قبل نحو خمس سنوات، تضخمت القوة الناعمة لتركيا تدريجياً في الولايات المتحدة؛ حيث تلقت جماعات الضغط والجمعيات الخيرية المؤيدة للحكومة في البلاد الملايين من التمويل المكتشف حديثاً. وفي الثاني من نوفمبر 2023، داهمت السلطات الفيدرالية منزل المسؤول الرئيسي عن جمع التبرعات في حملة عمدة مدينة نيويورك "إريك آدامز"، ثم صادرت ما لا يقل عن هاتفين محمولين وجهاز "آيباد" من "آدامز" نفسه. منذ ذلك الوقت، يخضع " آدامز" لتحقيق فيدرالي كبير في قضايا الفساد المتعلقة بجمع الأموال لأعضاء في الحكومة التركية لتلقي تبرعات غير قانونية؛ حيث أكد "آدامز" لقاءه الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عندما كان رئيساً لمنطقة بروكلين، وأنه زار البلاد ست مرات على الأقل، بينما دافع "آدامز" عن صلاته بتركيا، بحجة أنها كانت جزءاً من تواصله مع مجتمعات المهاجرين التي لم تَحْظَ دائماً باهتمام مجلس المدينة. ومن ثم، أثارت هذه الواقعة العديد من التساؤلات حول حدود تأثير ودور "اللوبي التركي" في الولايات المتحدة.

والجدير بالذكر أن المُدَّعين الفيدراليين ومكتب التحقيقات الفيدرالي يحققون في اتصالات "آدامز" بتركيا، بما في ذلك إذا ما كان قد ضغط على مسؤولي المدينة للتوقيع على مبنى القنصلية الجديد للحكومة التركية في مانهاتن، ودور شركة البناء في بروكلين المملوكة لمهاجرين أتراك، التي نظمت حدثاً لجمع الأموال لصالحه، وهو الأمر الذي ينفيه "آدامز" كليةً بتأكيده أن ذلك كان جزءاً روتينياً من وظيفته.

مكونات متعددة

يعتبر "اللوبي التركي" واحداً من أكبر جماعات الضغط السياسي المحسوبة على دول الشرق الأوسط في واشنطن. وعلى الرغم من إشارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" إلى احتمال حظر جماعات الضغط من إدارته خلال حملته الانتخابية، فإنه وضعهم لاحقاً في مناصب رئيسية. وخلال فترة رئاسة ترامب، وسَّعت تركيا دائرة علاقاتها مع شخصيات مرتبطة بالرئيس الأمريكي، ووظفت جماعات ضغط أمريكية بشأن سلسلة من القضايا، بما في ذلك انتهاك حظر الأسلحة الذي فرضه الكونجرس بسبب شراء أنقرة أنظمة الصواريخ الروسية "إس 400".

ومن ثم، يمكن القول بأن سنوات الرئيس السابق "دونالد ترامب" كانت – حسبما كتبت "كورتهاوس نيوز" في عام 2019 – أوقات ازدهار لجماعات الضغط في تركيا. وبالاستناد إلى التحقيقات الأخيرة ضد "آدامز"، فإنه يمكن القول بأن أوقات الازدهار تلك استمرت حتى بعد ترك "ترامب" منصبه.

انخرطت تركيا في أنشطة للضغط على الولايات المتحدة لتعزيز مصالحها ودعم علاقاتها مع الحكومة الأمريكية؛ وذلك من خلال الجهود الجماعية للأفراد والمنظمات والمؤسسات بشأن القضايا المتعلقة بتركيا، كما يمكن أن تتخذ أنشطة الضغط أشكالاً مختلفة، بما في ذلك المشاركة المباشرة مع المشرعين، والمساهمات المالية في الحملات السياسية، وحملات العلاقات العامة.

