أسماء رفاعي

أعلن رئيس البعثة العسكرية الروسية في أنجولا "فلاديسلاف خارتشينكو" في مستهل جولة شملت عدة مقاطعات لتقييم احتياجات الجيش الأنجولي، عن طموحات بلاده لتوسيع آفاق التعاون العسكري مع لواندا، لا سيَّما في مجالات البناء والهندسة العسكرية، والاستعداد العملياتي. هذه المساعي تعكس محاولة تجاوز التوترات التي شابت العلاقات الروسية الأنجولية في الآونة الأخيرة جراء مساعي لواندا للتقارب مع المعسكر الغربي، وموقفها المناهض للحرب الروسية على أوكرانيا، ومع ذلك فإن التعاون العسكري والأمني بين البلدين لم يتراجع، وإنما على النقيض شهد زخماً ملحوظاً مع مناقشة الطرفين تعزيز التعاون الدفاعي خلال عام 2024، فضلاً عن تلقي العديد من الضباط الأنجوليين تدريباً عسكرياً في روسيا، وتنظيم القوات المسلحة الأنجولية على أسس سوفيتية/روسية.مؤشرات التقارب تبرز جملة من المؤشرات التي تؤكِّد عمق العلاقات العسكرية والدفاعية بين روسيا وأنجولا يمكن استعراضها فيما يلي: 1- اضطلاع روسيا بإعادة هيكلة القوات المسلحة الأنجولية: في ضوء عملية إعادة الهيكلة التي يخضع لها الجيش الأنجولي في الوقت الراهن، استعانت لواندا بالدعم الروسي لإجراء التغييرات التنظيمية المنشودة، باعتبار أن روسيا تحظى بخبرات واسعة النطاق في تنظيم وبناء القوات الحديثة.وفي هذا السياق، عيَّن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" منذ قرابة 3 أشهر "فلاديسلاف خارتشينكو" رئيساً للبعثة العسكرية الروسية في أنجولا، وقد قام "خارتشينكو"، بعدة زيارات إلى المناطق العسكرية في أنجولا، بهدف الوقوف على الوضع الراهن، وتقييم حجم المساعدات اللازمة.وقد أعلن "خارتشينكو" خلال اجتماع مع حكومة مقاطعة هويلا، في 21 مايو 2025، أن عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة الأنجولية تشمل مراجعة حجم وتشكيل القوات، ورفع جاهزيتها القتالية لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، موضحاً أن موسكو ستقدم استشارات تقنية وتنظيمية لأنجولا، تركز على هندسة البناء العسكري، وأساليب التنظيم القتالي، وذلك في إطار جهود مشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار في البلاد.2- رغبة أنجولا في المشاركة في إنتاج المعدات العسكرية الروسية محلياً: برزت الإرهاصات الأولى لرغبة لواندا في التحوّل إلى قاعدة لتصنيع الأسلحة الروسية في مقابلة للرئيس الأنجولي "جواو لورينكو" مع وكالة الأنباء الروسية "تاس" في أبريل 2019، والتي أعرب خلالها عن طموح بلاده للانتقال من شراء المعدات والتقنيات العسكرية الروسية إلى المشاركة في إنتاجها محلياً، مشيراً إلى امتلاك بلاده مصنعاً لتجميع المعدات العسكرية الروسية. كما خططت القيادة الأنجولية في السنوات الأخيرة لتحويل البلاد إلى قاعدة لإصلاح المعدات العسكرية الروسية لصالح الدول الأفريقية، في محاولة لمنافسة جنوب أفريقيا التي كانت لديها مقترحات تجارية مماثلة.وفي هذا الإطار، برزت مخاوف من تحول أنجولا إلى قاعدة لتصنيع وتوزيع الأسلحة الروسية، كونها ستفضي إلى انتشار هائل للأسلحة الروسية في أفريقيا، وبصفة خاصة في مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك)، فضلاً عن تزايد احتمالات انتقال هذه الأسلحة بسهولة إلى مناطق الصراع وبؤر التوتر في أفريقيا، ووقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية.3- امتلاك الدولتين خططاً مشتركة للتعاون العسكري: رغم أن روسيا لديها اتفاقيات عسكرية مع عدد من الدول الأفريقية، إلا أن الاتفاقية العسكرية الموقَّعة بين روسيا وأنجولا تبرز باعتبارها الأكثر طموحاً على الإطلاق، حيث تضمنت خطط التعاون العسكري والتقني والشرطي بين البلدين للأعوام 2014 - 2020، العديد من البرامج الطموحة التي لا تنتهي إلا عند اكتمالها، ما يعني امتدادها إلى ما بعد مدة سريان الخطة. ووفقاً لهذه الخطط زُوِّدت فروع القوات المسلحة الأنجولية الثلاثة بمعدات وأسلحة متنوعة، من بينها طائرات قتالية وتدريبية، وصواريخ، وسفن دوريات بحرية، كما شملت الخطة بناء مصانع للمدفعية والأسلحة الخفيفة، وتحديث المركبات المدرعة، إلى جانب توفير الأسلحة الخفيفة لقوات الجيش والشرطة في أنجولا، فضلاً عن إنشاء مصانع أسلحة روسية على الأراضي الأنجولية، باستخدام براءات اختراع