كرم سعيد

تبذل تركيا جهوداً حثيثة في الآونة الأخيرة بهدف دعم تحركاتها الخارجية في مشاريع النفط والغاز الطبيعي، لتلبية احتياجاتها من الطاقة، لا سيما وأن قدراتها الإنتاجية المحلية لا تكفي لتأمين ما تحتاجه، وهو ما ساهم في تحويل هذه القضية إلى محدد رئيسي في السياسة الخارجية التركية، ودفع أنقرة إلى الاهتمام بتكثيف الاستثمارات في قطاع الهيدروكربونات في محيطها الإقليمي، وعبرت عن ذلك تصريحات وزير الطاقة التركي "ألب أرسلان بيرقدار" في 21 أبريل 2025، حيث أعلن عن قرب توقيع تركيا سلسلة من الاتفاقيات الطموحة لاستكشاف النفط والغاز في مناطق واعدة تشمل ليبيا والعراق وسوريا، بالإضافة إلى دول أخرى في محيطها الإقليمي مثل بلغاريا وأذربيجان وتركمانستان.&nbsp;وفي السنوات الماضية، قامت تركيا بنشاط كبير في عمليات الاستكشاف والتنقيب في ليبيا والصومال بجانب تكثيف الحكومة في الآونة الأخيرة استكشاف موارد النفط والغاز بالبحر الأسود والبحر المتوسط.تحركات مكثفةتتجه تركيا، فيما يبدو، عبر خطوات متتالية، نحو تعزيز تحركاتها لتوسيع حضورها في قطاع الطاقة في محيطها الإقليمي، وتعبر عن ذلك المؤشرات التالية:1- تكثيف الاستثمارات في قطاع الطاقة في الحزام الإقليمي: اتجهت تركيا خلال الآونة الأخيرة إلى تكثيف استثماراتها في قطاع الطاقة في دول الإقليم، وكان آخرها إعلان وزير الطاقة التركي في 21 أبريل 2025، الذي أشار خلاله إلى أن بلاده مهتمة بحقلين بحريين جديدين بمنطقة بحر قزوين، بما في ذلك في أذربيجان، وبحقول جديدة شمال العراق وجنوبه. وأضاف أن بلاده تستعد لتوقيع اتفاقيات للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي مع كل من بلغاريا وليبيا. وبتشجيع من الحكومة التركية، بدأت العديد من الشركات التركية في زيادة أنشطة التنقيب والاستكشاف في مناطق الحزام الإقليمي للبلاد، حيث تحوي احتياطيات نفطية هائلة.2- تعزيز الحضور في قطاع الطاقة الصومالي: وقعت مؤسسة النفط التركية "تباو" (TPAO) وهيئة النفط الصومالية في 10 أبريل 2025، اتفاقية تحت عنوان "اتفاقية استكشاف وإنتاج الهيدروكربونات". وتضمنت الاتفاقية بدء التنقيب عن النفط والغاز في 3 حقول برية صومالية خلال مايو 2025، ولم يكن هذا الاتفاق هو الأول من نوعه؛ فقد سبق ذلك توقيع البلدين في مارس 2024 مذكرة تفاهم، وإرسال أنقرة في أكتوبر 2024 سفينة الأبحاث "الريس عروج" لاستكشاف موارد الطاقة قبالة السواحل الصومالية لاستكشاف وتطوير النفط في البر والبحر، ما يشير إلى توجه أنقرة نحو تعميق حضورها في قطاع الطاقة الصومالي.3- السعي للإمساك بمفاصل قطاع الطاقة السوري: تخطط أنقرة للمساعدة في تطوير موارد النفط والغاز الطبيعي في سوريا، لتأمين احتياجاتها النفطية من جهة، وتمويل إعادة الإعمار في الداخل السوري من جهة أخرى. وفي ضوء ذلك، أكد وزير النقل التركي "عبد القادر أورال أوغلو"، في 25 ديسمبر 2024، أن بلاده تهدف إلى التوصل لاتفاق مع سوريا بشأن ترسيم الحدود البحرية بعد تشكيل حكومة دائمة في دمشق، وأضاف: "بالطبع يجب إقامة سلطة هناك أولاً. سيكون الأمر على جدول أعمالنا بالتأكيد، لكن من الصعب القول إنه على جدول الأعمال الحالي".