ويتكون "اللوبي التركي"، الذي يُمثِّل الحكومة التركية في تعزيز المصالح الوطنية مع حكومة الولايات المتحدة، من مكونات مختلفة، تشمل منظمات وأفراداً ومؤسسات تعمل على الدفاع عن المصالح التركية وتعزيز العلاقة الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة، وأبرزها:

1– القنوات الدبلوماسية التركية: تلعب السفارة التركية في العاصمة "واشنطن"، والقنصليات التركية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، دوراً حاسماً في الضغط الدبلوماسي، وهي جهات تتفاعل مع المسؤولين الحكوميين الأمريكيين، وتشارك في المبادرات الدبلوماسية، وتعمل على تشكيل السياسات التي تؤثر على العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا. ولا يمكن إغفال أن تزايد أدوار السفارة التركية في واشنطن أفضى إلى بعض الضغوط على شركات العلاقات العامة الأمريكية المتعاونة معها. ولعل النموذج الأبرز على ذلك شركة ميركوري للشؤون العامة، التي تعرضت لضغوط من المجموعات الأرمينية في واشنطن، وهو ما أفضى في أكتوبر 2020 إلى إعلان الشركة إنهاء تعاقد أبرمته مع السفارة التركية في واشنطن بقيمة مليون دولار.

2– المنظمات التركية الأمريكية: يُعَد اتحاد الجمعيات التركية الأمريكية (ATAA) واحداً من أبرز المنظمات التي تركز على تعزيز التفاهم والتعاون بين تركيا والولايات المتحدة، ممثلاً للجالية التركية الأمريكية، بالإضافة إلى مجموعة جيبهاردت (Gephardt Group)، ومنظمة التراث التركي (THO) التي تهدف إلى تعزيز الحوار والتعاون بين تركيا والولايات المتحدة، وتشارك في أنشطة مختلفة، بما في ذلك المؤتمرات ومناقشات المائدة المستديرة والمنشورات. وكذلك التحالف التركي الأمريكي (TCA)، الذي يشارك في جهود المناصرة، بهدف تعزيز العلاقات الأمريكية التركية وتعزيز المصالح التركية الأمريكية، وهي أيضاً تتفاعل مع صناع السياسات ومراكز الفكر والجمهور.

3– منظمات الأعمال والتجارة التركية: قد تشارك الشركات والمنظمات التجارية التركية في أنشطة الضغط لحماية وتعزيز المصالح الاقتصادية. ويمكن أن يشمل ذلك الدعوة إلى سياسات تجارية مواتية ومعالجة المخاوف المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين. والملاحظ أن بعض هذه المنظمات تبرم عقوداً مع بعض شركات العلاقات العامة الأمريكية من أجل دعم مصالحها. ولعل النموذج على ذلك مجلس الأعمال التركي الأمريكي الذي كان لسنوات متعاوناً مع شركة ميركوري للشؤون العامة، لتقديم خدمات علاقات إعلامية، والاستشارات الاستراتيجية والخدمات الإدارية، بما في ذلك العلاقات العامة وخدمات دبلوماسية الأعمال، التي تمتد إلى دعم تقدم العلاقات الثنائية. ولكن في 2022، كشفت تقارير عن انفصال المجلس عن ميركوري للشؤون العامة، وتعاقده في أكتوبر 2022 مع شركة أكتيوم (Actum) ومقرها لوس أنجلوس، التي تأسست في أكتوبر 2021 من قبل مجموعة منشقة من المديرين التنفيذيين من فرع ميركوري في كاليفورنيا.

4– شركات العلاقات العامة ووسائل الإعلام: يتم توظيف شركات العلاقات العامة ووسائل الإعلام لإدارة صورة تركيا في الولايات المتحدة، ويمكن أن يشمل ذلك نشر المعلومات، ومعالجة المفاهيم الخاطئة، وتعزيز خطاب إيجابي حول تركيا. والجدير بالذكر قيام "كورتهاوس نيوز" بدراسة قاعدة بيانات جماعات الضغط الأجنبية التابعة لوزارة العدل؛ لتحديد أكبر خمسة متلقين للأموال المرتبطة بالحكومة التركية بين عامي 2014 و2018، وبرز في هذا الشأن كل من "أمستردام آند بارتنرز"، و"بالارد بارتنرز"، ومجموعة "جيبهاردت"، و"جرينبيرج تراوريج"، و"ميركوري بابليك أفيرز". وقد تضاعفت ميزانيات هؤلاء الخمسة أكثر من أربعة أضعاف بشكل جماعي خلال هذا الإطار الزمني، من أكثر من 1.7 مليون دولار في عام 2014 إلى أكثر من 7.3 مليون دولار في عام 2018. كما تضخمت ميزانيات الجمعيات الخيرية المؤيدة لتركيا المرتبطة بكل من أردوغان وترامب خلال هذه الفترة.

