شنَّت عناصر مسلحة مجهولة الهوية هجوماً مسلحاً على مقر وكالة الاستخبارات الوطنية التشادية في 28 فبراير 2024 استمر نحو 30 دقيقة، وسط اتهامات أمنية للحزب الاشتراكي بلا حدود المعارض بضلوعه في هذا الهجوم، بتحريض من المعارض البارز يحيى ديلو زعيم الحزب، الذي أُعلِن عن مقتله خلال هجوم القوات الأمنية التشادية على مقر حزبه، الذي أسفر أيضاً عن سقوط عدد من القتلى بحسب تقارير إعلامية تشادية.

ويعكس هذا التطور السياق المضطرب الذي يعزز هشاشة المشهد السياسي التشادي، خاصةً مع انتشار عسكري واسع للجنود والمُدرَّعات في شوارع العاصمة نجامينا، وانقطاع خدمات الإنترنت وشبكات الهاتف في البلاد؛ ما دفع البعض إلى التكهن باحتمال وقوع محاولة انقلابية وشيكة في البلاد، لا سيما بعدما أشارت صحيفة "تشادون" إلى قيام مجموعة من العسكريين بمحاولة السيطرة على القصر الرئاسي في نجامينا، واعتقال السلطات التشادية الجنرال سايلي ديبي عم الرئيس الانتقالي ديبي الابن، في الوقت الذي تتأهَّب فيه البلاد لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المزمع عَقدُها في مايو 2024 لكي يُسدَل الستار على فترة المرحلة الانتقالية التي استمرت ثلاث سنوات تقريباً عقب مقتل الرئيس إدريس ديبي في أبريل 2021.

ومن هنا، تتزايد المخاوف من تصعيد التوترات السياسية والأمنية في البلاد خلال الفترة المقبلة؛ ما يدفع البلاد نحو سيناريو مأساوي بانزلاقها في حرب أهلية ستكون تداعياتها كارثية على الصعيد الداخلي، وربما تمتد آثارها السلبية إلى المحيط الإقليمي في دول الساحل، بما يعزز القلق لدى القوى الفاعلة في المنطقة التي تنظر إلى تشاد باعتبارها ركيزة أساسية للاستقرار في الساحل، وهو ما قد يمثل دافعاً محفزاً لانخراط بعض هذه القوى في الأزمة التشادية، أملاً في التوصل إلى تسوية من شأنها الحفاظ على استقرار وأمن الدولة التشادية، خوفاً من لحاقها بركب سلسلة الانقلابات العسكرية التي تشهدها المنطقة خلال السنوات الأربع الأخيرة.

أبعاد رئيسية

شكَّلت جملة من المؤشرات سياقاً تصعيدياً في المشهد السياسي التشادي الراهن يعكس توتر الوضع السياسي والأمني هناك. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك المؤشرات على النحو التالي:

1– هيمنة النظام الحاكم الانتقالي: وذلك بدءاً من السيطرة على المرحلة الانتقالية التي تجاوزت المدة المحددة لها؛ فبعد أن وعد ديبي الابن في عام 2021 بتسليم السلطة إلى المدنيين وتنظيم الانتخابات في غضون 18 شهراً، تم تمديد المرحلة الانتقالية لمدة عامين إضافيين حتى 2024، إضافةً إلى هيمنة الحكومة الانتقالية على العملية الانتخابية، بما في ذلك تشكيل المجلس الوطني الانتقالي الذي يضم 15 عضواً اختار منهم ديبي الابن نحو 8 أعضاء تمهيداً لفوزه بالرئاسة.

2– انعدام ثقة المعارضة بنظام ديبي الابن الانتقالي: ويتجلَّى ذلك في إعلان ترشُّح ديبي الابن للانتخابات الرئاسية المقبلة، في تناقض واضح مع وعوده للمجتمع الدولي ومع القرارات التي اتخذها الاتحاد الأفريقي، والتي تحظر ترشيح أي زعيم انتقالي لسدة الحكم. وفي هذا الإطار، تتخوف المعارضة من أن يهندس ديبي الابن والحزب الحاكم الطريق للرئيس الانتقالي للاستمرار في الحكم خلال السنوات المقبلة، خاصةً بعدما صوَّت الشعب التشادي بنسبة 86% لصالح الدستور الجديد في ديسمبر 2023، الذي خفَّض سن الترشح للرئاسة إلى 35 عاماً بدلاً من 40 عاماً، وهو ما اعتبرته المعارضة ترسيخاً لاستمرار حكم ديبي الابن، الذي يبلغ من العمر 39 عاماً، في البلاد.