وفي رؤية تركيا، فإن ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، قد يسمح لها بزيادة انخراطها في عملية التنقيب والنفط قبالة السواحل السورية. كما أعلن وزير الطاقة التركي "ألب أرسلان بيرقدار"، في 27 ديسمبر 2024، عن أن أنقرة قد تتعاون أيضاً مع دمشق في مشروعات النفط والغاز الطبيعي. ووفقاً للعديد من التقديرات، تسعى تركيا إلى استنساخ نموذج الاتفاق الذي وقعته مع حكومة الوفاق الوطني الليبي في عام 2019، والاتفاق الذي وقعته مع الحكومة الصومالية في عام 2024، في الحالة السورية، بما يسمح لها بزيادة حضورها في قطاع الطاقة السوري.4- التنقيب عن مكامن الطاقة قبالة حدود تركيا البحرية: اتجهت تركيا خلال الآونة الأخيرة إلى استكشاف موارد النفط والغاز بالمياه الإقليمية بالبحر الأسود، وبحر إيجه، ومنطقة شرق المتوسط، عبر سفينة تنقيب تركية. ومن المقرر بحسب وزير الطاقة والموارد الطبيعية أن تواصل الحكومة جهودها للتنقيب في المياه الإقليمية بالبحرين الأسود والمتوسط، حيث الاحتياطيات الكبيرة من النفط والغاز الطبيعي؛ إذ تُقدر الاحتياطيات النفطية بنحو 26 مليار برميل من النفط في المياه اليونانية. فيما تبدو احتياطيات الغاز الطبيعي واعدة للغاية في بحر إيجه.أهداف منشودةتحاول تركيا من خلال تعزيز استثماراتها في عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط في محيطها الإقليمي، وقبالة سواحلها البحرية، تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها فيما يلي:1- تمكين شركات الطاقة التركية من زيادة استثماراتها الخارجية: تزامن اهتمام شركات النفط التركية خلال الفترة الأخيرة بالكشف عن النفط والغاز الطبيعي في المحيط الإقليمي مع تأكيد عمليات التنقيب والاستكشاف التي جرت في بعض الدول القريبة من تركيا على وجود احتياطات هائلة، وإمكانات واعدة لقطاع الطاقة في محيط تركيا، وهو ما يدفع العديد من الشركات التركية لتكثيف الاستثمار في التنقيب والاستكشاف عن النفط والغاز في الحزام الإقليمي لتركيا.وتجدر الإشارة إلى أن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، كانت قد كشفت عن أن منطقة حوض الشام من البحر المتوسط تحتوي على أكثر من 3000 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ونحو ما يقرب من ملياري برميل من النفط. كما يُشار إلى تصنيف وكالة الطاقة الدولية أذربيجان كمنتج ومصدر "رئيسي" للغاز الطبيعي والنفط، فضلاً عن أن أذربيجان تُعد من بين أكبر 20 دولة مصدرة للنفط الخام والثانية عشرة من حيث الغاز، وفقاً لبيانات عام 2022.2- تعزيز دور تركيا كناقل للطاقة بين الشرق الأوسط والغرب: في رؤية تركيا، فإن الاندماج في مشاريع الطاقة الإقليمية من خلال الشراكة في عمليات التنقيب أو ضخ استثمارات، قد يسمح لها بتسويق دورها كمركز دولي للطاقة، وكناقل للغاز والنفط من الدول المنتجة في محيطها الإقليمي إلى الأسواق المحلية والقارة الأوروبية، وهو ما يعني ترسيخ مكانتها كمركز رئيسي للطاقة في المنطقة، وتثبيت موقعها كنقطة عبور رئيسية بين منتجي الغاز في آسيا والشرق الأوسط، والأسواق المستهلكة في الغرب.3- تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في الداخل التركي: في رؤية تركيا، فإن توسيع الشراكة الخارجية في مشاريع الطاقة، وبخاصة مع الدول المنتجة للغاز