روسية، في خطوة تعكس مستوى الثقة والتقارب بين البلدين في المجالين العسكري والأمني.4- اعتبار أنجولا الشريك الأفريقي الرئيسي لروسيا في استكشاف الفضاء: تَعزَّز التعاون بين البلدين أيضاً في مجال استكشاف الفضاء، حيث أصبحت أنجولا الشريك الأفريقي الرئيسي لروسيا في هذا الصدد، وذلك في أعقاب حالة "عدم الثقة" التي شابت بعض مشروعات التعاون بين روسيا وجنوب أفريقيا في هذا المجال خلال العقد الأول من القرن العشرين، وخاصة مشروع مراقبة الأقمار الصناعية (KONDOR-E).5- تدريب الكوادر العسكرية الأنجولية في روسيا: تُعد روسيا الشريك الدولي الرئيسي لأنجولا في تدريب الجنود داخلياً، كما يتلقى طلاب الكليات العسكرية، وضباط من فروع القوات المسلحة الأنجولية الثلاثة تدريبات في مختلف التخصصات بمؤسسات التعليم العسكري في روسيا.دوافع متعددةثمة دوافع متعددة لروسيا وأنجولا لتعزيز التقارب الدفاعي، وهو ما يمكن توضيح أبرزه فيما يلي:1- رغبة أنجولا في تنويع الشركاء الدوليين: رغم اتجاه أنجولا في السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، يسعى الرئيس "جواو لورينكو" إلى تنويع العلاقات الجيوسياسية، بهدف تقليل اعتماد لواندا أي شريك منفرد، فضلاً عن أن المساعدات العسكرية الروسية أكثر توافقاً مع المعدات والأنظمة الأنجولية مقارنة بنظيرتها الغربية.2- تعزيز روسيا حصتها من الموارد الطبيعية في الدول الأفريقية: دائماً ما أعرب القادة الأفارقة عن استعدادهم لمقايضة الإمدادات بمنح روسيا حق الوصول الكامل إلى الموارد الطبيعية، وتحظى أنجولا بميزات تنافسية في هذا الصدد، حيث تمتلك ثروات هائلة من النفط والذهب والنحاس، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية والغابات ومصادر الوقود الأحفوري.3- توسيع النفوذ الجيوسياسي الروسي في أفريقيا: تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها في أفريقيا كجزء من استراتيجيتها لموازنة النفوذ الغربي في القارة السمراء، خاصة في ظل التوترات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وتعتبر أنجولا بحكم موقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية، شريكاً محورياً في هذا الصدد.4- الحفاظ على الصدارة الروسية في مبيعات الأسلحة لأفريقيا: تسعى موسكو للحفاظ على مكانتها كمورد رئيسي للأسلحة للقارة الأفريقية، إذ تشير التقديرات إلى استحواذ روسيا على 40% من مبيعات الأسلحة لأفريقيا في الفترة بين عامي 2018- 2022، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بواقع 16%، والصين بنحو 9.8%، وفرنسا بنسبة 7.6%.5- تطلع روسيا لتعزيز العلاقات مع دول الجنوب العالمي: لا ينفصل التقارب الروسي مع أنجولا عن الاستراتيجية الروسية الأوسع لتعزيز العلاقات مع دول الجنوب العالمي، وخاصة الدول الأفريقية لما تتمتع به من ثقل تصويتي في الأمم المتحدة. 6- مساعي روسيا لإضعاف العلاقات بين لواندا وواشنطن: لا يمكن إغفال أن حرص موسكو على تطوير العلاقات مع أنجولا يستهدف في جانب منه قطع الطريق على مسار التقارب المحتمل بين أنجولا والولايات المتحدة، وظهر ذلك من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق "بايدن" إلى أنجولا في شهر ديسمبر 2024، وخلال الزيارة تم التأكيد على أهمية تعزيز التعاون بين الدولتين؛ وذكر الرئيس الأنجولي أن "أنجولا تريد العمل مع الولايات المتحدة لجذب الاستثمار الأجنبي وتحسين العلاقات الدفاعية والأمنية التي تتضمن التدريبات العسكرية المشتركة والتعاون في خليج غينيا وجنوب المحيط الأطلسي". وبطبيعة الحال تبدو أنجولا مهمة بالنسبة لإدارة ترامب لاعتبارات متعلقة باستثمارات الشركات الأمريكية في قطاع النفط والغاز في أنجولا، ناهيك عن اهتمام واشنطن بمشروع ممر لوبيتو. مصالح متبادلةوختاماً، يعكس التعاون الدفاعي المتزايد بين روسيا وأنجولا مصالح استراتيجية متبادلة، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا وتوسيع صادراتها العسكرية، بينما تستفيد أنجولا من هذا التعاون لتحديث قدراتها العسكرية وتنويع شركائها الدوليين، ومن المتوقَّع أن يحافظ الجانبان على التعاون الدفاعي والأمني الوثيق، والذي ظل على مدار عقود البُعد الأكثر صلابة في العلاقات الروسية الأنجولية.

مستقبل التقارب الدفاعي بين روسيا وأنجولا