يضاف إلى ذلك الإطاحة برئيس اللجنة الوطنية التشادية لحقوق الإنسان من منصبه في فبراير 2024، وسط خلفية من الانتهاكات الحكومية لحقوق الإنسان التي أوضحها تقرير قد صدر مؤخراً عن اللجنة. وقد نظر البعض إلى هذا الإجراء الذي صادقت عليه المحكمة العليا باعتباره خطوةً ذات دوافع سياسية تهدف إلى خنق المعارضة التشادية، وإضعاف المؤسسات القادرة على محاسبة الحكومة التشادية، وهو ما يعزز القلق بشأن عدم المساءلة وزيادة الهيمنة الحكومية في الحياة السياسية.

ومن المستبعَد أن تشهد الفترة المقبلة عودة للثقة بين الطرفين، بالرغم من اختيار ديبي الابن القياديَّ المعارِض البارز سابقاً سيكسيه ماسرا رئيساً للوزراء في يناير 2024، الذي يُجري بالتزامن مع التطورات السياسية في البلاد جولة خارجية إلى الولايات المتحدة وأوروبا أملاً في الحصول على الدعم الغربي لبلاده مع قرب انتهاء المرحلة الانتقالية.

3– تصاعد العنف بين النظام والمعارضة: يبدو أن العلاقة بين الطرفين قد وصلت إلى طريق مسدود؛ فقد قامت السلطات الأمنية باعتقال أحد الأعضاء البارزين في "الحزب الاشتراكي بلا حدود" المعارض بتهمة محاولة اغتيال سمير آدم أنور رئيس المحكمة العليا التشادية، قبل أن تهاجم مجموعة من أعضاء وأنصار الحزب – وعلى رأسهم يحيى ديلو زعيم الحزب وأحد أبرز المعارضين لنظامَي ديبي الأب والابن – مقر الاستخبارات الوطنية؛ ما أسفر عن مقتل عدد من عناصر الأمن.

وهو ما دفع القوات الأمنية إلى شن هجوم مضاد على مقر الحزب المعارض أسفر عن مقتل واعتقال عدد من عناصر الحزب، وفي مقدمتهم يحيى ديلو، والذي كان يُنظر إليه كعقبة أمام النظام الحاكم الانتقالي في ترتيبات ما قبل الانتخابات الرئاسية وما بعدها.

4– فشل الحوار الوطني التشادي: وهو الحوار الذي دعا إليه الرئيس الانتقالي ديبي الابن؛ حيث واجهت مخرجاته المزيد من التحديات التي تعيق الانتقال السلس لمرحلة الاستقرار السياسي في البلاد، بما في ذلك اتفاقية كينشاسا بين الحكومة التشادية الانتقالية والمعارضة التي تهدف إلى تعزيز المصالحة الوطنية، لكنها واجهت انتقادات من قبل أحزاب المعارضة والمجتمع المدني، وهو ما يعزز حالة اللايقين في المشهد الصراعي بالبلاد.

5– مخاوف من احتمالية وقوع انقلاب في تشاد: فقد أشارت تقارير إعلامية تشادية إلى وجود محاولة انقلابية في البلاد بعد قيام مجموعة من الجنود بالتوجه نحو القصر الرئاسي في نجامينا في محاولة للسيطرة عليه، في الوقت الذي عطَّلت فيه السلطات التشادية خدمات الإنترنت والهاتف، كما ألقت القبض على الجنرال سايلي ديبي عم الرئيس الانتقالي؛ حيث يُعتقد أنه أحد العقول المدبرة للأحداث الأخيرة في الساحة التشادية. ومع ذلك، تؤكد الحكومة التشادية أن الوضع تحت سيطرتها في البلاد، وإن كان ذلك يعزز حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، ويزيد من قلق الرأي العام التشادي حول مستقبل البلاد.

