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف بشأن الرقابة والمساءلة المناسبة في عملية بيع الأسلحة.6– انتقاد الموقف الدبلوماسي الأمريكي: على الرغم من الأزمة المتفاقمة، تجنَّبت إدارة بايدن الدعوة صراحةً إلى الهدوء في غزة، وأفادت التقارير بأن مذكرة وزارة الخارجية لم تشجع استخدام عبارات مثل "وقف التصعيد/وقف إطلاق النار". وأثار ذلك انتقادات ودعوات إلى تغيير النهج الدبلوماسي الأمريكي.وفي سياق متصل، يصف المشرعون التقدميون، بمن في ذلك "رشيدة طليب"، فشل الحكومة الأمريكية في معالجة الوضع الإنساني في غزة والعقاب الجماعي للفلسطينيين، بأنه جريمة حرب؛ ما يساهم في الشعور بعدم الرضا عن الجهود الدبلوماسية الحالية.7– المخاوف من تزايد الانقسامات الداخلية: ربما تشكل المخاوف من الانقسامات الداخلية واحدة من المحفزات الرئيسية لتصاعد المطالب بالتدقيق في المساعدات المقدمة لإسرائيل. وهذه الانقسامات تأتي على مستويين: أولهما المستوى المؤسسي؛ إذ يتزايد الاعتراض داخل الإدارة الأمريكية على سياسة واشنطن تجاه الحرب في غزة، وكان آخر مؤشرات هذا الاعتراض استقالة مستشار السياسات في مكتب التخطيط والتقييم وتطوير السياسات بوزارة التعليم الأمريكية طارق حبش. ويتجلى البعد الآخر للانقسامات على مستوى الشارع، في الاحتجاجات المتواصلة ضد إسرائيل والدعم الأمريكي لها، ناهيك عن بزوغ أصوات أمريكية تطالب بالتوقف عن تقديم المساعدات لإسرائيل والاستفادة من هذه المساعدات في تحسين الخدمات المقدمة للأمريكيين.تداعيات جمةإن تزايد الرفض داخل الكونجرس الأمريكي لتمويل إسرائيل، وخاصةً فيما يتعلق بالحرب المستمرة في غزة، له تداعيات محتملة عديدة على السياسة الأمريكية وإدارة بايدن ومسار الصراع؛ وذلك على النحو التالي:1– احتمالية زيادة التوتر الدبلوماسي بين تل أبيب وواشنطن: يعكس رفض تمويل إسرائيل الاستياء المتزايد بين المشرعين من تصرفات الحكومة الإسرائيلية في الصراع. وقد يؤدي هذا إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وخاصةً إذا وجدت إدارة بايدن نفسها في موقف أضعف في مواجهة التيار المعارض لدعم إسرائيل الذي بات أكثر حضوراً في ظل طول أمد الحرب وعدم إنجاز إسرائيل أهدافها من ورائها.2– فرض المزيد من الضغوط على إدارة بايدن: قد تواجه إدارة بايدن تحديات في إدارة تداعيات رفض الكونجرس تمويل إسرائيل؛ حيث قد تحتاج إلى إيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على التحالفات التقليدية والاستجابة لتطور مواقف الرأي العام ومواقف الكونجرس؛ إذ قد يكون لرفض تقديم التمويل غير المشروط لإسرائيل تداعيات سياسية داخلية. وقد يؤدي ذلك إلى مناقشات داخل الكونجرس وبين الجمهور حول المستوى المناسب من الدعم لإسرائيل؛ ما قد يعيد تشكيل السرد حول العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.كما تشير الإشارات المتضاربة من الناخبين حول اتجاه صنع السياسة الأمريكية بشأن الصراع – مع الانقسام الكبير حول إذا ما كان ينبغي لإسرائيل مواصلة حملتها العسكرية أو وقفها – إلى أن "بايدن" لديه خيارات محدودة مقبولة سياسياً؛ لأن تحقيق التوازن بين مختلف الآراء العامة أمر صعب.3– التأثير المحتمل على مسار الحرب في غزة: قد يؤثر عرقلة الكونجرس أي تمويل أمريكي لإسرائيل على مسار الصراع؛ فمن المحتمل أن يحد ذلك من قدرات إسرائيل العسكرية أو يغير نهجها الاستراتيجي إذا واجهت قيوداً بسبب انخفاض الدعم المالي والعسكري من الولايات