5– مراكز الفكر والمؤسسات الأكاديمية: تقوم تركيا بتطوير علاقاتها مع بعض المؤسسات البحثية الأمريكية، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اسهام المؤسسات المهتمة بالعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في جهود تعزيز صورة تركيا لدى واشنطن وكذلك المساعدة في الترويج لسردية أنقرة السياسية في بعض الملفات؛ حيث يمكنهم إجراء الأبحاث وتنظيم الأحداث ونشر التقارير التي تؤثر على صانعي السياسات والرأي العام.

خلال السنوات الماضية، برز اسم مجموعة من مراكز التفكير المتعاونة مع تركيا؛ وذلك على غرار المجلس الأطلسي؛ فالمجلس تجمعه علاقات طيبة بأنقرة والمسؤولين الأتراك، حتى إن المجلس اعتاد خلال السنوات الماضية إقامة فعاليات بحثية في تركيا؛ وذلك على غرار قمة إسطنبول التي عقدها المجلس الأطلسي في أبريل 2017، التي ضمت العديد من الشخصيات المؤثرة في عالم السياسة والطاقة والاقتصاد والاستثمار. وبالرغم من أن هذه الفعالية تم نقلها فيما بعد من تركيا إلى دولة الإمارات، فإن علاقة أنقرة بالمجلس الأطلسي ظلت قائمة، حتى إن شركة Çalik Holding التركية تقدم تمويلاً للمجلس سنوياً، وتأتي ضمن فئة الداعمين للمركز بمبالغ تتراوح بين 250 ألف دولار و500 ألف دولار، وهي شركة تعرف بعلاقاتها الجيدة بالنظام التركي.

6– المؤثرون الذين لديهم علاقات مالية مع تركيا: من الصعب تحديد دورهم وإثباته؛ حيث يعمل أمريكيون بارزون ومسؤولون سابقون أحياناً في شركات استثمار أو شركات استشارية في تركيا. وهؤلاء المسؤولون، بطبيعة الحال، لا يكشفون عن أجندتهم السرية عند التعبير عن مواقف داعمة لتركيا.

ويأتي على رأس القائمة كل من زعيم الأغلبية السابق في مجلس النواب "ريتشارد جيبهاردت"، وهو مسجل حالياً كأحد أعضاء جماعات الضغط في واشنطن. قام "جيبهاردت"، نيابةً عن جمهورية تركيا، بممارسة الضغط ضد قرار مجلس النواب الذي يدين الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 في الإمبراطورية العثمانية، كذلك تم اتهام "مايكل فلين" مستشار الأمن القومي السابق للرئيس "دونالد ترامب"، في عام 2019 بالعمل عميلاً غير معلن للحكومة التركية. ثم هناك حالة النائب الجمهوري السابق عن ولاية أوهايو "جان شميدت"، الذي جمع ما يقرب من 600 ألف دولار بين عامي 2009 و2011 من التحالف التركي الأمريكي، الذي اضطر إلى سداد الأموال بعد تحقيق أخلاقي، بالإضافة إلى عمدة مدينة نيويورك "إريك آدامز"، الذي يخضع للتحقيقات حول إذا ما كانت حملته لمنصب رئاسة البلدية لعام 2021 تآمرت مع الحكومة التركية وشركة إنشاءات في بروكلين لتوجيه مساهمات غير قانونية للحملة.

أدوار حيوية

يشير تحليل حضور اللوبي التركي في الولايات المتحدة إلى ممارسة هذا اللوبي عدداً من الأدوار المتمثلة فيما يلي:

1– التأثير في العملية التشريعية الأمريكية: يراقب "اللوبي التركي" عن كثب التطورات التشريعية التي يمكن أن تؤثر على العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، ويشمل ذلك اقتراح أو معارضة مشاريع القوانين والتعديلات التي تتماشى مع المصالح التركية أو تتعارض معها. وتُظهر البيانات إنفاق الحكومة التركية ملايين الدولارات للضغط على واشنطن على مدى العقد الماضي؛ فعلى سبيل المثال، تعاقدت وزارة الخارجية التركية خلال السنوات الماضية مع شركة "جرينبيرج تراوريج – Greenberg Traurig " للضغط السياسي ومحاولة فتح علاقات مع كبار أعضاء الكونجرس من رؤساء اللجان وزعماء الأحزاب.