6– تشديد السلطة التدابير الأمنية الاحترازية في نجامينا: أدت الاشتباكات العنيفة التي تدور في العاصمة بين القوات الحكومية ومسلحي المعارضة إلى اتخاذ بعض التدابير الأمنية، في مُقدِّمتها انتشار عدد كبير من القوات العسكرية في شوارع العاصمة، والمزيد من العربات المدرعة والدبابات، وتأمين مداخل البنية التحتية الحيوية، مثل البنوك والمكتب الرئاسي ومحطات الوقود. ويمثل ذلك نهجاً استباقيّاً ضد التهديدات المحتملة التي قد تُغذِّي حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد.

مسارات محتملة

تحمل التطوُّرات الأخيرة في الساحة السياسية المضطربة في الداخل التشادي عدة مسارات محتملة حول مستقبل الدولة التشادية خلال الفترة المقبلة، ويتمثل أبرز تلك المسارات فيما يلي:

1– تفاقم تعقيدات الصراع السياسي في البلاد: ربما تكون الاشتباكات الأخيرة في نجامينا مقدمة لمرحلة جديدة مثقَلة بالتحديات التي تنتظرها البلاد مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية التي قد يصعب إجراؤها إذا استمر تصعيد المواجهات المسلحة وتوسعت في أنحاء البلاد بين القوات الحكومية والمعارضة التي ربما تنضم إليها بعض الحركات المسلحة بهدف التخلص من نظام ديبي الابن الانتقالي، ومن ثم تأجيج الصراع المسلح والخروج عن السيطرة، وهو ما قد يصل بالأمور إلى نقطة الغليان في المشهد التشادي الذي قد يشهد تمديداً للمرحلة الانتقالية لمدة زمنية إضافية، بما يجعل الطريق إلى عقد الانتخابات الرئاسية محفوفاً بالمخاطر، خاصةً إذا اندلعت الحرب الأهلية في البلاد، وهو ما قد يُوجب التدخل الإقليمي والدولي للضغط على الأطراف المعنية في الداخل التشادي بشأن المضي قدماً نحو تسوية سلمية للأزمة السياسية، وإيجاد مخرج لحل الخلافات من أجل ضمان استقرار البلاد، وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها للانتقال السلس للحكم الدستوري.

2– تعزيز القبضة الحديدية للنظام التشادي: من المستبعد أن يتنازل ديبي الابن عن الحكم في تشاد، خاصةً عقب نجاحه في هندسة المرحلة الانتقالية بحيث عزز سلطته ونفوذَه داخلياً وخارجياً، وهو النفوذ الذي قد يوظفه بأسلوب برجماتي لتمرير الانتخابات المقبلة تحت أي ظرف؛ لضمان الاستمرار في السلطة لسنوات مقبلة، وهو ما قد يدفعه إلى تشديد قبضته الأمنية على المعارضة والحركات المسلحة المتمردة تحت دعوى محاربة الإرهاب، والحفاظ على الاستقرار الأمني للبلاد وسط واحة إقليمية شديدة الاضطراب، وهي تمثل نقطة تخوف لدى الغرب الذي قد يغض الطرف عن أي انتهاكات محتملة من قبل النظام الانتقالي التشادي ضد المعارضة، في سبيل الحفاظ على نجامينا حليفاً استراتيجيّاً للغرب وفرنسا، خاصةً عقب التحولات الجوهرية التي شهدتها بنية التفاعلات والتحالفات الدولية هناك خلال السنوات الأخيرة.

3– احتمالية تصعيد المعارضة عقب مقتل "يحيى ديلو": فقد ذكر المدعي العام التشادي "عمر محمد كديلاي"، يوم 29 فبراير 2024، أن السياسي المعارض التشادي "يحيى ديلو"، قُتل مساء 28 فبراير 2024 خلال تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن. وربما يؤدي مقتل "ديلو" إلى تصعيد قوى المعارضة ضد النظام، والعمل على توسيع دائرة الحشد في الشارع.

4– إمكانية توسع دائرة استهداف المسؤولين بالدولة: ربما تشهد الفترة القادمة توسيع دائرة استهداف المسؤولين بالدولة ضمن تزايد مؤشرات العنف السياسي المتصاعد. ولعل هذا ما ظهرت مؤشراته مع البيان الصادر عن الحكومة، يوم 28 فبراير 2024، بأن هناك محاولة اغتيال لرئيس المحكمة العليا تمت بتحريض من السكرتير المالي للحزب الاشتراكي بلا حدود.