المتحدة؛ فقد تجد إسرائيل نفسها في "مأزق استراتيجي"؛ إذ تجاوزت تكلفة الحرب 18 مليار دولار. وهذا الأمر قد يدفع إسرائيل في نهاية المطاف إلى التفاوض مع واشنطن على خيارات محددة لإنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن.4– إكساب التيار المعارض لتل أبيب المزيد من الزخم: قد يشير رفض تمويل إسرائيل إلى تحول في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية؛ حيث يؤكد المشرعون الحاجة إلى إعادة تقييم الدعم بناءً على المخاوف بشأن تصرفات إسرائيل في الصراع.كما أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة "كوينيبياك"، شمل 1574 ناخباً مسجلاً في الفترة من 9 إلى 13 نوفمبر، أن التعاطف مع الفلسطينيين يتزايد بين الأمريكيين، وخاصةً الديمقراطيين الذين قال عدد كبير منهم في الاستطلاع إنهم أكثر تعاطفاً مع محنة المدنيين الفلسطينيين من الإسرائيليين. وقد أظهر الاستطلاع أن 41% من الناخبين الديمقراطيين الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم متعاطفون مع الفلسطينيين، بينما قال 34% إنهم أكثر تعاطفاً مع الإسرائيليين، و25% لم يقرروا بعد. وهذا يعد تحولاً جذرياً عن شهر أكتوبر؛ حين قال نحو 48% من الديمقراطيين في استطلاع "كوينيبياك" الذي أجري في 17 أكتوبر إنهم أكثر تعاطفاً مع إسرائيل، وقال 22% منهم إنهم أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين.5– تزايد الضغوط المضادة من جانب اللوبي الإسرائيلي: في مقابل رفض بعض المشرعين الأمريكيين مواصلة تقديم الدعم لإسرائيل، يُرجَّح أن يعمل اللوبي الإسرائيلي على مضاعفة الضغوط على القوى المعارضة لدعم إسرائيل، سواء من خلال العمل على تشويه صورة هذه القوى، أو من خلال تقديم الدعم للأطراف المنافسة لها. ويكفي هنا الإشارة إلى طبيعة نشاط مجموعة إيباك فيما بعد حرب غزة؛ فوفقاً لتقرير صحيفة الشرق الأوسط، نقلاً عن لجنة الانتخابات الفيدرالية، "قدَّم اللوبي تبرعات تخطت قيمتها 3.7 مليون دولار في شهر نوفمبر الماضي لحملات المشرعين، وهو مبلغ تخطى قيمة المبالغ التي عادةً ما يقدمها اللوبي في شهر واحد. وتعمل مجموعة الضغط هذه جاهدةً لإقناع أعضاء الكونجرس بدعم تمويل إسرائيل ليتصدر النائب الديمقراطي ريتشي توريه لائحة التبرعات، يتبعه زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز".6– استفادة الحزب الجمهوري من مأزق "بايدن": لا يمكن إغفال أن تزايد الرفض داخل الكونجرس لتمويل إسرائيل، الذي يأتي أغلبه من أعضاء الحزب الديمقراطي، يمنح الحزب الجمهوري بعض المكاسب والمزايا السياسية؛ لأن ما يجري يؤثر بالسلب على إدارة بايدن، ومن ثم قد يستفيد الحزب الجمهوري من ذلك الأمر، وخاصةً مع اقتراب موعد الانتخابات.وإجمالاً لما سبق، فإن الرفض المتزايد داخل الكونجرس الأمريكي لتمويل إسرائيل، يعكس تصاعد تعقيدات الحسابات السياسية أمام إدارة بايدن؛ فمنذ اليوم الأول للحرب، تقدم إدارة بايدن دعماً غير محدود لتل أبيب، ومع ذلك يبدو أن مشهد الحرب بات أكثر غموضاً في ظل تململ البعض داخل واشنطن من عدم قدة إسرائيل على تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب. ومن ثم قد يؤدي تراجع دعم الكونجرس لتقديم مساعدات إضافية لإسرائيل، وخاصةً إذا تزايد عدد المشرعين المؤيدين لهذا التوجه، إلى إضفاء المزيد من التعقيدات على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

ملامح تصاعد الرفض داخل الكونجرس الأمريكي لتمويل إسرائيل