2– تعزيز العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن: يُمكِّن النظام السياسي الأمريكي جماعات الضغط من الوصول إلى عملية صنع السياسات وممارسة نفوذها على السياسة الخارجية. وتهدف هذه الجماعات، من خلال أنشطتها، إلى أن تصبح لاعبين سياسيين أقوياء. ويعمل "اللوبي التركي" على تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والولايات المتحدة. ويتضمن ذلك التعامل مع المشرعين والمسؤولين الحكوميين وصانعي السياسات لتعزيز التفاهم والتعاون بين البلدين.

ففي عام 2021، ذكرت صحيفة "نيويورك ديلي نيوز" أن تركيا قامت بتمويل سفر "إريك آدامز"، ودفعت آلاف الدولارات الإضافية مقابل رحلاته المتعددة إلى البلاد منذ عام 2015. فيما دافع "آدامز" عن زياراته التي رعاها النظام التركي ووصفها بأنها "مناسبة تماماً"، مدعياً أنه كان يركز على محاولة "تعزيز العلاقات" بين مدينة نيويورك والبلدان الأخرى.

ونتيجةً لذلك، تعددت مساهمات "آدامز" لصالح تركيا، من رفع العلم التركي في نيويورك إلى الإشادة بتعامل تركيا مع أزمة اللاجئين السوريين؛ حيث كان "آدامز" من أكثر الأصوات السياسية المؤيدة لتركيا صراحةً في السنوات الأخيرة.

3– الدفاع عن القضايا المتعلقة بمصالح تركيا: يدافع "اللوبي" عن مواقف تتوافق مع مصالح تركيا بشأن قضايا محددة مثل الأمن الإقليمي، والتجارة، وحقوق الإنسان، والمسائل الجيوسياسية. وقد يشمل ذلك الاجتماع مع أعضاء الكونجرس، والمشاركة في جلسات الاستماع، والمساهمة في مناقشات السياسة.

فعلى سبيل المثال، عمل اللوبي التركي "بقوة" لمنع تمرير القرار الأمريكي رقم HR106 بشأن الإبادة الجماعية للأرمن. وفي عام 2010، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن مواجهة قرار الإبادة الجماعية للأرمن كان جهداً بذلته الحكومة التركية ومجموعات الضغط التابعة لها، بقيادة زعيم الأغلبية السابق في مجلس النواب "ريتشارد جيبهاردت"، وقد حثتهم على الترويج له بنشاط في الانتخابات.

4– دعم المصالح التجارية التركية: غالباً ما تكون العلاقات الاقتصادية والتجارية محوراً لجهود الضغط؛ لذلك يعمل "اللوبي التركي" على تعزيز العلاقات الاقتصادية والاتفاقيات التجارية وفرص الاستثمار بين تركيا والولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، وفقاً لبعض التقديرات في 2022، تجاوزت مساهمات المانحين الأتراك الأمريكيين 5 ملايين دولار على مدى العقد الماضي، وربما يكون المبلغ الفعلي أعلى من ذلك بكثير.

بينما حصلت شركة "بالارد بارتنرز" أقوى جماعات الضغط في واشنطن في عهد "ترامب"، على أكثر من 4 ملايين دولار (من السفارة التركية ومن بنك "خلق"، وهو البنك التركي الذي تديره الدولة). ومن أجل الحصول على هذا المبلغ، أرسلت الشركة ثلاثة من العملاء المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بوزارة الخارجية ووزارة الخزانة والبيت الأبيض في عهد ترامب.

5– تعزيز عمليات التبادل الثقافي والتعليمي: يدعم "اللوبي التركي" المبادرات التي تعزز برامج التبادل الثقافي والتعليمي بين البلدين، ليساعد في تعزيز الروابط والتفاهم بين الأشخاص. ومن خلال تسهيل هذه التبادلات، يهدف اللوبي إلى إنشاء أساس لعلاقات إيجابية من خلال تعزيز الوعي الثقافي والتسامح والقيم المشتركة بين البلدين. ويمكن لهذه البرامج أن تساهم في خلق منظور أكثر دقةً واستنارةً بين مواطني كلا البلدين.