5– تزايد الغموض حول مسار الانتخابات: فقد كشفت الهيئة الوطنية لإدارة الانتخابات في تشاد عن إجراء الانتخابات الرئاسية في شهر مايو 2024، ولكن مع ذلك تثير التوترات الراهنة تساؤلات جوهرية حول مسار الانتخابات، وإمكانية انعقادها في موعدها. ويعزز من تعقيد مشهد الانتخابات الشكوكُ حول حياد اللجنة الانتخابية، واتهام المجلس الحاكم بانتهاك حقوق الإنسان، ومقاطعة المعارضة، بالإضافة إلى أن اختيار "محمد إدريس ديبي" مرشحاً للحزب الحاكم أدى إلى تزايد المخاوف حول شرعية الانتخابات المقبلة.

6– تفعيل وساطة إقليمية ودولية لتسوية الأزمة: وذلك في ضوء تنامي المخاوف من أن يؤدي عدم الاستقرار في تشاد إلى تأثيرات مضاعفة سلبية على دول الجوار الإقليمي، وما قد يعنيه ذلك من تهديد للمصالح الإقليمية والدولية في المنطقة، وربما تنخرط بعض القوى الفاعلة من أجل فض الاشتباك بين الحكومة الانتقالية والمعارضة في البلاد، والدعوة إلى مفاوضات من أجل تمهيد المشهد السياسي لإجراء الانتخابات المقبلة في موعدها دون تأجيل جديد.

وربما تشهد الفترة المقبلة ممارسة بعض الضغوط الدولية والإقليمية ضد الأطراف التشادية المختلفة من أجل تقديم تنازلات قد تسهم في تسكين الخلافات السياسية الراهنة، وربما تسويتها تماماً؛ لضمان استقرار البلاد؛ وذلك في ظل الاهتمام الدولي المتزايد باستقرار تشاد، باعتباره أمراً بالغ الأهمية لمنطقة الساحل والصحراء التي تعاني من تصاعد الإرهاب والعنف.

7– احتدام السباق الدولي على تشاد: ربما تشكل التطورات الراهنة في المشهد التشادي فرصة سانحة لبعض القوى الدولية، مثل روسيا، لتنفيذ أجندتها في الداخل التشادي، خاصةً بعد تحذيرات أمريكية للنظام التشادي الانتقالي بضلوع موسكو في التحريض لقتل ديبي الابن وقادة عسكريين كبار، بجانب اتهامها بدعم الحركات المسلحة التشادية التي تورطت في قتل الرئيس إدريس ديبي في عام 2021، وهو ما قد يدفع باريس إلى تقديم دعمها لديبي الابن؛ بما يعني مواجهة محتدمة محتملة بين باريس وموسكو في الساحة التشادية من أجل تعزيز النفوذ في المنطقة، وهو ما ينعكس سلباً على أمن واستقرار الدولة التشادية خلال الفترة المقبلة.

إجمالاً، يمثل الصراع السياسي الراهن في تشاد منعطفاً حاسماً في تاريخ البلاد التي تتطلع إلى إنهاء المرحلة الانتقالية وبدء حقبة جديدة بعد عودة الحكم الدستوري في حال إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ فهو يعكس هشاشة المشهد العام التشادي، ويسلط الضوء على الانقسامات العميقة في الداخل، في الوقت الذي يحشد فيه النظام الحاكم الانتقالي من أجل ضمان استمرار ديبي الابن في السلطة لسنوات مقبلة، وهو ما تتخوف منه المعارضة التي ترى فيه امتداداً لنظام ديبي الأب؛ الأمر الذي يُنذِر بتصاعد التوترات السياسية في البلاد التي قد تُشكِّل مساراً لتفاقم الفوضى السياسية في البلاد خلال الفترة المقبلة، ما لم يستجب المجتمع الدولي الذي يتحمَّل المسؤولية في ممارسة الضغط على الأطراف السياسية لتجنيب تشاد سيناريو أكثر صعوبةً خلال الفترة المقبلة.

التداعيات المحتملة لتصاعد الصراع السياسي في تشاد