والنفط في محيطها الإقليمي، يسمح لها بتأمين إمداداتها من مصادر الطاقة، ويقلل من الفجوة الحالية بين الاستهلاك والإنتاج المحلي. ووفق تقديرات الهيئة التنظيمية لسوق الطاقة (EPDK) في تركيا، فقد بلغت الكميات المستهلكة من الطاقة في تركيا بنحو 51 ملياراً و96 مليوناً و190 ألفاً و984 متر مكعب في العام 2024، وبزيادة لافتة عن العام 2023، حيث استهلكت تركيا نحو 41 ملياراً و315 مليوناً و710 آلاف متر مكعب.4- حماية المصالح التركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: يأتي التحرك التركي للتنافس على موارد الطاقة في محيطها الإقليمي كإحدى الغايات الرئيسية، التي يمكن من خلالها دعم الثقل الخارجي لتركيا في بعض المناطق الجغرافية ذات الأهمية الاستراتيجية مثل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وفي هذا السياق، يمكن القول إن أحد المحددات الحاكمة لانخراط تركيا في مشاريع الطاقة الإقليمية يتعلق برعاية مصالحها الاستراتيجية في الحصول على إمدادات الغاز المحلية بأسعار تنافسية، ودعم دورها كناقل عالمي للطاقة، بالإضافة إلى تحييد المخاطر التي فرضتها تطورات الحرب الأوكرانية، وعودة إدارة "ترامب" إلى سياسة "الضغوط القصوى" على طهران.لذا، تسعى تركيا، بحسب اتجاهات عديدة، لتنويع مصادرها الغازية بدلاً من الاعتماد الكلي على موسكو وطهران. كما تعي تركيا أن تكثيف حضورها في قطاع الطاقة الإقليمي، يمثل فرصة لامتلاك ورقة ضغط يمكن استثمارها لتأمين مصالحها مع الخصوم والمنافسين.5- الرغبة في دعم سياسات إنعاش الاقتصاد التركي: يمثل حضور تركيا في قطاع الطاقة الإقليمي أولوية للاقتصاد التركي في التوقيت الحالي؛ إذ يمكن أن يساهم في إنعاش الاقتصاد بالنظر إلى إمكانية استفادة تركيا من العمولات التي تحصل عليها من سعر الغاز المتدفق من العراق وأذربيجان وتركمانستان عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر أراضيها لتصل إلى أوروبا. كما تعي تركيا أن سيطرتها خلال المرحلة المقبلة على قطاعات الطاقة في سوريا والصومال وليبيا يفتح آفاقاً أوسع لعمل الشركات التركية. وفي ضوء ذلك، فإن حضور أنقرة في قطاع الهيدروكربونات الإقليمي، قد ينعكس إيجابياً على الاقتصاد التركي في الأجل المتوسط، فضلاً عن توفير فرص أكبر لتركيا لفرض نفسها كقوة اقتصادية في سوق الغاز والطاقة.تحديات ضاغطةوختاماً، يمكن القول إن ثمة قناعة لدى تركيا بأن تعزيز الانخراط في قطاع الطاقة الإقليمي قد يحقق لها عوائد تجارية، فضلاً عن مكاسب جيوسياسية من جانب آخر، وهو ما يفسر أسباب تحول تركيا لتكثيف استثماراتها في مشاريع الطاقة في حزامها الإقليمي. بيد أن هناك تحديات قد تواجه الدور التركي في هذا السياق، من بينها المخاطر الجيوسياسية التي تنطوي على التنقيب في المحيط الإقليمي، لا سيما في ظل اعتبار قبرص واليونان التحركات التركية للتنقيب عن الطاقة في شرق المتوسط غير قانونية، بالإضافة إلى استمرار التوترات في ليبيا، ناهيك عن وجود عدد من الملفات الشائكة مع العراق. كما أن هناك صعوبات يمكن أن تواجه الشركات التركية، في التنقيب عن مكامن الطاقة في سوريا والصومال، بسبب التهديدات الأمنية والسياسية.

لماذا تكثف تركيا تحركاتها الإقليمية لاستكشاف موارد الطاقة؟