فعلى سبيل المثال، تتعاون المؤسسة الثقافية التركية (TCF) مع مجالس الشؤون العالمية الأمريكية (WACA) كل عام من أجل تسليط الضوء على تركيا، وهو برنامج تعليمي وطني يركز على إعطاء لمحة عامة عن تاريخ الأناضول وتركيا، مع التركيز بشكل خاص على الثقافة التركية للمعلمين الأمريكيين وعامة الناس، من خلال ورش عمل المعلمين حول تركيا في الربيع، وجولات دراسية للمدرسين إلى تركيا في الصيف، وبرامج ثقافية للجمهور في الخريف. واعتباراً من عام 2015، زار 575 مدرساً أمريكياً تركيا في الجولات الدراسية للمدرسين التي ينظمها برنامج TCF، وتعرف ما يزيد عن 3500 معلم تقريباً عن تركيا في ورش عمل المعلمين.

6– دحض الدعاية السلبية ضد أنقرة: ينخرط "اللوبي" في جهود العلاقات العامة لمواجهة المفاهيم والتصورات أو الروايات السلبية حول تركيا في الولايات المتحدة؛ وذلك بتقديم صورة أكثر إيجابيةً. ويرتبط جزء كبير من هذا الدور بمساعي أنقرة لمواجهة تحركات المجموعات الأرمينية في الولايات المتحدة التي تشكل مجموعة قادرة على التأثير على صانع القرار الأمريكي. أضف إلى ذلك، أنه ظهر خلال السنوات الماضية أن بعض مجموعات الضغط المحسوبة على أنقرة تسعى إلى الترويج لسردية تركيا بخصوص الأكراد وجماعة فتح الله كولن.

وفي هذا الصدد، اعترف مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي السابق "مايكل فلين" في 2018 المتهم بالعمل لصالح روسيا، بتعاونه مع السلطة الحاكمة في تركيا بقيادة "رجب طيب أردوغان"، من أجل شن حملات ضد ملهم حركة الخدمة المفكر الإسلامي "فتح الله كولن"، بما في ذلك الدعاية السوداء، وتسليمه إلى تركيا بالقوة مقابل 15 مليون دولار. واعترف فلين، الذي تعاون مع النيابة في تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية بتقديمه إفادة كاذبة فيما يخص التعاون السري مع الحكومة التركية ضد "فتح الله كولن".

مستقبل ضبابي

وإجمالاً لما سبق، يمكن القول بأن العلاقة بين اللوبي التركي والولايات المتحدة الأمريكية يمكن تصنيفها بأنها تتبع منهج "المكسب للجميع" Win–win Approach، وأن كليهما يستفيد من علاقاته بالآخر. ومع ذلك، وعلى الرغم من التأثير القوي والواضح لـ"اللوبي التركي" على عملية صنع القرار الأمريكي خلال العقد الماضي، فإن هذا التأثير قد خفُت بعض الشيء خلال إدارة الرئيس "بايدن"، وهو ما تُوج – على سبيل المثال – بإعلان "بايدن" في 2021 مذابح الأرمن في 1915 كـ"إبادة جماعية" متخلياً عن عقود من الدبلوماسية الحذرة مع الجانب التركي، الذي بذل جهوداً مُضنية حتى لا يتم استخدام هذا المصطلح في المحافل الدولية؛ فمذابح الأرمن قضية حساسة للغاية؛ حيث تعترف تركيا بالفظائع، لكنها ترفض مصطلح "الإبادة الجماعية".

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 2024، يمكن القول بأن مستقبل "اللوبي التركي" في الولايات المتحدة ينتظره مستقبل ضبابي، خاصةً مع قرب حسم المنافسة مرة أخرى بين "بايدن" و "ترامب"؛ حيث إن الأول يصر على تقديم نفسه بأنه خارج نطاق جماعات الضغط، بينما شهدت جماعات الضغط ذروة تأثيرها في عهد "ترامب"، ومن ثم، يتوقف مدى تأثير "اللوبي التركي" في المستقبل القريب على نتائج انتخابات 2024.

ما حدود تأثير اللوبي التركي في الولايات المتحدة؟